ليس بالأمر الطبيعي اللجوء إلى بلد هاجر نصف سكانه هربا من جحيم العنف، وانتشروا في بقاع الكرة الأرضية، ومع ذلك لجأ إلى الصومال قرابة مائتي زنجباري هربوا من استهداف القوات المسلحة والشرطة التنزانية لهم، لأسباب سياسية على خلفية نزاع سياسي بين الحزب الحاكم وحركة "سيفك يونايتد فرونت" المعارضة.
دخل هؤلاء اللاجئون المسلمون إلى كينيا في بادئ أمرهم، وطالبوا الأمم المتحدة بالاعتراف بهم لاجئين، ومكثوا في مخيم ططاب شرق كينيا ستة أشهر.
وبعد أن رفضت منظمة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة منحهم أوراق اللجوء، وطالبتهم بالعودة إلى بلادهم عزموا على التوجه نحو الصومال خوفا من ملاحقة سلطات بلادهم الأمنية، ولعلمهم أن الصومال ليس لديه حكومة مركزية.
وصل اللاجئون الزنجباريون إلى العاصمة الصومالية مقديشو في منتصف عام 2001 واستقروا في مبنى وكالة المياه السابقة في حي بنادر جنوب المدينة، ولكن انتشار الفوضى وانعدام القانون ووجود المليشيات في شوارع المدينة جعلت التأقلم مع حياتهم الجديدة أمرا بالغ الصعوبة.
كما أن اللغة والثقافة الصومالية كانت من بين العقبات التي واجهت هؤلاء اللاجئين عند وصولهم، إلا أن رحلة القدوم إلى مقديشو كانت أصعب مرحلة بالنسبة لهم حسب ما قاله رئيس اللجنة التي تهتم بشؤون هؤلاء اللاجئين سالم قطاب في حديث للجزيرة نت.
وينحدر أغلب اللاجئين الزنجباريين هؤلاء من جزيرة بينبا التنزانية في المحيط الهندي، وهم لا يمانعون في العودة إلى جزيرتهم في حال تأمين حياتهم وحريتهم داخل تنزانيا حسب ما قاله عدد منهم للجزيرة نت.
حياة خوف
وأوضح سالم أن الزنجباريين مارسوا عقب وصولهم إلى مقديشو العمل في مجالات مختلفة، مثل الحلاقة والأعمال اليدوية في أسواق المدينة، إضافة إلى فتح بعضهم محلات تجارية ومطاعم، مشيرا إلى أن بعضهم تحول إلى التسول في شوارع مقديشو.
وقد امتهن بعضهم الصيد والخياطة في مدن كيسمايو وبراوي وجالكعيو في جنوب ووسط الصومال، حسب ما أفاده المحامي رشيد سعيد الذي يعمل في أحد مطاعم مقديشو.
وعبر سعيد عن شعوره بالامتنان للصوماليين قائلا، "رغم ما يحدث في الصومال فإن الشعب الصومالي وفر لنا التقدير والاحترام، فالصوماليون منشغلون بأمور بلادهم ولا يهتمون بأمورنا".
وينبه سالم إلى أن اندلاع القتال في الأسواق يضطرهم عندما يصاب أحدهم إلى دخول المستشفى، وهو ما يطرح مشكلة كبيرة بالنسبة لهم إذ ليس لديهم ما يدفعونه مقابل العلاج.
وأضاف أن عدم إتقانهم للغة الصومالية يزيد خوفهم من التعامل مع الجهات المتحاربة، خاصة أنهم يخشون أن يواجهوا تهمة ما يسمى بالمقاتلين الأجانب.
ويحمد داود سامبا الله ويشكر الشعب الصومالي لأن مثل هذه التهم لم توجه إليهم حتى الآن، ويعبر عن اعتقاده أن الجميع يتفهمهم ويدرك "أننا ضعفاء استضعفنا في بلدنا بسبب الإسلام، وقدمنا إلى هنا لكوننا مسلمين".
تقاسم المعاناة
ويشترك اللاجئون الزنجباريون مع الشعب الصومالي في المعاناة التي يعيشونها بسبب العنف الدائر في البلاد، وقتل بعضهم وأصيب بعض، كما هرب بعضهم إلى مخيمات النازحين في ضواحي مقديشو مثل ما حدث مع مئات الأسر الصومالية.
وقالت علمية عثمان الصومالية المتزوجة من زنجباري إنها سعيدة بزواجها منه، وإنها مستعدة لمرافقته إلى بلده، وروت للجزيرة نت كيف هددها إخوتها عندما قبلت به.
وتحدثت علمية عن معاناتها في توفير لقمة العيش خاصة أن زوجها لا يعمل، مشيرة إلى اعتمادهم على مساعدات يقدمها تجار صوماليون ومنظمات محلية اللاجئين الزنجباريين رغم أنها لا تسد حاجتهم.
يشار إلى أن الصومال رغم الفقر والجوع والعنف والنزوح ما زالت فيه جاليات أفريقية ويمنية وعمانية وإثيوبية، يشارك أبناؤها في المؤسسات السياسية والإدارية والعسكرية في الصومال منذ الاستقلال.
وقد حدث أن عاد بعض أفراد هذه الجاليات إلى بلدانهم الأصلية، مثل عودة عشرات الأسر من قبيلة بانتو الأفريقية إلى تنزانيا في العقد الماضي