20110630
الجزيرة
من يتابع الاحتجاجات الفئوية في مصر خلال الأسابيع الماضية والاحتقان الشديد في البلاد، لن تدهشه كثيرا تطورات الأحداث وما بلغته من عنف في ميدان التحرير منذ ليل الثلاثاء بمستوى هو الأشد من نوعه منذ تنحي الرئيس حسني مبارك وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقاليد الحكم أواسط فبراير/شباط الماضي إثر ثورة يناير.
وحتى مع افتراض (مؤامرة) من نوع ما أوصلت الأمور إلى حالة المواجهة وسقوط مئات الضحايا، كما أوحى بذلك صراحة بيان المجلس العسكري أو تصريحات مختلفة نقلتها وسائل الإعلام المصرية، فإن هواجس حقيقية كان يمكن تلمسها بشكل واسع في مصر من أحاديث الناس العاديين وتصريحات السياسيين واتجاهات وسائل الإعلام تشير جميعها إلى مزيج من الخوف والقلق والجزع ونفاد الصبر مما يعدونه خطرا على الثورة، ومما يقولون إنها بقايا نظام مبارك التي ما زالت تتحكم بشكل أو بآخر في أمور البلاد وتمنع وصول الثورة إلى أهدافها.
بطء شديد
وقبل أحداث الثلاثاء كان أحد شباب الثورة قد عبر بمرارة للجزيرة نت عن الجزع مما وصفه البطء الشديد من قبل المجلس العسكري وحكومة عصام شرف في تحقيق مطالب الثوار، وما يجري من محاولات تفتيت للقوى الشبابية التي نفذت ثورة يناير.
ومضى عضو ائتلاف شباب ثورة مصر عادل ربيعة إلى القول إن هذا الجزع بات يحمل البعض على القول إن الثوار ارتكبوا خطأ حينما وافقوا على تسلم المجلس العسكري للسلطة بعد تنحي مبارك، وإن هؤلاء يعتقدون أنه كان يتوجب أخذ الأمور بسرعة بعد أن بدا واضحا انهيار نظام مبارك، والسيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون، أو ما يسمى في مصر ماسبيرو، وكذلك على مقرات الحكم المختلفة وقيام الثوار بتولي مقاليد الأمور.
ولم يكن ممكنا سماع تردد مثل هذا الهاجس بشكل واسع بين الناس، ذلك أن المصريين عموما يثقون بالجيش، ويشعرون طائعين أو مختارين أنه خط الدفاع الأخير قبل الفوضى الشاملة، وهو أمر صحيح إلى حد كبير، لكن هذه الثقة والاعتزاز، ما زالت تتنازع في وعي الناس مع حوادث تتكرر كل يوم من أمثال التأجيلات المستمرة لمحاكمات بعض مسؤولي نظام مبارك وأبرزهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، والارتكان إلى مرض مبارك لاستبقائه في مستشفى بشرم الشيخ بدلا من السجن.
ومن هذه الحوادث اليومية أيضا عدد لا يحصى من مطالب فئوية تنتظم في شكل احتجاجات واعتصامات، لا تنتهي، حول قضايا مختلفة بدءا من إلغاء قوانين تمنع بيع الدجاج المحلي بسبب إنفلونزا الطيور، ومطالبات من عوائل دون مأوى بالحصول على شقق، وعودة رجال دين فصلهم النظام السابق لوظائفهم، ومنح عوائل شهداء الثورة حقوقهم، وصولا إلى مطالب سياسية واقتصادية تتعلق بمستقبل البلاد.
جو مضطرب
ومع اقتران هذه المطالبات بجدل محتدم في مصر حول الدستور أولا أم الانتخابات، وصراع بات يزداد احتداما بين الإسلاميين من إخوان مسلمين وسلفيين من جانب والقوى السياسية الأخرى من جانب آخر، ومع إحساس عام يسود مصر اليوم بأن المجتمع أقوى من السلطة وأن الفرد أقوى من الشرطي، يكون الجو العام مضطربا ومهيأ للاشتعال مع أول جذوة تندلع سواء كان في الأمر مؤامرة أم لا.
وبغض النظر عن أي نتائج يمكن أن تصل إليها تحقيقات تجري حاليا في مصر حول تفاصيل ما حدث في ميدان التحرير وأسباب سقوط أكثر من ألف مصاب، فإن أحداث الثلاثاء كانت قاسية وصادمة بما يكفي لإعادة النظر في حقيقة ما جرى بعد الثورة، وربما تكون سببا في إعادة توحيد ما تفرق من قوى شاركت سوية في جهد الثورة قبل أن يفرقها إلى تيارات وأحزاب وفصائل تنازع الإرادات حول خريطة طريق المستقبل، وأفضل جهة لتسلم الحكم.