20120707
رويترز
يخطو مفتاح الفرجاني فوق الأنقاض المحترقة لما كان منزله في سرت مسقط رأس القذافي الذي كان يشمله بالرعاية ذات يوم وهو مصر على الا يدلي بصوته حين تجري ليبيا أول انتخابات منذ نصف قرن يوم السبت.
وقال الفرجاني "لماذا أصوت؟ انظر الى منزلي. انظر الى ما اصبحت عليه حياتي."
وبعد تسعة اشهر من انتهاء الانتفاضة التي اندلعت العام الماضي يشعر المعلم البالغ من العمر 33 عاما والمقيم في سرت مسقط رأس القذافي بأنه مهمش فيما يتشكل النظام الجديد في ليبيا.
وعلى غرار الكثير من المقيمين في البلدة التي حولها القذافي من قرية للصيد الى مدينة نموذجية يشعر الفرجاني بأن سرت تدفع ثمنا باهظا لكونها آخر المعاقل في معركة الزعيم الراحل للحفاظ على السلطة التي سيطر عليها لمدة 42 عاما.
ويبرز هذا المأزق التحدي الذي يواجهه حكام ليبيا الجدد على صعيد مصالحة الجماعات التي لها شكاوى منذ زمن طويل واستيعاب من اختاروا الا يساندوا الانتفاضة سواء بدافع من الخوف او لأنهم ساندوا القذافي او لأنهم كانوا مستفيدين من حكمه بطريقة او اخرى.
واذا لم تستطع الحكومة الجديدة أن تعطي سرت او بني وليد القريبة وهي معقل سابق ايضا للقذافي حصة في ليبيا الجديدة فإنها ستجازف بتكرار أخطاء الماضي من خلال إقصاء جزء من البلاد وتأجيل المشاكل للمستقبل.
ولا يستطيع كثيرون أن ينسوا أن مهد الانتفاضة كان في شرق ليبيا وهي منطقة كانت مفضلة في العهد الملكي وهمشها القذافي بعد انقلاب عام 1969 مما تسبب في تفاقم المشكلات.
وقالت حنان صلاح من منظمة هيومن رايتس ووتش "لم يعد الأمر انا مؤيد للقذافي وانا معارض للقذافي الأمر الآن هو هل انا جزء من ليبيا الجديدة هذه ام لا؟ هل استطيع ان اجد مكانا لنفسي وعائلتي وقبيلتي ومدينتي ومنطقتي في ليبيا الجديدة؟"
وأضافت "هذا أمر سيتضح في الأشهر القليلة القادمة؟ هل سيشعر هؤلاء الناس بأن لهم مكانا وأن لهم صوتا وأنهم موضوعون في الحسبان."
وسجل نحو 80 في المئة من الناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم اسماءهم اي نحو 2.7 مليون نسمة للتصويت في انتخابات الجمعية الوطنية التي ستتكون من 200 عضو وستساعد في وضع مسودة دستور الدولة الجديدة التي يأملون بناءها.
ويقول مسؤولون انتخابيون إن في سرت والمناطق المحيطة سجل ثلث سكانها البالغ عددهم 120 الف نسمة اسماءهم.
ولافتات الدعاية الانتخابية التي تغطي الحوائط وواجهات المتاجر في طرابلس قليلة ومتباعدة في سرت.
ولا توجد سوى بضع عشرات من لافتات الدعاية الانتخابية على الطريق الرئيسي في الوسط. وتدلت لافتة معلقة بين إشارة مرور وعامود للإنارة لتتلاعب بها الرياح. وتحث السكان بحروف حمراء لامعة على الا يعلقوا لافتات الى أن تتحقق أهدافهم.
في الحي الذي يعرف باسم المنطقة الثانية حيث يعتقد أن القذافي اختبأ في ايامه الاخيرة لاتزال آثار الدمار واضحة في مختلف الأنحاء.
انهارت اسقف بعض المنازل وتلاشت حوائط بالكامل. معظمها يحمل آثار الاعيرة النارية. نوافذ مهشمة او محطمة. وبقايا السيارات المحترقة لاتزال في مرائب.
وبعد القاء القبض على القذافي في سرت وقتله في اكتوبر تشرين الاول اشتعلت قبيلته غضبا. لكن في دولة اقر فيها المجلس الوطني الانتقالي الحاكم قانونا جديدا يحظر تمجيد القذافي ثم ألغته المحكمة العليا لا يجرؤ احد على التعبير عن حنين للنظام القديم.
وفي ظل ضعف الشرطة والمحاكم وتوافر الأسلحة سوى الليبيون حساباتهم منذ الثورة وتندلع الاشتباكات من حين لآخر بين مقاتلي المعارضة السابقة وعشائر ساندت القذافي او بقيت على الهامش.
ومنذ ذلك الحين فر كثيرون ممن دعموا القذافي من ليبيا خشية أن يلقوا نفس النهاية العنيفة التي لاقاها الزعيم الراحل. ولا يستطيع سكان سرت سوى أن يأملوا أن يجعل الساسة الذين انتخبوا لقيادة ليبيا الجديدة من المصالحة أولوية.
واذا لم يشارك في الانتخابات الا عدد قليل فإن شرعية انتخابات الجمعية الوطنية الجديدة قد تكون منقوصة في أعين ابناء سرت.
ومن الممكن أن يقوض هذا العملية التي تتعرض لهجوم بالفعل من إسلاميين متشددين وممن يطالبون بمزيد من الحكم الذاتي في الشرق كما يمكن ان تهددها اعمال العنف ايضا.
وقال جمال المبروك المقيم في المنطقة الثانية غاضبا "لمن سأصوت اذا كنت اعيش هكذا ومنزلي تهدم؟ اخبرني لمن سأصوت."
وأضاف "ليس لي منزل. هل هذه حياة؟ نحن عائلة واحدة هنا ولا يوجد فرق بين قبيلة القذاذفة او قبيلة ورفلة او من هم من مصراتة. ليبيا واحدة. نحن جميعا اخوة."
وبعد أن سيطر مقاتلو المعارضة بدعم من حلف شمال الاطلسي على اجزاء من ليبيا بما فيها العاصمة احتمى القذافي بأقاربه وأنصاره الاوفياء في المدينة التي أعدها لتصبح مركزا عالميا وأقام فيها مركزا كبيرا للمؤتمرات.
وسعى القذافي الى حشد التأييد لتكون سرت مقرا للاتحاد الافريقي دون جدوى وردت البلدة التي تقع في وسط الساحل الليبي وعلى مشارف صحرائها الجميل للزعيم الراحل كما ينبغي على مدى عقود.
لكن خلال الحصار الذي استمر ثمانية اسابيع يقول سكان إن اجزاء من البلدة تحولت الى انقاض خلال القتال على أيدي قوات معارضة من مناطق اخرى تسعى للانتقام.
وتهشمت نوافذ مركز واجادوجو للمؤتمرات الذي كان قبلة للشخصيات الاجنبية المرموقة.
في أحد المكاتب بالمجمع مترامي الأطراف يزخر الفرع المحلي لمفوضية الانتخابات بالنشاط استعدادا للانتخابات.
وعلقت على الحوائط لافتات تظهر كيفية التصويت.
وقال ابو بكر علي منسق مفوضية الانتخابات في سرت إن إقناع الناس بالتسجيل للإدلاء بأصواتهم في البداية كان صعبا لأنهم كانوا يشعرون انهم منسيون.
وأضاف أن القائمين على المفوضية بدأوا توعية الناس بشأن الانتخابات فأخذ المواطنون يتوافدون مشيرا الى أنهم متفهمون أن هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على نتائج وقال إنهم يرون ان الانتخابات هي المخرج من هذه الازمة وبادرة حسن نية.
وفي الوقت الذي يحن فيه البعض على استحياء للأمن والمميزات التي اتسمت بها حياتهم فيما سبق فإنهم يتقبلون فكرة أن أملهم الوحيد للمضي قدما يكمن في تبني نظام سياسي جديد وضمان أن يسمع صوتهم في الجمعية الوطنية.
ويتحدث مسؤولون حكوميون عن سرت بنبرة تصالحية ويعدون بالا تظلم. وقام رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب ورئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل بزيارتها.
وقال مقيم يدعى حماد عمار (52 عاما) "سمعناهما يتحدثان لكننا لم نر شيئا على ارض الواقع. نحن مع الانتخابات لكن هذا لا يعني أننا راضون بعد كل هذه الشهور."
وقال عمار الذي يعيش مع اسرته في غرفتين بالطابق الارضي لمنزله الذي لحقت به تلفيات إنه سجل اسمه للادلاء بصوته. لكنه حين خطا على اثاث متكسر وحطام اعترف "لا ادري بعد ان كنت سأذهب للادلاء بصوتي. سأقرر في يوم إجرائها."
ويخوض الانتخابات 45 مرشحا مستقلا من سرت ويتنافسون على مقعدين فقط. وقال أحدهما وهو عبد الجليل محمد عبد الجليل (29 عاما) وهو مدرس لعلم وظائف الأعضاء إن برنامجه يقوم على إعادة بناء سرت وحفظ الامن.
وقال لرويترز إن البعض لا يزالون يحبون القذافي. وأضاف أنهم اذا تلقوا معاملة جيدة ورأوا أن مدينتهم قد أعيد بناؤها فسينسون القذافي.