يبدو أن العلاقة بين الخرطوم وواشنطن ما زالت في أطوار لا تسمح برفع العقوبات الأميركية المفروضة على السودان منذ العام 1997، شأنها شأن بقاء اسمه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
فرغم مرور كثير من المياه من تحت الجسور بين الطرفين بعد اتفاق السلام الشامل وتخلي الخرطوم عن كثير من مواقفها العدائية تجاه واشنطن، فإن ذلك لم يقنع الإدارة الأميركية بالتخلي عن سياستها تجاه حكومة الرئيس عمر البشير.
وبينما كانت الخرطوم تنتظر قرارا من إدارة الرئيس باراك أوباما بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أو على الأقل رفع العقوبات المفروضة عليها، برهنت الإدارة الأميركية أنها بحاجة إلى تنازلات كثيرة قبل اتخاذ مثل ذلك القرار.
وكان المكتب الخاص بإدارة وضبط الأصول الأجنبية بالولايات المتحدة قد أجرى تعديلاً بشأن العقوبات الاقتصادية على السودان يسمح بتصدير وإعادة تصدير المنتجات الزراعية والأدوية والأدوات الطبية، وذلك لمناطق معينة بالسودان تشمل جنوب السودان وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق وأبيى ودارفور وبعض المناطق الأخرى حول الخرطوم والتي وصفت بالمهمشة، مما دفع الحكومة السودانية إلى اعتبار ذلك محاولة لتمزيق السودان وتحويله إلى "دويلات ضعيفة".
توقيت سيئ
فقد اعتبر غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية أن خطوة الإدارة الأميركية أمرا سيئ التوقيت ويهدف إلى تقسيم البلاد، متهما واشنطن بمعاداة السودان والسعي لإضعاف حكومته.
وزاد "إن كان الغرض فرض عقوبات ذكية كما يزعمون فهو يؤسس لحالة غبية، ولا أتصور كيف يتم تطبيقه".
لكن محللين سياسيين اعتبروا أن موقف الإدارة الأميركية لم يتغير إلى الأحسن رغم التنازلات التي أبدتها الخرطوم والمعلومات التي وفرتها لواشنطن بشأن ما يسمى الإرهاب.
وتوقعوا أن يساعد ما سموه الموقف الجديد المتواصل للحكومة الأميركية الجنوبيين على تخطي حاجز الخوف من الانفصال، مؤكدين أن الجنوبيين سيعتقدون أنهم سيجدون دعما وتأييدا كاملا لخطواتهم نحو الانفصال وتشكيل دولة مسيحية دينية بعيدا عن دولة الشمال المسلم.
تقسيم السودان
فقد استبعد المحلل السياسي محيي الدين تيتاوي تأثير العقوبات على السودان، لكنه قال إن هذا المنحى الجديد ربما يسعى لتفتيت وحدة السودان بدعم بعض المناطق وكأنها دول قائمة بذاتها ومعاقبة مناطق أخرى.
ووصف في تعليق للجزيرة نت ما يجري بأنه استهداف واضح للسودان رغم اللقاءات التي تتم بين الخرطوم وواشنطن، مشيرا إلى اعتقاد أميركا بالسيطرة الإسلامية على مقاليد السلطة في السودان "ومن هنا يتحركون لمحاربته".
وقال إن إدارة الرئيس أوباما لا يمكن أن تخرج عن الإستراتيجية المرسومة منذ عشرات السنين "والسودان على قائمة هذه الإستراتيجية"، مستبعدا قدرة أوباما على تغيير ما رسمته الإدارات الأميركية المتعاقبة للسودان من سيناريوهات.
علاقات تجارية
أما أستاذ القانون الدولي بجامعة الخرطوم فقد قلل من حجم القرار الأميركي "لعدم وجود علاقات تجارية مباشرة بين الخرطوم وواشنطن".
وقال للجزيرة نت إن أميركا ما زالت تجنح للتعامل مع الجنوب على أنه دولة قائمة بذاتها رغم أن هذا لا يتأتى بموجب القانون الدولي، مشيرا إلى إمكانية وجود خطط أميركية غير معلنة تجاه السودان على الأقل في الوقت الراهن.
وأكد أن عدم التعامل الأميركي مع حكومة الوحدة الوطنية التي نشأت بموجب اتفاقية نيفاشا للسلام والتعامل مع الجنوب كدولة منفصلة ربما شجع الإقليم على اتخاذ قرار الانفصال عن الدولة الأم. ولفت إلى أن الإدارة الأميركية أصبحت تعتمد على طريقتين سياسيتين في التعامل مع السودان "العصا في وجه الشمال والجزرة في وجه الجنوب".