باتت تراود جهات أفريقية مشاعر قلق من نفوذ الصين المتعاظم في القارة الأفريقية, وتحول حماسها لذلك النفوذ الآخذ في التوسع إلى خشية من "استعمار جديد" يأتي هذه المرة من أقصى الشرق وفقا لمحللين. لكن بكين تنكر في المقابل بشدة أي نزوع إلى مثل هذا الاستعمار ناهيك عن استغلال القارة الغنية بمخزونات كبيرة من النفط والمعادن.
واكتست العلاقة بين أفريقيا أهمية أكبر حين اجتمع قادة القارة مع قادة الصين قبل تسع سنوات، لترسخ الصين منذ ذلك التاريخ قدميها في القارة مثيرة قلق القوى الغربية. ويقول رئيس دائرة الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأفريقي ريني نغيتا كواسي معلقا على دور الصين المتزايد في تلك القارة سياسيا واقتصاديا "ينبغي لأفريقيا ألا تقفز بصورة عمياء من نمط استعمار جديد إلى استعمار جديد آخر وفق النموذج الصيني".
ويشير الخبير الاقتصادي البينيني غيوم موموني إلى أن منطقة غرب أفريقيا سجلت عجزا تجاريا كبيرا مع الصين يصل إلى نحو 80%. ويقول موموني: إنه لأمر طبيعي أن تسعى الصين إلى تلبية احتياجاتها من الموارد اللازمة لصناعتها. بيد أنه يستطرد قائلا إنه في مقابل "التعطش" الصيني للخامات الأفريقية من نفط ومعادن، لا تتعامل الدول الأفريقية بحرص على ثرواتها وكأن تلك الثروات غير قابلة للنضوب.
وبلهجة تنطوي على تحذير من عاقبة السكوت على ما يحدث, يقول الخبير البينيني "كأفارقة يتعين علينا ألا نحلم بعد الآن بأن هذه القوة العالمية تأتي إلى هنا لمجرد أن المكان يعجبها أو لأننا لا نكف عن القول كم أننا منكوبون بالفقر". ويتابع موموني في السياق التحذيري نفسه "اليوم الصين وغدا قد تأتي الهند أو البرازيل اللتان تركزان أنظارهما على أفريقيا.. لهذا السبب نحن في الاتحاد الأفريقي نجعل وتيرة الاندماج أسرع بما يمكن أفريقيا من التكلم بصوت واحد".
وفي الإطار ذاته, يوضح الباحث الجنوب أفريقي تسيديزو ديزنيانا أن الاقتصادات المحلية في أفريقيا لا تستفيد بصورة مباشرة من مشاريع البنية التحتية المتراكمة التي تنفذها الشركات الصينية.
ووفقا لديزنيانا فإن الأموال التي تضخها الصين في تلك المشاريع لا تتدفق في الدورات الاقتصادية للدول الأفريقية التي تنفذ فيها تلك المشاريع.
ويقر الباحث بأن الدول الأفريقية التي تشهد تغلغلا صينيا تعاني من نقص مزمن في الكفاءات مثل المهندسين. لكنه يرى أن الاتفاقيات الاستثمارية التي عقدها الدول الأفريقية مع الصين يتعين أن تحتوي على بنود تضمن نوعا من نقل التكنولوجيا والتدريب من الجانب الصيني إلى العمال المحليين.
ولتوضيح العواقب الخطيرة التي يمكن أن تحل بأفريقيا جراء تكالب قوى اقتصادية كبرى تستغل ثرواتها دون أن تجني أي منفعة من ذلك, يشير المتشككون في فائدة الوجود الصيني في أفريقيا إلى الاختلال في الميزان التجاري لصالح الصين, ويقولون إن الشركات الصينية تضنّ بالتكنولوجيا على تلك القارة كما أن السلع التي ترسلها إليها ذات جودة متدنية.
ووفقا لبعض الخبراء الأفارقة، فإن الدول الأفريقية المنتجة للنفط هي المستفيدة دون غيرها من الوجود الصيني. ويمثل النفط 83% من مجمل الواردات الصينية من أفريقيا.ويوضح تقرير نشره في سبتمبر/ أيلول معهد أبحاث في جنوب أفريقيا أن حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا تضاعف تسع مرات من 12.3 مليار دولار عام 2002 إلى 107 مليارات عام 2008.
دفاع صيني
وفي مقابل الشكوى من أن الوجود الصيني يضر أفريقيا أكثر مما ينفعها, ينفي الصينيون عن أنفسهم تهمة استغلال القارة لتعزيز اقتصادهم الذي هو ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
وفي هذا الإطار يقول السفير الصيني لدى الاتحاد الأفريقي إن بلاده نفذت أغلب البنود التي التزمت بها في القمة الصينية الأفريقية التي عقدت عام 2000 في بكين.وحسب السفير فإن الصين شطبت ديونا لها على أفريقيا، وضاعفت مساعداتها المباشرة لها.ويضيف بمقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية "نحترم الحق السيادي للدول الأفريقية في اختيار نمط التنمية الذي تراه مناسبا لها. أبدا لم نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية, ولم نرهن مساعداتنا لها بأي قيود سياسية".
ويختم قائلا "مشاريعنا (في أفريقيا) أساسا في الزراعة والبنية التحتية والتعليم والصحة, ونحن نتطلع إلى تحسين ظروف الأفارقة".