20111218
رويترز
اكتظت الساحة الكبرى في مدينة سيدي بوزيد - التي كانت رمزا لليأس والاحباط - يوم السبت بعشرات الالاف من الشبان والنساء المحتفلين بالذكرى السنوية الاولى لاندلاع ثورة تونس.
ويفخر هؤلاء الشبان بأن قصة تغير المشهد السياسي في منطقة الشرق الاوسط انطلقت من نفس هذا المكان قبل عام وتحديدا في 17 ديسمبر كانون الاول الماضي عندما أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على سوء ظروفه الاجتماعية وعلى احتجاز الشرطة لعربة بيع الخضر التي يمتلكها قبل ان يموت بعد أيام متأثرا بحروقه البالغة.
وفجرت الحادثة احتجاجات عنيفة في سيدي بوزيد ضد الفقر وتفشي البطالة قبل ان تتسع لتشمل عدة مدن تونسية. وبعد اقل من شهر أطاحت هذه الاحتجاجات بالرئيس السابق زين العابدين بن علي واجبرته على الفرار في 14 يناير كانون الثاني. وفي تطور لافت ألهمت الثورة التونسية مصر وليبيا واليمن وسوريا للاحتجاج ضد حكام مستبدين في انتفاضات غيرت المشهد السياسي في العالم العربي.
مظاهر الفرحة والاحتفال كانت طاغية في سيدي بوزيد حيث رفعت الاعلام وزينت الساحات وغصت الساحات بألاف الشبان والنساء والرجال وحلت الفرحة محل الغضب والاحتقان ولو لوقت قصير.
أول مهرجان للثورة افتتح بازاحة الستار عن مجسم كبير ارتفاعه عشرة امتار للشاب البوعزيزي الذي اصبح ينظر اليه على انه بطل قومي. وبعد ذلك كشف الستار على مجسم ثان يجسد عربة للخضر وكراسي في اشارة الى ان عربة بائع الخضر اطاحت ببعض الحكام من كراسيهم التي جلسوا عليها لعقود.
الشبان تحدوا برودة الطقس ورقصوا على ايقاع فرق موسيقية جابت شوارع المدينة التي زينت بالاعلام وصور الشهداء وغابت صور رئيس البلاد بعد ان ظلت تحتل كل المحلات والمقاهي والشوارع طيلة عقود من الزمن.
وقال شاب اسمه عماد وهو يرقص على ايقاع اغان شعبية "انه يوم الفرح.. سيدي بوزيد عانت طويلا من اللامبالاة والنسيان.. واليوم سيدي بوزيد عاصمة العالم ومحط انظاره.. هذا مصدر فخر لنا.. اليوم العالم كله عدل ساعته على سيدي بوزيد."
وتحول قبر البوعزيزي الى مزار لعدد كبير من اهالي اذ يعتبرون انه اصبح ملهما. وقالت منوبية ام محمد البوعزيزي لرويترز "محمد البوعزيزي أحرق نفسه لتعيش تونس حرة.. أطلب من المسؤولين الاهتمام بهذه المناطق وتوفير الشغل للشبان."
رئيس الجمهورية منصف المرزوقي الذي حضر الاحتفال ضمن عدد كبير من المسؤولين والشخصيات البارزة من تونس وخارجها اشاد بشجاعة اهل المنطقة الذين تحدوا قمع شرطة بن علي الذي قتل عددا كبيرا من شبان المنطقة.
وقال المرزوقي في كلمة امام الجماهير المحتشدة "هذه هي المناطق التي عانت من التهميش وأعادت الكرامة لكل التونسيين". واضاف "دورنا جميعا ان نعيد لكم الاعتبار وان نعيد لكم فرحة الحياة."
وتستمر الاحتفالات في سيدي بوزيد بعروض موسيقية وحضور شخصيات عالمية من بينها اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام.
وبعد مرور عام على الثورة قطعت تونس قطع خطوات مهمة في اتجاه التحول الديمقراطي لكن الصعوبات الاقتصادية وتفاقم البطالة تهدد نجاح الثورة.
وفي اول انتخابات ديمقراطية في تونس حققت حركة النهضة الاسلامية المعتدلة فوزا كاسحا وهيمنت على أغلب المقاعد في المجلس التأسيسي وكونت ائتلافا مع حزبين علمانيين. وتعهدت الحركة بالالتفات الى المناطق المحرومة مثل سيدي بوزيد والقصرين واعطائها الاولوية في التنمية.
واندلعت عدة احتجاجات في عدد من المناطق في الاسابيع الاخيرة للمطالبة بتحسين الاوضاع الاجتماعية في قطاعات مختلفة للخروج من حالة الركود الاقتصادي بعد ان بلغ عدد العاطلين عن العمل في تونس اكثر من 800 الف عاطل وتراجع النمو الاقتصادي الى حوالي صفر بالمئة هذا العام.
وقالت فتاة حاصلة على شهادة جامعية اسمها نبيلة عبيدي "جميل ان يتم تكريم سيدي بوزيد باحتفالات ضخمة مثل هذه لكن نحتاج ان نعمل.. العمل وحده يعيد لنا الكرامة.. الجائع يحتاج للخبز وليس لالة موسيقية يسلي بها نفسه."
وقال شاب اخر "نحن نتتظر ان تتحق الوعود.. انتظرنا كثيرا وسننتظر اشهر لكن اذا لم يتغير الحال فسيدي بوزيد ستثور ثانية."
وعينت تونس الاسبوع الماضي المرزوقي رئيسا جديدا للبلاد في علامة جديدة للمضي نحو الديمقراطية. وكلف المرزوقي الامين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي بتشكيل حكومة ينتظر الاعلان عنها عما قريب.
وسيتولى حكام تونس الجدد قيادة البلاد بينما سيعنى المجلس التأسيسي بصياغة دستور جديد خلال فترة عام.