يبدو أن ما أثاره الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف من تصريحاته ، التي انتقد فيها بشدة ضعف مستوى خريجي الأزهر الشريف وعدم تمتعهم بالإمكانات اللازمة لشغل وظيفة إمام وخطيب بالمساجد التابعة لوزارة الأوقاف كشفت عن تراجع دور المؤسسة العريقة فى مواجهة التيارات الأخرى.
عبر محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف عن غضبه إزاء إصرار زقزوق على انتقادات مستوى خريجي الأزهر، وتعمده الإساءة للجامعة العريقة، معتبرا أن هذه التصريحات تستهدفه شخصيا، كما أنها تسيء لسمعة مصر وتقدح في المكانة العليا للأزهر خارج مصر، وقال إنه ينبغي على الوزير أن يزن تصريحاته بدقة.
إلا أن هناك بعض العلماء الأزهريين أنفسهم يدللون على تراجع دور الأزهر من خلال ما أثاره إعلان الدكتور المتنصر محمد رحومة ـ العميد السابق لكلية الدراسات العربية جامعة المنيا والمدير السابق لمركز سوزان مبارك للفنون والآداب بجامعة المنيا ـ عن إنشاء فرع من مؤسسة "حررني يسوع" للتنصير في القاهرة برئاسة الناشطة الحقوقية المتنصرة نجلاء الإمام "كاترين" التي تدافع الآن عن حقوق المتنصرين الكثير من ردود الفعل المستاءة خاصة بعد تحول نشاط التنصير إلي العلنية.
التبعية للحكومة
فى البداية أرجع الدكتور محمد شامة الأستاذ بجامعة الازهر من خلال تصريحه لشبكة الإعلام العربية "محيط" تراجع دور الازهر الى تبعية هذه المؤسسة العريقة الى الحكومة، داعيا إلى استقلال الأزهر الشريف كهيئة دينية كبيرة لها ثقلها فى العالم الاسلامي، وانشاء هيئة مستقلة لها ايدلوجيتها وكيانها المنفصل عن الدولة بعيدا عن اي تدخل حكومي يؤثرعلى قراراتها .
كما أعرب عن أسفه تجاه الأجور المتدنية التي تعطيها الحكومة لعلماء الأزهر الشريف وسعي الدولة لسلب مخصصات الأزهر التي تجعله مستقلا عن الدولة والعمل على جعله تابعًا لها مؤيدا لقراراتها، في محاولة لتنحية الأزهر عن وظيفته الكبرى وهي الذود عن الإسلام ومجابهة الفساد في الدولة.
واستنكر شامة المذهبية المسيطرة على الأزهر من الداخل لافتا إلى أن هناك مشاكل بالفعل تحيط بالمؤسسة الشريفة أهمها انتشار الأمية الدينية والثقافية النابعة من الانغلاق المذهبي وعدم تطوير المناهج العلمية لطلبة الأزهرمما أدى إلى ظهور تيارات متشددة أصبح لها ثقل فى التأثير على العامة من خلال انتشارها فى وسائل الإعلام والفضائيات بالإضافة إلى انتشار المنظمات التنصيرية.
وبدوره تساءل الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر الشيخ جمال قطب قائلا "هل تأخر الأزهر أم حُجب؟" معتبرا أن "سيطرة الدولة على الأزهر أفقدته الكثير من مكانته لدى المسلمين".
ووصف الأمر بأنه خطير للغاية، مشيرا إلى أنه "يطاح بخريجي الأزهر، ويتم تعيين خطباء منتدبين يكونون طوع وزير الأوقاف"، وأضاف "حينها سيقرأ الخطيب الفتاوى كما أوردها الوزير وأمن الدولة وليس كما يجب أن تقرأ من خلال قواعد الأصول والإفتاء".
وشدد قطب على ضرورة أن "يكون لمن ينتمي لمؤسسة الدعوة حصانة، ولا يطاح بهم، "فعليه ألا ينتمي لأي من الفرقاء السياسيين وفي نفس الوقت لا يمسه أحد".
كما ذكر أنه "لمدة ثمانمئة عام لم يكن للأزهر حقيبة وزارية تراجع شؤونه، وإنما شيخ الأزهر يراقب ويحاسب حتى استطاعت المؤسسة بفضل وحدتها وتعدديتها الفكرية أن تقدم ما قدمته".
أدوار متعددة
واستنكر قطب ما يقال عن ضرورة إقصاء الأزهر عن الحياة العامة والسياسية بزعم مدنية الدولة، قائلا "لم يحدث على مدى ألف عام أن سعى أحد العلماء إلى السلطة"، معتبرا أن "المطلوب فقط أن تكون هناك مرجعية".
كما رأى أن استعادة دور الأزهر لن تكون إلا بـ"تحييد علمائه وطمأنتهم، وتجميع الناس حولهم، وذلك بإجراء انتخابات وهرم داخلي، وإلغاء إشراف وزارة الأوقاف عليه".
اما الدكتور موسى فرحات رئيس قسم الحديث وعلومه في كلية أصول الدين بالمنصورة فقد فسرالتراجع الحالي بأنه ناتج عن الضعف الشديد في الحكومات المصرية، التي كان حريًّا بها رعاية الأزهر لما له من دور كبير لا يمكن تجاهله أو نسيانه في الدعوة والتعليم بالعالم الإسلامي منذ ما يزيد عن ألف عام.
ويعيب على الحكومات تقليل نفقات الأزهر الذي كان قديمًا يرعى طلابه وعلماءه ماديًّا من أوقاف المسلمين؛ حتى تتفرغ أذهانهم وعقولهم كاملة للدراسة، أما الآن فقد أصبح الأزهريون موظفين لدى الدولة، وفرضت الحياة الاقتصادية الصعبة ضغوطها على الطلاب والعلماء على حد سواء؛ مما أثر على مستوياتهم العلمية والعملية.
ضغوط سياسية
ويطالب د. موسى فرحات حكومات الدول الإسلامية جميعها بتوجيه الجهد والرعاية إلى الأزهر وطلابه؛ فهو مؤسسة إسلامية وليست مصرية فقط، حتى يتسنى لطلابه الإبداع في مجالهم، وتجاوز المحنة الحالية ليبقى من جديد شامخًا مهما حدث ومهما كان حوله من ضغوط سياسية أو مادية
ويعلق د. حمدي والي أستاذ الأدب العربي بجامعة 6 أكتوبر على الأمر قائلاً: تراجع الأزهر ليس وليد اللحظة بل هو من عشرات السنين؛ بسبب ما تفعله به الدولة منذ أن قيدته كمؤسسة حكومية تمارس عليها الضغط المادي لتكبيل العلماء وكتم أصواتهم بخفض أجورهم من حين لآخر، وتغيير المناهج في اتجاه علمنتها، وقصرها على العلوم التجريبية والتطبيقية ووأد دوره الشرعي الفقهي.
وعن التدخلات الخارجية في الأزهر يقول: الاستهداف الخارجي لا يقتصر على الأزهر الشريف فقط، بل يمتد إلى كل المؤسسات الإسلامية فيحاول التدخل في تعديل المناهج باسم تغيير الخطاب الديني وما شابه، إلا أن كل هذا ستار يختفي وراءه أياد خفية تحاول تغيير قيمنا الإسلامية، وإحلال أخرى ترضى المحتل الصهيوني والعدو الأمريكي.