عصر ما
قبل التاريخ
وطأت قدم الإنسان الأول أراضي الصومال في العصر الحجري القديم، حيث ترجع
النقوش والرسومات التي وجدت منقوشة على جدران الكهوف بشمال الصومال إلى حوالي عام
9000 ق.م. وأشهر تلك الكهوف "مجمع لاس جيل" والذي يقع بضواحي مدينة هرجيسا حيث
اكتشفت على جدرانه واحدة من أقدم النقوش الجدارية في قارة إفريقيا. كما عُثر على
كتابات موجودة بأسفل كل صورة أو نقش جداري بالمجمع إلا أن علماء الآثار لم يتمكنوا
من فك رموز تلك اللغة أو الكتابات حتى الآن. وخلال العصر الحجري نمت الحضارة في
مدينتي هرجيسا ودزي مما أدى إلى إقامة المصانع وازدهار الصناعات التي اشتهرت بها
كلا المدينتين. كما وجدت أقدم الأدلة الحسية على المراسم الجنائزية بمنطقة القرن
الإفريقي في المقابر التي تم العثور عليها في الصومال والتي يرجع تاريخها إلى
الألفية الرابعة قبل الميلاد. كما تعد الأدوات البدائية التي تم استخراجها من موقع
"جليلو" الأثري شمال الصومال أهم حلقات الوصل فيما يتعلق بالاتصال بين الشرق والغرب
خلال القرون الأولى من نشأة الإنسان البدائي على وجه الأرض.
عصر قديم
من الأمور الدالة على قيام حضارة متطورة نشأت وترعرعت على أراضي شبه الجزيرة
الصومالية آثار متناثرة على جنبات أراضي الصومال مثل المباني هرمية الشكل ومقابر
وأطلال مدن قديمة بجانب بقايا الأسوار التي كانت تحيط بالمدن مثل "سور ورجادي" الذي
يرتفع لمسافة 230 متراً. وقد أثبتت الحفريات التي قامت بها البعثات الأثرية
المتعاقبة على وجود نظام كتابة لتلك الحضارة لم يتم فهم رموزه أو فك طلاسمه حتى
الآن كما تمتعت تلك الحضارة الناشئة على أرض الصومال بعلاقات تجارية وطيدة مع مصر
القديمة والحضارة المايسونية القديمة باليونان بداية من الألفية الثانية قبل
الميلاد على أقل تقدير مما يرجح النظرية المؤيدة لكون الصومال هي نفسها مملكة بونت
القديمة.
و لم يتاجر البونتيون في منتجاتهم وحدهم فحسب، فإلى جانب تجارتهم في البخور وخشب
الأبنوس والماشية، تاجروا أيضاً في منتجات المناطق المجاورة لهم مثل الذهب والعاج
وجلود الحيوانات. ووفقا للنقوش الموجودة على معبد الدير البحري فقد كان يحكم مملكة
البونت في ذلك الوقت كلاً من الملك باراحو والملكة أتي. وقد تمكن الصوماليون
القدماء من استئناس الجمال في الفترة ما بين الألفية الثالثة والألفية الثانية قبل
الميلاد، ومن هناك تحديداً عرفت مصر القديمة وشمال إفريقيا استئناس هذا الحيوان.
وفي أزمنة متعاقبة تمكنت العديد من المدن والدويلات الصومالية أمثال: رأس قصير
وحافون ومالاو وتاباي من تكوين شبكات تجارية قوية مع باقي التجار من فينيقيا ومصر
البطلمية والأغريق وإيران البارثية ومملكة سبأ ومملكة الأنباط والإمبراطورية
الرومانية القديمة. وقد استخدم تجار تلك الممالك الحاويات الصومالية المعروفة باسم
"البيدن" لنقل بضائعهم. وبعد غزو الرومان لإمبراطورية الأنباط وتواجد القوات
الرومانية في مدينة عدن ومرابطة السفن الحربية في خليج عدن لمواجهة القرصنة وتأمين
الطرق التجارية الرومانية، عقد العرب والصوماليون الاتفاقيات فيما بينهما لمنع
السفن الهندية من التجارة أو الرسو في موانئ شبه الجزيرة العربية وذلك لقربها من
التواجد الروماني، إلا أنه كان يسمح للسفن الهندية بالرسو والإتجار في الموانئ
المنتشرة في شبه جزيرة الصومال والتي كانت تخلو تماماً من أي تواجد للقوات
الرومانية أو الجواسيس الرومان. ويرجع السبب في منع السفن الهندية من الرسو في
الموانئ العربية الغنية، من أجل حماية وتغطية الصفقات التجارية التي كان يعقدها
التجار العرب والصوماليون خفية بعيداً عن أعين الرومان على جانبي ساحل البحر الأحمر
وساحل البحر المتوسط الغنيين بالموارد التجارية. ولقرون طويلة قام التجار الهنود
بتمويل أقرانهم في الصومال وشبه الجزيرة العربية بكمات كبيرة من القرفة التي
يجلبونها من سيلان والشرق الأقصى، والذي كان يعد أكبر الأسرار التجارية بين التجار
العرب والصوماليين في تجارتهم الناجحة مع كل من الرومان والأغريق حيث ظن الرومان
والأغريق قديما أن مصدر القرفة الرئيسي يأتي من الصومال إلا أن الحقيقة الثابتة
كانت أن أجود محاصيل القرفة كانت تأتي للصومال عن طريق السفن الهندية. وعن طريق
التجار العرب والصوماليين عرفت القرفة الهندية والصينية طريقها إلى شمال إفريقيا
والشرق الأدنى وأوروبا حيث كانوا يصدرون محصول القرفة بأسعار مرتفعة للغاية مقارنة
بتكلفة استيرادها مما جعل تجارة القرفة في ذلك العصر أحد أهم المصادر لموارد تجارية
لا تنضب خاصة بالنسبة للصوماليين الذين قاموا بتوريد كميات كبيرة من المحصول لباقي
دول العالم معتمدين في ذلك على الطرق البرية والبحرية القديمة التي تربطهم بالأسواق
التجارية الأخرى في ذلك الوقت.
الإسلام والعصور الوسطى
يمتد تاريخ الإسلام في القرن الإفريقي إلى اللحظات الأولى لميلاد الدين
الجديد في شبه الجزيرة العربية. فاتصال المسلمين بهذه المنطقة من العالم بدأ عند
هجرة المسلمين الأولى فراراً من بطش قريش، وذلك عندما حطوا رحالهم في ميناء زيلع
الموجود بشمال الأراضي الصومالية الآن والذي كان تابعاً لمملكة أكسوم الحبشية في
ذلك الوقت طلباً لحماية نجاشي الحبشة "أصحمة بن أبحر". أمن النجاشي المسلمين على
أرواحهم وأعطاهم حرية البقاء في بلاده، فبقي منهم من بقي في شتى أنحاء القرن
الإفريقي عاملاً على نشر الدين الإسلامي هناك.
كان لانتصار المسلمين على قريش في القرن السابع الميلادي أكبر الأثر على التجار
والبحارة الصوماليين حيث اعتنق أقرانهم من العرب الدين الإسلامي ودخل أغلبهم فيه
كما بقيت طرق التجارة الرئيسية بالبحرين الأحمر والمتوسط تحت تصرف الخلافة
الإسلامية فيما بعد. وانتشر الإسلام بين الصوماليين عن طريق التجارة. كما أدى عدم
استقرار الأوضاع السياسية وكثرة المؤامرات في الفترة التي تلت عهد الخلفاء الراشدين
من تصارع على الحكم إلى نزوح أعدادٍ كبيرة من مسلمي شبه الجزيرة العربية إلى المدن
الساحلية الصومالية مما اعتبر واحداً من أهم العناصر التي أدت لنشر الإسلام في
منطقة شبه جزيرة الصومال.
وأصبحت مقديشيو منارة للإسلام على الساحل الشرقي لإفريقيا، كما قام التجار
الصوماليون بإقامة مستعمرة في موزمبيق لاستخراج الذهب من مناجم مملكة موتابا
وتحديدا من مدينة سوفالا (سفالة) التي كانت الميناء الأساسي للمملكة في ذلك الوقت.
وفي تلك الأثناء كانت بذور سلطنة عدل قد بدأت في إنبات جذورها حيث لم تعدو في تلك
الأثناء عن كونها مجتمع تجاري صغير أنشأه التجار الصوماليون الذين دخلوا حديثا في
الإسلام.
وعلى مدار مائة عام أمتدت من سنة 1150 وحتى سنة 1250 لعبت الصومال دورا بالغ
الأهمية والمحورية في التاريخ الإسلامي ووضع الإسلام عامة في هذه المنطقة من
العالم. حيث أشار كلا من المؤرخين ياقوت الحموي وعلي بن موسى بن سعيد المغربي في
كتاباتيهما إلى أن الصوماليون في هذه الأثناء كانوا من أغنى الأمم الإسلامية في تلك
الفترة. حيث أصبحت سلطنة عدل من أهم مراكز التجارة في ذلك الوقت وكونت إمبراطورية
شاسعة امتدت من رأس قصير عند مضيق باب المندب وحتى منطقة هاديا بإثيوبيا. حتى وقعت
سلطنة عدل تحت حكم سلطنة إيفات الإسلامية الناشئة والتي بسطت ملكها على العديد من
مناطق إثيوبيا والصومال، وأكملت سلطنة عدل، التي أصبحت مملكة عدل بعد وصول مد سلطنة
إيفات إليها، أكملت نهضتها الاقتصادية والحضارية تحت مظلة سلطنة إيفات.
واتخذت سلطنة إيفات من مدينة زيلع عاصمة لها ومنها انطلقت جيوش إيفات لغزو مملكة
شيوا الحبشية المسيحية القديمة عام 1270. وأدت هذه الواقعة إلى نشوب عداوة كبيرة
وصراع على بسط السلطة والنفوذ ومعارك مع محاولات توسعية شديدة الكراهية بين البيت
الملكي السليماني المسيحي وسلاطين سلطنة إيفات المسلمة مما أدى لوقوع العديد من
الحروب بين الجانبين انتهت بهزيمة سلطنة إيفات ومقتل سلطانها آنذاك السلطان سعد
الدين الثاني على يد الإمبراطور داوود الثاني إمبراطور الحبشة وتدمير مدينة زيلع
على يد جيوش الحبشة عام 1403. وفي أعقاب هزيمتهم في الحرب، فر أفراد عائلة المهزوم
إلى اليمن حيث استضافهم حاكم اليمن في ذلك الوقت الأمير زفير صلاح الدين الثاني حيث
حاولوا جمع أشلاء جيوشهم ومناصريهم من أجل استرجاع أراضيهم لكن دون جدوى.
وفي عهد سلطنة عجوران في الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر للميلاد،
أصبح للعديد من المدن الصومالية شأن عظيم خاصة مدن مقديشيو ومركا وباراوا وأبية
والتي نمت موانئها نمواً واسعاً وأقامت علاقات تجارية وثيقة مع السفن القادمة من
والمبحرة إلى شبه الجزيرة العربية والهند وفينيتيا وفارس ومصر والبرتغال، كما امتدت
علاقاتها التجارية لتشمل الصين أيضا في الشرق الأقصى. وعندما مر البحار البرتغالي
الأشهر فاسكو دا جاما بمدينة مقديشيو خلال رحلاته البحرية الاستكشافية في القرن
الخامس عشر، دونَ في ملحوظاته ما شاهده من ازدهار بجميع أرجاء المدينة واصفاً
بيوتها بأنها مكونة من أربعة أو خمسة طوابق كما يوجد فيها العديد من القصور الكبيرة
في وسطها إضافة للجوامع الكبرى ذات المآذن الأسطوانية الشكل.
و في القرن السادس عشر كتب ديوارت باربوسا، التاجر والكاتب البرتغالي الذي رافق
ماجلان في أسفاره، عن مشاهداته في مقديشيو قائلاً أنه شاهد العديد من السفن
التجارية القادمة من كامبايا الهندية محملة بالأقمشة والتوابل في الهند وذلك لبيعها
في الميناء التجاري بمقديشيو مقابل منتجات صومالية أخرى مثل الذهب والشمع والعاج.
كما أشار باربوسا أيضاً لتوافر اللحوم والقمح والشعير والجياد والفاكهة في الأسواق
الساحلية مما كان يدر ربحاً وفيراً على التجار؛ كما كانت مقديشيو مركزاً لصناعات
الغزل والنسيج حيث كانت تصدر نوعاً خاصاً من الأقمشة كان يطلق عليه "ثوب بنادير"
للأسواق العربية خاصة في مصر وسوريا. علاوة على ذلك شكلت مقديشيو مع كل من مدينتي
مركا وباراوا مناطق عبور للتجار السواحليين القادمين من مومباسا وماليندي في كينيا
وتجارة الذهب من كيلوا في تنزانيا. كما كان تجار هرمز من اليهود يقومون بجلب
منتجاتهم من المنسوجات الهندية والفاكهة إلى السواحل الصومالية لاستبدالها بالحبوب
والأخشاب.
كما أقيمت العلاقات التجارية مع سلطنة مالاكا، إحدى دول اتحاد ماليزيا الآن، في
القرن الخامس عشر، وكانت السلع الأساسية التي قامت عليها التجارة بين البلدين هي
الأقمشة والعنبر والخزف. كما صدرت الصومال الحيوانات الحية مثل الزراف وحمر الزرد
لإمبراطورية مينج الصينية والتي اعتبرت التجار الصوماليين زعماء التجارة البحرية
بين آسيا وإفريقيا، كما تأثرت اللغة الصينية باللغة الصومالية نتيجة لعمق العلاقة
بين البلدين. من جهة أخرى، عمد التجار الهندوس من مدينة سورات الهندية والتجار
القادمون من جزيرة باتي الكينية بجنوب شرق إفريقيا إلى الإتجار بموانئ باراوا ومركا
الصوماليتين وذلك للابتعاد عن الحصار البرتغالي والتدخل العماني في طرق التجارة
البحرية إذ كان هذان الميناءان بعيدين تماماً عن سلطات كل من البرتغاليين
والعمانيين.
بدايات العصر الحديث والتصارع من أجل إفريقيا
بدأت الممالك المتعاقبة بعد سلطنتي عدل وعجوران فيي الازدهار مع بدايات
العصر الحديث. حيث نشأت العديد من الممالك في الصومال وكذلك ظهرت الأسر الحاكمة
الواحدة تلو الأخرى؛ حيث ظهرت أسر مثل أسرة جيراد التي أسست سلطنة ورسنجلي، ولا
تزال بقايا تلك الأسرة الحاكمة موجودة حتى يومنا هذا، إضافة إلى أسرة باري والتي
أسست سلطنتها في منطقة باري شمال الصومال وكذلك أسرة جوبورون التي حكمت مناطق شاسعة
في شرق إفريقيا في الفترة الممتدة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي وضع
حجر الأساس لها القائد العسكري "إبراهيم أدير" والتي تنحدر أصوله من سلاطين سلطنة
عجوران الزائلة. وقد سارت تلك السلاطين على نفس درب أسلافها من بناء القلاع والتوجه
الكامل نحو إقامة إمبراطورية مبنية على أساس اقتصادي قائم على التجارة البحرية.
و قد بدأ السلطان يوسف محمود إبراهيم، ثالث سلاطين أسرة جوبورون الحاكمة، العصر
الذهبي لأسرة جوبورون. حيث خرج جيشه منتصرا من معركة باردهير والمعروفة باسم "جهاد
برداهير" في التاريخ الصومالي مما أعاد الاستقرار مجددا لمنطقة شرق إفريقيا وأنعش
تجارة العاج في هذه المنطقة من جديد. كما أقام علاقات وطيدة مع ملوك وسلاطين
الممالك المجاورة وعلى رأسهم عمان ومملكة الويتو بكينيا الحالية واليمن.
وقد خلفه في الحكم ابنه السلطان أحمد والذي كان واحداً من الرموز التاريخية بشرق
إفريقيا خلال القرن التاسع عشر؛ حيث قام بتحصيل الجزية من سلاطين عمان كما قام بعقد
التحالفات مع الممالك الإسلامية القوية القائمة على الساحل الشرقي للقارة
الإفريقية. وفي شمال الصومال قامت أسرة جيراد الحاكمة بإرساء قواعد سلطنة ورسنجلي
وأقامت علاقات تجارية وطيدة مع اليمن وفارس كما تنافس تجارها مع أقرانهم التابعين
لسلطنة باري. وكانت سلطنتا ورسنجلي وباري قد شيدتا العديد من القصور والقلاع
والحصون الشاهقة التي ما تزال آثارها باقية حتى الآن كدليل مادي على شموخ
الإمبراطوريتين القديمتين بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة في شتى المجالات التي
أقامتهما هاتان المملكتان مع باقي ممالك الشرق الأدنى.
وفي أعقاب مؤتمر برلين أواخر القرن التاسع عشر بدأت القوى الاستعمارية الأوروبية
العظمى اندفاعها للسيطرة على الأراضي البكر في إفريقيا وباقي مناطق العالم القديم
والعالم الجديد التي لم تكن أيدي الاستعمار قد امتدت إليها بعد، مما دفع القائد
العسكري محمد عبد الله حسان لحشد الحشود من شتى بقاع القرن الإفريقي وبداية حرب هي
الأطول في تاريخ الحروب ضد الاستعمار. وكان حسان دائم الإشارة في خطبه وأشعاره إلى
أن البريطانيين الكفرة "قاموا بتدمير ديننا وجعلوا من أبنائنا أبناءً لهم كما تآمر
الأثيوبيون المسيحيون بمساعدة البريطانيين على نهب الحرية السياسية والدينية لأمة
الصومال" مما جعله في وقت قصير بطلاً وطنياً ومدافعاً عن الحرية السياسية والدينية
لبلاده ضد الحملات الصليبية الشرسة التي كانت تتعرض لها البلاد من جانب إثيوبيا
وبريطانيا.
كما قام حسان بإصدار فتوى دينية بتكفير أي مواطن صومالي يرفض الوحدة التامة لأراضي
الصومال والقتال تحت إمرته. وسرعان ما قام حسان باستقدام السلاح من تركيا والسودان
وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، كما قام بتعيين العديد من المحافظين
والمستشارين وولاهم حكم المدن والمقاطعات المختلفة في الصومال. كما قام بإشعال
الشرارة الأولى لتوحيد واستقلال الصومال وذلك في إطار سعيه لتجميع وترتيب قواته
لمواجهة خطر الاستعمار الداهم.
وكانت حركة حسان درويش حركة ذات طابع عسكري في الأساس، ثم أسس دولة الدراويش أو
الدولة الدرويشية على النهج الصوفي متبعاً الطريقة الصالحية التي هي فرع من الطريقة
الأحمدية، وقد تميزت دولته بالراديكالية المركزية والأسلوب الإداري الهرمي. وتمكن
حسان من الوفاء بوعيده بإقصاء الهجمات المسيحية نحو البحر حينما تمكن من إجبار
الجنود البريطانيين على التراجع نحو الشاطئ في بداية المعارك فتمكن من صد الغزو
البريطاني بقوات قدرت بحوالي 1500 جندي مسلحين بالبنادق.
تمكن درويش من ردع البريطانيين وصد هجومهم أربع مرات متتالية، وأقام تحالفاً مع
قوات المحور المتحالفة خلال الحرب العالمية الأولى خاصة الإمبراطورية الألمانية
والدولة العثمانية التين أمدتاه بالسلاح لمقاومة الإنجليز، إلى أن جاءت نهاية
أسطورة دولة الدراويش على يد القوات البريطانية عام 1920 بعد كفاح ضد الاحتلال دام
لمدة ربع قرن عندما قامت القوات البريطانية باستخدام القاذفات لأول مرة على مسرح
العمليات بإفريقيا وقامت بقصف العاصمة "تاليح" حتى دمرتها تدميراً كاملاً، ومن ثم
تحولت دولة الدراويش وكل ما تبعها إلى محمية بريطانية.
ومع بروز الفاشية في إيطاليا أوائل عام 1920 تغيرت وجهة النظر نحو الصومال، حيث
أجبرت الممالك الشمالية على الوحدة مع الصومال لتكوين "الصومال الأكبر" أو كما كان
يطلق عليه (بالإيطالية: La Grande Somalia) وذلك وفقاً للخطة التي وضعتها إيطاليا
لخدمة مصالحها في المنطقة. ومع وصول العسكري الإيطالي شيزاري ماريا دي فيتشي إلى
الحكم في الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر عام 1923، تغيرت الأمور بالنسبة للجزء
المعروف من أراضي الصومال باسم "الصومال الإيطالي"، والذي خضع لسيطرة إيطاليا من
خلال سلسلة من اتفاقيات الحماية المتعاقبة وليس الحكم المباشر، وكان ذلك خلال فترة
الحرب العالمية الأولى في حين تمتعت الحكومة الفاشية بالحكم المباشر على مقاطعة
بنادر فقط.
وفي عام 1935 قامت إيطاليا الفاشية تحت قيادة زعيمها بينيتو موسوليني بغزو الحبشة
بغرض إقامة مستعمرة إيطالية هناك. وقد لاقى هذا الغزو اعتراضاً من عصبة الأمم، إلا
أن رد الفعل تجاه الغزو الإيطالي لم يتعدَ مرحلة الاعتراض حيث لم تتخذ الهيئة
الدولية أي قرار من شأنه وقف العدوان أو تحرير الأراضي الإثيوبية المحتلة. وفي
الثالث من آب/أغسطس عام 1940 قامت القوات الإيطالية ومعها بعض الوحدات الصومالية
بعبور الحدود الإثيوبية وشن هجوم بري على الصومال البريطاني وذلك خلال معارك شرق
إفريقيا في الحرب العالمية الثانية، وبحلول الرابع عشر من آب/أغسطس من نفس العام
تمكنت القوات الإيطالية من الاستيلاء على مدينة بربرة وسقط الصومال البريطاني
بالكامل في أيدي القوات الإيطالية في السابع عشر من نفس الشهر.
وفي كانون الثاني/يناير من عام 1941 قامت القوات البريطانية مدعومة بقوات من باقي
المستعمرات البريطانية في إفريقيا بشن هجوم بري من كينيا لاسترجاع الصومال
البريطاني وتحرير المناطق المحتلة من إثيوبيا والقضاء على القوات الإيطالية
المتمركزة في الصومال الإيطالي. وبحلول شهر شباط/فبراير وقعت أغلب مناطق الصومال
الإيطالي في أيدي القوات البريطانية وبحلول شهر آذار/مارس من العام نفسه استطاعت
القوات البريطانية استرجاع الصومال البريطاني بالكامل عن طريق البحر. وتركت
الإمبراطورية البريطانية قوات عاملة من اتحاد جنوب إفريقيا (جنوب إفريقيا حاليا)
وشرق إفريقيا البريطاني (كينيا حاليا) وغرب إفريقيا البريطاني (وهي دول نيجيريا
وغانا وسيراليون وغامبيا الحالية). وكانت تلك القوات البريطانية مدعومة من قوات
صومالية تحت قيادة "عبد الله حسان" وتضم صوماليين من عدة قبائل مثل إسحاق
وضولباهانت وورسنجالي. وبنهاية الحرب العالمية الثانية أخذ حجم التواجد الإيطالي
بمنطقة القرن الإفريقي بالتضاؤل حتى بلغ 10,000 فرد فقط بحلول عام 1960.
دولة الصومال
في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبالرغم من مساعدة الصوماليين للحلفاء أبقت
بريطانيا على سيطرتها على شطري الصومال البريطاني والإيطالي، كمحميتين بريطانيتين.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1949 منحت الأمم المتحدة إيطاليا حق الوصاية على
الصومال الإيطالي ولكن تحت رقابة دولية مشددة بشرط حصول الصومال الإيطالي على
الاستقلال التام في غضون عشر سنوات فقط؛ في حين بقي الصومال البريطاني محمية
بريطانية حتى عام 1960.
و بالرغم من سيطرة إيطاليا على منطقة الصومال الإيطالي بتفويض من الأمم المتحدة،
إلا أن هذه الفترة من الوصاية على الحكم أعطت الصوماليين الخبرات اللازمة والتثقيف
السياسي والقدرة على الحكم الذاتي وهي المزايا التي افتقدها الصومال البريطاني الذي
كان مقدراً له الوحدة مع الشطر الإيطالي من الصومال لتكوين دولة موحدة. وبالرغم من
محاولات المسؤولين عن المستعمرات البريطانية خلال منتصف العقد الخامس من القرن
الماضي لإزالة حالة التجاهل التي عانت منها المستعمرات البريطانية في إفريقيا من
قبل السلطات الإنجليزية إلا أن جميع تلك المحاولات بائت بالفشل وبقيت المستعمرات
البريطانية عامة والصومال البريطاني خاصة في نفس حالة الركود السياسي والاقتصادي
والاجتماعي مما كان عاملاً مؤثراً في وجود العديد من العقبات الصعبة التي ظهرت
عندما حان الوقت لدمج شطري البلاد في كيان سياسي واحد.
وفي غضون تلك الأحداث كلها، قامت بريطانيا تحت ضغط من حلفائها في الحرب العالمية
الثانية بإعطاء منطقة الحوض، وهي أحد مناطق الرعي الصومالية الهامة وكانت محمية
بموجب اتفاقيات وقعتها بريطانيا مع الجانب الصومالي خلال عامي 1884 و1886، وأقليم
أوغادين الذي تقطنه أغلبية صومالية إلى إثيوبيا وذلك بموجب اتفاقيات أخرى وقعتها
الإمبراطورية البريطانية عام 1897 تقضي بمنح المقاطعات الصومالية إلى الإمبراطور
الإثيوبي مينليك الثاني وذلك نظير مساعدته للقوات البريطانية على القضاء على مقاومة
العشائر الصومالية في بداية الحرب العالمية الأولى. وبالرغم من إضافة بريطانيا
لشروط تقضي بمنح القبائل الرعوية الصومالية المقيمة في المناطق الممنوحة للسلطات
الإثيوبية الحكم الذاتي إلا أن أثيوبيا سرعان ما أعلنت سيطرتها على تلك القبائل،
وفي محاولة منها لتدارك الموقف عرضت بريطانيا على أثيوبيا في عام 1956 شراء الأراضي
التي كانت قد منحتها إليها سابقاً إلا أن العرض البريطاني قوبل بالرفض شكلاً
وموضوعاً من جانب السلطات الأثيوبية. وكذلك وفي نفس السياق، منحت بريطانيا حق
السيطرة على المحافظة الحدودية الشمالية (بالإنجليزية: Northern Frontier District)
والتي تسكنها أغلبية صومالية مطلقة لكينيا متجاهلة بذلك استفتاءً كان قد جرى مسبقاً
في الإقليم يؤكد على رغبة أبنائه في الانضمام إلى الجمهورية الصومالية الحديثة.
وفي عام 1958، أقيم في جيبوتي المجاورة، والتي كانت تعرف باسم الصومال الفرنسي في
ذلك الوقت، استفتاء لتقرير المصير حول الانضمام إلى دولة الصومال أو البقاء تحت
الحماية الفرنسية، وجاءت نتيجة الاستفتاء برغبة الشعب في البقاء تحت الحماية
الفرنسية. ويرجع السبب في خروج نتيجة الاستفتاء بهذا الشكل تأييد عشيرة عفار التي
تكون غالبية النسيج السكاني لجيبوتي، للبقاء تحت الحماية الفرنسية وكذلك أصوات
السكان الأوروبيين الذين تواجدوا في تلك المنطقة خلال فترة الحماية الفرنسية. أما
باقي الأصوات التي صوتت ضد البقاء تحت السيادة الفرنسية فكانت من أبناء الصومال
الراغبين في تحقيق وحدة كبرى للأراضي الصومالية المتفرقة وعلى رأسهم "محمود فرح
الحربي" رئيس وزراء ونائب رئيس مجلس حكم الصومال الفرنسي، وهو صومالي الأصل من
عشيرة عيسى، إلا أن حربي قتل بعد الاستفتاء بعامين في حادث تحطم طائرة. ونالت
جيبوتي بعد ذلك استقلالها عن فرنسا في عام 1977 وأصبح حسن جوليد أبتيدون، وهو
صومالي مدعوم من فرنسا، أول رئيس لجمهورية جيبوتي والذي بقى في الحكم منذ عام 1977
وحتى عام 1991.
وفي السادس والعشرين من حزيران/يونيو عام 1960 أعلن رسمياً استقلال الصومال
البريطاني عن المملكة المتحدة أعقبه بخمسة أيام استقلال الصومال الإيطالي، وفي نفس
اليوم أعلن رسمياً قيام دولة الصومال الموحدة بشطريها البريطاني والإيطالي وإن كانت
بحدود قامت كل من بريطانيا وإيطاليا بترسيمها. وقام عبد الله عيسى محمد، رئيس وزراء
الصومال تحت الاحتلال البريطاني في الفترة ما بين سنة 1956 وحتى عام 1960، بتشكيل
أول حكومة صومالية وطنية حيث اختار عدن عبد الله عثمان دار أول رئيساً للصومال ومعه
عبد الرشيد علي شارماركي كأول رئيس للوزراء، والذي أصبح رئيساً فيما بعد في الفترة
بين سنة 1967 وحتى عام 1969. وفي العشرين من تموز/يوليو عام 1961 أقيم اقتراع شعبي
حول الدستور الصومالي الجديد والذي وافق عليه الشعب بالإجماع وكانت أول مسودة لهذا
الدستور قد وضعت عام 1960.
استمرت الصراعات القبلية والخلافات بين العشائر الصومالية منذ اللحظات الأولى
للوحدة نتيجة للآثار التي تركتها دول الاستعمار في نفوس أبناء الشعب الواحد والفرقة
التي عانى منها الشعب الصومالي طوال فترة الاستعمار. وفي عام 1967 أصبح محمد الحاج
إبراهيم إيجال رئيساً للوزراء وهو المنصب الذي اختاره فيه عبد الرشيد شارماركي
والذي كان رئيسا للبلاد في ذلك الوقت. وفيما بعد أصبح إيجال رئيسا لجمهورية أرض
الصومال والواقعة في الشمال الشرقي للصومال والمستقلة بشكل أحادي الجانب والتي لا
تحظى باعتراف دولي.
وبعد اغتيال الرئيس عبد الرشيد شارماركي أواخر عام 1969 تولت مقاليد البلاد حكومة
عسكرية وصلت للسلطة خلال انقلاب عسكري قاده كل من اللواء صلاد جبيري خيديي والفريق
محمد سياد بري وقائد الشرطة جامع قورشيل تولى خلاله بري رئاسة البلاد في حين أصبح
قورشيل رئيسا للوزراء. وأقام الجيش الثوري برامج تشغيل واسعة النطاق لتشغيل الأفراد
كما أطلق حملات ناجحة لمكافحة الأمية بالبلاد في المناطق المأهولة بالسكان والمناطق
النائية على حد سواء وكان لهذه الإجراءات أثر فعال في الارتقاء بمستوى إجادة
القراءة والكتابة بشكل ملحوظ، حيث ارتفع نسبة إجادة القراءة والكتابة بين
الصوماليين من 5% إلى 55% بحلول منتصف العقد الثامن من القرن الماضي. وبالرغم من
هذا استمرت الاضطرابات في عصر بري والصراعات على السلطة الأمر الذي دفعه لاغتيال
ثلاثة من وزرائه دفعة واحدة كان على رأسهم اللواء جبيري نفسه.
وتجلت ديكتاتورية الحكومة العسكرية الصومالية في تموز/يوليو من عام 1976 وذلك
بإنشاء الحزب الاشتراكي الثوري (بالصومالية: Xisbiga Hantiwadaagga Kacaanka
Soomaaliyeed) والذي ظل مسيطراً على مقاليد الحكم منذ نشأته وحتى سقوط الحكومة
العسكرية في الفترة ما بين كانون الأول/ديسمبر عام 1990 وكانون الثاني/يناير عام
1991، حيث أزيح الحزب عن الحكم بالقوة من جانب الجبهة الديموقراطية لإنقاذ الصومال
(بالصومالية: Jabhadda Diimuqraadiga Badbaadinta Soomaaliyeed) والمؤتمر الصومالي
الموحد ((بالإنجليزية: United Somali Congress)) والحركة الوطنية الصومالية
(بالصومالية: Dhaq Dhaqaaqa Wadaniga Soomaliyeed) والحركة الوطنية الصومالية
(بالإنجليزية: Somali Patriotic Movement) إضافة لأحزاب المعارضة المناهضة للعنف
مثل الحركة الديموقراطية الصومالية (بالإنجليزية: Somali Democratic Movement)
والتحالف الديموقراطي الصومالي (بالإنجليزية: Somali Democratic Alliance) وأخيراً
المجموعة البيانية الصومالية (بالإنجليزية: Somali Manifesto Group).
وخلال عامي 1977 و1978 قامت الصومال بغزو إثيوبيا خلال حرب أوغادين والتي سعت
القوات الصومالية من خلالها لتوحيد الأراضي الصومالية التي ترى أن الاستعمار قد
مزقها وقامت بمنح أجزاء منها لدول أخرى دون وجه حق، وكذلك منح حق تقرير المصير
للمجموعات العرقية الصومالية القاطنة في تلك المناطق. في البداية، سلكت الصومال
الطرق الدبلوماسية مع كلا من إثيوبيا وكينيا لإيجاد حل سلمي للقضايا العالقة بين
الطرفين إلا أن كل الجهود الدبلوماسية الصومالية باءت بالفشل. فقام الصومال، والذي
كان يستعد فعلياً للحرب في نفس الوقت الذي جرب فيه الحل الدبلوماسي، بإنشاء الجبهة
الوطنية لتحرير أوغادين (بالصومالية: Jabhadda Wadaniga Xoreynta Ogaadeenya)
والتي أطلق عليها فيما بعد جبهة تحرير الصومال الغربي (بالإنجليزية: Western Somali
Liberation Front)، وسعت للتحرك نحو استرجاع أقليم أوغادين بالقوة. وتحرك الصومال
بشكل منفرد دون الرجوع للمجتمع الدولي الرافض عامة لإعادة ترسيم الحدود التي خلفها
الاستعمار، في حين رفض الاتحاد السوفيتي ومن ورائه دول حلف وارسو مساعدة الصومال،
بل على العكس قاموا بدعم حكومة إثيوبيا الشيوعية. وفي الوقت نفسه حاول الاتحاد
السوفييتي الذي كان مزوداً للسلاح للجانبين لعب دور الوسيط لإيجاد فرصة لوقف إطلاق
النيران بين الدولتين.
استطاع الجيش الصومالي خلال الأسبوع الأول من المعارك من بسط سيطرته على وسط وجنوب
الإقليم، وعلى مدار الحرب قام الجيش الصومالي بتحقيق انتصارات على الجيش الإثيوبي
وتعقب فلول الجيش الإثيوبي المنسحبة حتى مقاطعة سيدامو الإثيوبية. وبحلول
أيلول/سبتمبر من عام 1977 تمكنت الصومال من السيطرة على قرابة 90% من الإقليم كما
نجحت في الاستيلاء على المدن الاستراتيجية الهامة مثل مدينة جيجيجا كما قامت بضرب
حصار خانق حول مدينة ديرة داوا مما أصاب حركة القطارات من المدينة إلى جيبوتي
بالشلل. وبعد حصار مدينة هرار قام الاتحاد السوفيتي بتوجيه دعم عسكري لم تشهده
منطقة القرن الإفريقي من قبل لحكومة إثيوبيا الشيوعية تمثل في 18,000 من الجنود
الكوبيين و 2,000 من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بالإضافة إلى 1,500 من
الخبراء العسكريين السوفييت تدعمهم المدرعات والمركبات والطائرات السوفيتية. وفي
مواجهة تلك القوة الهائلة أجبر الجيش الصومالي على الانسحاب وطلب المساعدة من
الولايات المتحدة. وبالرغم من إبداء نظام جيمي كارتر استعداده لمساعدة الصومال خلال
الحرب في بادئ الأمر إلا أن تدخل السوفييت السريع لإنقاذ إثيوبيا حال دون ذلك خشية
توتر العلاقات أكثر فأكثر بين القوتين العظيمتين، ومع تراجع الولايات المتحدة عن
مساعدة الصومال تراجع كذلك حلفاؤها من الشرق الأوسط وأسيا.
وبحلول عام 1978، بدأت الحكومة الصومالية بالتداعي وفقدان السيطرة الفعلية على
مقاليد الأمور. كما بدت غالبية الشعب الصومالي غائبة في حالة من اليأس العام نتيجة
الوقوع تحت الحكم العسكري الديكتاتوري لفترة طويلة من الزمان دون تحقيق انجازات
فعلية على الأرض، كما ساعد اقتراب نهاية الحرب الباردة على إضعاف النظام أكثر فأكثر
نتيجة لتضاؤل الأهمية الاستراتيجية للصومال. مما دفع الحكومة لانتهاج طرق أكثر
شمولية كما زادت حركات المقاومة المسلحة والتي كانت تدعمها إثيوبيا ضد النظام
الحاكم مما أدى إلى نشوب الحرب الأهلية الصومالية.
وفي عام 1990 صدر قانون يحظر على الصوماليين من ساكني العاصمة مقديشيو التواجد في
جماعات أكثر من ثلاثة أو أربعة أفراد وإلا اعتبر تجمهراً يعاقب عليه القانون. كما
ضربت جميع أنحاء الدولة أزمة شديدة تمثلت في نقص حاد للوقود أدت إلى تعطل وسائل
المواصلات العامة مما أثر بشكل عام على أداء المصالح الحكومية والقطاعين العام
والخاص. كما أدت أزمة التضخم التي عانت منها البلاد إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار
وعدم قدرة المواطنين على الحصول على السلع الأساسية حيث وصل سعر المعكرونة
الإيطالية العادية في ذلك الوقت إلى خمسة دولارات أمريكية للكيلو. كما وصل سعر
لفافة القات التي تجلب يومياً من كينيا إلى خمسة دولارات أمريكية للفافة التقليدية.
وبدأت القيمة النقدية للعملة الصومالية بالتضاؤل حتى أصبحت شوارع العاصمة مقديشيو
مغطاة بالعملات المعدنية صغيرة الفئة وذلك بعد أن فضل حاملوها التخلص منها بدلاً من
عناء الاحتفاظ بها إذ أصبحت عديمة الفائدة ودون قيمة فعلية تذكر. كما ظهرت سوق
سوداء رائجة في وسط العاصمة للإتجار في العملة وذلك لعدم وجود السيولة النقدية
الكافية لتغيير العملات الأجنبية بما يوازيها من الشلن الصومالي. كما أصبح الظلام
الحالك الذي يلف أرجاء المدينة بحلول المساء من المشاهد الطبيعية في مقديشيو وذلك
بعد أن قامت الحكومة الصومالية ببيع المولدات الكهربائية المغذية للعاصمة. كما خضع
كل الأجانب المتواجدين في المدينة لأي غرض كان لرقابة مشددة طوال فترة بقائهم في
الصومال. كما قامت الحكومة بإصدار حزمة من القرارات الصارمة لتنظيم حركة استبدال
العملات الأجنبية وذلك لمنع تصدير، أو بالأحرى تهريب العملات الأجنبية خارج أرجاء
الصومال. حيث كان محظوراً التعامل أو الاحتفاظ بالعملات الأجنبية خارج نطاق البنوك
الحكومية أو الفنادق الثلاثة التي تديرها الحكومة. كما كان محظوراً التقاط الصور في
العديد من الأماكن بالرغم من عدم وجود أي محظورات واضحة تخص سفر أو إقامة الأجانب.
وكانت من أهم الأحداث المعتادة أيضاً عمليات الاختطاف المنظمة أثناء الليل والتي
تقوم بها الجهات الحكومية ضد المعارضين والتي وصلت إلى حد اختطاف الأفراد من
منازلهم، على الرغم من أن مشاهدة أي تواجد عسكري بمقديشيو أثناء النهار كان من أكثر
الأمور ندرة على الإطلاق.
الحرب الأهلية الصومالية
أحد الشوارع المهجورة والتي شكلت الخط الأخضر في مقديشيو عام 1993.
شهد عام 1991 تغيرات جذرية في الحياة السياسية بالصومال. حيث تمكنت قوات مؤلفة من
أفراد العشائر الشمالية والجنوبية مسلحين ومدعومين من إثيوبيا من خلع الرئيس
الصومالي محمد سياد بري. وبعد عدة اجتماعات دارت بين الحركة الوطنية الصومالية
وشيوخ العشائر الشمالية، أعلن الجزء الشمالي من الصومال (الصومال البريطاني قديما)
انفصاله بصفة أحادية الجانب عن دولة الصومال تحت اسم جمهورية أرض الصومال
(بالصومالية: Jamhuuriyadda Soomaaliland وبالإنجليزية: Republic of Somaliland) في
مايو من عام 1991. وعلى الرغم من الانفصال التام الذي حققته جمهورية أرض الصومال
واستقرار الأوضاع النسبي الذي تمتعت به مقارنة من الجنوب الصاخب إلا أنها افتقرت
إلى الاعتراف الدولي بها من أية حكومة أجنبية.
وفي يناير من عام 1991 تم اختيار "علي مهدي محمد" عن طريق المجموعة الصومالية كرئيس
مؤقت للبلاد لحين عقد مؤتمر وطني يضم كل الأطراف ذوي الصلة في الشهر التالي
بجمهورية جيبوتي لاختيار رئيس للبلاد. إلا أن اختيار "علي مهدي محمد" قد لاقى
اعتراضا شديدا منذ البداية من جانب كل من الفريق محمد فرح عيديد زعيم الكونجرس
الصومالي المتحد وعبد الرشيد تور زعيم الحركة الوطنية الصومالية وكول جيس زعيم
الحركة القومية الصومالية. مما أحدث انقساما على الساحة السياسية الصومالية بين كل
من الحركة الوطنية الصومالية والحركة القومية الصومالية والكونجرس الصومالي المتحد
والمجموعة الصومالية والحركة الديموقراطية الصومالية والتحالف الديموقراطي الصومالي
من جهة والقوات المسلحة التابعة للكونجرس الصومالي المتحد بقيادة الفريق محمد فرح
عيديد من جهة أخرى. وبالرغم من ذلك، أدى هذا التناحر إلى إسقاط نظام محمد سياد بري
الحاكم والذي استمر في إعلان نفسه الحاكم الشرعي الوحيد للصومال حيث بقى مع مناصريه
من الميليشيات المسلحة في جنوب البلاد حتى منتصف عام 1992 مما أدى إلى تصعيد أعمال
العنف خاصة في مناطق جدو وباي وباكول وشبيلا السفلى وجوبا السفلى وجوبا الوسطى؛ في
حين أدت الصراعات المسلحة داخل الكونجرس الصومالي الموحد إلى إصابة مقديشيو
والمناطق المحيطة بها بدمار واسع.
وأدت الحرب الأهلية، التي لا تزال تدور رحاها في الصومال، إلى تعطيل الزراعة وتوزيع
الغذاء في الجنوب الصومالي ولعل الأسباب الرئيسية التي اندلعت من أجلها الحرب في
البلاد تتلخص في الحساسية المفرطة بين العشائر وبعضها البعض بالإضافة إلى التكالب
على السيطرة على الموارد الطبيعية والمناطق الرعوية الغنية. وكان جيمس بيشوب أخر
السفراء الأمريكيين للصومال قد وصف الوضع الراهن والحرب الأهلية هناك بأنها "صراع
على الماء ومناطق الرعي والماشية كانت تدار قديما بالأسهم والسيوف وأصبحت تدار الآن
بالبنادق الألية." وقد أدت الحرب الأهلية الصومالية إلى حدوث مجاعة أودت بحياة
قرابة 300,000 صومالي مما دفع مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار عام 1992
وإرسال قوات حفظ السلام الدولية الأولى بالصومال (UNOSOM I) لإنقاذ الوضع الإنساني
للبلاد. وكان استخدام القوة بالنسبة لقوات حفظ السلام مقصورا فقط على الدفاع عن
النفس مما أعطى العشائر المتحاربة الفرصة لإهمال تواجدها واستكمال صراعهم المسلح.
وردا على تصاعد حدة العنف وتدهور الوضع الإنساني قامت الولايات المتحدة بتزعم تحالف
عسكري دولي بغرض إحلال الأمن في الجنوب الصومالي والارتقاء بالوضع الإنساني هناك
وتسهيل وصول المعونات الإنسانية من الأمم المتحدة والدول المانحة. ودخلت قوات
التحالف والتي عرفت باسم قوات الفرقة الموحدة (بالإنجليزية: Unified Task Force أو
UNITAF) في ديسمبر من عام 1992 من خلال عملية "إعادة الأمل" وفقا لقرار مجلس الأمن
رقم 794. وتمكنت القوات الدولية من إعادة النظام في جنوب الصومال والتخفيف من أثار
المجاعة التي عانت منها البلاد حتى انسحبت معظم القوات الأمريكية من البلاد بحلول
مايو من عام 1993 واستبدلت قوات الفرقة الموحدة بقوات حفظ السلام الدولية الثانية
بالصومال (UNOSOM II) في الرابع من مايو وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 837 والصادر في
السادس والعشرين من مارس من نفس العام.
على الجانب الأخر رأى محمد فرح عيديد في قوات حفظ السلام الدولية تهديدا له
ولسلطاته حيث أصدر الأوامر لميليشياتة المسلحة بمهاجمة مواقع القوات الباكستانية
العاملة بمقديشيو مما أسفر عن إصابة نحو 80 فرد متعددي الجنسية من قوات حفظ السلام،
واستمر القتال حتى سقط 19 جنديا أمريكيا وجنديين باكستانيين وأخر ماليزي صرعى من
جانب قوات حفظ السلام بالإضافة إلى قرابة 1,000 فرد من الميليشيات الصومالية
المسلحة في الفترة ما بين الثالث والرابع من أكتوبر لعام 1993 فيما عُرف في التاريخ
الحربي فيما بعد باسم "معركة مقديشيو" الأمر الذي دفع الأمم المتحدة لشن عملية
"الدرع الموحد" بقوات مكونة من عناصر أمريكية ومصرية وباكستانية في الثالث من مارس
لعام 1995، إلا أن هذه القوات قد تكبدت خسائر بشرية كبيرة دون إقرار حكومة مدنية في
الصومال حتى أعلن مقتل عيديد في مقديشيو في يونيو من عام 1996.
برزت مشكلة القرصنة قبالة شاطئ الصومال كنتيجة حتمية لانهيار وتضعضع السلطة
الحكومية إثر نشوب الحرب الأهلية، وقد ظهرت هذه المشكلة بداية الأمر في الموانئ
الساحلية للبلاد. أتت القرصنة كردة فعل من قبل الصيادين الصوماليين قاطني عدد من
البلدات الساحلية مثل: ايل، كيسمايو، وهراردير، على هجوم سفن الصيد الأجنبية على
الثروة السمكية الموجودة بالمياه الإقليمية بعد انهيار الحكومة، الأمر الذي حرم
الصيادين من جزء كبير من مدخولهم. كذلك، لاحظ بعض المسؤولين أن أعمال القرصنة
تصاعدت بعد حدوث زلزال المحيط الهندي بتاريخ 26 ديسمبر من عام 2004، الذي تسبب
بموجة تسونامي هائلة دمرت عدد من القرى الساحلية وقوارب صيدها. يقول البعض أن أعمال
القرصنة في الصومال هي "الأعمال الاقتصادية الوحيدة المزدهرة" في البلاد، وأنها
"دعامة" اقتصاد أرض البنط.
يُعتقد بأنه تم بيع ما بين 25,000 و 50,000 عبداً من قوم البانتو، قاطنين موزامبيق
وتنزانيا، في الفترة الممتدة بين عاميّ 1800 إلى 1890، لأناس من الصومال عن طريق
سوق الرقيق في زنجبار. يختلف البانتو عن الصوماليون من الناحية العرقية، الجسدية،
والثقافية، وقد بقوا مهمشين في البلاد منذ أن حضروا في القرن التاسع عشر حتى اليوم.
يُعتقد أن عدد البانتو في الصومال وصل إلى 900,000 نسمة قبل الحرب الأهلية، أما
الآن فقد تراجع بعض الشيئ، خصوصاً وأن 12,000 لاجئ منهم استقر في الولايات المتحدة
بدأً من سنة 2003، وأيضاً بسبب قيام الحكومة التنزانية بمنح الجنسية للبعض الأخر،
وإعادتهم إلى أراضي أجدادهم التي نزعوا منها.
في أواسط سنة 2011 أدّى تخلّف الأمطار لموسمين متتاليين إلى وقوع أسوأ موجة جفاف في
القرن الأفريقي منذ 60 عام. وقد أدّى تفاقم الجفاف وما نجم عنه من ذبل للمحاصيل
ونفوق للحيوانات وارتفاع أسعار المياه والوقود والغذاء، أدّى إلى هجرة جماعية لأهل
جنوب الصومال الذي تتجاذبه الصراعات المسلحة، إلى مراكز الإغاثة في الدول المجاورة.
وفي شهر يوليو من عام 2011، أعلنت الأمم المتحدة رسميًا وجود مجاعة في جنوب
الصومال، سرعان ما تفاقمت بسبب منع الجماعات المسلحة دخول الإمدادات الغذائية إلى
البلاد. بالمقابل، أنشأت الحكومة هيئة إغاثة وطنية تتكون من عدّة وزراء تهدف إلى
العمل على الحد من أضرار الجفاف وتأثيره على الناس، وقد أفادت المنظمة اللوثرية
العالمية أن نشاط القوات العسكرية الحكومية في جنوب البلاد منذ بداية ديسمبر 2011،
حدّ بعض الشيء من عمليات النزوح الجماعي خارج الصومال.
في أعقاب الحرب الأهلية وخلال عام 1998 أعلنت عشيرتي "هارتي" و"دارود" عن قيام دولة
منفصلة ذات حكم ذاتي في الشمال الشرقي للصومال أطلقوا عليها اسم أرض البونت
(بالصومالية: Puntlaand) إلا أنها أعلنت استعدادها للمشاركة في وضع دستور جديد
لتشكيل حكومة مركزية جديدة. أعقب ذلك في عام 2002 إعلان انفصال دولة "الصومال
الجنوبية الغربية" وقيام الحكم الذاتي بها فوق مناطق بأي وباكول وجوبا الوسطى وجدو
وشبيلا السفلى وجوبا السفلى والتي أصبحت جميعها تحت تصرف الدولة الناشئة وذلك على
الرغم من المحرضين الأساسيين للانفصال، جيش الرحنوين الذي تأسس عام 1995، ولم يكن
قد فرض سيطرته الكاملة إلا على بأي وباكول وأجزاء من جدو وجوبا الوسطى ومع ذلك سارع
بإعلان انفصال تلك المناطق عن دولة الصومال وتأسيس دولة الصومال الجنوبية الغربية.
وعلى الرغم من إضعاف الخلافات بين حسن محمد نور شاتيجادود، قائد جيش "الراحانيون"،
ونائبيه لقوة الجيش الفعلية، إلا أن دولة الصومال الجنوبية الغربية أصبحت مركزا
للحكومة الفيدرالية الانتقالية منذ فبراير من عام 2006 خاصة مدينة "بيداوا" والتي
اتخذت عاصمة لجمهورية الصومال الجنوبية الغربية، كما أصبح شاتيجادود وزيرا للاقتصاد
في الحكومة الانتقالية الجديدة بينما أصبح نائبة الأول الشيخ عدن محمد نور مادوبي
متحدثا رسميا باسم البرلمان الصومالي وكذلك نائبه الثاني محمد إبراهيم حسبسادي الذي
أصبح وزيرا للمواصلات، كما احتفظ شاتيجادود بمنصب شيخ شيوخ محاكم الراحانيون
العرفية.
وفي عام 2004 عقدت الحكومة الفيدرالية الانتقالية مؤتمرا في العاصمة الكينية نيروبي
لرسم الخطوط العريضة للدستور الصومالي الموحد الجديد، كما أعلنت اتخاذ مدينة بيداوا
عاصمة لها. إلا أن تعرض الصومال لكارثة تسونامي التي ضربت شواطئ المحيط الهندي في
أعقاب زلزال المحيط الهندي الذي ضرب المنطقة عام 2004 أدى إلى تعطل الجهود السياسية
بالبلاد نظرا للكارثة البيئية التي عانت منها الصومال وتسببت في مقتل 300 شخص على
أقل تقدير وتدمير قرى بالكامل. ولم تهنئ الصومال بعد كارثة تسونامي حيث حلت بها
كارثة بيئية أخرى حيث أغرقت البلاد الأمطار الغزيرة والفيضانات التي اجتاحت القرن
الإفريقي بالكامل مما تسبب في تشريد ما يقرب من 350,000 نسمة. واستأنفت الصراعات
القبلية والعشائرية في الصومال عام 2006 حيث أعلنت مناطق جدو وجوبا الوسطى وجوبا
السفلى انفصالها عن الصومال وإقامة دولة حكم ذاتي أطلقت على نفسها اسم "أرض الجوبا"
(بالصومالية: Jubbaland، بالإنجليزية: Jubaland) ويتزعمها العقيد باري عدن شاير
هيرالي رئيس تحالف وادي جوبا (بالصومالية: Isbahaysiga Dooxada Jubba)، وكحال أرض
البنط لا تريد حكومة أرض جوبا الاستقلال بنفسها عن دولة الصومال ولكن تؤيد فكرة
الوحدة تحت اتحاد فيدرالي يضم كل مناطق الحكم الذاتي بالصومال.
الصومال في ذروة سلطة اتحاد المحاكم الإسلامية، ديسمبر من عام 2006.
وفي عام 2006 أندلعت مجددا المواجهات بين تحالف قادة مقديشيو العسكريين والمعروف
باسم "تحالف حفظ السلام ومكافحة الإرهاب" (بالصومالية: Isbaheysiga Ladagaalanka
Argagaxisadda، وبالإنجليزية: Alliance for the Restoration of Peace and
Counter-Terrorism) والمعروف اختصارا باسم "ARPCT" من جهة والميليشيات العسكرية
الموالية لاتحاد المحاكم الإسلامية (بالصومالية: Midowga Maxkamadaha Islaamiga،
بالإنجليزية: Islamic Courts Union) والذين يطالبون بإعمال قوانين الشريعة
الإسلامية في البلاد. وأثناء إحكامهم على مقاليد الأمور أصدر اتحاد المحاكم
الإسلامية جملة من القوانين الاجتماعية والتي تتفق مع تعاليم الشريعة الإسلامية
ومنها تحريم مضغ القات والذي كان واحدا من أهم خطوات إرثاء قيم اجتماعية جديدة
وتغيير سلوك المجتمع. كما زُعم أيضا منع إذاعة مباريات الكرة ونشرات الأخبار وهو ما
نفاه اتحاد المحاكم الإسلامية. وفي سؤاله أثناء إحدى المقابلابت حول ما إذا كانت
المحاكم الإسلامية ترغب في بسط سيطرتهأعلى جميع أراضي الصومال أجاب شريف شيخ أحمد
زعيم اتحاد المحاكم الإسلامية، بأن بسط النفوذ على الأرض ليس هو الهدف الأسمى بل إن
إحلال السلام وكرامة الشعب الصومالي وقدرته على العيش والتعايش بحرية وقدرته على
تحديد مصيره بيده هو كل ما تصبو إليه المحاكم الإسلامية.
وعلى مدار تلك المواجهات سقط العديد من المئات قتلى من بين صفوف المدنيين حيث وصف
سكان مقديشيو بأنها أسوأ معارك تشهدها البلاد على مدار عقد كامل من الحرب الأهلية
واتهم اتحاد المحاكم العسكرية الولايات المتحدة بتمويل القادة العسكرين، والتي
أطلقت عليهم لقب أمراء الحرب، عن طريق وكالة المخابرات المركزية وتزويدهم بالسلاح
وذلك لمنع المحاكم الإسلامية من الوصول للسلطة. ومن جانبها لم تنف أو تؤكد وزارة
الخارجية الأمريكية مزاعم المحاكم الإسلامية واكتفت بالتصريح بأن الولايات المتحدة
لم تقم بأي فعل خارق لاتفاقية حظر بيع السلاح المفروض على الصومال في حين كشفت
صحيفة "المشاهد" البريطانية (بالإنجليزية: The Observer) عن رسائل إلكترونية تفضح
تورط شركات أمريكية خاصة تقوم بأعمال مخالفة لقوانين الأمم المتحدة ومسؤولة عن بيع
وتوريد السلاح للفصائل المتحاربة بالصومال.
ومع أوائل يونيو من عام 2006 تمكنت المحاكم الإسلامية من إحكام سيطرتها على مقديشيو
في أعقاب معركة مقديشيو الثانية، التي استمرت فيما بين السابع من مايو وحتى الحادي
عشر من يونيو، وتبعها سقوط أخر المدن الحصينة التابعة لتحالف حفظ السلام ومكافحة
الإرهاب وهي مدينة جوهر الجنوبية دون مقاومة تذكر مما أعلن فعليا نهاية جيش تحالف
حفظ السلام ومكافحة الإرهاب الذي هربت فلوله الباقية نحو الشرق أو قامت بعبور
الحدود الإثيوبية.
ومع نهاية جيش التحالف نادت الحكومة الفيدرالية الانتقالية المدعومة من إثيوبيا
بضرورة تواجد قوات دولية لحفظ السلام من دول شرق إفريقيا وهو الأمر الذي عارضه بشدة
اتحاد المحاكم الإسلامية الرافض للتواجد الأجنبي على أرض الصومال عامة وبخاصة
القوات الإثيوبية؛ حيث أوضحت المحاكم الإسلامية وجهة نظرها في هذا الشأن معللين
رفضهم بتاريخ إثيوبيا الطويل كقوة إمبريالية استعمارية سابقة ولا تزال تحتل أقليم
أوجادين ذي الأغلبية الصومالية والتي تسعى لاحتلال سائر أنحاء الصومال أو الحصول
على تفويض عام لحكم الصومال بالوكالة. الأمر الذي دفع المحاكم الإسلامية على زيادة
نفوذها في الجنوب الصومالي عن طريق المفاوضات والمناقشات السلمية مع شيوخ العشائر
أكثر منه استخدام القوة العسكرية.
وخلال الفترة التي اندلعت فيها المعارك مجددا بداية من عام 2006 بقيت المحاكم
الإسلامية بعيدة عن الأراضي المتاخمة للحدود الإثيوبية مما جعل هذه المناطق ملاذا
للمدنيين الصومالين هربا من المعارك الضارية في شرق البلاد وكذلك الحكومة
الفيدرالية الانتقالية نفسها والتي اتخذت من مدينة بيداوا مقرا وملاذا لها حتى
أعلنت إثيوبيا صراحة عن عزمها التدخل عسكريا لحماية بيداوا في حالة تعرضها لأي
تهديد عسكري من قبل ميليشيات المحاكم الإسلامية. وفي الخامس والعشرين من سبتمبر عام
2006 اندفعت ميليشيات المحاكم الإسلامية نحو ميناء كيسمايو أخر الموانئ الواقعة تحت
سيطرة الحكومة الفيدرالية الانتقالية، مما دفع إثيوبيا للدفاع عن عملائها والرد
عسكريا باجتياح مدينة بيور هكبا والاستيلاء عليها في التاسع من أكتوبر عام 2006 مما
اضطر المحاكم الإسلامية لإعلان الحرب على إثيوبيا في نفس اليوم.
وفي الأول من نوفمبر عام 2006 انهارت محادثات السلام بالكامل بين الحكومة
الفيدرالية الانتقالية واتحاد المحاكم الإسلامية وخشى المجتمع الدولي من اندلاع حرب
أهلية واسعة النطاق خاصة بعدما تبادل الغريمين إثيوبيا وإريتريا دعم طرفي النزاع
وإمدادهما بالسلاح اللازم للقضاء على الطرف الأخر. واندلع القتال مرة أخرى في
الحادي والعشرين من ديسمبر لعام 2006 عندما أصدر الشيخ حسن ضاهر عويس زعيم المحاكم
الإسلامية في ذلك الوقت بيانا صرح فيه بأن "دولة الصومال في حالة حرب وعلى كل
صومالي أن ينضم للقتال ضد إثيوبيا". واندلع قتالا حامي الوطيس بين اتحاد المحاكم
الإسلامية من جهة والحكومة الفيدرالية الانتقالية والقوات الإثيوبية من جهة أخرى.
معركة بيداوا (ديسمبر 2006) بين اتحاد المحاكم الإسلامية والقوات الإثيوبية.
وفي الأيام الأخيرة من ديسمبر لعام 2006 قامت القوات الإثيوبية بتوجيه العديد من
الضربات الجوية ضد مواقع ميليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية في مختلف مناطق الصومال
في حين صرح برهان هايلو وزير الإعلام الإثيوبي بأن الضربات الجوية استهدفت فقط
مدينة بيور هكبا وذلك لمنع تقدم الميليشيات التابعة للمحاكم الإسلامية نحو بيداوا
حيث تتمركز الحكومة الانتقالية الموالية لإثيوبيا؛ كما قامت إحدى المقاتلات
الإثيوبية بقصف مطار مقديشيو الدولي، المعروف الآن بمطار عدن عدي الدولي، إلا أن
القصف لم ينتج عنه أية خسائر للمطار وإن كان أجبر السلطات على إيقاف تشغيله لفترة
من الوقت حتى يتم إصلاح مهبط الطائرات. كما قامت مقاتلات إثيوبية أخرى بقصف مطارا
حربيا غرب مقديشيو. ومن ناحيته أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي أن بلاده تشن
حربا ضد اتحاد المحاكم الإسلامية دفاعا عن سيادتها العليا مصرحا في بيان له "أن
قوات الدفاع الإثيوبية قد أجبرت على دخول تلك الحرب لحماية السيادة العليا لإثيوبيا
ولتضع حد للهجمات المتكررة للعناصر الإرهابية التابعة للمحاكم الإسلامية والعناصر
الداعمة لها والمناوئة لإثيوبيا".
وانخرط الطرفين في قتال عصيب استمر لعدة أيام حيث قامت القوات الإثيوبية وميليشيات
الحكومة الانتقالية مدعومة بالدبابات والمقاتلات الإثيوبية بإجبار ميليشيات المحاكم
الإسلامية على عدم التقدم نحو بيداوا وحصارهم في المنطقة الواقعة بينها وبين
مقديشيو. ومع نهاية المعارك أعلن كل طرف تكبيد الأخر خسائر فادحة في العدد والعتاد
إلا أن الواقع الملموس أكد وقوع خسائر فادحة في جانب مقاتلي ومعدات ميليشيات
المحاكم الإسلامية مما أجبرهم على الانسحاب نحو مقديشيو. وفي الثامن والعشرين من
ديسمبر دخلت قوات الحكومة الانتقالية ومعها القوات الإثيوبية مدينة مقديشيو دون أي
مقاومة تذكر بعد أن هجرها مقاتلي المحاكم الإسلامي حيث أعلن رئيس الوزراء علي محمد
جيدي تأمين مدينة مقديشيو وإحكام القوات الحكومية السيطرة عليها بعد جولة من
المحادثات أجراها مع شيوخ العشائر هناك لتسليم المدينة سلميا. إلا أن القوات
الحكومية والإثيوبية لم تسلم من الهجمات المتعاقبة لميليشيات المحاكم الإسلامية حتى
إبريل من عام 2008.
ومع تراجع الإسلاميون نحو الجنوب في اتجاه مواقعهم الحصينة بكيسمايو استمر القتال
في العديد من البلدات الأخرى حتى وصل إلى كيسمايو نفسها والتي تركوها هي الأخرى دون
قتال زاعمين أن انسحابهم كان استراتيجيا في المقام الأول تجنبا لوقوع أي خسائر في
الأرواح في صفوف المدنيين العزل، واستقر الأمر بالميليشيات الإسلامية بالتحصن في
خنادق حول مدينة رأس كامبوري الساحلية في أقصى جنوب الصومال على الحدود المتاخمة
لكينيا. وفي الخامس من يناير لعام 2007 قامت القوات الحكومية والإثيوبية بشن هجوم
على مدينة رأس كامبوري وهو ما عرف باسم "معركة رأس كامبوري" مما اضطر المقاتلين
الإسلاميين للتخلي عن مواقعهم وهروب الناجيين منهم إلى الغابات والتلال القريبة بعد
أيام قليلة من اندلاع القتال. وفي التاسع من يناير تدخلت الولايات المتحدة لأول مرة
في الحرب في الصومال حيث قامت بإرسال القاذفات الثقيلة من طراز لوكهيد إيه سي-130
لضرب الأهداف التابعة لميليشيات المحاكم الإسلامية في منطقة رأس كامبوري مما أسفر
عن مقتل العشرات وإعلان هزيمة المحاكم الإسلامية نهائيا إلا أنه على مدار عامي 2007
و2008 تكونت خلايا مسلحة لجماعات إسلامية جديدة استمرت في القتال ضد القوات
الحكومية والقوات الإثيوبية وتمكنوا من استرجاع أجزاء كبيرة من البلاد من أيدى
القوات الحكومية والقوات الإثيوبية المعاونة والتي انسحبت نهائيا من البلاد في عام
2009 في حين لم يعد هناك أي تواجد لاتحاد المحاكم الإسلامية كقوة سياسية منظمة.
مع نهاية عام 2008، وتحديدا في الثامن والعشرين من ديسمبر أعلن عبد الله يوسف أحمد
في خطابه الذي أذيع على محطات الراديو المحلية وأمام البرلمان الموحد في بيداوا
استقالته رسميا من منصبه كرئيس للصومال معربا عن خيبة أمله الشديدة لفشله هو
وحكومته في وضع حد لسبعة عشر عام من الصراع المسلح الذي أنهك البلاد وهو الأمر الذي
تم تعيينهم لسببه في البداية، كما ألقى باللوم على المجتمع الدولي لفشله في دعم
الحكومة الانتقالية منذ البداية، وفي نهاية خطابه أوضح أن من سيخلفه في مقعد
الرئاسة هو المتحدث الرسمي باسم البرلمان الصومالي عدن محمد نور مادوبي لحين انتخاب
رئيسا للبلاد وذلك وفقا للدستور المؤقت للحكومة الانتقالية. وفي الحادي والثلاثين
من يناير من عام 2009 تم الإعلان عن انتخاب شريف شيخ أحمد رئيسا لدولة الصومال في
فندق كامبينيسكي بجيبوتي.
وفي عام 2009 اندمج اتحاد المحاكم الإسلامية مع الحكومة الفيدرالية الانتقالية
والتي ضمت بجانبه مجلس التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال ومجموعة من الجماعات
الإسلامية المعتدلة. وفي الانتخابات التشريعية استطاع الإسلاميون الحصول على 200
مقعد من أصل 440 مقعد. وعقب انتخابه رئيسا للبلاد قام شريف شيخ أحمد بتوقيع اتفاقية
لتقاسم السلطة في جيبوتي مع رئيس وزراء الحكومة الانتقالية السابقة نور حسن حسين
وهو الاتفاق الذي تم بوساطة الأمم المتحدة والذي بمقتضاه تنسحب القوات الإثيوبية
انسحابا كاملا من الصومال مع تسليم قواعدها للحكومة الحالية وقوات حفظ السلام
التابعة للاتحاد الإفريقي والجماعات الإسلامية المعتدلة تحت رئاسة التحالف من أجل
إعادة تحرير الصومال. وبعد الانسحاب الإثيوبي من البلاد قامت الحكومة الانتقالية
بتوسيع عضوية البرلمان وضمت المعارضة إليه وتم انتخاب شريف شيخ أحمد رئيسا للبلاد
في الحادي والثلاثين من يناير عام 2009 والذي قام بدوره بتعيين عمر عبد الرشيد علي
شارماركي ابن الرئيس الصومالي الراحل عبد الرشيد علي شارماركي كرئيس للوزراء. وفي
21 سبتمبر سنة 2010، استقال شارماركي من منصبه، فأقدم رئيس الجمهورية على تعيين
محمد عبد الله محمد خلفا له. وفي 19 يونيو 2011 قدّم محمد عبد الله محمد استقالته
من منصب رئاسة الوزراء، وعُين عبد الولي محمد علي غاس، وزير التخطيط ومسؤول
العلاقات الخارجية، خلفًا له.
Other articles in this category |
---|
الصومال في لمحة واحدة |
الجغرافيا |
التاريخ |
الثقافة |
الاقتصاد |
السياسة |
العسكري |
العلاقات الخارجية |