20110701
الجزيرة
منذ توفي آخر شهداء ثورة مصر يوم الاثنين الماضي بعد غيبوبة استمرت خمسة أشهر، عادت قضية شهداء مصر التي خفتت تحت ركام قضايا وأزمات واستحقاقات عديدة إلى الواجهة من جديد، وكانت هذه القضية جذوة أحداث العنف التي اجتاحت وسط القاهرة يومي الثلاثاء والأربعاء، وكانت الأعنف والأخطر منذ الثورة.
ويأخذ المحتجون على كل من المجلس العسكري والحكومة عدم اهتمامهما بقضية أكثر من 800 شهيد سقطوا في الثورة، ويتهمونهما بالتهاون في محاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين إبان ثورة يناير، وأبرزهم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وكذلك عدد من ضباط الشرطة الذين ما زالوا يمارسون عملهم رغم اتهامهم بالاعتداء والقتل.
وقد أخذ هذا النقد حيزا في مناقشات الرأي العام بمصر في الأشهر الماضية، وكان أحد أسباب القلق مما يعرف بالثورة المضادة، ومثار تساؤلات وشكوك من قبل بعض شباب الثورة وصلت إلى الجيش نفسه، وتحديدا إلى المجلس العسكري، وهي تساؤلات كانت تجد إجابات تصل حد الافتراض أن الجيش ما زال يحتفظ بنوع من الارتباط مع النظام السابق، كما تقول للجزيرة نت ناشطة من شباب الثورة هي هبة عبد الجواد.
وتضيف عبد الجواد أن المهم الآن هو الحفاظ على مكتسبات الثورة، "فنحن كنا نشعر منذ البداية أن تنحي مبارك لا يعني أن الثورة نجحت".
وقد تراكمت هذه المشاعر التي تحدثت عنها الناشطة المصرية على ما يبدو في الشهور الماضية، وبات الأمر وكأنه بحاجة إلى قضية ذات بعد رمزي خاص لتعزز الثورة أو لتعيد المصريين إلى ميدان التحرير من جديد.
ولم يكن هناك ما هو أكثر رمزية وتوحيدا للرأي العام من قضية الشهداء، إذ لا أحد يستطيع تجاوزها أو تخطيها، على خلاف القضايا الأخرى التي أصبحت مثارا لجدل واختلاف بين قوى الثورة والسياسيين الذين تتنازعهم المصالح الحزبية أو الفئوية.
وهكذا فقد جاءت وفاة محمود خالد الذي دهسته يوم 28 يناير/كانون الثاني السيارة الدبلوماسية الشهيرة، وما سبقها ورافقها من اعتصام لذوي الشهداء، وتأجيل محاكمة العادلي، لتثير قضية الشهداء من جديد، ثم لتكون الأحداث الغامضة في مسرح البالون جذوة عودة العنف في ميدان التحرير.
لكن القوى التي انتقدت الحكومة على التقصير في معالجة ملف شهداء الثورة لم تتنبه إلى أن القوى السياسية والشعبية وحتى قوى شباب الثورة الموزعة على عشرات التنظيمات والائتلافات، وكذلك وسائل الإعلام المختلفة، كل هذه الأطراف لم تول قضية الشهداء ما تستحق في برامجها وأولوياتها السياسية إلا ما ندر.
وكان الحديث عن هذا الموضوع يكاد يضيع وسط الجدل المحتدم الخاص بطائفة واسعة من القضايا التي شغلت الناس بعد الثورة.
عدالة مؤجلة
لقد تنبه الرأي العام المصري في الأيام الثلاثة الماضية إلى أن قضية الشهداء توارت خلف ركام قضايا وأزمات واستحقاقات طالب بها الثوار والسياسيون والفقراء والعاطلون والمشردون وسواهم ممن انتظروا من الثورة أن تحل لهم كل مشاكلهم بعصا سحرية لم توجد قط.
وحينما تتحدث مع المصريين بشكل عام حول مصر ما بعد الثورة، نادرا ما يذكر لك أحدهم قضية الشهداء ناهيك عن وضعها ضمن الأولويات الشعبية أو الرسمية.
ورغم أن الحكومة المصرية أعلنت بالفعل عن منح معاشات مجزية هي العليا في الدولة لأكثر من 330 عائلة من عائلات الشهداء، فإن هاجس هذه العائلات كان يتجه أولا لتحقيق العدالة والقصاص ممن قتل أبناءهم.
فحتى الآن لم يصدر القضاء المصري أي حكم بحق أي من المسؤولين الأمنيين المصريين باستثناء أمين شرطة حكم عليه بالإعدام لقتله نحو 20 متظاهرا أمام قسم شرطة الزاوية الحمراء بالقاهرة في أحداث الثورة، وهو حكم مؤجل بسبب هروب هذا الشرطي المدان.
وقد كان هاجس تعثر العدالة هو السبب المباشر لظهور قضية الشهداء من جديد بهذه القوة، بعد أن ظلت مجرد ذكرى تشير لها بعض القوى ووسائل الإعلام تعبيرا عن الاعتزاز بالثورة، أو نمطا احتجاجيا محدودا لأهالي الشهداء على شكل اعتصام ينزوي بخجل على رصيف كورنيش النيل أمام ماسبيرو.
وهذا ما كان يطرح تساؤلات جدية أحيانا عن الموانع أمام تكريم حقيقي لهؤلاء الشهداء يبدأ بالقصاص من قاتليهم أيا كانوا وصولا للرئيس السابق حسني مبارك، ولا ينتهي بتخليد ذكراهم بسبل مختلفة لن يعجز المصريون عن ابتداعها.