حالة من الترقب الشديد تسود الشارع المصري مع بدء العد التنازلي للدعوة التي أطلقها مجموعة على موقع "الفيس بوك" تحت اسم "أقباط من أجل مصر"، لتنظيم إضراب قبطي يوم 11 سبتمبر المقبل الموافق الاحتفال بعيد رأس السنة القبطية، احتجاجا على ما سموه تهاون الحكومة مع الأحداث الطائفية.وتأتي الدعوة لهذا الإضراب في سياق تصعيد غير مسبوق من جانب أقباط المهجر، إذ تأتي بعد أيام من الدعوة إلى حملة توقيعات لتغيير اسم الدولة إلى "مصر" دون "العربية" دشنها المحامي القبطي ممدوح نخلة، رئيس مركز الكلمة لحقوق الإنسان، بدعم من منظمات قبطية في المهجر ، وبعد أيام من المظاهرات التي تم تنظيمها إمام البيت الأبيض أثناء زيارة الرئيس مبارك لواشنطن.
وقد اشتعلت حدة المواجهة بين الأقباط المؤيّدين والرافضين له، وفي الوقت الذي أعلن فيه عدد من أقباط المهجر، وعلى رأسهم المحامي موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية الأمريكية، دعمه للإضراب وطالب الأقباط بارتداء الملابس السوداء، وقد انضمّت إلى الدّعوة منظّمات قبطيّة أخرى، إلاّ أنّه إلى الجانب الآخر بدأت تظهر أصوات أخرى ومحاولات حثيثة لإحباط الإضراب وإفشاله وتحويله ليوم صلاة.
فقد استنكر الكثير من أقباط الداخل فكرة الإضراب محذرين من الانسياق وراء هذه الأفكار الهدامة، حيث اعتبرت الكنيسة فكرة الإضراب مرفوضة؛ لتنافيها مع تعاليم المسيحية، ورفضه أيضا مفكرون ونشطاء أقباط، دعا قيادي في الحزب الوطني الحاكم إلى تجاهله.
بيان الإضراب
وجاء في البيان الذي تداولته المواقع القبطية على نطاق واسع "تدعو مجموعة "أقباط من أجل مصر" لإضراب عام لأقباط مصر يوم الجمعة 11 سبتمبر المقبل، عيد رأس السنة المصرية ــ القبطية، وذالك تعبيرا عن استياء كل الأقباط من موقف الدولة المخزي من الأحداث المتلاحقة التي تطول مسيحيي مصر".
وطالبت الدعوة الأقباط بالتزام منازلهم، وفى حالة الخروج من المنزل، لأسباب قهرية، فعليهم الحرص على ارتداء ملابس سوداء.
وحددت المجموعة مطالبها في إقرار قانون موحد لبناء دور العبادة، وإلغاء جلسات الصلح العرفية وتقديم الجناة الفعليين إلى المحاكمات العادلة.
إشعال الفتنة
وشكك الدكتور نادر أبو الفتوح أستاذ العلوم السياسية في نجاح مثل هذا الإضراب وذلك بسبب قلة المشاركة فيه من قبل أقباط الداخل ، كما أنا الدعوة جاءت من أقباط المهجر ، مشيرا إلي السبب الرئيسي لمثل هذا الإضراب ليس الأسباب التي وردت في البيان ، ولكن بسبب فشل إضرابه أمام البيت الأبيض أثناء زيارة الرئيس مبارك لأمريكا.
واعتبر أبو الفتوح هذا الإضراب يهدف إلي الضغط بشكل أو بأخر علي الحكومة في الداخل لتلبية مطالب الأقباط من جهة ، وتهييج وإشعال الفتنة بين المسلمين والأقباط حيث انه إضراب فئوي وليس إضراب يشمل كل فئات الشعب المصري فهو ذو مطالب فئوية .
وعن موعد الإضراب الذي يتزامن مع ذكري 11 سبتمبر وتفجير برجي التجارة العالمي ، يشير إلي أن الارتباط بين الحدثين مصادفة لأنه يصادف نفس توقيت رأس السنة القبطية ، فالهدف منه إشعال فتنة داخلية وليس له ارتباط بأية أحداث خارجية وان كانت متعلقة الإسلام والإساءات التي تعرض إليها بعد هذه الأحداث.
مسيحية سياسية
من جانبه, اتهم الدكتور صفوت إسماعيل أستاذ علي الاجتماع السياسي الدولة بفتح المجال لمثل هذا الإضراب الفئوي والتي أهم نتائجه توسيع الفجوة بين المسلمين والمسيحيين لإبعادهم عن القضايا الحقيقية الخاصة بالتداول السياسي للسلطة وخلق حياة سياسية حقيقية.
وأشار إلي أن الداعين أو المشاركين في الإضراب لا يعبرون عن القطاع الأكبر في الشارع القبطي بمصر، وربما لن تجد رسالتهم قبولا في الشارع المصري بصفة عامة.
وأضاف أن مثل هذا الإضراب يهدف إلي توجيه رسالة إلى السلطات مفادها أنها لا يمكنها منع تحركات من هذا النوع في الوقت الراهن ، مستبعدا أن يجبر هذا التحرك الحكومة المصرية على تقديم تنازلات ويعتبره مسيحية سياسية على غرار الإسلام السياسي "الذي فشل في انتزاع تنازلات من الحكومة ولن تنجح المسيحية السياسية في ذلك".
تباين قبطي
من ناحية أخري ، تباينت الآراء القبطية حول هذا الإضراب ، حيث يري نجيب جبرائيل مستشار البابا للشئون القانونية والناطق بلسان الكنيسة أن تلك الدعوة تكشف النقاب عن حالة الغضب المتنامي في صفو الأقباط بسبب ما يتعرضون له من مضايقات سببها في الأساس رفض النظام تلبية المطالب المشروعة لهم.
وأعرب جبرائيل عن اعتقاده بأن البابا لا يسعى لتحويل الكنيسة لجهة تمارس السياسة، ومن هنا فإنه يقف في وجه أي قوى تسعى لأن تكون قوى معارضة ضد النظام.
تظاهرة عابرة
وبدوره ، استنكر جورج إسحق، المفكر القبطي هذه الدعوة، مشيرًا إلى ضرورة التصدى لحل مشاكل مصر الداخلية والحالة المعيشية المشينة للمواطن المصري لا السعي إلى إظهار روح التفرقة العنصرية المرتكزة على أساس الدين أو النوع أو الجنس، مؤكدًا أن هذا الإضراب لا يعد أكثر من تظاهرية عابرة طالما أنها اعتمدت من البداية على التفرقة، موضحًا أن أي مطالب للمصريين لن يستجاب لها إلا عن طريق الوقفة الصحيحة المرتكزة على المبدأ الصحيح ألا وهو مصر لكل المصريين والمصلحة العامة للجميع.
وأضاف أن من يدعون إلي مثل تلك الأفكار والدعوات بأنهم يسعون إلي الشهرة الإعلامية ولو على حساب مصلحة الوطن، متصورين أنهم بذلك سيصبحون أبطالاً لدى الأقباط رغم أنهم يقسمون الوطن على أرضية مسلم ومسيحي.
وتنبأ بفشل هذا الإضراب كل المقاييس ، داعيا إلي التفكير في المطالب العامة التي يعاني منها كافة الشعب المصري .
معارك"الفيس بوك"
وفي فضاء الانترنت ، تصاعدت المواجهة كذلك بين المؤيدين والمعارضين علي موقع "Facebook" ففي الوقت الذي وصل فيه عدد المؤيّدين للإضراب إلى المجموعة الرئيسة لمجموعة "أقباط من أجل مصر" الداعية للإضراب إلى أكثر من 14 ألف شخصًا ، إلاّ أنّ المجموعات المناهضة للإضراب في تصاعد وتكتسب الكثير من المؤيّدين من الأقباط والمسلمين فوصل عدد زوار "مجموعة بارك بلادي" إلي حوالي ألف زائر، وترفع المجموعة شعار "البرّ يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية... ليس بالإضراب - ولا يوجد اضطهاد... بل بالرجوع إلى الرّب والحياة معه".
وتدعو المجموعة إلى نبذ الإضراب ومثل هذه الأفكار والتقرّب إلى الرّب والدعاء، لكنّ هذه الدعوة قابلتها موجة اعتراض من قبل المؤيّدين للإضراب
دعوات فاشلة
وعلق الدكتور جهاد عودة عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني الحاكم علي هذه الدعوة قائلا :"إنه لا بد أن نفرق بين شريحتين من أقباط المهجر، وهم الغالبية العظمي التي تدين للبابا شنودة الثالث بالولاء، وبعض المتشددين، أمثال موريس صادق رئيس منظمات الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية، الذين يسيئون لسمعة مصر".
وأضاف ""من يحرض على الثورة هم بعض أقباط المهجر وليس كلهم، ودعوة هؤلاء إلى الإضراب فاشلة، ولن تلقى أي نجاح، ومن ثم يجب تجاهلها".
وأضاف: "إنهم يملئون الدنيا صراخا وعويلا للإساءة لصورة مصر أمام العالم ظنا منهم أنهم يستطيعون بذلك الضغط من أجل مزيد من الحقوق المشروعة وغير المشروعة، وهم يتحركون إعلاميا بشكل جيد، ودائما ما يختارون نقاط بروز إعلامي للتعبير عن مطالبهم، مثلما ينوون التظاهر أمام البيت الأبيض أثناء زيارة الرئيس مبارك"
وشدد على أن النظام المصري على استعداد للتباحث حول جميع مطالب الأقباط، ولكن في إطار وطني دون أي تهويل في الخارج وكأن ثمة مذابح ترتكب بحق الأقباط في مصر.