الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، سيحلّ بالجزائر في زيارة دولة يومي 19 و20 ديسمبر، المقبل، حيث يُنتظر فتح عدة ملفات هامة، تخصّ تحديدا العلاقات الثنائية بين البلدين، ولا يُستبعد أن يشكل ملف "الذاكرة التاريخية" أهم المحاور التي ستطبع مباحثات كبار مسؤولي البلدين، تتويجا لاعتراف فرنسا بما أسمته "القمع الدموي" للجزائريين يوم 17 أكتوبر 1961 .
وحسب ما توفر من معلومات، فإن المحادثات الرسمية، ستعتمد على ما سمّي بـ"ورقة التعاون الاستراتيجي"، فيما ستطرق أيضا بالتفصيل، إلى ملفات التعاون في مجالات الاقتصاد والتقافة والتجارة والاستثمار، وأيضا السكن، حيث يُرتقب منح "كوطة" من المشاريع لشركات البناء والتعمير الفرنسية.
"المفاوضات" الجزائرية ـ الفرنسية، على هامش زيارة هولاند، التي ستأتي بعد أسبوع من ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر التاريخية، وبعدما كانت مبرمجة في أكتوبر المنصرم، وتأجلت لأسباب تقنية، سترتكز على حصيلة أفواج العمل المشتركة، التي بدأت تشتغل منذ سبتمبر الماضي، لتحديد الملفات المشتركة الواجب تسويتها بين البلدين.
وحسب مصادر "الشروق"، فإن الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي، إلى الجزائر، ستناقش أيضا التسهيلات المتعلقة بالتأشيرة، وحركة تنقل الأشخاص بين البلدين، إضافة إلى واقع المهاجرين بفرنسا، إلى جانب الوضع في سوريا، والملف المالي والتدخل العسكري، وكذا الحوار ضمن مجموعة 5 + 5 والاتحاد المغاربي.
في هذا الوقت، دشن "لوبي" اليمين المتطرف في فرنسا، وكذا حاشية الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، حملة تكالب، في محاولة لعرقلة التقارب بين الجزائر وفرنسا، ونسف ما يعتقدون أنها "تنازلات فرنسية" وبحث عن "صكوك الغفران"، وقد استيقظ هذا "التحالف" بهدف التشويش على زيارة هولاند للجزائر.
ويعمل "اليمين المتطرف" على رفع وتيرة الضغط على خليفة ساركوزي بقصر الإليزيه، حتى "لا يقدّم تنازلات إضافية"، خاصة بعد اعتراف الحكومة الفرنسية بجرائم 17 أكتوبر، وإطلاق مشروع بمجلس الشيوخ الفرنسي لتغيير أحد الاحتفالات الفرنسية من نوفمبر إلى 19 مارس، المتزامن مع عيد النصر الذي يحتفي به الجزائريون، وسط "مقاومة" هولاند لمعارضيه بإرساله لعدد من وزرائه، بينهم وزراء الخارجية والداخلية والاقتصاد، إلى الجزائر، لتمهيد زيارته لها.
وفي ظلّ هذا المد والجزر الفرنسي ــ فرنسي، تمنـّت مصادر رسمية، أن لا ينجح هذا "اللوبي" المنزعج والمعادي لأيّ تقارب بين الجزائر وفرنسا، في مهمة "دفع هولاند إلى التراجع"(..)، خاصة وأنه بدأ يخطو خطوات جريئة بالنسبة لعدد من الملفات الثقيلة التي كانت بمثابة "طابوهات" في عهد سابقه ساركوزي.
وتسجّل أوساط مراقبة، أن الخرجات الحمقاء، لكلّ من وزير الدفاع السابق، جيرار لونغي، وقبله وزير الصناعة السابق، كريسيار استروز، ضمن حملة تكالب اليمين المتطرف، على الجزائر، تؤكد أن "اللوبي الساركوزي" تحرّك بمهماز لمحاولة فرملة "حسن النوايا" التي قدمها هولاند وسيقدمها خلال زيارته القادمة إلى الجزائر، التي قال بأنها شريك استراتيجي في شمال إفريقيا.
وتبين في وقت سابق، عمق الخلاف والنزاع بين دوائر صنع القرار بفرنسا، في إطار ما يصفه متابعون، "لعبة سياسوية قذرة" بين العصب الفرنسية، حيث سرّبت وزارة الدفاع الفرنسية، معلومة كاذبة، بشأن "طلب رسمي" تقدمت به الجزائر لاسترجاع "مدفع بابا مرزوق"، وهو ما كذبته وزارة الخارجية الفرنسية، وكذا نظيرتها الجزائرية، ساعات بعد الإعلان الأول!
ويربط مراقبون أيضا، هيجان اليمين المتطرف، بالتطورات الحاصلة بمالي، ومواقف الجزائر منها، والتي أكدت مؤخرا، عقب زيارة هيلاري كلينتون، وإعلان "اتفاق" الجزائر ـ واشنطن، بأن التدخل العسكري من مهام وصلاحيات مجلس الأمن الدولي، وحده دون غيره، في ظل سيلان لعاب فرنسا حتى تكون عرّاب هذا التدخل المشبوه، وقد وجهت زيارة وفد من "حركة أنصار الدين" إلى الجزائر، أول أمس، لبحث سبل الحوار والحلول السلمية في مالي، صفعة سياسية لدوائر فرنسية صنفت الحركة كـ"تنظيم إرهابي"، وتريد استباق الحل السياسي بالتدخل العسكري.
الشروق