2012058
رويترز
يتوقع أن تفوز الأحزاب الإسلامية المعتدلة في الانتخابات البرلمانية الجزائرية يوم الخميس لكن من غير المرجح أن تسعى لإجراء تغيير كبير في الجزائر التي تحكمها النخبة نفسها منذ الاستقلال قبل نصف قرن.
وفاز الإسلاميون بالفعل بنصيب من السلطة في دول أخرى في أعقاب انتفاضات "الربيع العربي" وإذا حققوا نصرا انتخابيا يوم الخميس فسيمثل ذلك تحولا رمزيا في الجزائر التي تضم نخبة سياسية من أكثر النخب تمسكا بالعلمانية في العالم العربي.
وفي أوائل التسعينات أبطلت النخبة الحاكمة المدعومة من الجيش انتخابات أوشك الإسلاميون على الفوز فيها ثم خاضت معهم صراعا قتل فيه 200 ألف شخص.
لكن برغم هذه الرمزية سيكون التغيير محدودا.
فالإسلاميون تربطهم علاقات وثيقة بالنخبة الحاكمة وهم معتدلون ونادرا ما يذكرون الدين كما لا تتيح لهم السلطات المحدودة للبرلمان السعي لاجراء إصلاح جذري حتى لو رغبوا في هذا.
أما الإسلاميون الأكثر تشددا الذين يسعون فعلا لتغيير جذري ويمثلون جزءا مؤثرا من المجتمع كثيرا ما يثير القلاقل فهم خارج العملية السياسية بعضهم اختيارا وبعضهم حظرا.
وقال محمد مولودي وهو محرر ومتخصص في الشؤون الإسلامية لرويترز "من المرجح جدا ان الإسلاميين سيفوزون ومن المرجح جدا ان يشكلوا ائتلافا داخل البرلمان وسيحدثون جلبة كثيرة لكن هذا لن يكون له أثر كبير على الحياة السياسية في الجزائر."
ولا توجد استطلاعات للرأي يمكن الاعتماد عليها في الجزائر لكن محللين ودبلوماسيين يتوقعون أن تجني الأحزاب الإسلامية الستة التي تخوض الانتخابات يوم الخميس نصيبا من الأصوات أكبر من نصيب الأحزاب العلمانية المهيمنة عادة.
وبدا هذا الاتجاه واضحا أمس السبت في قاعة الحرشة الرياضية في العاصمة الجزائر.
فقد تمكن احمد أويحيى رئيس الوزراء وزعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي من حشد نحو خمسة آلاف شخص في اجتماع حاشد لكن كثيرا من المقاعد كانت خالية. وبعد بضع ساعات اكتظ المكان نفسه بالحضور خلال تجمع لحزب الجبهة الإسلامية للتغيير.
وفي حين أن الإسلاميين الذين حققوا مكاسب سياسية بعد انتفاضات الربيع العربي في تونس أو مصر معارضون سابقون أمضى بعضهم سنوات في السجون بسبب آرائهم فإن نظرائهم في الجزائر أوثق علاقة بالحكومة.
وتظهر أغلب التوقعات أن التحالف الأخضر الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية سيكون أكبر كتلة في البرلمان الجديد.
وكانت حركة مجتمع السلم أكبر حزب في التحالف ضمن ائتلاف موال للرئاسة حتى ديسمبر كانون الأول الماضي عندما أعلن زعيمه أنه سينتقل للمعارضة.
لكنه احتفظ مع ذلك بعدد من حقائبه الوزارية. ومن بين وزرائه الباقين عمار غول وزير الأشغال العمومية الذي يتقدم مرشحي التحالف في العاصمة ويتوقع البعض أن يكون رئيس الوزراء القادم.
وتربط شبكة مماثلة من العلاقات بين المؤسسة الحاكمة وأحزاب إسلامية أخرى تقول جميعا إنها معارضة.
ويعمل زعيم سابق لحزب الإصلاح وهو حزب آخر في التحالف الأخضر مستشارا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الان.
وعين واحد على الأقل من القادة السابقين في حزب النهضة وهو الشريك الثالث في التحالف سفيرا. وشغل عبد المجيد مناصرة رئيس جبهة التغيير منصب وزير الصناعة خلال الفترة الأولى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكان في حركة مجتمع السلم.
ومعظم الاسلاميين الذين يخوضون الانتخابات قريبون ايضا من النخبة الحاكمة عقائديا فتركز حملاتهم الانتخابية على القضايا التي تؤثر على حياة المواطنين اليومية ولا تشير الا قليلا الى دور الاسلام في الحياة العامة.
ولا يشير التحالف الأخضر في الدعاية الانتخابية الى دمج الشريعة في نظام العدالة.
وفي مقر حملة عمار غول الانتخابية وهو فيلا في شارع راق في الجزائر لم تكن هناك الأسبوع الماضي أي علامة على أي رموز دينية. ولم تكن الموظفة الشابة في مكتب الاستقبال تضع حجابا.
وفي وقت لاحق ذلك اليوم وصل غول في موكب سيارات وحافلات في زيارة لضاحية صناعية في العاصمة ضمن حملته الانتخابية.
وأمضى 45 دقيقة يتحدث إلى رواد مقهى ثم تجول في مجمع سكني قريب. ولم يطرح موضوع الدين في الحديث خلال الزيارة.
وقال أحد العاملين في الحملة "الناس يسألونه عن مسألتين.. الوظائف والإسكان."
وبالنسبة لحمدان رضوان (44 عاما) يمثل هذا النوع من التوجه تخليا عن قضية الإسلام.
وقال لرويترز "الإسلاميين لم يعودوا إسلاميين. كل ما يصبون إليه هو جزء من الحكم وهم مستعدون للتضحية بكل شيء حتى انهم مستعدون لتطبيق برنامج علماني."
وينتمي رضوان إلى فئة مهمة من المواطنين الجزائريين وهي التيار السلفي الذي يتمتع بنفوذ كبير على المستوى الشعبي لكن ليس له صوت سياسي وغير مشارك في الانتخابات المقبلة.
وفي الشهر الماضي دعا تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وقادته الميدانيون من الجزائر إلى مقاطعة الانتخابات والثورة على النخبة. وليس لهذا التنظيم أي نفوذ يذكر في مجتمع سئم العنف.
أما أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة الآن والتي ألغيت انتخابات 1991 بعد فوزها في الجولة الأولى فلهم نفوذ أكبر.
وشكل زعماء سابقون في الجبهة يقيمون خارج البلاد حركة جديدة تدعو إلى انتفاضة سلمية على غرار انتفاضات الربيع العربي في الجزائر.
وتقلصت هذه الدعوة عندما ألقي القبض على احد زعمائهم وهو الطبيب مراد دهينة في فرنسا في يناير كانون الثاني بعد أن طلبت الجزائر تسليمه.
وقالت حركة الرشاد التي شارك دهينة في تأسيسها في بيان إنه سجن لمنع المعارضة الحقيقية للجيش من الكشف عن العملية الانتخابية الفاسدة.
أما أقوى مجموعة غير مشاركة في الانتخابات فهي السلفيون الذين يسيطرون على مئات المساجد ولهم شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية.
وقال أحمد الذي يصلي في مسجد بضاحية في الجزائر إمامه زعيم روحي للسلفيين "المشرع عندنا هو الله وليس الإنسان. ولذلك لا نعترف بشيء اسمه البرلمان بأنه يشرع قوانين خارج الشريعة."
وأضاف "بناء عليه لن نذهب للتصويت في تشريعيات 10 مايو وندعو محبينا وأصدقاءنا لعدم التصويت... فالقوانين عندنا موجودة داخل القرآن."