20110930
الجزيرة
لم يجد الشاب الليبي عمران عبد العزيز (27 عاما) الذي تخرج من جامعة طرابلس (جامعة الفاتح سابقا) قبل عامين مهندسا ميكانيكيا، أمامه سوى مقهى الفوانيس لكسب قوته وقوت عائلته المكونة من ستة أفراد.
ولا يختلف شأن عبد العزيز عن شأن الآلاف من حاملي الشهادات الجامعية من مختلف التخصصات، وأقربهم إليه شقيقه الأكبر الذي أنهى الهندسة الجيولوجية بدرجة امتياز عام 2002، ولكنه يعمل الآن في محل للمواد الغذائية.
محمد الشريف (35 عاما) تخرج من جامعة العلوم الإدارية والمالية ولم يحصل على الوظيفة الحكومية التي ينشدها منذ 2003، وقال للجزيرة نت إن الوظيفة مرهونة بالعلاقات الشخصية، مضيفا أن ليبيا كليا عاطلة عن العمل.
ولم يتمكن مدير مكتب العمل في طرابلس مفتاح عبد الله القاضي من تحديد أعداد الباحثين عن عمل بليبيا، متهما النظام السابق بإهمال ذلك "عن قصد".
ويقول علي رمضان شنيبيش مدير إدارة البحوث والإحصاء في مصرف ليبيا المركزي إن معمر القذافي كان يتعلل بأن زيادة الرواتب ستزيد الأسعار، فبقيت الرواتب جامدة منذ 1982، بل تناقصت لاحقا بفعل أزمة النفط في الثمانينيات، حين اتخذت إجراءات لخفض الرواتب والعلاوات.
أسباب الفقر
وقد ساق شنيبيش جملة من الأسباب وراء تجويع الشعب الليبي، منها أن المشاريع التنموية كانت فاشلة لأنها ارتجالية وتفتقر إلى الدراسات، وعلى رأس هذه المشاريع التي أنفق عليها الملايين مجمع بتروكيماويات في راس لانوف ومصنع الحديد والصلب الذي لا ينتج سوى قضبان للبناء، في حين أن فرصه الإنتاجية كبيرة، وهو ما أيده فيه محمد الحماد رئيس قسم الاقتصاد بجامعة طرابلس.
وحسب دراسة "إطار برنامج التنمية الصناعية" اطلعت عليها الجزيرة نت، فإن قيمة تكاليف المشاريع الصناعية في الداخل والخارج –التي كانت تأتي عبر التكليف وليس العطاءات- بلغت نحو 42 مليار دولار على مدى أربعين عاما الماضية، وكان معظمها غير مجد كما قال مدير إدارة الدراسات والاقتصادية بمركز البحوث الصناعية في ليبيا عبد السلام الرقيعي.
ومن الأسباب كذلك توظيف عائدات النفط التي كانت تبلغ خلال السنوات الأخيرة ما بين 30 و40 مليار دولار سنويا، في الخارج بفائدة زهيدة لا تتجاوز 0.5%، أكثرها في بريطانيا.
ويضيف شنيبيش أن إغداق الأموال على بعض الشخصيات والندوات وبعض الدول في أفريقيا وغيرها وكذلك على المؤتمرات الشكلية، بالإضافة إلى صرف نحو خمسة ملايين في كل زيارة يقوم بها إلى الخارج، كل ذلك ساهم في إهدار الأموال الليبية.
أما الإنفاق على السلاح فكان يكبد البلاد المليارات رغم أن الميزانية السنوية المعلنة لا تتجاوز 500 مليون دولار.
وبحجة تخفيض الإنفاق كان القذافي يصدر أوامره بتسريح الموظفين، فقد أصدر قرارا قبل أربعة أعوام بإعفاء نحو 200 ألف موظف.
من جانبه لخص الأستاذ المشارك في جامعة طرابلس قريرة زرقون نصر عوامل تفشي الفقر في ليبيا بجملة واحدة "جوع كلبك يتبعك".
وعلق محمود فطيسي رئيس الجمعية العمومية للمجموعة الوطنية الاستشارية على الفقر قائلا، إن القذافي حول الليبيين إلى شحاتين على أبواب الحكومة خاصة عندما أنشأ الأسواق الحكومية.
وكان يحظر حتى تشغيل المتاجر الصغيرة، إلى أن غدت البطالة تعادل 30% ونسبة الفقراء تزيد عن 40% حسب تقديرات المجلس الوطني الانتقالي بليبيا.
الحلول
ويرى شنيبيش أن الأمر يتطلب مزيدا من الوقت ولن يتحقق شيء قبل الاستقرار الأمني وتشكيل حكومة منتخبة وقادرة على توقيع العقود وتتمتع بالشفافية والتخطيط الصحيح.
أما الحماد، فيرى أن الحل يكمن في توظيف الرجل المناسب في المكان المناسب، وفي تعديل نظام الرواتب الذي لم يتغير منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وأكد فطيسي أن الاقتصاد الليبي واعد، مشيرا إلى أن الليبيين سيشعرون باختلاف كبير في الفترة المقبلة.
ولخص الرقيعي الحلول في تحديد الرؤية للنظام الاقتصادي، والتأكيد على إجراءات دراسات الجدوى، وتحديد السياسات العامة الصناعية وإعداد الخطط القصيرة والمتوسط المدى، ووصف الوضع بأنه كان مؤامرة نفذها القذافي ضد شعبه.