20110617
الجزيرة
جددت توصية من إحدى لجان مؤتمر الوفاق القومي في مصر بضرورة منع قيادات الحزب الوطني المنحل من ممارسة السياسة، الجدل حول البعد الديمقراطي والقانوني لهذا المطلب الذي نادت به الثورة، خاصة مع تكشف المزيد من قضايا الفساد المالي والسياسي الخاصة بأعضاء الحزب.
وطالبت توصية المؤتمر -الذي يرأسه يحيى الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء- بحرمان قيادات الحزب المنحل من العمل السياسي لمدة خمس سنوات لكل من أعضاء الأمانة العامة والأمانات الرئيسية وأمناء الحزب الوطني في المحافظات، والأقسام والمراكز والوحدات المحلية، بالإضافة إلى كل من ترشح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية والنقابية والعمالية، في عامي 2005 و2010.
ودعت التوصية إلى حرمان كل من فاز في تلك الانتخابات سواء من الحزب الوطني أو من المعارضة، وأثبت القضاء أن نجاحه مزور، فضلا على كل من أدين في قضايا فساد وإهدار للمال العام، والمتورطين في تضليل الرأي العام وتزييف الثورة، والدفاع عن قتلة المتظاهرين من خلال وسائل الإعلام الحكومية.
وانقسمت قوى الثورة والخبراء حول التوصية التي أكد البعض ضرورة العمل بها باعتبار أن استبعاد هؤلاء ضمانة لمرحلة جديدة وبداية صحية لبرلمان ونظام سياسي جديد، ولقطع الطريق على إمكانية سيطرتهم على مقاعد البرلمان نظرا لخبرتهم الانتخابية، بينما قال المعارضون إن الدعوة تتنافى مع المبادئ الديمقراطية والحقوقية التي نادت بها الثورة، وإن الشعب قادر على إقصاء من يريد عبر الصندوق الانتخابي وليس بقرار إداري.
ولم تقف توصية المؤتمر عند أعضاء الحزب المنحل بل طالبت بتجميد النشاط السياسي لمدة فصل تشريعي كامل لقيادات بعض الأحزاب الذين تم تعيينهم من قبل النظام السابق في مجلسيْ الشعب والشورى، وأي مرشح فاز في الانتخابات وصدر حكم قضائي ضده يؤكد تزوير نجاحه واستمر في المجلس.
وأيد الجمل -في تصريحات صحفية- إقصاء رموز الحزب الوطني المنحل من الحياة السياسية خلال السنوات الخمس المقبلة على الأقل، وقال إن هذا سوف يتيح للثورة بناء حياة سياسية نقية، مشيرا إلى أن قيادات الحزب المنحل الذين أفسدوا الحياة السياسية لا يصلحون للعمل في البيئة الجديدة التي ستعتمد على الشفافية والنزاهة.
إقصاء قانوني
ويؤيد نائب رئيس حزب العدالة والحرية الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين الدكتور رفيق حبيب التوصية، ويراها ضرورية لحماية الثورة والحياة السياسية من أفكار الحزب الوطني وشخصياته التي ما زالت موجودة في مواقع تنفيذية وسياسية، لكنه اشترط أن يأتي المنع بقرار قضائي على غرار الحكم بحل الحزب.
وقال حبيب للجزيرة نت إن صدور قرار قضائي يمنع من أفسدوا الحياة السياسية من تكرار جرائمهم أمر ضروري، كما أن اللجوء إلى القضاء يؤكد أن ثورة 25 يناير أنتجت دولة القانون والمؤسسات، فضلا عن أنه لن يشمل كل أعضاء الحزب بل بعض قياداته، خاصة من تورط منهم في قضايا فساد مالي وجرائم جنائية.
وعن المدة التي يراها مناسبة لتجميد النشاط السياسي لقيادات الحزب المنحل، قال حبيب إنه يفضل أن يترك الأمر للقضاء ليحدده، معتبرا أن العبرة لن تكون بمدة التجميد بقدر الرسالة السياسية التي يحملها بعدم السماح لأي فرد أو حزب بالقفز على مكتسبات ثورة 25 يناير.
وحذر نائب رئيس حزب العدالة والحرية من دخول انضمام أعضاء الحزب الوطني المنحل إلى الأحزاب القديمة أو تلك التي تأسست بعد الثورة، معتبرا أن هذا يمثل اختراقا لهذه الأحزاب، ووسيلة تعيد الحزب الوطني للحياة السياسية بنفس الفكر والمنهج، لافتا إلى قيام قيادات من الحزب المنحل بمحاولة إنشاء أحزاب جديدة.
ويخلص حبيب إلى أن الإرادة الشعبية الحرة هي الأساس لضمان حماية الديمقراطية وعدم عودة ما سماه الفكر البائد سواء على أيدي أعضاء الحزب المنحل أو على أيدي قوى جديدة، ويرى أن ذلك لا يتعارض مع ضرورة صدور حكم قضائي بتجميد نشاط قيادات الحزب الوطني لغلق ملفهم واجتناب شرورهم.
ويتفق مع الرأي السابق الدكتور عبد الجليل مصطفى، إذ يرى أن التجميد السياسي لقيادات الوطني يتسق مع المصلحة العامة و"لتنقية البيئة الانتخابية القادمة بعيدا عن مؤامراتهم"، ويطالب بتعميم التجميد على "أي شخصية حزبية أو غير حزبية والأحزاب الكرتونية التي ساهمت في تزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية".
واستبعد مصطفى -في حديث للجزيرة نت- أن يؤدي اعتماد هذه التوصية إلى تبادل اتهامات بين القوى والأحزاب بإفساد الحياة السياسية، وقال "إن التوصية تعبر عن رغبة ملايين المصريين"، وتساءل عن كيفية إدارة عملية سياسية في ظل وجود من يديرون الثورة المضادة.
وتعليقا على مطالب البعض بترك الحكم في استبعاد قيادات الحزب سياسيا لصناديق الاقتراع، قال إن هذا الأمر يكون صحيحا في وضع مستقر وليس في ظل نفوذ متوحش لقيادات الحزب في السلطات المحلية والأمنية، معتبرا أن السماح لقيادات الحزب بالترشح والعمل السياسي "وضع للزيت بجوار النار في انتخابات تحفها المخاطر الأمنية".
انتقام سياسي
وفي المقابل، رفضت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان -في بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- التوصية باعتبارها مناهضة لالتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، وقالت إنها ترفض أن تكون إجراءات منع هؤلاء وتجريدهم من ممارسة حقوقهم السياسية غير مستندة إلى حكم قضائي.
وحذرت من أن هذا الإجراء من شأنه فتح الباب أمام عمليات إقصاء للمختلفين فكريا وسياسيا وعقائديا مما ينذر بتقويض مكتسبات الثورة.
وبدوره، رفض عضو اللجنة الاستشارية لحزب العدل الدكتور عمرو الشوبكي مسألة "الانتقام السياسي"، وقال للجزيرة نت إن نحو مليون مصري كانوا أعضاء في الحزب الوطني باعتباره حزب الدولة ولقضاء حاجاتهم اليومية أو المعيشية وبالتالي فإن إقصاءهم بشكل جماعي غير مقبول.
ويضيف أن الحكم على كافة قيادات الحزب الوطني بالفساد السياسي فيه ظلم، وأن من بين هؤلاء من جرى تهميش دوره وآرائه لمناهضته سياسات الحزب، لكنه أبدى قناعته بإمكانية اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم بتجميد العمل السياسي لأي مصري ثبت دوره في إفساد الحياة السياسية أو سرقة ثروات البلاد.