20110407
الجزيرة
تقود فرنسا عمليتين عسكريتين في كل من ليبيا وساحل العاج في وقت واحد حيث تتعدد الأسباب والدوافع التي رغم تعددها تقف عند قاسم مشترك واحد وهو تقديم فرنسا لنفسها كقوة سياسية وعسكرية فاعلة على المسرح الدولي، لكن دون أن يعني ذلك أن الثمن الداخلي قد يكون مكلفا بالنسبة للرئيس نيكولا ساركوزي.
هذا ما تطرقت إليه الورقة التحليلية لمعهد ستراتفور للمعلومات الاستخباراتية التي أكدت نقلا عن مسؤولين في الناتو أن فرنسا وبدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين بحلف شمال الأطلسي (ناتو) ستتولى القيادة من الولايات المتحدة للقيام بالضربات الجوية ضد الكتائب الأمنية التابعة للعقيد معمر القذافي.
وبالتزامن تعمل القوات الفرنسية في ساحل العاج استنادا إلى تفويض سابق من الأمم المتحدة على استخدام مروحياتها القتالية ضد الأسلحة الثقيلة والعربات المدرعة التابعة للرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو في الوقت الذي أكدت أنباء عن تولي الفرنسيين سيطرة الأمم المتحدة على مطار أبيدجان الدولي وتسيير دوريات في الأحياء المجاورة لمعقل غباغبو حيث تستعد القوات الموالية للرئيس المعترف به دوليا الحسن وتارا للقيام بهجومها الأخير.
الثمن السياسي
وتنبه الورقة التحليلية إلى أنه وأيا كانت النوايا والدوافع الفرنسية وراء هذه العملية المزدوجة بأفريقيا، قد يكون الثمن السياسي لهذه الاندفاعة مكلفا باعتبار أن التورط عسكريا في تغيير الانظمة،، بغض النظر عن المبررات الأخلاقية لهذه العملية سواء في ليبيا أو ساحل العاج، وعلى نحو قد يرتد عكسا على الساحة الداخلية على غرار ما جرى للرئيس الأميركي السابق جورج بوش في الانتخابات النصفية للكونغرس عام 2006.
ويتابع التقرير أن الفشل قد يأتي بأشكال مختلفة ابتداء من العجز عن إزالة النظام المستهدف وانتهاء بعدم القدرة على التعامل مع حالات التمرد التي قد تتبع ذلك، لافتا إلى أن شهية باريس المفاجئة للمخاطرة تحتاج إلى أكثر من تفسير وتحديدا في ليبيا حيث لا تسير الأمور الميدانية كما يشتهي التحالف الدولي على الأقل حاليا.
وفي معرض توضيحها لهذه النقطة، ترى ورقة ستراتفور أن ساركوزي لم يعد يتمتع بشعبية داخلية، طبقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، وبالتالي فهو يستخدم الجيش لتلميع صورته وحشد الدعم لحملته الانتخابية لرئاسيات 2011.
تلميع الصورة
وفي هذا الإطار، تشدد الورقة على أن ساركوزي حقق قدرا من النجاح في الماضي عبر استخدام نشاطه الدولي لدعم شعبيته السياسية داخليا، ويبدو أنه يعاود الكرة مرة أخرى وسط تقارير تشير إلى أن حزبه يفكر جديا في ترشيح شخصية أخرى، وأنباء أخرى لا تستبعد أن يخرج مرشح قوي من اليمين الوسط للمنافسة.
وعلاوة على ذلك لا يبدو الرأي العام الفرنسي متحمسا لدعم ساركوزي لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية، الأمر الذي رآه مراقبون على أنه نوع من تخفيف الضغط على عاتق الرئيس وبالتالي إطلاق يده في مغامراته الخارجية، والدليل على ذلك أنه لم يلق معارضة كبيرة إزاء المشاركة في عمليات فجر الأوديسا في ليبيا ولا العمليات الجارية بساحل العاج، في موقف يتناقض تماما مع التداعيات التي خلفتها المشاركة الفرنسية بما تسمى القوات الدولية لتثبيت الأمن والاستقرار في أفغانستان (إيساف).
لكن اللافت للنظر، يقول التقرير، إن فرنسا اندفعت في مغامرتها الليبية والعاجية دون دعم واضح وصريح من ألمانيا التي طالما شكلت مع فرنسا محورا تحالفيا داخل الاتحاد الأوروبي حيال العديد من القضايا منها أزمة منطقة اليورو.
ويخلص تقرير معهد ستراتفور إلى القول إن التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا وساحل العاج قد لا يترك تداعيات داخلية وحسب بل يتجاوز ذلك إلى علاقاتها مع باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي، لا سيما وأن فرنسا تسعى بشكل كبير ليكون الاتحاد قوة عسكرية لا تقل تأثيرا عن القوة الاقتصادية.
وبما أن ما يجري في ليبيا وساحل العاج لا يهم ألمانيا (القوة النافذة في الاتحاد الأوروبي) قد لا تجد فرنسا لرسائلها السياسية مقصدا قادرا على تلقفها وتعزيزها، وربما يؤدي ذلك في فترة لاحقة إلى تناقض في وجهات النظر بين برلين وباريس على نحو يدفع الأخيرة بالذهاب بعيدا إلى جانب واشنطن ولندن على حساب مصالحها مع برلين.