20111213
القدس العربي
ان يتوجه الشيخ يوسف القرضاوي العلامة الاسلامي الابرز الى مدينة طرابلس ومعه الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاسلامية للمشاركة في الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة بين الجماعات الاسلامية المتناحرة، وتسوية الخلافات بينها، فهذه خطوة جيدة ومسؤولة، ولكن المهمة ليست سهلة، والخلافات اعمق من ان تحل من خلال 'تبويس اللحى' والكلام الطيب حول الالتفات الى المصلحة العامة، وتقديمها على ما عداها، وضرورة الترفع عن الاحقاد والثارات واخطاء الماضي، وتبني مبدأ التسامح.
الجرح الليبي عميق، ويحتاج الى جهود كبيرة لمعالجته، تمهيدا لالتئامه، فهناك تدخلات خارجية مكثفة، واطماع استعمارية، وتعقيدات داخلية، بعضها مناطقي وآخر قبلي، ولا يجب نسيان اطماع وطموحات بالتنافس على كرسي السلطة، وتقاسم المغانم، او الاستحواذ على اكبر قدر منها.
في ليبيا العديد من مراكز القوى تتنافس على الحكم، معظمها يملك ترسانة هائلة من السلاح، ويرتكز على شرعية المشاركة في المجهود الحربي للاطاحة بنظام الطاغية معمر القذافي الذي استمر اكثر من اربعين عاما، سادها الفساد والقمع ومصادرة الحريات، والتعايش بين هذه المراكز قد يحتاج الى وقت وقد يسبقه العديد من الصدامات الدموية.
هناك اربع مجموعات عسكرية تتنافس على السلطة والنفوذ، اولها كتائب الزنتان التي جاءت من الجبل الغربي، وهي قبائل عربية اصيلة معروفة بصلابة رجالها ولعبت دورا كبيرا في هزيمة كتائب القذافي ودخول طرابلس، وثانيها كتائب مصراته التي قدمت آلاف الشهداء، وكان لصمودها، واستعادتها مدينة مصراته وهزيمة كتائب القذافي العامل الحاسم لسقوط النظام والوصول الى طرابلس وبعدها سرت وبني الوليد، وثالثها كتائب المجلس العسكري لمدينة طرابلس بقيادة عبد الحكيم بلحاج القائد الاسلامي السلفي الذي يتمتع بنفوذ قوي وتسليح جيد ودعم مالي ومعنوي من كل من تركيا وقطر، ورابعها الجيش الوطني بقيادة العقيد خليفة حفتر قائد الجيش الليبي للانقاذ سابقا المدعوم امريكيا، وتدرب رجاله في فرجينيا بالولايات المتحدة قبيل محاولته قلب نظام الحكم في ليبيا في التسعينيات من القرن الماضي.
المجلس الوطني الليبي وزع المهام الرئيسية على ثلاثة من هذه المراكز او الكتائب، فاعطى وزارة الدفاع الى اسامة الجويلي قائد كتائب الزنتان، والداخلية الى فوزي عبد العال قائد كتائب مصراته، ورئاسة اركان الجيش الوطني الليبي الى العقيد خليفة حفتر، ولم يعط السيد بلحاج قائد المجلس العسكري في طرابلس اي منصب، الامر الذي قد يشكل صراعا قد يتطور الى صدامات مسلحة في الاشهر المقبلة.
وبينما كان السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي يترأس مؤتمرا للمصالحة الوطنية في طرابلس تشارك فيه قبائل وعشائر مختلفة، اندلعت صدامات دموية في مدينة طرابلس، اثر تعرض موكب العقيد حفتر لاطلاق نار بعد محاولة اغتيال استهدفته، الامر الذي يعكس مدى خطورة الاوضاع الامنية وهشاشة حالة الاستقرار الحالية.
الغرب الذي دشن هيمنته على ليبيا الجديدة باقامة قاعدة عسكرية في الجنوب تنطلق منها طائرات دون طيار تحت ذريعة مراقبة تحركات الجماعات الارهابية المسلحة في منطقة الصحراء والساحل (الجزائر رفضت السماح لها بالتحليق فوق اراضيها)، هذا الغرب يشعر بالقلق نتيجة فوضى السلاح هذه، ليس حرصا على الشعب الليبي واستقرار بلاده، ونشوء دولته الحديثة على انقاض النظام الديكتاتوري السابق، وانما حرصا على ثروات الشعب الليبي من النفط والغاز والعوائد المالية الضخمة التي توفرها.
حديث المستشار عبد الجليل عن العفو عن مقاتلي النظام السابق الذين لم يرتكبوا جرائم قتل واغتصاب واستيعابهم في الدولة ومؤسساتها كلام طيب لا شك، ولكن السؤال حول المعايير التي يمكن اتباعها لتحديد من ارتكب جرائم ومن لم يرتكب. فالذين عملوا مع النظام السابق، وشاركوا في جرائمه اوتستروا عليها كثيرون، ومنهم من يحظى بعضوية النظام الليبي الجديد ويتولى مسؤوليات هامة في صفوفه.
الشعب الليبي يستحق الحد الادنى من الرخاء والاستقرار، ولكن هذه الآمال المشروعة لا يمكن ان تتحقق الا من خلال مصالحة حقيقية، وانهاء حالة فوضى السلاح، ومعالجة جروح قبائل ومدن تضررت كثيرا من قصف الناتو وحلفائه، وخسرت الآلاف من ابنائها ناهيك عن تدمير مدنها، ونأمل ان تتحقق هذه المصالحة في اسرع وقت ممكن، وان يتمكن الشعب الليبي من تحرير بلاده من القواعد الاجنبية والهيمنة الغربية مثلما حررها من نظام الطاغية.