التاريخ        0  1018 reads

ينقسم سكان رواندا إلى ثلاث مجموعات عرقية: الهوتو، ويشكلون نحو 84%، من مجموع السكان؛ والتوتسي، ويشكلون نحو 15%؛ والتوا، وتقل نسبتهم عن 1%.
حين قدم الأوروبيون إلى البلاد، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، كانت هذه المجموعات متميزة عن بعضها بشكل واضح؛ فالتوتسي كانوا من الرعاة القادمين من الشمال، ومن المؤكد أنهم جاءوا البلاد، قبل غزوات شعوب النيل، التي توقفت في أوغندا. والهوتو، هم المزارعون. ومن المرجح، أنهم سكنوا المنطقة، قبل التوتسي، الذين أخذوا عنهم اللغة. أما التوا، فكانوا يعيشون من الصيد في الغابات. ويعدهم الهوتو والتوتسي عنصراً أدنى منهم.
كان التوتسي، حتى ثورة 1959، يمارسون سيطرة مطلقة على المجموعتين العرقيتين الأخريين، وخاصة على الهوتو؛ على الرغم من أن هؤلاء يفوقونهم عدداً. وهذه السيطرة، التي اختفت تماماً، عام 1961، تعود بأصولها إلى أسبابٍ، سياسية واقتصادية ـ اجتماعية. فهي تقوم، من جهةٍ، على تمركز كل الوظائف السياسية والإدارية والقضائية، في أيدي التوتسي، ومن جهة أخرى، على مؤسسة هامة، تتمثل في وجود عقد ماشية (عقد يتناول المزرعة بكل ما فيها، من ماشية ومال)، هو في أساسه نظامٍ استعبادي حقيقي.
كان هذا الوضع مصدر توترٍ شديد، دام مدةً طويلة، حتى وصل إلى ذروته، وانفجر ثورةً عارمةً، عام 1960، انتهت إلى انتصار الهوتو، ولجوء مئات الآلاف من التوتسي إلى البلدان المجاورة. ولكن، هناك واقع مهم، هو أنه على الرغم من حدة هذا التناقض، إلا أن رواندا لم تفقد الشعور القومي الحقيقي. ويعود هذا إلى وحدة اللغة؛ والخضوع، تاريخياً، إلى ملكٍ واحد (موامي Mwami).
وفي عام 1890، ضمت برلين رواندا، إلى أراضيها الألمانية، في إفريقيا، من دون عِلم ملكها وسكانها. وكان هذا الوجود الألماني بطيئاً في تثبيت وضعه؛ لكنه كان مقبولاً لدى الملك، موزنجا، حين اجتاح الجيش البلجيكي البلاد، عام 1916.
بعد مباحثات دبلوماسية مختلفة، وضعت عصبة الأمم، عام 1922 إقليم "رواندا ـ بوروندي" تحت الانتداب البلجيكي. وبدأت بلجيكا ممارسة مهامها، كدولةٍ منتدِبة، عام 1924. وبعد عامٍ واحد، أصدرت قانوناً، ضمت، بموجبه، البلاد، إدارياً، إلى الكونغو البلجيكي.
وقد شهدت الفترة، من 1916 إلى 1931، حدوث مجاعات عدة، انتهت بإطاحة الملك موزنجا، والمجيء بابنه دواد يجوا موتارا الثالث. وفي السنوات، التي تلت عام 1931، كانت السلطات البلجيكية، تتعهد أمام عصبة الأمم، ثم هيئة الأمم المتحدة، بتحضير كوادر محليين، من التوتسي، وتهيئة إقليم رواندا ـ بوروندي، للحكم الذاتي، ثم الاستقلال؛ كما كان ينص على ذلك ميثاق سان فرانسيسكو.
وفي عام 1956، بدأ الجو السياسي يتغير، تدريجياً، في رواندا. فالهوتو بدأوا التذمر من الإجحاف اللاحق بهم، بسبب وضعهم الدوني، بالنسبة إلى التوتسي؛ فأوجدوا حزبين: رابطة ترقية الجماهير الاجتماعية، وحركة تحرير الهوتو. وأخذ التوتسي بدورهم يتحركون، وكانت وتيرة التوتر العنصري تتصاعد، يوماً بعد يوم؛ كما بدأ الموظفون البلجيكيون ورجال الكنيسة الكاثوليك، يبتعدون عن موقفهم المؤيد للتوتسي، ويتجهون نحو نصرة الهوتو.
وفي 25 يوليه 1959، أي ثلاث سنوات قبل الاستقلال من بلجيكا، مات الملك موتارا، وتمكنت الأصوات المقربة منه، التي كانت تساند سياسة التشدد، من المجيء بالملك كيجيلي الخامس، وأن تفرض إرادتها عليه؛ فاندلعت ثورة نوفمبر 1959، التي قُتل خلالها الآلاف من التوتسي، ونُفي أكثر من 150 ألفاً منهم، إلى الدول المجاورة.
وكانت السلطات البلجيكية أقرب إلى الهوتو، ومنعت جيش كيجيلي من قمع ثورتهم، وباشرت إجراء انتخابات عامة، وإحلال السلطة المحلية، تدريجياً، على أيدي وجهاءٍ من الهوتو. وقد شهد عاما 1960 و1961، عمليات نزوح كبيرة، من التوتسي، إلى البلدان المجاورة، خوفاً من التعرض للإبادة.

وفي 26 أكتوبر 1960، تألفت أول حكومة، على رأسها جريجوار كايباندا. وحين حاولت الحكومة البلجيكية أن تتنكر لوعدها، بإجراء انتخابات عامة في البلاد، في 28 يناير 1961، سارع ممثلو القوى، وكان عددهم بالآلاف، إلى عقد اجتماع في اليوم نفسه، وأعلنوا سقوط الملك، كيجيلي الخامس، والملكية، وقيام الجمهورية الدستورية، وانتخاب رئيس للدولة، وتعيين حكومة. وفي سبتمبر 1961، جرت انتخابات عامة، تحت إشراف الأمم المتحدة، أُلغيت، على أثرها، الملكية، وقامت الجمهورية، التي أوصلت البلاد إلى الاستقلال، في أول يوليه 1962. وهو التاريخ نفسه، الذي انفصلت فيه بوروندي عن رواندا، التي حصلت، بدورها، على استقلالها.
بدأ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، كايباندا، منذ ذلك الحين، العمل على دعم المؤسسات الديموقراطية، والنهوض باقتصاد البلاد، باللجوء إلى طلب المساعدات الدولية. وعرفت البلاد فترة من الازدهار، لم يعكر صفوها سوى الغارات الانتقامية، التي عاود التوتسي شنها، انطلاقاً من البلدان المجاورة، خاصة بوروندي، التي تسببت في وقوع ضحايا عديدة؛ إلا أن هذه الغارات فشلت في تحقيق أهدافها. وعملت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على استقرار بضع مئات من الآلاف من التوتسي، في بوروندي وزائير (جمهورية الكونغو الديموقراطية، حالياً)، وأوغندا، وتنزانيا.
وفي الخامس من يوليه 1973، قاد الجنرال جوفنال هابياريمانا انقلاباً عسكرياً، تسلم على أثره السلطة، مكان الرئيس جريجوار كايباندا، وعمل على تهدئة الصراع، بين الهوتو والتوتسي، ونجح بذلك في إبعاد شبح الحرب الأهلية، مؤقتاً، عن البلاد.
وفي يونيه 1976، زار رئيس بوروندي ميكاومبيرو رواندا، لمدة أربعة أيام، واتفق مع الرئيس هابياريمانا، على العمل، معاً، على تصفية الخلافات العرقية، بين التوتسي والهوتو. وعقدا عدة اتفاقات تجارية وثقافية واقتصادية. وفي الشهر التالي، واجهت رواندا مشكلات حادة، بسبب نقص الوقود، بعد أن استولت فرق من الجيش الأوغندي على المحروقات المرسلة، من كينيا إلى رواندا. ولم تنفع الزيارة، التي قام بها الرئيس هابياريمانا إلى العاصمة الأوغندية، كمبالا، في إقناع الرئيس، عيدي أمين، بتليين موقفه؛ فعاد يجري مفاوضات جديدة، مع السلطات الكينية، للاتفاق على استخدام طرقٍ بديلة.
وفي أكتوبر 1990، شكَّل أبناء الذين نُفوا، إبان ثورة 1959، مجموعةً متمردة، هي الجبهة الوطنية الرواندية RPF، وبدأت حرباً أهلية، ضد الحكومة. وفي أبريل 1994، لقي الرئيس هابيريمانا مصرعه، في حادث تحطم الطائرة، التي كانت تقله، فنقضت ميليشيات الهوتو اتفاقية السلام، التي وقعتها الحكومة مع الحركة الوطنية الرواندية، في أغسطس 1993. وقتل أعضاؤها أكثر من نصف مليون، أغلبهم من التوتسي. وشكل الهوتو حكومةً، لم تعترف بالحركة الوطنية الرواندية. وفي منتصف يوليه 1994، تمكنت قوات الحركة من إلحاق هزيمة كبيرة بقوات الهوتو، وسيطرت على الحكومة. وعينت الحركة حكومة تعددية، ضمت بعض الهوتو المعتدلين. وبذلك، وضعت نهاية لحرب الإبادة، التي مزقت البلاد، وأدت إلى فرار نحو مليونين من اللاجئين، خوفاً من انتقام التوتسي، إلى الدول المجاورة لرواندا، مثل بوروندي، وأوغندا، وتنزانيا، وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وقُتل فيها نحو 800 ألف شخص. وقد لقي عشرات الآلاف من اللاجئين حتفهم من الكوليرا وغيرها من الأمراض. وقد عاد معظم اللاجئين الروانديين إلى بلادهم. وعلى الرغم من المساعدات الدولية الكبيرة، والإصلاحات السياسية، التي منها إجراء أول انتخابات محلية، في تاريخ البلاد، في مارس 1999، لا تزال البلاد تكافح، في سبيل تنمية الاستثمار، وزيادة الناتج الزراعي، وتعزيز المصالحة الوطنية. ولكن سلسلة التشريد الجماعي، وتمرد المتطرفين الهوتو، ودخول رواندا في حربين خلال الفترة القليلة الماضية، في جمهورية الكونغو الديموقراطية المجاورة ـ تقف عائقاً لهذه الجهود.

View this article in PDF format Print article
Other articles in this category
رواندا في لمحة واحدة
الجغرافيا
التاريخ
الثقافة
الاقتصاد
السياسة
العسكري
العلاقات الخارجية