20111208
الجزيرة
طغت الصورة الإيجابية على أول انتخابات برلمانية تشهدها مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، لكن الأمر لم يخل من سلبيات متنوعة رأى البعض أنها طبيعية، خاصة أن المصريين ما زالوا في بداية مشوار ديمقراطي طويل للتخلص من السلبيات التي ترسخت عبر ثلاثة عقود من حكم مبارك.
وكان لافتا ما شهدته المرحلة الأولى التي جرت الأسبوع الماضي من إقبال هائل من جانب الناخبين، مما جعل كثيرا من المراقبين يعتبرون الناخب المصري هو البطل الرئيسي لأول انتخابات تشهدها البلاد بعد الثورة، خاصة بعدما امتدت الصفوف أحيانا لمئات الأمتار في انتظار المشاركة في عملية الاقتراع، وشمل ذلك كل فئات المجتمع، يستوي في ذلك الرجال والنساء والشباب والكبار.
لكن الناخبين لم يستمروا في لعب دور البطولة خلال جولة الإعادة التي جرت يوميْ الاثنين والثلاثاء، حيث غاب معظمهم عن المشاركة في مشهد مفاجئ تباينت تفسيراته ما بين خفوت الحماس أو اقتصار المنافسة في معظم دوائر الإعادة على مرشحين من تيار واحد هو التيار الإسلامي، فضلا عن سبب مؤثر هو أن الإعادة في كل دائرة يخوضها مرشحان أو أربعة على الأكثر، مقابل عدد هائل وصل إلى المئات على مستوييْ الفردي والقائمة في المرحلة الأولى.
أما فيما يتعلق بالعنصر الثاني للعملية الانتخابية -وهو المرشحون سواء أكانوا أفرادا أم أحزابا- فقد كانت أبرز السلبيات هي الاستمرار في ممارسة الدعاية الانتخابية حتى في أيام الصمت، وكذلك ممارسة هذه الدعاية أمام اللجان الانتخابية بل وداخلها في بعض الأحيان، في حين وصل الأمر لدى البعض إلى حد استخدام الأطفال في الدعاية.
ضعف وارتباك
لكن أبرز السلبيات ربما تعلقت بالعنصر الثالث، وهو الجهات المنظمة للانتخابات والمشرفة عليها، وفي مقدمتها اللجنة العليا للانتخابات التي يكاد المراقبون يجمعون على أن أداءها كان ضعيفا ومرتبكا في كثير من الأحيان، حيث غابت عنها الاحترافية والجدية حتى وإن وجدت النوايا الطيبة.
وكان لرئيس اللجنة المستشار عبد المعز إبراهيم نصيب كبير من الانتقادات، خاصة بعدما اشتكى منه إعلاميون لتجاهل الإجابة عن أسئلتهم خلال مؤتمراته الصحفية، قبل أن يقع في خطأ فادح عندما أكد أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 62% ثم تراجع بعد يومين عندما نبهه بعض الصحفيين ليخفض النسبة إلى 52%، عازيا هذا الخطأ إلى الإرهاق في العمل قبل أن يحاول إلقاءه على مساعديه.
وشهدت عمليات الفرز ارتباكا متكررا بسبب الإصرار على إجرائه في اللجان الرئيسية فقط دون الفرعية، كما تأخر عدد من القضاة الذين يتولون رئاسة لجان الاقتراع عن الوصول إلى مقار اللجان، مما تسبب في تأخير بدء التصويت في عدة دوائر انتخابية، وفقد أحد القضاة أوراق التصويت بعدما سرقت من سيارته التي تركها سهوا مفتوحة.
وتسبب الاهتمام بالقضاة وإبراز ما يتحملونه من عبء بصفتهم رؤساء اللجان في إثارة أزمات بين مساعديهم في إدارة اللجان، ومعظمهم من المعلمين الذين اعترضوا على تجاهلهم وضعف المقابل المالي الذي يحصلون عليه، ووصل الأمر إلى تظاهر بعضهم وإضرابهم عن العمل، مما أدى إلى تعطيل في بعض اللجان قبل أن تتحرك اللجنة العليا متأخرا وتعد برفع مكافآتهم.
افتقاد النضج
وبالإضافة إلى هذه السلبيات، هناك طائفة أخرى تعد الأخطر حسبما يرى مدير تحرير مجلة الديمقراطية بالأهرام بشير عبد الفتاح في تصريحاته للجزيرة نت، حيث اعتبر أن معظم القوى السياسية المصرية افتقدت النضج وبدت وكأنها ما زالت تعيش عهد ما قبل الثورة، وفي المقدمة من ذلك الأحزاب الليبرالية واليسارية التي عانت بشدة من الضعف التنظيمي والهشاشة البرامجية، فضلا عن افتقاد الشعبية.
ويضيف عبد الفتاح أن هذه الأحزاب دخلت الانتخابات وهي على هذا الحال، فدخلت في سجال مع الأحزاب الممثلة للتيار الإسلامي، وركزت على انتقاد هذه الأحزاب ووصفها بأنها تكفيرية أو ضد الديمقراطية، بينما ركزت قوى الإخوان والسلفيين على تمثيلها للدين، مما أدى إلى بروز العامل الديني في الدعاية من جانب كل الأطراف.
وأكد أن الأقباط أيضا تورطوا في إقحام العامل الديني بعدما دعوا إلى عدم التصويت للإخوان المسلمين أو السلفيين، مما دعم حالة التفكير الإقصائي فانضاف إلى غياب فكرة العمل التنسيقي والتوافقي بين مختلف القوى.
وحسب عبد الفتاح، فإن السلبيات امتدت إلى ما بعد ظهور مؤشرات النتائج حيث بدا أن تقبل الديمقراطية غائب حتى عن القوى التي تصف نفسها بالليبرالية، فبدلا من أن تعترف بهزيمتها وتركز على تدبر أسبابها، ركزت على مهاجمة القوى الإسلامية الفائزة واتهمتها بتلقي تمويل من الخارج، كما دخلت في محاولات لتخويف الخارج والداخل من فوزها.