القاهرة: شن السفير الإسرائيلى السابق فى القاهرة زافى مازيل هجوما حادا على الرئيس المصري حسني مبارك، مشككا في وعود الاصلاح التي قطعها مبارك على نفسه خلال لقائه بنظيره الأمريكى باراك أوباما بواشنطن وزاعما أنه لن يخاطر بإجراء انتخابات حرة.
وقال مازيل فى مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أمس الاثنين إنه أيا كانت وعود الإصلاح التى قطعها الرئيس حسنى مبارك على نفسه خلال لقائه بالرئيس الأمريكى باراك أوباما بواشنطن فى الثامن عشر من الشهر الحالى، فإن الشكوك كبيرة حول نيته الوفاء بتلك الوعود.
وأضاف: "على الرغم من أنه ليس معروفا إذا ما كان الرئيس مبارك (81 عاما)، والذى يحكم مصر منذ 28 عاما، يعانى من مشكلات صحية معينة، فليس من المحتمل ألا يترشح لفترة رئاسية جديدة فى الانتخابات الرئاسية عام 2011، بسبب تأثره بوفاة حفيده (محمد علاء)".
ورجح مازيل أن يقدم الرئيس مبارك على الاستقالة بعد الانتخابات البرلمانية عام 2010 من أجل إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وأضاف أن مبارك يريد أن يترك البلاد فى أيدٍ أمينة، ومن ثم لن يخاطر بإجراء انتخابات حرة ربما تشهد فوزا مفاجئا لسياسى "غير معروف" أو أسوأ من ذلك أن تأتى بجماعة الإخوان المسلمين، أقوى مكونات المعارضة المصرية، إلى السلطة، مما يهدد بتدخل المؤسسة العسكرية، وحدوث فوضى ليس فى مصر وحدها، بل فى المنطقة بأسرها".
ونقلت صحيفة "الشروق" المصرية عن السفير الاسرائيلى السابق قوله: إن الحركة "المصرية من أجل التغيير" (كفاية) المعارضة تدعو بالفعل إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بدعوى أنها لن تكون حرة، بل وتحاول إقناع أحزاب المعارضة بمقاطعتها.
على الجانب الآخر، فإن الحكومة، بحسب مازيل، تعمل جاهدة على إضعاف جماعة الإخوان المسلمين الممثلة بخمس أعضاء مجلس الشعب، مضيفا أن المئات من أعضاء الإخوان، بينهم عدد من قادة الجماعة، قابعون فى السجون.
ورأى مازيل أنه على الرغم من نفى الرئيس المصرى نيته توريث السلطة لنجله جمال (47 سنة)، فإنه يبدو أن مبارك بالفعل يجهز نجله لتلك المهمة، مستشهدا برحلة صعود جمال السريعة فى الحزب الوطنى الحاكم، حيث يشغل حاليا منصب الأمين العام المساعد للحزب، ورئيس لجنة السياسيات. وأضاف أن الرئيس مبارك نجح فى تمرير تعديلات دستورية عام 2007 تقول المعارضة المصرية إنها تصب فى صالح وصول نجله إلى السلطة.
واعتبر مازيل أن اصطحاب الرئيس المصرى لنجله خلال زيارته لواشنطن، بعد سنوات الجفاء مع إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، أمر يستحق التوقف عنده، ذاهبا إلى أن مبارك هدف من ذلك أن يكسب نجله الخبرة المطلوبة لرئيس دولة، وأن يعرفه على صناع القرار فى العاصمة الأمريكية.
وختم السفير الإسرائيلى السابق فى القاهرة مقاله بالقول: إن زيارة الرئيس مبارك لوشنطن كانت بالفعل زيارة مهمة، مشددا على أن مصر ليست فقط أكبر دولة عربية، ولديها أكبر جيش فى المنطقة، بل هى أيضا حليف تحتاجه واشنطن بشدة، ومن ثم فإن أوباما لن يضغط على النظام المصرى فى قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، رغبة منه فى الحفاظ على استقرار هذا الحليف.
ولا ينكر المعنيون بمتابعة العلاقات المصرية ـ الأمريكية، سواء فى القاهرة أو واشنطن، أن تشعب قضايا المصالح الحاكمة للعلاقات المصرية ــ الأمريكية تدفع بالعاصمة الأمريكية، فى التحليل النهائى، للتعامل البرجماتى مع القاهرة، بما يعنى تفادى شخصنة علاقات هى بالتأكيد إستراتيجية، أو اختزال هذه العلاقات فى الرهان على فريق أو شخص ضد أخر.
قضية التوريث
كانت التصريحات التي أدلى بها الرئيس مبارك لبرنامج "تشارلى روز" الأمريكى اثناء زيارته للولايات المتحدة الشهر الماضي والمتعلقة بقضية توريث حكم مصر، قد أثارت الشكوك مجددا حول تهيئة جمال مبارك نجل الرئيس والأمين العام المساعد للحزب الوطنى الحاكم، وأمين لجنة السياسات، لخلافة والده.
واعتبر الكثير من السياسيين والحقوقيين المصريين تصريحات الرئيس وعدم تفكيره فى أن يكون ابنه خليفة له فى الحكم، "نقطة خادعة"، ولا تعتبر حسماً لملف التوريث.
وقالوا: "إن تصريحات مبارك التتى أدلى بها خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، لا تخرج عن الكلام السياسى، خاصة أنه لم يعط تأكيدات حول موقفه من تولى نجله للسلطة فى مصر من عدمه، أو حتى توليه هو نفسه الحكم لفترة ولاية مقبلة بعد عامين من الآن، وهو ما يزيد من غموض الأوضاع والحياة السياسية خلال الفترة المقبلة".
وكان مبارك صرح بأنه مازال من المبكر الحديث عن مسألة ترشحه للرئاسة لفترة أخرى، مشيرا فى حوار أجراه معه المذيع الأمريكى تشارلز روز على قناة "سى. بى. إس" الأمريكية اثناء زيارت للولايات المتحدة خلال الشهر الجاري، إلى أن الحديث عن ترشيح جمال مبارك للرئاسة هو لمجرد البروباجندا لتوجيه النقد للنظام" وأن الموضوع خارج تفكيره تماما.
وقال مبارك إنه لم يتخذ قرارا فى شأن ترشحه للرئاسة حتى الآن، وحول اعتقاده بمن يخلفه فى حالة عدم ترشحه رد الرئيس قائلا "ليس الذى تفكر فيه" فى إشارة إلى أمين لجنة السياسات جمال مبارك.
واضاف: "إن الجدل الذى يثار حول ترشيح جمال مبارك للرئاسة الغرض منه البروباجندا وفرصة لتوجيه النقد الدائم للنظام المصرى". وأضاف "هذا الأمر ليس فى ذهنى على الإطلاق".
ورغم نفي محمد كمال وهو مسؤول في الحزب الوطني الحاكم ما يتردد عن خلافة جمال لوالده ، إلا أن صحيفة "الفايننشال تايمز"البريطانية أكدت أن خلافة جمال لن تثير مقاومة لدى المصريين أو غضبا جماهيريا، فالمصريون لا يشاركون في اختيار قادتهم والمؤسسة الحاكمة هى التي تتخذ القرار ، واختتمت قائلة :" ولكن السؤال الحقيقي المطروح على الساحة هو هل تقبل المؤسسة العسكرية بجمال مبارك ؟".
وأوضحت الصحيفة أن جمال في حال وصوله إلى الرئاسة ، سيواجه ملفات شائكة أبرزها الفساد والبطالة والفقر ، حيث أن 40 بالمائة من المصريين يعيشون عند أو تحت خط الفقر ، كما يجب خلق 650 ألف فرصة عمل سنويا في مصر لاستيعاب العمالة الجديدة وليس لتقليص حجم البطالة القائمة.
وأشارت إلى أن مبارك طالما دأب على رفض تعيين نائب له ، كما يرفض التكهنات القائلة إنه يعد نجله جمال لخلافته ، ورغم نفي مبارك ، فإن جمال يستعد لخلافة والده رئيسا للبلاد ، وأبرزت مميزاته ، قائلة :" جمال رجل بنوك سابق وهو عضو بارز في الحزب الوطني الحاكم حاليا واحدى القوى المحركة وراء الاصلاحات الاقتصادية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
في نفس السياق، لا يخفي الدبلوماسيون الغربيون فى القاهرة اهتمامهم بما يصفونه "بالدور المتنامى لجمال مبارك" في الحياة السياسية المصرية. كما أنهم لا يعبرون عن نفور من فكرة خلافة مبارك الابن لمبارك الأب.
ويرى مراقبون إن حرص الولايات المتحدة بالأساس هو على استقرار مصر السياسى، ويضيف البعض أولوية أخرى، وهى الحيلولة دون وقوع السلطة المصرية فى أيدى تنظيم الإخوان المسلمين، وهو ما قد يدفع فى رأيهم إلى انتشار سريع للفكر الراديكالى فى المشرق والمغرب العربيين على حد سواء.
وفيما يتعلق باحتمالات تولى جمال مبارك الرئاسة فى مصر خلفا لأبيه، فإجابات الدبلوماسيين الأمريكيين عادة ما تتخذ شكل تنويعات على الصيغة التالية: لو أن جمال استطاع أن يحصل على الدعم الكافى من الدوائر المختلفة للحكم فى مصر، وأمكنه أن يمرر انتخابه بصورة دستورية ــ بعيدا عن النسب المئوية المبالغ فيها ــ وبدأ حكمه بإعلان تحديد مدة حكم أى رئيس بمدتين، فلماذا يجب استثناؤه من هؤلاء الذين لديهم فرصة لحكم مصر بما يفيد العلاقات المصرية الأمريكية، ودور مصر الإقليمى؟.