تظاهر مئات الأشخاص أمس السبت بباريس مطالبين السلطات الفرنسية بالاعتراف بما أسموه جرائم الحرب التي ارتكبتها خلال فترة احتلالها للجزائر بين عامي 1830 و1962، واعتبروا أن ذلك الاعتراف يظل شرطا ضروريا لتحقيق الانسجام بين المكونات الحالية للشعب الفرنسي ولإقامة علاقات صداقة حقيقية بين الدولتين الجزائرية والفرنسية.
ويأتي تنظيم هذه المظاهرة تخليدا للذكرى الـ48 لمذبحة 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 التي اقترفتها الشرطة الفرنسية في حق مئات العمال الجزائريين الذين كانوا يشاركون في مظاهرة سلمية للاحتجاج على حظر تجول فرضته السلطات الفرنسية آنذاك على الجزائريين المقيمين بفرنسا، وللمطالبة باستقلال الجزائر.
وقد شارك في المظاهرة قياديون ومناضلون في أبرز الأحزاب اليسارية الفرنسية، وأهم النقابات المحلية بالإضافة إلى ممثلين عن أكثر من ثلاثين منظمة حقوقية وجمعية أهلية.
وقد وقف الحاضرون، الذين تجمعوا على جسر سان ميشال الواقع بقلب العاصمة الفرنسية، دقيقة صمت ترحّمًا على أرواح ضحايا المجزرة. كما قاموا بإلقاء أكاليل من الزهور في نهر السين الذي ألقت فيه قوات الأمن الفرنسية عددا من العمال الذين كانوا يناصرون آنذاك جبهة التحرير الوطنية الجزائرية.وقد تخللت المظاهرة خطب ألقاها مناضلون حقوقيون ومؤرخون فرنسيون على إيقاع الأناشيد الوطنية الجزائرية التي كانت تبثها مكبرات صوت.
جريمة دولة
وقال رئيس جمعية الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب مولود عونيت، إن مذبحة 17 أكتوبر/تشرين الأول كانت "جريمة دولة"، واعتبر أنها تشكل "واحدة من المذابح الأكثر وحشية التي تعرض لها الجزائريون أثناء الحقبة الاستعمارية".
وأوضح الناشط الحقوقي أن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في تلك المذبحة يفوق مائتين، مؤكدا أن السلطات الفرنسية عمدت في الأيام التي تلت المجزرة إلى اعتقال 11 ألفا من الجزائريين المقيمين في فرنسا، وأن الكثيرين من هؤلاء أجبروا على العودة إلى الجزائر بعدما تعرضوا لأبشع أنواع التنكيل.
وأضاف عونيت أن 43 حزبا ومنظمة في فرنسا يطالبون الدولة اليوم بالاعتراف العلني بمسؤوليتها عن تلك الجريمة التي نفذت بأمر من قائد شرطة باريس السابق موريس بابون الذي كان يعمل وفق خطة أمنية أقرتها الحكومة اليمنية الحاكمة آنذاك.
واعتبر المناضل الحقوقي أن اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية في حق الجزائريين يعد "شرطا ضروريا لتحقيق الانسجام بين المكونات الحالية للشعب الفرنسي ولإقامة علاقات صداقة حقيقية بين باريس والجزائر".
قلية استعمارية
من جانبه أكد المؤرخ الفرنسي جيل مانسرون أن حقيقة تورط بابون في مذبحة 17 أكتوبر/تشرين الأول "حقيقة لا غبار عليها"، مشيرا إلى أن مسؤولية وزير الداخلية الفرنسي آنذاك ورئيس الوزراء ميشال دوبري تظل "أمرا راجحا" بالنظر لمعارضتهما لسياسة رئيس الجمهورية الجنرال شارل ديغول الذي لم يكن يخفي رغبته في تمكين الجزائريين من تقرير مصيرهم.
وانتقد الأكاديمي الفرنسي امتناع الدولة الفرنسية عن فتح الأرشيف الرسمي المتعلق بتلك الأحداث أمام الباحثين "لمعرفة الحقيقة وتحديد المسؤولين عن الجريمة".
ورأت الناطقة باسم جمعية "أهالي الجمهورية"، حورية بوتلجة أن ما أسمتها العقلية الاستعمارية الاستعلائية التي كانت وراء مذبحة 17 أكتوبر/تشرين الأول ما زالت تعشش في عقول الكثير من السياسيين الفرنسيين.
ونبهت إلى "التناقض الصارخ" في موقف عمدة باريس الاشتراكي برتراند دولانوي الذي يجاهر بإدانته للجرائم الاستعمارية السابقة لفرنسا، "بينما يقود حملة للإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي ينتمي إلى جيش احتلال يمارس أبشع الجرائم في فلسطين منذ أكثر من ستين عاما".