20110616
الجزيرة
لا تزال قضية تسريب مواضيع امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) بالجزائر تثير الكثير من الحيرة، وبالرغم من تداول تلاميذ السنة النهائية مواضيع الامتحانات بمواد الفلسفة والتربية الإسلامية والرياضيات قبل الامتحان بيوم كامل، فإن وزارة التربية الوطنية تصر على تكذيب الخبر معتبرة ذلك مجرد شائعة.
وتداول تلاميذ بالسنة النهائية ما قالوا حينها إنها أسئلة الاختبارات قبل يوم الامتحان، ونشروها بالرسائل النصية عبر جوالاتهم وعبر الموقع الاجتماعي فيسبوك، ونقلت صحف وطنية عنهم تلك الأخبار ونشرتها على صدر صفحاتها الأولى.
وهذه هي المرة الأولى التي تنتشر فيها أخبار عن تسريب امتحانات البكالوريا وتحدث بلبلة وسخطا بين التلاميذ بهذا الحجم منذ عام 1992، حين تم نشر أسئلة الامتحانات على نطاق واسع، وأسفرت العملية عن استقالة وزير التربية آنذاك علي بن محمد.
ومن المنتظر أن تتواصل تداعيات هذه القضية الأيام القليلة المقبلة، بحكم أن لهذا الامتحان مكانة خاصة عند العائلات الجزائرية حيث تقدم له أكثر من نصف مليون طالب هذا العام.
وعرفت السنون الماضية موجة احتجاجات وإضرابات بالقطاع نفذها أساتذة ومنتمون إليه، وطالبوا من خلالها بالإفراج عن منحة الخدمات الاجتماعية ورفع راتب الأستاذ وإعادة النظر في سن التقاعد، بالإضافة إلى رفض العديد منهم للبرامج الجديدة في المقررات الدراسية التي يرون أنها "غير مجدية ولم يستشاروا فيها".
الوزارة تنفي
وجاء رد الوزارة بنفي تلك الأخبار باليوم الرابع من الامتحان، بل إن الوزير هدد عبر الأمين العام للوزارة بمتابعة صحيفة "الجزائر" بحكم أنها أول من نشر مواضيع الفلسفة المسربة باليوم الثالث من انطلاق الامتحانات، وخصت مواضيع العدالة الاجتماعية، واتضح بعدها أنها متطابقة مع ما جاء بالامتحان.
واعترف الأمين العام أبو بكر خالدي ضمنيا بأن هناك تسريبا، ونقلت عنه الصحيفة قوله إن "ما تسرب هو مواضيع وليست أسئلة الامتحانات" قبل أن يعود مستشار الوزير الإعلامي لينفي الخبر جملة وتفصيلا.
وقال المستشار محمد بومعراف، عبر رسالة أبلغتها سكرتيرته للجزيرة نت، إن "ما يتم تداوله مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، ونحن لا ندلي بتصريحات حول الشائعات".
لكن صحفا نقلت عن تلاميذ تأكيداتهم بأنهم "حصلوا على أسئلة الامتحانات قبل الاختبار بيوم كامل، وعنونت صحيفة "الأجواء" في صدر صفحتها الأولى "اليوم الرابع يقطع الشك باليقين وتسريب الأسئلة حقيقة لا ينكرها أحد".
ونقلت الصحيفة عن آخرين قولهم إن أسئلة الشريعة الإسلامية كانت بحوزتهم، وتدور حول دروس النسب والكفالة والربا "وهي تماما ما جاء في الأسئلة".
مطالب بتحقيقات
واستنكرت النقابة الوطنية لعمال التربية والتكوين ما تم تداوله من تسريب امتحانات البكالوريا، وطالبت بفتح تحقيق "معمق". وقال أمينها العام عبد الكريم بوجناح للجزيرة نت "إننا نطالب بإيفاد لجنة تحقيق عالية المستوى من رئاسة الجمهورية للتحقيق في هذه القضية لمحاسبة المتورطين".
وأضاف "لسنا ندري ما هو المقصود من كل هذه البلبلة، حيث صرنا نشم رائحة رغبة في إخراج هؤلاء التلاميذ إلى الشارع".
وتابع "إن صحت هذه الأنباء فالمسرب لابد أن يكون ذا نفوذ، إذ لا يعقل لرئيس مركز أن يسرب الأوراق بحكم الرقابة الشديدة".
وتفرض الوزارة رقابة شديدة على أوراق الامتحانات، حيث يتم تشميع كل الأوراق، ولا تفتح إلا داخل حجرة الامتحانات بحضور ممثلين عن التلاميذ والأساتذة الحراس، كما تعمد إلى وضع ثلاثة مواضيع احتياطية عند كل مادة، لاستبدالها بالأصلي عند التسريب، وهو ما لم يحصل هذا العام.
ومن جانبه، طالب رئيس جمعية أولياء التلاميذ أحمد خالد بإعادة امتحانات المواد المسربة، وقال للجزيرة نت "نطالب بإلغاء وإعادة امتحانات المواد المسربة، إن كان ذلك حدث" مشددا على استنكاره لهذه العملية "التي شوشت على تركيز أبنائها خلال الامتحانات".
رأس الوزير
لكن هناك من طرح قراءات لهذه العملية من حيث توقيتها، وربط مراقبون بين سيناريو الوزير الأسبق للقطاع المقال لنفس السبب وإرادة إسقاط وزير التربية الحالي أبو بكر بن بوزيد، خاصة أن الرجل يتلقى يوميا انتقادات على طريقة تسييره للقطاع منذ أكثر من 16 سنة، دون أن يمسه تغيير أو إقالة.
كما أن هناك من لم يستبعد فرضية محاولة استثارة التلاميذ، في ظل وجود جو عام مشحون.
وقال الكاتب الصحفي حسان الشافعي للجزيرة نت "الطريقة الذكية التي سربت بها أسئلة البكالوريا توحي بأن شيئا ما طبخ في الخفاء، فعوض أن تتسرب أوراق رسمية تحمل الأسئلة بطريقة مباشرة، تعرف التلاميذ على عناوين الدروس التي ستدور الأسئلة حولها".
وأضاف "إذا كان الهدف من وراء عملية تسريب أسئلة بكالوريا 1992 تمثل في إسقاط وزير القطاع آنذاك، فإن ما تخفيه التسريبات الحالية يبقى مجهولا، وعلينا انتظار الأيام المقبلة للتعرف أكثر على ما يريده من يقف وراء العملية، هل هو رأس الوزير، أم إثارة خمسمائة ألف ممتحن مقبل على أهم الشهادات التعليمية في مساره الدراسي، أو أمر آخر".