20120515
القدس العربي
لقد كان اكبر مسؤول بقطاع النفط في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي رجلا يعاني مشكلات في الأشهر التي سبقت العثور عليه غارقا بنهر الدانوب منذ أسبوعين.
ربما تحمل الإجابة عن سؤال عمن او ماذا كان شكري غانم يخشى مفتاحا للغز وفاته المفاجئة اذ انه كان واقعا تحت ضغط متزايد للكشف عما كان يعرفه بشأن صفقات مشبوهة مع مشتري نفط أجانب ضمت أفراد عائلة الزعيم الراحل الى نادي أصحاب المليارات.
كان غانم رئيس الوزراء السابق الذي أدار صناعة النفط الليبية الى أن فر خلال الصراع الذي اندلع العام الماضي يجري مفاوضات قبل وفاته مع المعارضين السابقين لتقديم أدلة وفقا لما ذكره مصدر قريب من تلك المناقشات في طرابلس لرويترز.
لكن غانم شخصيا قال لرويترز في كانون الأول (ديسمبر) بعد شهرين من مقتل القذافي وبعيد اعتقال ابنه سيف الإسلام إنه يخشى العودة الى طرابلس وأضاف "كانوا يجرون مقابلة مع رجل وقذفوه من النافذة".
وأضاف اثناء جلوسه ببهو فندق وهو يضع عينا على الباب ويتفقد هواتفه المحمولة ولا يبدو عليه الكثير من السحر والمرح اللذين أكسباه الكثير من الأصدقاء "اذا كنت ناجحا فهناك دائما من يريد محاولة النيل منك".
وقال النائب العام الليبي عبد العزيز الحصادي لرويترز في الثاني من ايار (مايو) إن لديه أمرا "بإحضار" غانم. لكن المسؤول السابق كان يعتبر شاهدا وليس مشتبها به على الأقل في الوقت الحالي ولن يسجن بالضرورة وقال الحصادي إن أمر الاعتقال غير سار دوليا.
وحيث إن غانم كان يحمل جواز سفر أوروبيا فإنه لم يكن يخشى ترحيله سريعا الى دولة تفتقر الى نظام قانوني مستقر. ومن بين زبائنه في قطاع الطاقة حكومة رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني التي منحته الجنسية الإيطالية بمرسوم رئاسي نشر في كانون الاول (ديسمبر) 2008.
ولم تتحدث الحكومة الليبية التي مازالت تسعى جاهدة لفرض النظام في دولة تتمتع فيها الميليشيات المتناحرة بنفوذ كبير عن القضية واكتفت بالتعبير عن دهشتها مشيرة في الوقت نفسه الى أن الشرطة النمساوية لم تجد أدلة على ارتكاب جريمة حتى الآن.
وتقول الشرطة وأسرة غانم إن وحدة التحقيق في جرائم القتل لم تعثر على شيء يتعارض مع وجهة نظرها بأن غانم (69 عاما) داهمته وعكة صحية ربما أزمة قلبية وهو يتمشى على ضفة النهر بالقرب من منزله بعد فجر الأحد 29 نيسان (ابريل) غير أن نتائج اختبارات السموم لن تظهر بالكامل قبل عدة اسابيع.
ومنذ وفاة غانم رسمت عشرات الحوارات - مع افراد عائلته وأصدقائه وجيرانه وزملائه السابقين في طرابلس ومسؤولين كانوا يعرفونه على مدى العقود الثلاثة التي كان فيها من الشخصيات المهمة في مقر منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) بفيينا - صورة لرجل كان واقعا تحت ضغط متزايد وقلقا على سلامته.
ورآه شخص مؤخرا يحيطه حراس شخصيون على الرغم من أنه تخلى عن حماية الشرطة له بعد فراره من ليبيا الى مدينة كان يشعر فيها بأنها مثل الديار وبدأ تجارة جديدة.
وتحدث آخرون عن عزوف الجالية الليبية التي كانت تقدره ذات يوم عن التعامل معه لأنها تشعر الآن بحرية أن تنبذه بوصفه ألعوبة لنظام فاسد. وقال أصدقاء إن مواطنا ليبيا بصق في وجهه بمطار فيينا هذا العام مما كان له أثر سيء على روحه المعنوية.
وقال رجل كان يعمل مع غانم في ليبيا وظل على اتصال به "بدا مكتئبا مؤخرا... كانت شهيته للطعام ضعيفة". وعلى غرار أغلب أصدقاء المسؤول الليبي السابق فإنه طلب عدم نشر اسمه.
كما أشار زميل سابق لغانم بقطاع النفط تناول معه القهوة الشهر الماضي الى أن غانم كان متوترا خاصة بشأن استدعاء الحكومة الليبية له ليدلي بشهادته بشأن صفقات مريبة. وقال "كان حزينا جدا لهذا الأمر... وقع تحت ضغط هائل".
هل أصابه هذا بنوبة أدت الى سقوطه في النهر؟ ام لم يعد يتحمل الوضع بحيث قفر غانم الذي لا يجيد السباحة ليتخلص من حياته؟ ام دفعه التوتر الى الخوف من أن مصالح كبرى ربما تسكته الى الأبد بدفعة في النهر تقضي عليه.
ولم تعثر الشرطة على رسالة انتحار ويبدو الغرق صدفة غريبة للبعض. لهذا ربما لا يكون هذا غريبا في مدينة تعتبر الجريمة فيها مألوفة.
وقال نعمان بن عثمان وهو محلل ليبي بارز ومعارض للقذافي لفترة طويلة "إنها جريمة نفذت باحتراف" معترفا بأنه ليست لديه أدلة دامغة. وأضاف "إنها مافيا الطاقة العالمية. الأمر يتصل بالفساد والصفقات السرية. الناس يريدون أن يضمنوا غيابه حتى لا يتحدث".
حصل غانم على درجة الدكتوراه من بوسطن وحظي باحترام دولي بوصفه مسؤولا عن الأبحاث بمنظمة اوبك في التسعينات وصادق سيف الاسلام حين كان يدرس في فيينا. ويقول أصدقاء إن غانم ساعد القذافي الابن في إعداد الرسالة التي نال بها شهادة الدكتوراة. ثم استدعي ليتولى منصب وزير الاقتصاد الليبي عام 2001 وبعد هذا تولى منصب رئيس الوزراء بدءا من عام 2003 . في ذلك الحين كان سيف الإسلام يقود جهودا لاستغلال أسواق تصدير النفط التي انفتحت بعد رفع العقوبات الغربية.
نتيجة لقربه من عائلة القذافي أصبح غانم رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط عام 2006 مما منحه نفوذا وربما ثروة غير أنه لم يظهر لهذه الثروة أثر يذكر على الحياة التي عاشها في العام الأخير فكان يتمشى لفترات طويلة ويركب الترام ويقابل أصدقاءه القدامى لاحتساء القهوة ومشاهدة الأفلام او مباريات كرة القدم على التلفزيون مع ابنته الصغرى آية في الشقة الرحبة التي يملكها بالطابق العشرين قرب مجمع الأمم المتحدة بفيينا.
لكن العلاقة بعائلة القذافي جلبت المشاكل على رجل اعتبر على نطاق واسع في الخارج موظفا يتمتع بالكفاءة والأمانة. وقال زملاء ودبلوماسيون إن غانم قدم استقالته من المؤسسة الوطنية للنفط عام 2009 احتجاجا على مطالب من قبيلة القذافي بالحصول على اموال. لكنه داس على كبريائه وعاد الى العمل سريعا ليستقيل مرة أخرى في ايار (مايو) الماضي حين توغلت قوات المعارضة السابقة في الصحراء.
ويتسم ما يعلمه غانم عن استخدام القذافي المزعوم للمؤسسة الوطنية للنفط كبنك خاص وعن أماكن مليارات يصعب اقتفاء اثرها بأهمية كبيرة للنبابة التي تحاكم سيف الاسلام وآخرين وربما كانت ستؤدي الى إعادة أموال الى خزائن الدولة.
اما بالنسبة لمن يشتبهون في أن شخصيات مغمورة بدءا من ابناء قبيلة القذافي وانتهاء برجال المافيا الايطالية سعت الى إسكات غانم فإن رغبته في الحديث فيما يبدو ربما أثرت على سلوكه.
وقال عامر البياتي وهو كاتب عراقي وجار لغانم كان ينزل للتمشية معه في بعض الأحيان إن غانم كان قلقا وأضاف "متى كان يرى رجالا عربا كان يتوخى الحذر الشديد".
لكن آخرين يقدمون رؤية اقل ميلودرامية مثل نيهال جونوردين وهي صديقة له مقيمة في واشنطن وترجع صداقتهما الى ايام دراستهما في جامعة تافتس إنه قبل وفاة غانم ببضعة ايام أخبر صديقا مشتركا بأنه خضع لفحوص طبية ويخشى من ان تكون النتائج سيئة.
وقالت آية ابنة غانم وهي في العشرينيات من عمرها للشرطة إن والدها شعر بتوعك بينما كانا يشاهدان التلفزيون في الليلة السابقة لوفاته.