2011/10/30
المنار
الثورة وتقرير المصير، لعل العبارة هي الأكثر مصداقاً لتوصيف ما شهدته تونس، حيث انطلقت شرارة الثورة وأطلقت كرة النار المتدحرجة في 14 كانون الأول/ يناير لتعلن بدء العد العكسي لحكم طواغيت استعبدوا بالبلاد والعباد. وكي لا تضيع البوصلة أو يُحرف الهدف كان لا بد من استحقاق يمّكن التونسيين من استكمال ما بدؤوه، فأتت المشاركة الساحقة في انتخابات المجلس التأسيسي لتشكل مفاجأة وانجازا يضاف إلى سجل انجازات بلد لم يكن مهداً لحضارات وحسب بل مصدر إلهام لشعوب ضاقت بلادها بها.
الثورة وتقرير المصير، لعل العبارة هي الأكثر مصداقاً لتوصيف ما شهدته تونس، حيث انطلقت شرارة الثورة وأطلقت كرة النار المتدحرجة في 14 كانون الأول/ يناير لتعلن بدء العد العكسي لحكم طواغيت استعبدوا بالبلاد والعباد. وكي لا تضيع البوصلة أو يُحرف الهدف كان لا بد من استحقاق يمّكن التونسيين من استكمال ما بدؤوه، فأتت المشاركة الساحقة في انتخابات المجلس التأسيسي لتشكل مفاجأة وانجازا يضاف إلى سجل انجازات بلد لم يكن مهداً لحضارات وحسب بل مصدر إلهام لشعوب ضاقت بلادها بها.
وقد تجاوزت نسبة المشاركة في الانتخابات 90%، فخرج التوانسة بشيبهم وشبابهم وبمختلف أطيافهم ليثبتوا أنهم ماضون حتى النهاية في عملية تقرير مصيرهم ومستقبلهم.. اقترع التونسيون واختاروا وجهاً آخر لتونس يعبّر عن هويتها وأصالتها الحقّة.. إنها تونس العربية الهوية، والاسلامية الانتماء.
وبالمناسبة أجرى الموقع الالكتروني لقناة المنار حديثاً خاصاً مع الاعلامية التونسية كوثر البشراوي اعتبرت فيه أنه "وبغض النظر عن النتائج كل من في تونس اليوم فائز"، مضيفة: "إنه حقاً عرسٌ وطني سيليه شهر عسل ومن ثم سندخل إلى معترك الحياة التي تنعدم وتذهب إذ ما ذهبت الشراكة والتفاهم".
"حجم المشاركة أذهل العالم، وبغض النظر عن مضمون الأصوات لكن التصميم والإرادة أذهل الكل أيضاً"، قالت البشراوي.
وعن عدد المتنافسين على مقاعد المجلس التأسيسي أشارت الاعلامية التونسية أن الإعلام تحدث عن أكثر من مئة حزب أو حركة سياسية، موضحة أن الأعداد قد تكون صحيحة إلا أن الواقع يفيد بأن المنافسة انحصرت بين خمسة أحزاب فقط ممن لهم وجود فعلي على الساحة التونسية "أما باقي الأحزاب الجديدة فهم مجرد أشلاء لحزب التجمع الدستوري، الذي كان حاكماً، تجمعت وتشكلت بالمكر والتلاعب على أمل العودة إلى تصدر الحكم."
واستغربت البشراوي من تعاطي وسائل الاعلام مع خبر تصدر حركة النهضة الاسلامية نتائج الانتخابات، مشيرة أن النتائج كانت شبه محسومة، "وليس غريباً أن يميل الشارع التونسي نحو الاسلاميين، فهذه الميول ليست غريبة أو جديدة على الشارع التونسي، بل كانت موجودة في السابق لكنها تعرضت للقمع منذ العام 1956 ولم يكن مسموحا لها أن تعبر عن نفسها حتى 14 يناير من العام الجاري."
وأضافت: "حركة النهضة الاسلامية هي أفضل الموجود.. كنا نتمنى حركات أكثر خبرة من ناحية الممارسة السياسية، ولكن للأسف هذه الخبرة ليس موجودة إلى عند التجمع الدستوري، وليس خبرة إدارة وطن ولا خبرة شراكة، بل هي خبرة في القمع والمخادعة والطغيان."
ورداً على سؤال عن نموذج الحكم الذي قد تعتمده حركة النهضة وعن مدى تأثرها بالنموذج التركي، ردت: "للأسف العالم والمشرق العربي لا يعرف شيئاً عن تونس، لا أحد يعرف شيئاً عن تاريخ هذا البلد ونضالات شعبه وآلامه وانتصاراته وحتى آماله، وليس من العبث أن تنطلق الثورات، مع تحفظي اليوم على هذا المصطلح، من هذا البلد المنسي."
"نحن لسنا تركيا ولا حتى الخليج، فتونس لها تاريخها، ولها بنيتها الفكرية والعقائدية، فنحن لسنا دمويين ولا جاهلين ولا حتى خيخة.. فلتونس تاريخ أعرق من تاريخ أردوغان بكثير.. وأن لا يعرف العالم تونس فهذه ليست مشكلة تونس!"، قالت البشراوي.
وتابعت: "لو لم يكن ابن خلدون تونسياً لما استطاع أن يكتب مقدمته، تاريخنا يشهد بأننا شعب لا يعرف الكره، حتى عندما تصدينا للفرنسيين فعلنا ذلك لأنهم بادروا بالاعتداء علينا.. فتونس تاريخ وجغرافيا وحضارة وكان لا بد للبوعزيزي أن يطلق صرخته كي يلتفت العالم إلى هذا البلد المنسي."
وأردفت الاعلامية التونسية "ما يهمنا اليوم ليس الأسماء بقدر ما تهمنا صيغة النظام، فليعطونا دولة القانون وليفعل العابرون ما يشاؤون. هدفنا اليوم أن تترسخ دولة القانون لا دولة الأمزجة. لا نريد رئاسة مدى الحياة ولا نريد أغلبيات ساحقة، فخمس سنوات من الديكتاتورية أهون بكثير من خمسين عاماً من القمع والديكتاتورية."
ولفتت البشراوي أن أكثر ما تخشاه اليوم هو عودة التآمر من تحت المائدة وخلف الظهور لإزاحة النهضة مرة أخرى، أو أن تلجأ الفئة المنتصرة لقمع الآخرين، مشبهة المجتمع التونسي بمريض بالسرطان يتماثل للشفاء، موضحة: "السرطان يسبقه علاج كيميائي، وحتى بعد عملية استئصاله يبقى العلاج مستمراً، وهذا ما ينطبق على المجتمع الذي صنع بن علي، يجب أن يعالج من رأسه حتى قدميه. "
وعلّقت البشراوي على هزيمة الأحزاب العلمانية، فقالت: "لا بد من ان نعترف بأنه ليس من السهل أن يغدو صاحب البيت مجرد شريك فيه. وحان الوقت لكي يعترف هؤلاء بأن لتونس أولاداً كثر، فبلدنا اليوم تسع للجميع بكل أطيافهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم الفكرية، فولى الزمان القمع ومنع الحجاب وملاحقة المحجبات.."
واعتبرت أن هذا ما أدركه الاسلاميون وفهمته النهضة بالتحديد، وقد "عبر عن ذلك رئيس حركة النهضة الاسلامية الشيخ راشد الغنوشي في خطاباته عندما طالب بنظام برلماني يؤمن بالتعددية والتوافق، واكد مرات مرات أن الاسلام لا يعني الفرض وأن في تونس لا مجال للإكراه."
وتساءلت البشراوي" أين كان العلمانيون يوم امتلأت سجون بن علي بالمحجبات؟ أين مبادؤهم التي تنادي بالحرية الشخصية؟ وهل هذه المبادئ تجزأ؟".
وتابعت البشراوي: " العلمانيون لم يحترموا الشعب التونسي لا سابقاً ولا حاضراً، فسمعنا اليوم كلاما فيه تحقير وعنصرية خرج ممن يصفون أنفسهم بالحداثيين، ليصف أغلبية المشاركين في الانتخابات بأنهم أميون، وبأن عقول محرومة من الانفتاح والتجربة الانسانية، وكأن هؤلاء لا يملكون عقلاً وليس لهم حق في الحياة بكرامة."
" هذا الشعب الذي اتهموه بالأمية سيثبت لهم أن كرامته فوق كل اعتبار.." أضافت البشراوي.
كما نبهت البشراوي من تقديس وتأليه الآخرين، قائلة: " لا نريد أن نصنع أنصاف آلهة كي لا نقتلها بعد خمسين عاما."
وختمت: "مشكلتنا أننا مجتمعات متطرفة، ينبغي أن نعمل على قاعدة لا تقديس ولا تدنيس، يجب أن نعامل الآخرين لا سيما الفائزون اليوم على أنهم يخطؤون ويصيبون، عندما نصفق لهم علينا أن نصفق مع عقل، فلندع العاطفة جانباً ولنتحدث عن مصلحة الآخرين، ولا ينبغي أن ننسى أننا نحن من صنع الديكتاتوريين، علينا أن نحمي من نحب بأن نكون صادقين معهم، فنوجههم ونحاسبهم لا بأن نؤلههم... فلتبقى عبوننا مفتوحة، ولننتظر ما سيأتي على مستوى الممارسة."