واحد من أكبر أدباء مصر والعالم العربي ، تربى على كتاباته جيل من الأدباء منهم أحمد العايدي، طارق إمام وغيرهم ممن يحتلون صدارة الواجهة الأدبية في مصر حاليا ، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، وجائزة ساويرس، هو أيضا مبتكر شخصة علاء الدين للأطفال، وباسم، والعربي الصغير وغيرهم.. هكذا قدم الكاتب الشاب محمد فتحي لحفل توقيع كتاب "وقائع عربية" بقلم الروائي د. محمد المنسي قنديل الذي استضافته مكتبة "حنين" منذ أيام، في أول ظهور رسمي له عائدا من الكويت بعد رحلة عمل طويلة.
ويعد الكتاب هو أول تعاون للكاتب مع دار "ليلى" للنشر وهو عبارة عن اعادة طبع لكتاب صدر منذ سنوات بالاسم نفسه للمؤلف ولكن بعد مزيد من التنقيح ، وقال مؤلفه أنه واحد من ثلاث كتب أصدرها حول قصص التاريخ العربي، فهو يحب التاريخ " سواء كان حقيقيا أو زائفا " .
يسرد قنديل بداية رحلته مع التاريخ قائلا: بدأتها بعد هزيمة 67 القاسية جدا على جيلنا حيث تحطم الأحلام الوردية عن النماء والتقدم والازدهار، وكانت تلك البداية التي جعلتني أتساءل عن الهوية والذات، هل نحن شعوب جديرة بأن نحيا ونتقدم، أم نحن حفرية من حفريات التاريخ؟ هل ما يقال عن العزة والكرامة وأصالة الشخصية العربية حقيقي أم أنها مجرد شعارات؟.
ولأصل إلى الحقيقة قرأت كثيرا في التاريخ، وكان حصيلة ذلك سلسلة مقالات طويلة كتبتها في صحيفة "الدوحة" بقطر، وقراءتي في التاريخ جعلتني اكتشف أنه ليس مجرد قناعا نرتديه ليلقي بظلاله على الحاضر، لكنه كيان قائم بذاته موازي للحاضر علينا أن نعنى بدراسته.
يتابع قنديل : عندما اتفقت مع دار ليلى على إعادة طبع الكتاب وجدت أنه ينبغي أن أعيد كتابة بعض وقائعه، وحينما نشرت الطبعة الأولى كان ذلك في مرحلة مبكرة جدا من حياتي حين كان يرادوني حلم كتابة عمودا يوميا يحوي قصة من قصص التاريخ التي تثير ذاكرتي وفعلت ذلك فعلا في صحيفة "العرب" التي تصدر بلندن ، ومع مرور الوقت أصبحت المسألة أكثر صعوبة، وشعرت أنه همّ يومي تخلصت منه بعد أربعة أشهر فقط.
بعدها وجدت لديّ حصيلة كبيرة من المقالات، اخترت أفضل 100 واقعة أو حكاية وضمنتهم كتابي "وقائع عربية" التي أحول عبره إعادة بناء الوقائع العربية من جديد واستخلاص الدروس والعبر من أحداث التاريخ لأن العرب كما أقول في مقدمة الكتاب "ذاكرتهم ضعيفة، ويخوضون التجربة في كل مرة كأنها التجربة الأولي".
علاقة متشابكة
حول العلاقة بين الصحافة والأدب يقول قنديل: الأديب الأمريكي ارنست هيمنجواي نصح الأدباء ألا يعملوا بالصحافة لأكثر من 4 سنوات لأن هذا يؤثر علي أسلوبهم ومعالجاتهم الأدبية ، لكن الصحافة تفيد الأديب لأنها تعطيه ثقة في نفسه ؛ فأنت تكتب مرة واحدة والمطبعة تتسلم منك المادة ، لا فرصة للتعديل والترقيع. وعبر عملي كصحفي زرت عديد من بلدان العالم، وعايشت متعة السفر لأماكن لم اكن لأسافر إليها أبدا ؛ فزرت إفريقيا، بنجلاديش، زنجبار وغيرها، وأصبحت أملك رؤية ذاتية عن الأماكن والبشر.
وقد عايشت اللحظات الأخيرة لبلدة في تركيا قبل غرقها بأكملها تحت المياه نظرا لبناء سد بها، أيضا زرت جزرا غامضة في اليونان، جزء كبير من هذه الرحلات كتبته في مقالاتي ولكن الجزء الأهم اختزنته في أعماقي لأنسج منه مادة روائية ممتعة ؛ فأنا لا أؤمن بالموهبة ولكني أؤمن بالدأب فعادة أول كتابة تكون رديئة وغير مفهومة ولكن بالدأب تصبح جذابة وجديرة بالقراءة.
ويتحدث الكاتب بشئ من الأسى عن خسارته الحقيقية وهي قلة إنتاجه قائلا: تسببت الصحافة في ذلك فقد شغلتني عن الأدب، كما كان لسفري وبعدي عن وطني فضلا في ذلك أيضا، فمعايشة الناس تجعل هناك تحريضا يوميا على الكتابة، وكل يوم في مصر يحمل هما جديدا يرزح تحت وطأته الناس، لكن في السفر تهرب من عبء التفاصيل اليومية ، وعموما فاستقراري في مصر لم يحن بعد.
إخلاص متأخر!
بالرغم من أن قنديل خاض تجربة الكتابة القصصية ، الروائية ، الصحفية ، كما كتب للاطفال ونشر قصصا مصورة ، إلا أنه قال أنه طوال حياته ظل يؤمن أن التخصص في فن واحد من فنون الكتابة هو الأصل والأفضل ليتمكن الكاتب من الغوص إلى الأعماق ولا يبقى على السطح؛ فالكتابة دائما أكبر من الكاتب، فمثلا نجيب محفوظ بدأ تاريخي وواقعي ثم اتجه إلى الأدب السريالي، وبعدها أصبح لا حدود تحده، كتب رواية اللاشكل، حيث حلّق في أفق بعيد شأنه كل الروائيين العظام في العالم.
مضيفا : في البداية كنت اعتقد أن الكاتب خاصة في دول العالم الثالث رائد عليه أن يجرب في كل مجال ويساهم في دفع كل فن إلى الأمام، ولكني اكتشفت أنه سيتساءل أخيرا أين أنا، ولذلك فأنا اعترف أني مارست الإخلاص في وقت متأخر، وأحاول الآن أن أخلص لفن الرواية لأني انتظرت كثيرا حتى اختمار الموهبة، فقد نجد شاعرا متدفق الموهبة ولكن من الصعوبة بمكان أن نلمس ذلك في الرواية، لأنها فن يعتمد على الخبرات المتعددة، وعاء يحتوى على كل التساؤلات وكل الحيرة أيضا.
وقد تعلمنا من كتّاب أمريكا اللاتينية أن مسألة الايقاع مسألة نسبية، فمثلا رواية "الحب في زمن الكوليرا" لماركيز كسر بها كل قواعد كتابة الرواية الجيدة، ومع ذلك نجحت فهم يخالفون كل النواهي وينتج عن كتاباتهم نفس روائي جديد.
وقال قنديل أنه سيصدر خلال أيام روايته الجديدة عن دار الشروق بعنوان " يوم غائم في البر الغربي" وهي تعود بنا إلى 100 عام إلى الوراء حيث بدايات القرن الـ19 في مصر الذي حاولنا فيه كمصريين أن نتلمس طريقنا ونؤكد ذاتنا، فقبل هذا كان المصرين مجرد أرقام لا صفات ولا وجود، فكنا نقرأ عن وفاة مئة ألف عند حفر قناة السويس مثلا، ومثلهم عند شق ترعة، وهكذا.
ولذلك شعر المصريون بضرورة التعبير عن ذاتهم ومصائرهم، واستمر هذا فترة قصيرة عدنا بعدها أرقام مرة أخرى أصبحنا نتحدث عن ألف راحوا ضحايا للعبارة، وغيرهم حصدت صخرة المقطم أرواحهم وهكذا. أصبحنا ارقام ولسنا شخصيات ومصائر وناس وأنفاس.
وتحدث في روايته "قمر سمرقند" التي فازت بجائزة ساويرس عنها، عن إشكالية الهوية أيضا، حيث تناول أزمة انهيار الاتحاد السوفيتي، وهي مشكلة تعاني منها كل أمة بعد انهيار شكل قديم وكلاسيكي اعتادوا عليه وعاشوا آمنين في ظله، وأصبح يتحتم عليهم البحث عن هويتهم وذاتهم، البعض فضل أن يكرر التجربة الشمولية الاستبدادية السابقة، وآخرون راودهم حلم الإمبراطورية الإسلامية الكبيرة، وهذه النظم عانت الاستبداد والفساد.
وأكد أنه من خلال قراءاته وجد أن التاريخ العربي يتميز بطابع استبدادي وملئ بالانكسارات أكثر من الانتصارات، لأنه نتاج طبيعي لعهود طويلة من الاستبداد وتحكم الأمراء والملوك ؛ فحجم حرية المواطن العربي المتاحة له لكي يبدع ضئيلة جدا، وكل ما يُقرأ ويُكتب ويُنشر الآن في الوطن العربي هو نوع من المقاومة على الذات.
نحن ونوبل
"لا أحد في مصر يستحق نوبل، فلا زالت هذه الجائزة بعيدة عنا بعيدة" هكذا يقول قنديل لأن الأدباء في مصر برأيه يحتاجون العمل بجد ومثابرة مثلما فعل محفوظ، الذي طور نفسه بالدأب والإصرار، فالأوضاع الحالية تجعل الكتاب يتجهون لانتقادها والصراخ للتعبير عنها الأمر الذي يتسبب في تبديد طاقاتهم والبعد عن التفرغ لكتابة الرواية، ومن ثم بعيدين عن معايير نوبل.
ويرة قنديل أن الأديب يملك دوما هما سياسيا، متابعا : " وأكثر ما يشغلني الآن هو استشراء الفساد في مصر، وتدني الأوضاع المعيشية لدرجة مؤسفة؛ فالفقر في مصر الآن لا مثيل له، فقد كنا دائما في السابق "مستورين" لكن النظام الآن جعلنا عرايا بشكل مخز.
** عن مؤلف الكتاب ..
محمد المنسي قنديل كاتب وروائي مصري، من مواليد مدينة المحلة تخرج من كلية طب المنصورة عام 1975 وعمل فى ريف محافظة المنيا لمدة عام ونصف العام ثم انتقل إلى التأمين الصحى فى القاهرة قبل أن يعتزل الطب ويتفرغ للكتابة.
فاز وهو مازال طالباً بالجائزة الأولى فى نادى القصة عن قصة "أغنية المشرحة الخالية"، صدرت له عديد من الأعمال التى تنوعت بين القصة والرواية والسيناريو، ومن مجموعاته القصصية "بيع نفس بشرية"، "عشاء برفقة عائشة"، "آدم من طين "، ومن الروايات : "انكسار الروح"، "قمر على سمرقند"، "شخصيات حية من الأغانى"، "عظماء فى طفولتهم"، "تفاصيل الشجن فى وقائع الزمن"، بالإضافة إلى "الوداعة والرعب" والتى حولت لفيلم سينمائي بعنوان "فتاة من إسرائيل".