الجزيره (2012.07.10)
طرح اغتيال رئيس المجلس التشريعي لولاية جنوب كردفان إبراهيم بلدنية مطلع الأسبوع الحالي تساؤلات كثيرة كانت حتى وقت قريب من محرمات الشعب السوداني، تمحور معظمها حول مدى التعمد في الحادثة وهوية مرتكبيها.
ولم يجد المتسائلون بدا من طرحها على الملأ كون الإجابة عليها ستفضي إلى نتائج قد تفيد الجميع، وتحديدا لأن الإجابات من شأنها منع تدمير النسيج الاجتماعي لمجتمع يعاني الهشاشة في تركيبته.
فبالرغم من إعلان الحزب الحاكم عن وجود أطراف تستغل المظاهرات العشوائية لتنفيذ عمليات الاغتيال، قال محللون ومتخصصون إن الظاهرة منبوذة من المجتمع السوداني وغير موجودة واعتبروا أنه نوع من التخويف بحق الشعب الذي شرع في الاحتجاج على النظام السوداني.
وفي المجمل دفعت جميع القوى السياسية في اتجاه النأي بنفسها عن ذلك المنحى واعتباره حادثة فردية لا تمت لأي تنظيم سياسي بصلة.
الأمين: الاغتيالات ثقافة غير مرغوب بها لأنها تمثل "الجبن"
خلايا نائمة
لكن حزب المؤتمر الوطني الحاكم أعلن عقب اغتيال بلدنية أن "الأجهزة الأمنية سبق لها التنويه بوجود خلايا نائمة تستهدف القيادات السياسية، وتعمل على استغلال المظاهرات العشوائية".
واعتبر من خلال الناطق الرسمي باسمه بدر الدين أحمد إبراهيم أن الاغتيال "محاولة لجر البلاد إلى ساحة جديدة غير مأمونة العواقب"، وذلك في تصريحات للصحفيين.
لكن عموم السودانيين يرفضون التعامل مع فقه الاغتيالات السياسية، وذلك رغم التكوين القبلي والجهوي والثقافي والديني لمجتمعهم.
ويعتقد محللون سياسيون وخبراء أمنيون أن الحالة السودانية -ورغم ما اعتراها من تغييرات- لن تقبل أسلوبا منفرا كالاغتيالات السياسية، مشيرين إلى أن ما أعلنه حزب المؤتمر الوطني "ربما يكون محاولة تحذيرية لتخويف الآخرين من مغبة تواصل الاحتجاجات التي انطلقت في البلاد منذ أكثر من ثلاثة أسابيع".
سعيد: الرسالة الحكومية بمثابة تخويف للآخر
ثقافة منبوذة
فقد أكد الخبير الأمني اللواء محمد عباس الأمين أن الاغتيالات ثقافة غير مرغوب بها "لأنها واحدة من أنواع الجبن الذي يتعارض وتقاليد وثقافة الشعب السوداني".
ورأى في تعليق للجزيرة نت أن الارتباطات القبلية السودانية تحرم وتجرم كافة أنواع الغدر، مؤكدا أن المستوى الأخلاقي والسياسي السوداني "يرفض هذا المنحى الذي يفتقر لأي قيمة إنسانية".
من جهته أشار الأستاذ بأكاديمية الأمن العليا الخير عمر إلى أن الإعلان "يحمل درجة من المبالغة"، لكنه "ربما يكون واحدا من أساليب التخويف بوجود خطر بآخر النفق".
وأضاف للجزيرة نت أن الإعلان " كأنما أراد أن يبعث برسالة للمتظاهرين والمعارضين أن الظروف الأمنية والسياسية بالبلاد لا تقبل هذا النوع من الاحتجاج الذي قد تنفذ من خلاله بعض الاغتيالات السياسية".
ولا يستبعد وجود حقيقة في إعلان الحزب الحاكم "بظهور جهات تسعى لتوجيه ضربة قوية للاستقرار المجتمعي لخلق حالة من الضعف النفسي العام".
أما المحلل السياسي محمد علي سعيد فاستبعد وقوع اغتيالات بالسودان "لعدم إقرارها من كافة القوى السياسية"، معتبرا التنبيه الحكومي "بمثابة تخويف للآخر".
وقال للجزيرة نت إن الجميع يدرك أن تنفيذ أي اغتيال سياسي "سيجر البلاد إلى حرب ثأر لن تنتهي إلا بتمزيق المجتمع السوداني بكامله"