ما إن أعلن الرئيس المصري حسني مبارك أنه لا يفكر في توريث الحكم لنجله جمال وأنه لم يناقش معه هذا الأمر، حتى انشغلت الساحة السياسية في مصر بتحليل هذه التصريحات في محاولة للخروج منها بدلالات محددة حول معالم الحكم في مصر مستقبلا.
وبينما اعتبرت النخبة المصرية أن التصريحات تنطوي على ضبابية مقصودة من قبل الرئيس، ارتأى اللاعبون السياسيون الآخرون أن أمر التوريث أصبح محسوما لصالح الوريث.
توريث المؤسسات
المحلل السياسي الدكتور عمرو الشوبكي يرصد سيناريوهين لانتقال السلطة بعد مبارك "الأول يقضي بتوريث الحكم لنجله جمال لكنه استبعد حدوث ذلك في حال الغياب المفاجىء للرئيس أو استمراره بالحكم طويلا مع تزايد الرفض الشعبي والاحتجاجات العشوائية التى تنذر بسرعة انهيار النظام وتحلله".
السيناريو الثاني -بحسب الشوبكي- هو اتفاق المؤسسات السيادية للنظام (الجيش، المخابرات، الحزب الوطني الحاكم) على شخصية جديدة بخلاف جمال مبارك تكون ذات ثقل داخلي وخارجي، لافتا إلى أن ذلك سيكون توريثا من نوع آخر للحكم بين مؤسسات النظام.
وعن العامل الخارجي، استبعد المحلل السياسي في حديثه للجزيرة نت تأثيره في تحديد هوية الرئيس القادم "ما دام هذا الشخص لا ينوي إحداث تغير جذري في توجهات الدولة خاصة موقفها تجاه قضايا المنطقة والمصالح الأميركية فيها".
التوريث آت
لكن الإخوان المسلمين أكبر جماعات المعارضة المصرية، لا يرون سيناريو آخر بخلاف توريث الحكم، ويقولون إن الإرهاصات والمعطيات منذ خمس سنوات تؤكد فرضية انتقال السلطة من الرئيس مبارك إلى نجله جمال الذي يتولى أمانة لجنة السياسات بالحزب الحاكم.
يقول الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للإخوان للجزيرة نت "رغم تمتع مصر بتاريخ طويل في الحراك السياسي لكن جميع المؤشرات تؤكد أن القادم هو جمال، وما يثار عن موقف مختلف للمؤسسة العسكرية أو المخابراتية من هذا الأمر مجرد أوهام لا أساس لها من الصحة".
ورفض حبيب ما يشاع عن وجود خلاف أو انقسام داخل الحزب الحاكم بين تيار "إصلاحي جديد يقوده جمال مبارك والحرس القديم" معتبرا أن "من يعول على هذا الخلاف في تحديد هوية الرئيس القادم مخطىء وأن مصلحة النظام برمته تقتضي الاتفاق على شخص واحد وأن الجميع يعلم أنهم اتفقوا منذ زمن".
تكهنات
أما رئيس حزب التجمع الدكتور رفعت السعيد فقال للجزيرة نت إن كافة السيناريوهات المطروحة حاليا لمستقبل السلطة بعد مبارك "مجرد تكهنات تفتقد الدقة ووضوح المعطيات التي لن تكتمل إلا بخوض التجربة عمليا، أى في حالة غياب الرئيس عن السلطة".
وأوضح أن الدستور ووفق التعديلات الأخيرة نظم هذه العملية، فانتخاب أي رئيس قادم سيتم وفق المادة 76 "التي كتبت وصيغت بشكل يجعل نتائج أي انتخابات رئاسية أمرا محسوما لطرف معين يعرفه الجميع".
وتلزم المادة 76 المتقدمين للترشح لانتخابات الرئاسة الحصول على تأييد 250 عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين للمجالس النيابية (الشعب والشورى والمجالس المحلية للمحافظات) وهو ما يعني نظريا استحالة حصول أغلب الأحزاب والقوى السياسية خاصة الإخوان المسلمين على فرصة الترشح لهذا المنصب الرفيع.
الفيصل الدستور
بدوره قال المستشار فتحى رجب وكيل اللجنة الدستورية بمجلس الشورى للجزيرة نت إن الدستور المصري حدد آلية اختيار رئيس الدولة فى حالات انتهاء ولايته أو تنحيه أو موته، منتقدا الحديث عن سيناريوهات عديدة لانتقال السلطة "وكأن البلد ليس بها دستور".
وأوضح أنه ووفق التعديلات الدستورية التي أقرت في مارس/ آذار الماضي، ينيب رئيس الجمهورية عنه في حالات العجز المؤقت نائب الرئيس أو رئيس الوزراء، أما فى حالات المنع الدائم فيتولى رئيس البرلمان الحكم مدة ستين يوما لحين إجراء انتخابات رئاسية.