20110707
الجزيرة
بقي يومان من عمر السودان كدولة واحدة حيث يعلن الجنوب استقلاله يوم السبت المقبل في ولادة يصفها البعض بالقيصرية لأن هناك العديد من القضايا العالقة التي من شأنها أن تعكر حياة الوليد الجديد.
فمع اقتراب فجر السبت المقبل الموافق 9 يوليو/تموز 2011، تنقسم أكبر دول أفريقيا مساحة إلى شمال وجنوب مع بقاء العديد من النقاط الخلافية المعلقة رغم المحادثات والمؤتمرات الدولية التي حاولت وعلى مدى سنوات مضت حلها بالتراضي.
ولعل من أبرز العوامل الرئيسية التي تقلل من فرص حدوث اختراق إيجابي في اللحظة الأخيرة، افتقار الجانبين إلى الثقة المتبادلة بعد الحرب الطويلة وحوادث العنف الأخيرة في منطقتي أبيي وجنوب كردفان.
لذلك يرى مراقبون متابعون للشأن السوداني بشكل مباشر أن المحادثات بين الشمال والجنوب مضنية للغاية حيث بات معروفا أن مسؤولي الطرفين يختلفون بشأن كل كلمة، حتى إن الاتفاقات المحدودة التي أعلن عنها -مثل منح الجنوب وقتا لطرح عملة نقدية جديدة- لم يوقعها رئيسا الشمال والجنوب إلى الآن.
ولادة مشوهة
وانطلاقا من طبيعة الخلافات المعقدة، يرجح المراقبون أن ينفصل الجنوب يوم السبت بولادة مشوهة وناقصة تحمل في طياتها العديد من المخاطر المستقبلية التي قد تصل في مضامينها يوما ما إلى حد الاشتباك المسلح.
وتتصدر هذه القائمة مسألة تقاسم الثروة النفطية، مع الإشارة إلى أن هذه المشكلة أصلا تتداخل بشكل عضوي مع مشكلة الحدود.
صحيح أن الجنوب سيمتلك كامل النفط المستخرج من أراضيه لكنه وبموجب الترتيبات الحالية يتعين عليه أن ينقل النفط الخام عبر أنابيب تمر عبر الشمال ومنها إلى الميناء السوداني الوحيد على البحر الأحمر، مع العلم أنه وحتى الآن لم يتفق الطرفان على رسوم مرور النفط الجنوبي عبر أنابيب الشمال أو على إدارة حقول النفط المشتركة على الحدود.
ويعتبر هذا مثالا لمشكلة واحدة قد تفضي -إذا لم تتم تسويتها- إلى تعقيد الخلافات المأزومة أصلا بين الطرفين لاسيما وأن الشمال كان واضحا في تهديده بإغلاق الأنابيب بوجه النفط الجنوبي.
الحرب الشاملة
ولعل السيناريو الأسوأ الذي قد يواجهه الطرفان هو انهيار كامل للعلاقات والعودة إلى الحرب الأهلية التي أودت بحياة نحو مليوني شخص وأجبرت أربعة ملايين آخرين على النزوح قبل التوصل إلى اتفاق السلام الشامل عام 2005.
بيد أن مثل هذا الأمر، لا يبدو مرجحا على المدى القصير أو المتوسط باعتبار أن الطرفين يدركان جيدا أن العودة إلى ميادين القتال لن تفيد بشيء خاصة وأنهما بحاجة إلى تدفق النفط لتحسين الاقتصاد، فضلا عن أن الشمال والجنوب يعانيان من إزعاجات الفصائل والتيارات المتمردة.
لكن وفي الوقت ذاته لا يستبعد المحللون السياسيون نشوب معارك محدودة في المناطق الحدودية وتحديدا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تضمان تجمعات عرقية تتشابك فيها الولاءات السياسية وتتفرق إلى أكثر من اتجاه جنوبا وشمالا مما يجعل المنطقة عرضة لاشتباكات لا يقلل الكثيرون من احتمال انتقالها إلى إقليم دارفور بفعل العدوى.
ومن أبسط الأمثلة التي يمكن أن تساق لإثبات مصداقية هذه القراءة ما جرى العام الماضي عندما توترت الأجواء في مدينة ملكال الجنوبية بعد أن أقدم جندي مخمور على تسلق دبابة بها ذخيرة وأطلق منها قذيفة وكأنه يحاول أن يثبت للجميع صحة المثل القائل "عظيم النار من مستصغر الشرر".
فكيف يكون الحال وأبيي تشكل خزانا هائلا من الشرر المتطاير القابل للانتشار والتوسع ولأسباب قد لا يصدق حتى القادة السياسيون في الطرفين أنها قابلة للحدوث.