أعاد الإعلان عن وفاة شقيق المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سامي أبو زهري في أحد السجون المصرية إلى الواجهة ملف معتقلي الحركة لدى السلطات المصرية، كما أبرز من جديد طبيعة العلاقة المتوترة بين السلطات المصرية وحماس خاصة بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007.
فبعد ستة أشهر من اعتقال يوسف أبو زهري (38 عاما) في السجون المصرية بدعوى دخوله مصر بصورة غير قانونية، جاءت وفاته الاثنين لتذكر بوجود معتقلين لحماس في سجون مصر الراعية لحوار المصالحة الوطنية الفلسطينية بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحماس.
فقد اعتقلت السلطات المصرية عشرات المنتمين لحماس بعد اقتحام الفلسطينيين حدود رفح في يناير/كانون الثاني 2008. وبعد شكاوى من حماس ومطالبات حقوقية أفرجت مصر عن عدد منهم على دفعات في مارس/آذار من العام الجاري، فأطلقت أولا 50 منهم ثم أتبعتهم بـ34، لكنها أبقت بعضهم ومنهم القيادي في القسام أيمن نوفل.
ولم يقتصر الأمر على مجرد اعتقال وإفراج، وإنما شكت حماس من أن السلطات المصرية عذبت معتقليها واستجوبتهم في مسائل أمنية تخدم إسرائيل.
فقد اتهمت حماس على لسان القيادي الراحل سعيد صيام –الذي استشهد إبان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة- السلطات المصرية بتعذيب العشرات من عناصرها داخل سجونها واستجوبتهم في مسائل من قبيل مكان الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط وتحركات أبرز قيادات الحركة ومنهم رئيس وزراء الحكومة المقالة إسماعيل هنية.
واتهم سامي أبو زهري الأمن المصري بتعذيب شقيقه يوسف حتى الموت أثاء احتجازه بأحد السجون المصرية، لكن المتحدث باسم الداخلية المصرية نفى ذلك وأشار إلى أن المعتقل توفي وفاة طبيعية نتيجة انخفاض الدورة الدموية وهبوط في القلب.
وقال أبو زهري للجزيرة إن شقيقه أصيب بنزيف حاد في المعدة وأوشك على فقدان بصره جراء التعذيب القاسي على أيدي ضباط الأمن المصري، ولم ينقل إلى المستشفى الجامعي بالإسكندرية إلا بعد أن تدهورت حالته الصحية، مشيرا إلى أن المستشفى رفض استقباله بسبب سوء حالته وإشرافه على الموت فعولج سريعا في ردهة الطوارئ ثم أعيد إلى السجن مباشرة.
وأكد أن "يوسف تعرض لهذا التعذيب من أجل انتزاع اعترافات منه بالقوة لإدانتي"، مشيرا إلى أنه اتصل بالعديد من المسؤولين في المخابرات المصرية وأبلغهم سوء حالة شقيقه الصحية ووعدوا بمتابعة الأمر، لكنه فوجئ بنبأ وفاته يوم الاثنين.
ودعا أبو زهري الرئيس المصري حسني مبارك إلى التدخل شخصيا للتحقيق في سبب وفاة شقيقه سواء أكانت من جراء التعذيب أم الإهمال ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، كما دعا منظمات الحقوق المصرية والدولية للتحقيق في الأمر.
ونددت حماس "بحادثة قتل أبو زهري تحت التعذيب"، وعدتها خطيرة تحتاج إلى وقفة جادة وتحمل المسؤولية.
كما طالبت القيادة المصرية بالإفراج فورا عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم القيادي في كتائب القسام أيمن نوفل قبل أن يقضوا في السجون إثر تعذيب مماثل، مؤكدة أن القلق بات يساورها أكثر على حياة كل معتقلي الشعب الفلسطيني في سجون مصر.
ونعت كتائب عز الدين القسام أبو زهري بوصفه أحد عناصرها. وحملت أجهزة الأمن المصرية المسؤولية الكاملة عن حياة المعتقلين الفلسطينيين في سجونها وعلى رأسهم أيمن نوفل المعتقل منذ مطلع 2008.
نفي مصري
لكن المتحدث باسم وزارة الداخلية المصرية اللواء حمدي عبد الكريم نفى أن يكون يوسف أبو زهري قد توفي نتيجة التعذيب، وقال إنه توفي وفاة طبيعية نتيجة انخفاض الدورة الدموية.
وقال مسؤول أمني إن يوسف عانى من أمراض في الكبد والقلب ونقل إلى مستشفى السجن نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وأوضح أن التشريح الطبي أثبت أنه توفي جراء أسباب طبيعية.
وكان يوسف معتقلا في سجن "برج العرب" (على بعد نحو مائة كلم شمال غرب القاهرة) منذ 28 أبريل/نيسان الماضي بعد عبوره من غزة إلى الأراضي المصرية، حيث تقول السلطات المصرية إنه دخل عبر أحد الأنفاق المنتشرة بطول الحدود بين قطاع غزة ومصر.
حصار غزة
ويرى مراقبون أن قضية المعتقلين لم تكن هي الوحيدة التي توتر علاقة حماس بمصر، إذ إنها ليست إلا مظهرا من مظاهر هذا التوتر وليست سببه الرئيس، ذلك أن مصر توجست خيفة من فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني مطلع العام 2006، وزاد توجسها عقب سيطرة الحركة على قطاع غزة.
وبحسب هؤلاء المراقبين فقد بدا الموقف المصري حينها منسجما أكثر مع موقف السلطة الفلسطينية في رام الله بزعامة الرئيس محمود عباس، خاصة عندما أغلقت معبر رفح الحدودي مع غزة بعدما غادره أمن الرئاسة والمراقبون الدوليون، وهو المعبر الوحيد الذي يمكن لسكان غزة أن يتصلوا من خلاله بالعالم الخارجي.
من المعورف أن مصر تحكم إغلاق معبر رفح أمام الغزيين منذ سيطرة حماس على القطاع فتمنع تدفق الدواء والغذاء والبضائع وحركة الأفراد على القطاع إلا في حالات استثنائية، وهو ما عدته حماس ومنظمات حقوقية خنقا بطيئا لسكان غزة.
وقد شكت حماس مرارا من انحياز الجانب المصري للسلطة الفلسطينية وحركة فتح في الحوار الفلسطيني الذي ترعاه، كما أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي قدمتا احتجاجا للقاهرة على رعاية المخابرات المصرية للحوار الفلسطيني الذي يفترض أن يرعى من طرف وزارة الخارجية.