أسدل الستار أمس على خامس حملة انتخابية محلية في تاريخ التعددية السياسية الوليدة في الجزائر
وستكون أعين المشاركين أحزابا و أحرارا شاخصة على ما سيفرزه الصندوق يوم الخميس القادم، لكن أعين كثيرة أيضا ستكون مفتوحة ومتربصة بالجزائر والجزائريين على أمل أن تتحقق أوهامهم وأطماعهم في أن تدخل الجزائر في دوامة الفوضى والعبثية كما هو الحال في بلدان عربية كثيرة، وإذا كان من امتحان سيواجه الجزائريين جميعا في استحقاق 29 نوفمبر القادم فهو قطعا امتحان تعزيز الاستقرار، تماما كما فعلوا في تشريعيات العاشر ماي الماضي، حين اختاروا الاستقرار والاستمرارية على سيناريوهات الفوضى والدسائس.
لا يختلف اثنان أن محليات الخميس القادم تكتسي طابعا خاصا واستراتجيا في حياة الدولة الجزائرية المستقلة، وربما يكون المناخ الجيوسياسي الذي تجري فيه هذه الاستحقاقات هو ما يمنحها هذه الأهمية والخصوصية، فمن جانب يأتي اقتراع 29 نوفمبر القادم في سياق مسار الإصلاحات التي باشرها الرئيس بوتفليقة في أفريل من العام الماضي وما تلاها بعد بذلك من جلسات مشاورات مع الشركاء السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين لبلورة مشاريع قوانين الإصلاحات، وكانت قوانين الانتخابات والأحزاب والإعلام والجمعيات وتنافي العهدة وتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة باكورة المرحلة الأولى من مسار الإصلاحات والتي يتوقع أن تستكمل بخطوات ومشاريع قوانين أخرى على رأسها مشروع تعديل الدستور.
أما الجانب الثاني فيما يتعلق بمحليات 29 نوفمبر و هو حالة الغليان والاضطراب التي تشهده بعض البلدان العربية وكذا التحديات الأمنية والإستراتجية التي تحدق بالبلاد، مما يجعل الاستقرار والاستمرارية ليس مجرد حاجة ظرفية تكتيكية، إنما ضرورة إستراتجية، وقطعا أن نجاح اقتراع الخميس القادم يدخل في صلب الحفاظ على الاستقرار والسلم الوطنيين.
والأكيد أيضا أن حزمة قوانين الإصلاحات التي صادق عليها البرلمان تؤثر بشكل مباشر في الجماعات المحلية، خاصة ما يتعلق بقانون البلدية والانتخابات وتمثيل المرأة وهي كلها قوانين سيكون لها تأثيرها واعتبارها في المحليات القادمة وربما يكون تفصيل النسبة الاقصائية 7 بالمائة الذي كان من أكثر النقاط إثارة للجدل طوال الأسابيع الماضية على اعتبار أنها تمنح الأفضلية للأحزاب الكبرى كما يقول بعض قادة الأحزاب، واللافت هنا أن أغلب الأحزاب التي تنتقد قانون النسبة الاقصائية يتوجهون باللائمة على الحزب العتيد، وكأن الأفلان هو من اقترح أو وضع هذا الإجراء ، مع أن الجميع يعلم أن بعض الأحزاب الإسلامية هي من رافعت لصالح هذه القانون، اعتقادا منها أن حضورها الجماهيري كبير جدا مما يمنحها فرصة لاكتساح المجالس المنتخبة؛ سواء في البرلمان أو على المستوى المحلي والولائي، وعندما جاءت نتائج التشريعيات الماضية على غير هوى هذه الأحزاب، وأدركت سلفا أن حظوظ الأفلان في أن يكتسح أغلبية المجالس البلدية في محليات الخميس القادم وهو ما يمنحه قوة سياسية هائلة عادت هذه الأحزاب لتهاجم مقترحا هي من تقدمت به.
تفصيل آخر ميز الحملة الانتخابية هو محاولة بعض الدوائر الإعلامية والسياسية العمل على إفشال الانتخابات القادمة قبل أن تبدأ ، وذلك من خلال الترويج لفتور وضعف الحملة الانتخابية وإشاعة أجواء اليأس والإحباط من جدوى العملية الانتخابية بكاملها ، وينسى أو يتناسى أدعياء نظرية الفشل والكسل أن المواطن البسيط بات أكثر وعيا ونضجا مما يعتقدون والاهتمام بالانتخابات المحلية كان ولا يزال وسيبقى شأنا حيويا للجزائريين لعدة اعتبارات سوسيوثقافية واقتصادية وعشائرية وقطعا سياسية، والحكم على الحملة الانتخابية من خلال فشل بعض الأحزاب في تنظيم مهرجات شعبية أو إقدام بعض الشباب على تمزيق منشورات وملصقات هو إما تسطيح للعملية الانتخابية على المستوى المحلي أو تضليل مقصود الهدف منه إشاعة أجواء الفشل والإحباط في نفوس الناخبين والمؤكد أن هكذا تصرفات لن يصل صداها إلى المواطن العادي، لأن ما يحكم المزاج الانتخابي المحلي بعيد تماما عن أي دعاية إعلامية فوقية.
تجدر الإشارة إلى نقطة سياسية في غاية الأهمية وهي أن بعض الساسة والمحللين انبروا منذ أيام على مهاجمة الأفلان متهمين إياه بالتزوير، فقط لأن الأمين العام لحزب جبهة التحرير قال في سياق الحملة الانتخابية أن الأفلان سيفوز أو قادر على الفوز في 1000 بلدية والغريب هنا أن بعضا ممن أغضبهم أو ربما أفزعهم حديث بلخادم عن فرص الحزب العتيد في الاكتساح لم يكن لهم الجرأة أو القدرة على تقديم مبرر موضوعي واحد على عدم قدرة فوز الحزب العتيد بالانتخابات القادمة ، فقط يكتفون بالتباكي وإعادة إنتاج الأسطوانة المشروخة التي لم يعد يلقي لها أحد بالا وهي حكاية التزوير.
ستجري الانتخابات القادمة ومن المؤكد أن كل الاحتمالات واردة، صحيح هناك بعض المؤشرات تمنح هذا الحزب أو ذاك فرصا أكبر أو أقل، لكن الثابت وسط كل هذا هو أن الفائز في محليات الخميس القادم هو من شمر على سواعد وتواصل مع المواطن البسيط في الأحياء والحواري والأحواش، من اقترب من الناس وتلمس همومهم وحاجاتهم سيكون أحق وأجدر بإدارة شؤونهم.
النهار