20120422
رويترز
تمثل خطط المغرب اصدار قانون هذا العام لتنظيم الاضرابات اختبارا لمدى قدرة الحكومة التي يقودها الاسلاميون على تنفيذ الاصلاحات الرامية لتحديث اقتصاد في حاجة ماسة للاستثمارات الاجنبية.
واظهرت احصاءات رسمية ان متوسط حالات الاضراب في المغرب العام الماضي بلغ اضرابا واحدا في اليوم وهو اعلى رقم منذ عشر سنوات وغالبا ما كان يشل الخدمات العامة ويؤدي الى اهدار اكثر من 300 الف يوم عمل فيما يمثل ارتفاعا بنحو ثلاثة امثال عن 2010.
وهذه الارقام مرتفعة بالنسبة لبلد ينضم فيه الى النقابات العمالية عشرة بالمئة بالكاد من حجم قوته العاملة البالغة عشرة ملايين عامل.
ويستوجب التشريع المزمع اصداره ان تجري النقابات محادثات مباشرة مع الموظفين قبل ان يتمكنوا من الدعوة للاضراب وقد يفرض غرامة على العاملين الذين يضربون بالمخالفة للقانون.
لكن هذا التشريع يواجه معارضة شديدة من نقابات العمال المغربية التي انتهزت في الاونة الاخيرة احتجاجات ضد الفقر والبطالة لتوسيع نطاق عضويتها وبدأت في اختراق قطاعات سريعة النمو مثل مراكز الخدمة التي تحاول السلطات الترويج لها كمحرك للنمو الاقتصادي وتوفير الوظائف في المستقبل.
ورفض نوبير الاموي رئيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وهي أكبر نقابة لعمال القطاع العام اجراء أي محادثات مع الحكومة بشأن تنظيم الاضرابات دون اصلاح امور اخرى.
وقال "نحتاج مليون قانون لترتيب الحياة العامة... كيف تسمح الدولة أن تتقاضى كفاءات مهنية الحد الادنى للاجر.. وكيف تسمح الدولة لجل شركات القطاع الخاص من خرق مدونة الشغل."
وأجاز اول دستور للمغرب عام 1962 الاضرابات لكنه اخضغ تنظيمها لقانون اطاري لم ير النور مطلقا لان الحكومات السابقة كانت تخشى ان يطلق شرارة مواجهة مع النقابات الرئيسية. ومنذ ذلك الحين زاد عدد النقابات من اثنتين الى 25.
وأصاب موظفو المحاكم النظام القضائي بالشلل العام الماضي باضراب عن العمل بشأن الاجور استمر 46 يوما.
ودفع اضراب لعمال ميناء طنجة على البحر المتوسط بعض شركات النقل البحري الاجنبية الى تجنب التعامل مع الميناء مؤقتا. وانفقت الرباط الكثير لتطوير الميناء منذ سنوات قليلة في محاولة لجعل المدينة مركزا كبيرا للصناعة والنقل البحري بالنسبة للمستثمرين.
وفي حين لا توجد تقديرات دقيقة للخسائر المالية التي تسببها الاضرابات للاقتصاد الذي يبلغ حجمه 100 مليار دولار يقول محللون ان اثارها على الاستثمار تفاقمها المنافسة الاقتصادية التي لا تزال ضعيفة.
ومن المتوقع ان ينمو الاقتصاد المغربي بنسبة تتراوح بين ثلاثة واربعة بالمئة هذا العام وهو ما ينخفض كثيرا عن النسبة التي تستهدفها الحكومة وهي 5.5 في المئة سنويا والتي تقول انها لازمة لزيادة فرص العمل. وتراجعت الاستثمارات الاجنبية في العامين الماضيين فيما يرجع لاسباب من بينها الازمة في منطقة اليورو اكبر مستثمر في المغرب وشريكه التجاري الرئيسي الامر الذي رفع عجز المعاملات الجارية الى اعلى مستوى له منذ الثمانينات.
وقال مسؤول كبير في الحكومة التي يقودها منذ ديسمبر كانون الاول الماضي اسلاميون معتدلون تابعون لحزب العدالة والتنمية ان قانونا اطاريا بشأن الاضرابات سيحال للبرلمان قبل نهاية هذا العام.
واضاف المسؤول "الهدف هو تجنب الشلل التام الذي عرفته خدمات القطاع العام وبعض الشركات الخاصة بسبب الاضرابات. لن نمنع الاضرابات عبر القانون ونريد فقط اصدار تنظيمات تضع حدا للفوضى في الاضرابات."
وألح عليه مسؤول تنفيذي فرنسي في وقت سابق من العام الحالي لمعرفة سبب "الاضرابات المتكررة" في المغرب فأنحى رئيس الوزراء عبد الاله بن كيران باللائمة على فرنسا القوة الاستعمارية السابقة في ادخال الاضرابات الى البلاد.
وبالنسبة للشركات التي وافقت على فرض ضرائب جديدة في 2012 لمساعدة الحكومة في دعم المالية العامة الضعيفة فان التشريع الخاص بالاضراب - وهو جزء من اصلاحات اوسع تشمل جعل القضاء اكثر استقلالا - بات محل ترحيب.
وقال جمال بلحرش رئيس لجنة الشغل والعلاقات العامة بالاتحاد العام لمقاولات المغرب وهو اكبر مجموعة لارباب العمل في المملكة "لا يمكن للمغرب ...ان يترك قطاع الاعمال رهينة لاشخاص ليس لديهم احسن النوايا ...مما يدفع بعض الشركات الى الاغلاق".
وقال كريم التازي رئيس الجمعية المغربية لصناعة النسيج والالبسة التي يعمل بها 200 الف شخص وهي صناعة تصديرية رئيسية ان كثيرا من شركات النسيج اضطرت للاغلاق بسبب الاضرابات.
واضاف "هناك شركات تستحق الاضرابات (لانتهاكها قوانين العمل) وهناك عدد اكبر من الشركات ينتهي بها الامر الى الاغلاق بشكل غير عادل لان خمسة او ستة اشخاص وظفوا شخصيتهم المؤثرة من اجل التسبب في اضرابات فوضوية."
ولا تجيز مسودة القانون التي حصلت رويترز على نسخة منها الاضراب الا اذا فشلت المفاوضات المباشرة وغير المباشرة وبعد اخطار ارباب الاعمال قبل عشرة ايام من موعد الاضراب ويومين اذا كان الاضراب بسبب عدم دفع الرواتب او خلافات لم تحل في مكان العمل.
ويحظر القانون على الشركات فصل موظفين او تعيين بديل لهم خلال الاضراب القانوني وهو ما سينهي ممارسة يستغلها كثير من اصحاب الاعمال الخاصة للتحايل على مطالب العمال او اجبارهم على التخلي عن الاضراب كلية.
وقالت سميرة كناني وهي شخصية بارزة في الاتحاد المغربي للشغل وهو اكبر نقابة عمالية في المغرب ان الاضرابات انما هي انعكاس لغياب حقوق العمال المناسبة.
واضافت "تتغاضى السلطات مرات اكثر من اللازم عن خروقات مدونة الشغل. الاغلبية الساحقة من العمال ليس لديهم انخراط في صندوق الضمان الاجتماعي وليس لديهم عقود عمل. النقابات اذن يجب ان تتدخل لسد الفراغ الذي تتركه الدولة للدفاع عن الاشخاص الذين لا حامي لهم."
وقالت "الاندفاع وراء هذا القانون يعكس ارتباك الحكومة وسط المشاكل الاقتصادية في اوروبا والمغرب في خضم الربيع العربي. الوازع الحقيقي للسلطات وراء هذا القانون هو الهاجس الامني."
وفي ذروة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية العام الماضي والتي استلهمت انتقاضات الربيع العربي في دول اخرى في المنطقة وافقت الحكومة في ذلك الوقت على زيادة رواتب موظفي القطاعين العام والخاص.
وساعدت هذه الاجراءات - بالاضافة الى تعهد العاهل المغربي الملك محمد السادس بتقليص صلاحياته - المغرب على تجنب ذلك النوع من الاضطرابات التي اطاحت بالانظمة في تونس ومصر وليبيا.
لكن الاحتجاجات الدورية تتواصل ضد البطالة والفقر والفساد في المؤسسات الرسمية. ويتحول بعضها الى اعمال عنف.
وقال الخبير الاقتصادي محمد جرين ان الاضطرابات الاقليمية والمصاعب الاقتصادية في المغرب "يجب ان تؤدي في نهاية الامر الى سن قانون بشأن الاضرابات يناسب جميع الاطراف.
"لا اعتقد ان الحكومة بعد ما حدث هنا (الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية) باستطاعتها تفعيل قانون سيضر بمصالح العمال ولكن في نفس الوقت لا تستطيع تفعيل قانون لن يوفر حماية للشركات من الاضرابات الفوضوية بسبب الظروف الاقتصادية الحالية."