تشكل إرتريا عمقا استراتيجيا
مهما لكل الدول المطلة على البحر الأحمر باعتبارها البوابة الجنوبية المشرفة على
مضيق باب المندب. بشق قناة السويس عام 1869 م جعل من البحر الأحمر أحد أهم الطرقات
البحرية في العالم، بعد أن كان معزولا وبعيدا لفترة طويلة من الزمن، وتحولت الزاوية
الشمالية الشرقية من ملجأ معزول إلى سوق كبيرة تشكل مصدر ثروة وقوة.
تشكل إرتريا منذ قديم الزمان حلقة اتصال تجاري وحضاري بين إفريقيا وشبه الجزيرة
العربية، ولا شك أن هذا الموقع الاستراتيجي الهام قد جعل إرتريا منطقة صراع ونفوذ،
وموضع اهتمام وأطماع المستعمرين عبر التاريخ حيث تعرضت لعدة حقب استعمارية.
مصوع بلد العرب والإسلام
في شهر رجب من العام الثامن قبل الهجرة سنة 614م كانت الهجرة إلى الحبشة
البعثة الإسلامية الأولى وهناك على أرض مصوع أو (باضع) كما كان يطلق عليها العرب
قديما، هناك قام الصحابة ببناء أول مسجد في الإسلام المسمى بمسجد رأس مدر . ومصوع
هي بوابة دخول الإسلام في أفريقيا
من أشهر ملوك البجه الملك بشر بن مروان بن إسحق وبسط أمراء هذا البيت نفوذهم على
ممالك البجه المترامية الأطراف من مصوع حتى جنوب أسوان وتولوا حكوماتها بتقليد من
مصر وكان يلقب أمير البجه (الحدربي) نسبة إلى العنصر الممتاز وكان يكتب له في
الأبواب السلطانية المصرية حتى أوائل القرن التاسع الهجري بالعنوان الآتي: المجلس
السامي الأميري الحدربي وبقوا على هذه الحالة حتى آخر عهد المماليك، وكان تحت بشر
بن مروان 3000 محارب من ربيعة ومضر واليمن و30 ألف من الحداربة من مسلمي البجا ممن
اسلموا نتيجة لتداخلهم مع ربيعة. وبقيت مملكة البجه في العائلة الحدربية إلي عهد
السلطان سليم عام 923م حيث أمر بسلخها عن الخلافة العثمانية وولي عليها أمراء
وأتبعها لمصر.
مملكة بلاد البجا
البجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الاخر وهم من أصفى السودان لونا
قال ابن سعيد وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان ومواطنهم في جنوبي صعيد مصر مما يلي
الشرق فيما بين بحر القلزم (البحر الأحمر) وبين نهر النيل على القرب من الديار
المصرية وقاعدتهم سواكن بفتح السين المهملة والواو وكسر الكاف ونون في الاخر وقال
في تقويم البلدان في الكلام على بحر القلزم وهي بليدة للسودان حيث الطول ثمان
وخمسون درجة والعرض إحدى وعشرون درجة.
قال أبو العباس القلقشندي في كتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشا وقد أخبرني من رآها
أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربية قريبة من البر يسكنها التجار
وصاحبها الآن من العرب المعروفين بالحداربة بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين
وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر وله مكاتبة عن الأبواب
السلطانية بالديار المصرية ويقال في تعريفه الحدربي بضم الحاء وسكون الدال وضم
الراء.
كان للبلوان والحداربة خمس ممالك، ثلاث منها ضمن حدود إرتريا حاليا واثنان ضمن حدود
السودان. اشتهرت مدينة عيذاب الميناء البجاوي كميناء رئيسي لحجاج بيت الله الحرام
من المصريين والسودانيين، وكانت زاهرة بالعمران والتجارة وكانت عيذاب مقر ملك البجه
الحدربي في الإقليم الشمالي.
لقد كان على عيذاب والي من مصر يقتسم ريعها مع زعيم البجا (الحدربي). وقد تزايد
نصيب زعيم البجا من نصف الدخل إلى معظمه ثم كان نصيب الحدربي، ممن كان عليه تأمين
التجارة من شرور قومه، الثلثين لدى زيارة ابن بطوطة للمنطقة، حيث رأى ابن بطوطة في
رحلته إلى عيذاب سلطان البجا الأمير الحدربي وهو يحارب الأتراك حتى هربوا منه وخرق
السفن، فاضطر ابن بطوطة إكمال رحلته برا عن طريق سيناء. أنشأ الحداربة البلوان
مدينة هجر نسبة لمدينتهم في جزيرة العرب، وكانت عاصمة ممالك البجة للزعيم العربي.
الكفاح المسلح وحركة التحرير
على إثر تصاعد حملات القمع والإرهاب عام 1958، اضطر عدد كبير من العمال
الإريتريين إلى الهجرة إلى الأقطار المجاورة، وبادر عدد منهم إلى تأليف تنظيم ثوري
حمل اسم حركة التحرير الإريترية واتخذ قاعدة له في بور سودان، وسرعان ما امتدت
الخلايا السرية لهذا التنظيم إلى الكثير من المدن الإرترية. ثم شهد عام 1960 أول
تأليف لجبهة التحرير الإريترية بين العمال والطلبة الإريتريين في المشرق العربي،
وانتقل نشاطه في العام التالي إلى جبال إرترية إثر الانتفاضة التي قادها حامد إدريس
عواتي في 1 سبتمبر 1961 مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، وقد تبنت
الجبهة تلك الانتفاضة لتحولها في مدى سنوات قليلة إلى ثورة مسلحة منظمة انسجاماً مع
أهداف التحرير التي حددها دستور الجبهة، وفي مقدمتها الاستقلال الوطني الكامل عن
طريق الكفاح المسلح المدعم بجهود سياسية ودبلوماسية في الخارج. واختار المؤسسون أن
يكون إدريس محمد آدم أول رئيس للجنة التنفيذية للجبهة. وقد تطور الكفاح المسلح
بإمكانات ذاتية بسيطة وبدعم من بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها سورية، إلى مقاومة
حملات قمع وإبادة إثيوبية شرسة شملت مئات الألوف من الضحايا الإريتريين، واتسمت بعض
تلك الحملات باتباع سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحصولات الزراعية وقتل
المواشي، وإبادة المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في حملات 1967 و1970
و1974 و1975 على التوالي فشردت أعداداً كبيرة من الإريتريين في الصحارى والغابات،
وعبرت أعداد أخرى الحدود إلى السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة اللاجئين
الإريتريين هناك، في حين سيطرت حركة المقاومة الإرترية على معظم الريف الإريتري،
وتمكنت من تحرير بعض المدن، وكانت سيطرة جبهة التحرير تتسع أو تتقلص بحسب ظروف
المواجهة وتطوراتها. وفي هذا السياق، عقدت حركة المقاومة الوطنية الإرترية أكثر من
مؤتمر لها في الأراضي المحررة، ولم تنج من التعدد والانقسامات التي فرضها تباين
منعكس المعاناة الداخلية، ورواسب المجتمع والتداخلات الخارجية أحياناً.
إثر سقوط نظام منگستو هايله مريم في إثيوبية بتاريخ 25/5/1991 وفي الوقت الذي أصبحت
فيه إرترية على عتبة الاستقلال، شهدت الساحة الإرترية صراعات داخلية أفرزتها
التعددية السياسية في بنية حركة التحرر، ويعد تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير إرترية
من أكبر التنظيمات وأقواها على الساحة، إضافة إلى تنظيمات أخرى أهمها: (جبهة
التحرير الإرترية - التنظيم الموحد، وجبهة التحرير الإرترية - المجلس الثوري، وجبهة
التحرير الإرترية - المجلس الوطني).
ولقد تحقق للإريتريين النصر والاستقلال والسيطرة على العاصمة أسمرة في عام 1993.
أجري على أثره الاستفتاء في العام المذكور، فكانت نتيجته إجماع شبه تام (99.8٪)
لصالح الاستقلال الكامل. وهكذا أعلن استقلال إرترية في نيسان من عام 1993، واعترفت
بها دول كثيرة.
تحالفت الجبهة الشعبية بزعامة أفروقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس زيناوي
تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن نسق له وليام كوهين مساعد وزير
الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، وذلك لإسقاط نظام مانجستو، وانتهى المؤتمر
باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف إثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإريتري على أن
يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على
مناوئية السياسيين وتولي السلطة، وأن تسمح إرتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب
وكذا مصوع للأغراض التجارية.
ونجح الطرفان في إسقاط مانجستو، وتولى زيناوي حكم إثيوبيا، وأعلن استقلال إرتريا في
25 ماي 1991م، وتشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على الاستقلال تحت إشراف
الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، وجاءت نتيجته 99%
للاستقلال؛ فأصبحت إرتريا دولة مستقلة ذات سيادة في 1 ذي الحجة 1413 هـ الموافق 23
ماي 1993م، ثم انتخب أسياس أفورقي رئيسا للبلاد.
دخلت إرترية صراعاً مع اليمن بسبب احتلال القوات الإرترية أرخبيل حنيش الكبرى
اليمنية في البحر الأحمر، ذات الأهمية الاستراتيجية لوقوع الجزر في طريق الملاحة
البحرية بين مضيق باب المندب وقناة السويس. وعلى الرغم من الاتفاق على معالجة
المسألة سلمياً في 3 ماي 1996 فقد استمر احتلال الجزر حتى حكمت محكمة العدل الدولية
بتبعيتها لليمن في تشرين الأول عام 1998. وتم تقسيم باقي الجزر الأخرى بين اليمن
واريتريا على أن تكون لصيادي السمك المحليين حقوق في استخدام الجزر
Other articles in this category |
---|
اريتريا في لمحة واحدة |
الجغرافيا |
التاريخ |
الثقافة |
الاقتصاد |
السياسة |
العسكري |
العلاقات الخارجية |