تشن الحكومة الجزائرية حملة على الباعة الجائلين غير المرخص لهم بالبيع في الشوارع رغم مخاوف من احتجاجات شعبية مما يشير إلى ثقتها في قدرتها على الصمود أمام الاحتجاجات التي أطاحت بحكام عرب في دول أخرى.
واندلعت الانتفاضة الأولى في تونس المجاورة عندما أحرق محمد بوعزيزي نفسه وهو عاطل يبيع خضروات في الشارع ومات في ديسمبر كانون الأول 2010 بسبب مضايقات الشرطة له.
وياسين صحراوي هو كذلك بائع خضر جائل وكان يعرض بضاعته في براقي شرقي الجزائر العاصمة حتى طردته الشرطة مع اشتداد حملة مكافحة الجريمة هذا الشهر.
وقال صحراوي الملتحي البالغ من العمر 35 عاما لرويترز "أجبروني على ترك عملي ولم يوفروا لي بديلا."
وأضاف "ماذا يمكنني أن أفعل الآن؟ هل أتحول إلى سارق؟ إلى إرهابي؟ من سيرعى زوجتي وأطفالي الأربعة؟"
ويقول محمد سرير مدير أمن ولاية الجزائر إن من مهام الدولة معالجة البطالة البلغ معدلها حسب التقديرات الرسمية عشرة بالمئة لكن يعتقد أنه اعلى من ذلك بكثير بين الشبان في بلد يبلغ تعداد سكانه 37 مليونا منهم 70 بالمئة تحت سن الثلاثين.
وينصب اهتمام مدير الامن على تطهير شوارع العاصمة وهي مهمة يقر بانها أوقفت العام الماضي بينما كانت الجزائر ترقب بخوف الغضب الشعبي ضد القادة يمتد من تونس إلى مصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا.
وقال لرويترز في حديث نادر من نوعه انهم كانوا بالفعل خائفين عام 2011 بسبب السياق الاقليمي. واضاف أنهم غضوا الطرف خوفا من تفجر الأوضاع لكنهم يرون أن الوضع تغير كثيرا واصبح كل شيء تحت السيطرة.
وقال إن الجزائر وهي مورد رئيسي للطاقة لأوروبا وحليف قوي للولايات المتحدة في مكافحة تنظيم القاعدة لم تعد تخشى الاضطرابات.
ومضى يقول وهو يجلس في مكتبه ان سياق الانتفاضات العربية انتهى ويتعين المضي قدما في العمل على تحقيق أمن المواطنين وتنفيذ القوانين في المناطق التي غاب عنها القانون في العاصمة.
واقر بأن الحياة في العاصمة الجزائرية "جحيم" بسبب ألوف الباعة الجائلين الذين يحتلون الشوارع ويحولون العاصمة إلى سوق كبيرة. وأضاف إن تجار المخدرات واللصوص ينتشرون في مثل هذه الأسواق وان هذا غير مقبول.
ومن المعتقد أن أغلب الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر يسيطر عليه الإسلاميون. لذلك فإن حملة الشرطة تعتبر دليلا آخر على ثقة السلطات في قوتها في دولة مازالت تعاني من آثار الصراع الذي يعرف باسم "العقد الأسود" مع الإسلاميين في تسعينات القرن الماضي.
وقال محمد المولودي الكاتب المتخصص في الحركات الإسلامية انه من المعروف أن الاقتصاد غير الرسمي تحت سيطرة الإسلاميين خاصة السلفيين.
وأضاف أن حملة الشرطة هي الأولى من نوعها منذ 20 عاما مما يظهر أن الدولة استعادت قوتها وثقتها في نفسها.
وقتل أكثر من 200 ألف شخص في الصراع في التسعينات والذي يعتقد أن آثاره كانت وراء إحجام الجزائريين عن الانخراط في التحولات التي يشهدها العالم العربي.
وقال المحلل السياسي فريد فراحي لرويترز "ذكريات الدم مازالت حاضرة في اذهان الجزائريين."
ولدى نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قوات أمن قوية تحت هيمنته فضلا عن ثروة النفط والغاز التي ظهرت في أحتياطيات بالعملة الاجنبية بلغت 186 مليار دولار.
وفي العام الماضي ردت الحكومة بسرعة على اعمال شغب بسبب ظروف المعيشة برفع أجور كثير من الجزائريين وتقديم قروض بدون فوائد للشبان وتأجيل مدفوعات الضرائب.
لكن الدولة المعتمدة على قطاع الطاقة الذي تعمل به نسبة محدودة من السكان لا يمكنها توفير فرص عمل كافية لمواكبة الزيادة السكانية. والقطاع الخاص مازال وليدا.
والشبان المحرومون من فرص العمل يكسبون عيشهم بأي طريقة ممكنة. وتشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من 300 ألف يبيعون منتجات أغلبها صنع في الصين في الاحياء المزدحمة في الجزائر العاصمة مثل باب الواد وباش جراح وبلكور.
وقال مدير الامن انه قد يلجأ الى القوة إذا تطلب الأمر لإزالة الأسواق المقامة بشكل غير قانوني مشيرا إلى أن المواطنين يساندونهم لأنهم ضاقوا بانعدام الأمن في العاصمة.
وكان رئيس الوزراء عبد المالك سلال الذي عينه بوتفليقة يوم الثالث من سبتمبر أيلول بعد أربعة اشهر من الانتخابات التشريعية قد تعهد في اول خطبة له بتطهير البلاد.
وباعتباره من التكنوقراط فمن المتوقع أن ينفذ إصلاحات تساعد على جذب الاستثمارات الاجنبية في إطار السعي لتوفير فرص عمل.
ويدعو ارسلان شيخاوي وهو اقتصادي يدير شركة استشارية إلى إصلاحات أكثر جذرية لاشراك الباعة الجائلين وغيرهم من العاملين في القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المنظور (الرسمي).
وقال ان 60 بالمئة من النشاط الاقتصادي الجزائري غير رسمي مشيرا إلى ان هذا هو الواقع الذي لا يمكن تغييره بين ليلة وضحاها داعيا إلى إصلاحات تحد من البيروقراطية والفساد.
أما صحراوي بائع الخضروات فمازال يبحث عن سبيل لكسب العيش ويقول "بطريقة أو بأخرى سأستمر في بيع الخضروات على الأرصفة. لا يمكنهم منعي."
رويترز