20120115
الجزيره
في كل مرة تسقط فيها الامطار تصطحب فاتنة بينون صغارها الثلاثة ليقيموا مع اقاربهم لخوفها من ان يؤدي هطول الامطار الى انهيار جدران منزلها المتهالك.
تعيش بينون (30 عاما) هي وزوجها في مبنى مستأجر من طابقين في بلدة الاغواط على الحافة الشمالية للصحراء على بعد نحو 400 كيلومتر جنوبي الجزائر العاصمة.
ويظهر شق عرضه عدة سنتيمترات في احد اركان المنزل. وفي الداخل الغرف باردة رطبة وسقف المطبخ متداع. وقطعت السلطات الغاز عن المنزل قائلة انها تخشى من حدوث انفجار اذا انهار.
ويكسب زوج بينون نحو 18 الف دينار (200 يورو) شهريا من اصلاح الهواتف المحمولة وهو مبلغ لا يكفي لاستئجار مسكن افضل.
وتقدمت الاسرة بطلب للسلطات للانتقال الى مسكن اخر في اطار برنامج حكومي يوفر شققا جديدة بالمجان للاسر المحتاجة... لكن كان ذلك قبل 12 عاما.
قال زوجها سيد علي تواتي البالغ من العمر 36 عاما "هم (الموظفون المحليون) يطلبون المال. اذا دفعت المال فستحصل على شقة."
والجزائر مصدر كبير للنفط والغاز وتملك احتياطيات من النقد الاجنبي تتجاوز 150 مليار دولار تراكمت خلال فترة طفرة أسعار النفط.
ورغم ثروتها لم تتمكن الحكومة من بناء مساكن جديدة بسرعة كافية لتلبية احتياجات ملايين الاسر التي تعيش في ظروف غير ملائمة أو توفير وظائف لملايين العاطلين.
وكان الغضب بسبب الظروف المعيشية في بلدة في تونس هو ما أشعل فتيل أولى ثورات الربيع العربي.
ويخشى زعماء الجزائر التي تعاني من كثير من نفس المشكلات التي تواجهها دول الشرق الاوسط التي شهدت احتجاجات خلال العام المنصرم من تكرار نفس السيناريو في بلدهم.
وفي الاغواط عاصمة ولاية الاغواط والتي يسكنها 200 ألف نسمة أشعل الغضب بسبب ظروف المعيشة فتيل اضطرابات حيث احتج عدة مئات من الاشخاص خلال الاسبوع المنصرم خارج مكتب الوالي.
وقال نشطاء مدافعون عن حقوق الانسان ان الشرطة استخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريق الاحتجاجات صباح يوم الثلاثاء الماضي. واعتقلت أكثر من 40 شخصا قبل أن يتم الافراج عن أغلبهم فيما بعد.
وعاد المحتجون يوم الاربعاء الى ميدان على بعد نحو 300 متر من مكتب الوالي. وأغلقت صفوف من شرطة مكافحة الشغب الطريق لمنعهم من الاقتراب من المكتب.
كانت شرارة الاحتجاجات هي اعادة تسكين عشرات الاسر من منطقة عشوائية على أطراف الاغواط في مجمع سكني جديد أنشأته الدولة. وجرى بالفعل نقل الاف الاسر الى مساكن جديدة في اطار برنامج اعادة التسكين الذي يهدف لبناء مليون وحدة سكنية جديدة بحلول 2014.
لكن الالاف في الاغواط لايزالون على قوائم الانتظار منذ سنوات ويقول المحتجون ان ثمة دلائل على ان عملية اعادة التسكين الاخيرة مشوبة بالفساد.
واضافوا أن الاشخاص الذين دفعوا رشا أو على صلة بالمسؤولين المحليين حصلوا على مساكن جديدة في حين تركت الاسر الاشد احتياجا خارج القائمة.
وتشير قائمة اطلعت عليها رويترز الى أن كثيرا من الاشخاص الذين خصصت لهم وحدات سكنية ليسوا من الاغواط فيما حصل أفراد من نفس الاسرة على أكثر من وحدة.
وقال رجل عاطل مشارك في الاحتجاج يدعى محمد مامير عمره 45 عاما "النظام فاسد. المسؤولون المحليون ...يعطون المساكن لاقاربهم."
وأبلغ مسؤول في مقر الوالي رويترز أن الوالي ومدير مكتبه غير موجودين ولا يمكن اجراء مقابلة معهما. وأضاف أنه لا يمكن لاحد اخر أن يعلق بشأن القضية.
وقال ياسين زايد وهو ناشط حقوقي محلي كان يراقب الاحتجاجات ان الوالي نقل في وقت متأخر من مساء الاربعاء رسالة الى المحتجين مفادها ان القائمة ستتغير. ولم يتضح ما اذا كان ذلك يعني ان السلطات ستطرد السكان من الشقق التي اعطتهم اياها قبل فترة قصيرة.
ومما أجج من مشاعر الغضب في الاغواط أن المنطقة غنية بالموارد الطبيعية اذ يقع الى الجنوب منها حقل غاز طبيعي ضخم يدعى حاسي الرمل.
وقال فيصل بيسيجور وهو رجل عاطل عن العمل يبلغ من العمر 45 عاما "نحن نزود اوروبا واسبانيا وايطاليا (بالغاز) لكن هناك تناقضا. في الاغواط لدينا مظالم ..مشكلة الاسكان والفساد والبطالة."
وتحمل الاوضاع في الجزائر كل مقومات الاشتعال اكثر من اغلب جيرانها في شمال افريقيا. فالبلاد خارجة من صراع بين اسلاميين متشددين وقوات الامن التي تشير التقديرات الى انها اودت بحياة نحو 200 الف شخص.
وانحسر العنف في اعقاب حملة أمنية وعفو عن المتشددين الذين ألقوا اسلحتهم لكن من تبقى من المتشددين المنتمين لتنظيم القاعدة لا يزالون ينصبون كمائن ويقومون بتفجيرات انتحارية على نحو متقطع. ولم يتم بعد القضاء على كثير من اسباب التوتر التي ظهرت قبل 20 عاما.
وقال المحتجون في الميدان انهم لا يسعون للاطاحة بالحكومة لكنهم يريدون تنحية الوالي. وللتأكيد على ذلك رفعوا صورا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة (74 عاما) وهتفوا باسمه.
ولا يزال الخطر قائما من امكان استشراء احتجاجات مثل تلك التي شهدتها الاغواط الى أي من عشرات البلدات الاخرى التي تواجه مشكلات مشابهة مثل سوء ظروف الاسكان والبطالة.
وستجري الجزائر في مايو ايار انتخابات برلمانية هي الاولى منذ الربيع العربي ويمكن أن تشكل عاملا مساعدا في تفاقم الاحباط في أنحاء البلاد بسبب تلك المشكلات.
وقال زايد رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان في الاغواط "تلقيت اتصالات من عشرات الاشخاص من بلدات اخرى يسألونني ماذا حدث. هم (السلطات) خائفون ان يستفحل هذا."
وترك مشروع اعادة التسكين بعض الاسر في حالة أسوأ من ذي قبل اذ أنه بمجرد اعادة تسكين الاسر أرسلت جرافات لازالة منازلهم القديمة لكن البعض لم تشملهم الفائدة ببرنامج الاسكان الجديد وبالتالي تركوا دون مأوى.
ورغم أنها على أطراف الصحراء الكبرى تقع الاغواط على هضبة عالية وطقسها شديد البرودة خاصة في الليل.
وكانت هنية زياني البالغة من العمر 67 عاما تشعل نارا امام خيمة مؤقتة صنعت من البطاطين والمشمع وبراميل النفط. وفي الداخل تجلس ابنتها المعاقة ذهنية البالغة من العمر 34 عاما.
وسئلت عن سبب عدم اختيارها للحصول على منزل فقالت "لقد طلبوا رشوة وليس معي حتى المال الذي اشترى به طعاما فكيف أدفع رشوة..."
وعلى مسافة ليست بالبعيدة كان يجلس بوزيد بيلي (75 عاما) الذي يقيم في منزل مصنوع من المشمع والحديد المموج ودعامة خشبية وينام على سرير مكون من عدد قليل من البطاطين الموضوعة على الارض.
وكان لديه نفس التفسير لما حدث وهو الفساد. وقال وهو يرتجف ويغالب دموعه "الجو بارد جدا. ليس لدي مكان الجأ اليه."