يعود تاريخ سكنى الإنسان للسودان
إلى العصر الحجري (8000ق م - 3200 ق م). حيث وجدت جماجم تعود لجنس زنجي متحضر سكن
منطقة الخرطوم واستدل من الجماجم التي وُجدت أن القوم يختلفون عن أي جنس زنجي معاصر.
وكانوا يعتاشون على صيد الأسماك والحيوانات بجانب جمع الثمار.
أما سكان "الشهيناب" الواقعة على الضفة الغربية للنيل فقد كانوا يختلفون عن سكان
مدينة الخرطوم القديمة، وكانوا يمارسون حرفة الصيد وصناعة الفخار واستعمال المواقد
والنار للطبخ.
وكشف تحليل المستحثات القديمة على هيكل لجمجمة إنسان عثر عليها صدفة عام 1928 م، في
سنجة بولاية النيل الأزرق، عرف بإنسان سنجة الأول Singa skull، بأنه عاش في العصر
الحجري البلستوسيني Pleistocene وتزامن مع وجود إنسان نياندرتال . ويوجد الهيكل
حالياً في المتحف البريطاني.
يقع السودان بين غرب أفريقيا ودول الشرق مع اتصاله بالبحر الأحمر واحتلاله شطراً
كبيراً من وادي النيل وكونه يربط بين أوروبا ومنطقة البحر المتوسط وأواسط أفريقيا
جعله في ملتقي الطرق الأفريقية. وعلي اتصال دائم بجاراته. فنشأت علاقات تجارية
وثقافية وسياسية بين مصر والبلاد السودانية منذ الأزل، وكان قدماء المصريين
يسمونه(تانحسو) أي "أرض الأرواح "أو "أرض الله "عندما بهرتهم خيراته.
سكن الجنس النوبي قديما السودان في العصور الحجرية (8000ق م - 3200 ق م). واتخذ أول
خطواته نحو الحضارة. فقاموا بصناعة الفخار واستعمال المواقد والنار للطبخ. كان
العرب يطلقون علي المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا الممتدة من المحيط
الأطلنطي غرباً إلي البحر الأحمر والمحيط الهندي شرقاً.
وفي عهدي الدولة الوسطي بمصر والدولة الحديثة ضمّ أحمس جزءاً في جنوب مصر أطلق عليه
فيما بعد كوش. وأصبحت اللغة المصرية القديمة هي اللغة الرسمية. ولا سيما بعدما طرد
أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر للهكسوس من مصر. ووصل تحتمس الثالث حتى الشلال الرابع.
وكان ملوك الدولة الحديثة يعينون نوابًا عنهم لإدارة الجنوب المصري. وظهرت اللغة
الكوشية أثناء مملكة كوش، وكانت لغة التفاهم بين الكوشيين قبل ظهور الكتابة المروية
نسبة لمدينة مروي التي تقع على الضفة الشرقية للنيل شمال قرية البجراوية الحالية.
وكانت عاصمة للسودان ما بين القرن السادس ق.م. والقرن الرابع الميلادي. عندما
ازدهرت تجارة الصمغ والعاج والبخور والذهب بين الجزيرة العربية وبين موانئ السودان
والحبشة. وكانت للسودان علاقات مع ليبيا والحبشة منذ القدم. وفي الأثار السودانية
كانت مملكة مروي علي صلة بالحضارة الهندية في العصور القديمة. وكان الإغريق يسمون
البلاد الواقعة جنوب مصر "أثيوبيا وقال هوميروس عنها أن الآلهة يجتمعون في السودان
في عيدهم السنوي.
التفاعل مع شبه الجزيرة العربية
وكان بين السودان وشبه الجزيرة العربية والشواطئ العربية والإفريقيـة صلات
قديمة عبر البحر الأحمر. حيث ازدهرت تجارة الصمغ والعاج والبخور والذهب بين السودان
والحبشة من ناحية وبين موانئ الجزيرة العربية من ناحية أُخرى. ومنذ 2000 سنة ق.م.
احتلت إمبراطورية الحبشة بلاد اليمن كما حدثت هجرات عربية من شبة الجزيرة العربية
إلى أرض النوبة في شمال السودان...
السودان قبل التاريخ
وأظهرت الحفريات الأثرية آثارا سودانية منذ حوالي عام 3100 ق. م. إلي 2000
ق.م. ونجد أن إنسان السودان اتخذ أول خطوة معروفة نحو الحضارة في أفريقيا بصناعة
الفخار واستعماله. وكان هؤلاء السكان، وهم سكان الخرطوم القديمة يعيشون في مجتمع
متطور مقسم إلى حرف ومهن كما يظهر من آثارهم.
ولا يُعرف شيء عن السودان علي وجه التحقيق ما بين عامي 3800 ق.م. و3100 ق. م. ولكن
توجد قبور في أماكن مختلفة ببلاد النوبة تمثل ثقافة لا تُعرف من قبل ويرجع تاريخها
عام 3100 ق.م، ويطلق عليها "حضارة المجموعة الأُولي "، ومن بين آثارها التي وُجدت
في هذه القبور الأواني الفخارية والأدوات النحاسية.
وهناك كانت حضارة أُخري تُعرف "بحضارة المجموعة الثانية"تلت ثقافة المجموعة الأُولي.
وفي الفترة مـا بين 2240 ق.م - 2150 ق.م ظهرت في بلاد النوبة حضارة تُعرف بثقافة
عصر "المجموعة الحضارية الثالثة".
المجموعة الحضارية الثالثة
بعد نهاية دولة مروي قامت ثلاثة ممالك نوبية. فكانت في الشمال مملكة
النوباطيين التي تمتد من الشلال الأول إلي الشلال الثالث وعاصمتها "فرس". ويليها
جنوبـاً مملكة المغرة التي تنتهي حدودها الجنوبية عند "الأبواب"التي تقع بالقرب من
كبوشية جنوب مروي القديمة، وهذه المملكة عاصمتها "دنقلا العجوز "، ثم مملكة علوة
وعاصمتها سوبا وتقع بالقرب من الخرطوم. وإتحدت مملكتا النوباطيين والمغرة فيما بين
عامي 650- 710 م وصارتا مملكة واحدة. وصلت النوبة قوة مجدها في القرن العاشر
الميلادي وكان ملك النوبة المدافع الأول عن بطريرك الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.
ولما إنهزم "كودنيس "آخر ملك علي مملكة دنقلا "عام 1323 م، انتهت الدولة المسيحية.
وبعد ذلك اعتنق السودانيون الإسلام. فتاريخ الفترة التي تمتد من القرن الثامن قبل
الميلاد إلي القرن الرابع الميلادي، نجده في الكتابات التي تركها السودانيون علي
جدران معابدهم بالشمال وفي الأهرامات كأهرامات جبل البركل ونوري التي بناها ملوك
نبتـة ومروي، والأثار علي ضفتى النيل ما بين وادى حلفا وسنار وفي منطقة بوهين وفرس
وعبد القادرو نبتـة ومروي القديمة وفركة وجنوب وادى حلفا والكوة وبكرمة بمنطقة
دنقلة، وفي منطقة جبل البركل ومروي. والأهرام الملكية في البجراوية والحصون التي
شُيدت في السودان في عصر إمبراطورية مروي وفي قرية الشهيناب علي الضفة الغربية من
النيل وسوبـا بالقرب من الخرطوم، ودير الغزالة بالقرب من مدينة مروي الحديثة. وفي
وادى حلفـا بعمارة غرب، وسيسي "مدينتان محصنتان وفيهما معابد بُنيت من الحجر الرملى
".. وبجانب الأثار هناك، توجد عدة كتابات لكُتاب رومان وإغريق إلا أن معظمها يعتمد
علي الإشارة والتلميح كما أنها لا تعدو أن تكون أوهاماً.
يبدأ التاريخ الموثق عن السودان من حوالي 50 قرناً أي خمسة آلاف سنة، ومصادر هذا
ملوك النوبة
وكان من أهم ملوك النوبة في عهد استقلاله الملك بَيّى(بعانخي) الذي حكم
مملكة النوبة سنة 751 ق.م..
ازدهرت العلاقة بين السودان واليونان في تلك الحقبة حتى حاول اليونان التغلغل في
الأراضي السودانية في إطار توسعهم في الحكم، إلا أن السودانيين حافظوا على
استقلالهم السياسي.
السودان في القرن العاشر
وفي القرن العاشر الميلادي كان السودان منقسماً إلى:
1- مملكة الداجو في دارفور وكانت عاصمتها جبل مرة ثم أم كردوس فكلوا.
2- مملكة المقرة في الشمال وكانت دنقلا عاصمة لها.
3- مملكة علوة على النيل الأزرق وعاصمتها سوبا.
4- مملكة البجة في شرق السودان ومقر ملكها في هجر.
أشار الدكتور آركل إلى أنه في منتصف القرن الرابع الميلادي انقسمت مملكة الداجو إلى
عدة ممالك غرب النيل. ويعتقد أن الداجو جاءوا من مروي بعد سقوطها على يد عيزانا ملك
مملكة أكسوم الحبشية فاستطاع ملوك مروي الهروب جنوب غرب نهر النيل وأنشأوا مملكة في
دارفور. وكانت عاصمة المملكة الأولى في جبل قدير حيث توفي ملك الداجو قدير ودفن تحت
الجبل وأطلق اسمه عليه في كردفان ثم نقلها السلطان أحمد الداج إلى جبل مرة ثم تحولت
في عهد السلطان عبد الله بحر إلى أم كردوس. ولما جاء عهد السلطان الطاغية عمر
كسيفورو حول العاصمة إلى جبل كلوا. وهناك حدثت القصة المشهورة التي أدت إلى ركوبه
التيتل ففر به إلى أن سقط رأسه في دار سلا حيث أنشأ الداجو سلطنة هناك (الآن تتبع
لجمهورية تشاد). وبقي بطن من الداجو تحت إدارة سلطان يدعى أحمد تنجر وهو شقيق
السلطان عمر كسيفورو حاكما على دارفور وغير العاصمة إلى مدينة أوري في الشمال. في
عهد الظاهر بيبرس تم إرسال حملة للقضاء على مملكة المقرة المسيحية سنة 1276م.
وهُزِمَ الملك داود، وكانت تلك الحملة من الحملات القوية حتى انهم استطاعوا أن
يقلبوا الكنائس إلى مساجد. فاستمر التدفق الإسلامي جنوباً حتى جاوروا مملكة علوة
التي كانت تدين بالمسيحية أيضاً، فتحالف العرب بقيادة عبد الله جماع مع الفونج
وهاجموا علوة وكان أول هجوم لهم من بوابة علوة من اربحي حيث تعد اربجي الميناء
الرئيسي لعلوة علي النيل الأزرق كما هي حامية رئيسة لعلوة علي النيل الازرق وبعد
معركة أربجي 1504 وانتصار الفونج دخلوا سوبا وخربوها خراباً مشهوراً حتى أُطلق
المثل "خراب سوبا". بانتصار الفونج وحلفائهم العرب في 1504 م بدأت أول سلطنة عربية
إسلامية في السودان وكان سلطانها هو قائد الفونج في معاركهم "عمارة دونقس"وكان قائد
العرب "عبد الله جماع"وزيراً له، وتم الاتفاق أن يكون السلاطين من الفونج والوزراء
من العرب. دخل الدين الإسلامي إلى السودان في الشمال والشرق والغرب والوسط والقليل
من المناطق الجنوبية، وانتشرت مع الإسلام اللغة العربية التي بدأت تسود البلاد
وتختلط بالسودانيين حتى تكونت اللهجة السودانية الحديثة.
بعد فترة طويلة من المجد والعظمة ضعفت السلطنة الزرقاء (سلطنة الفونج) بسبب المعارك
مع مملكة الفور على مناطق كردفان سنة 1748 التي أجهدت المملكتين عسكرياً واقتصادياً.
الممالك النوبية
تعتبر مملكة كوش النوبية أقدم الممالك السودانية، حيث ظهرت فيها اللغة
الكوشية كلغة تفاهم بين الكوشيين قبل ظهور الكتابة المروية (نسبة إلى مدينة مروي
التي تقع علي الضفة الشرقية لنهر النيل شمال قرية البجراوية الحالية). وكانت مروي
عاصمة للسودان في الفترة ما بين القرن السادس قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادى،
وازدهرت فيها تجارة الصمغ والعاج والبخور والذهب مع شبه الجزيرة العربية وبين موانئ
السودان والحبشة. وكانت للكوشيين حضارة عرفت نظم الإدارة وشيدت الإهرامات (التي
أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي)، كما عرفت كوش تعدين الحديد
والصناعات الحديدية في القرن الخامس قبل الميلاد. وهناك نظريات تأريخية ترجح أن من
بين أسباب انهيار المملكة هو تفشي الأمراض الناجمة من تلوث البيئة في مروي نتيجة
الصناعات الحديدية المكثفة فيها. وكانت للسودان علاقات مع ليبيا والحبشة منذ القدم
وبدا من الآثار السودانية بأن مملكة مروي كانت علي صلة بالحضارة الهندية في العصور
القديمة.خطأ استشهاد: إغلاق </ref> مفقود لوسم
الممالك المسيحية
إندثرت حضارة النوبة الفرعونية لتقوم مكانها عدة ممالك مسيحية بلغ عددها في
القرن السادس الميلادي حوالي 60 مملكة، أبرزها مملكة نبتة (Nobatia باللغات
اللاتينية) في الشمال وعاصمتها فرس، ومملكة المغرة (Makuria) في الوسط وعاصمتها
دنقلا العجوز على بعد 13 ميل جنوب مدينة دنقلا الحالية، ومملكة علوة (Alodia) في
الجنوب وعاصمتها سوبا (إحدى الضواحي الجنوبية للخرطوم الحالية) وحكمت الممالك
الثلاث مجموعة من المحاربين الأرستقراطيين الذين برزوا كورثة لحضارة النوبة بألقاب
إغريقية على غرار البلاط البيزنطي. دخلت المسيحية السودان في عهد الأمبراطور
الروماني جستينيان الأول وزوجته ثيودورا، وأعتنقت مملكة المغرة المذهب الملكاني في
حين اتبعت نبتة وعلوة المذهب اليعقوبي الذي تدعمه الأمبراطورة ثيودورا.
ووصف الرحالة والمؤرخ العربي الإسلامي ابن حوقل علوة بأنها أكبر الممالك المسيحية
الثلاث مساحة إذ تمتد حدودها حتى أطراف الحبشة في الجنوب الشرقي وكردفان غرباً وهي
أيضاً أكثرها ثراءا وقوة
دخول العرب والإسلام
دخل الإسلام إلى السودان في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ووالي مصر عمرو بن
العاص، كما تدل الوثائق القديمة ومن بينها اتفاقية البقط التي ابرمها المسلمون
بقيادة عبد الله بن أبي السرح والي الصعيد مع النوبة في سنة 31 هجرية لتأمين
التجارة بين مصر والسودان، وقيل قبل ذلك لإذ أن الاتفاقية تضمنت الاعتناء بمسجد
دنقلا، ومن المشهود أن جماعات عربية كثيرة هاجرت إلى السودان واستقرت في مناطق
البداوة في أواسط السودان وغربه ونشرت معها الثقافة العربية الإسلامية.وإزدادت
الهجرات العربية إبّان الفتوحات الإسلامية، كما تدل الآثار ومن بينها شواهد قبور
تعود إلى أحقاب قديمة عُثر عليها في منطقة إريتريا الحالية وشرق السودان، بالإضافة
إلى كتب قدماء المؤرخين العرب أمثال ابن خلدون واليعقوبي وغيرهم. وجاء إلى السودان
العلماء المسلمين في مرحلة أزدهار الفكر الصوفي فدخلت البلاد طرق صوفية سنية مهمة
تجاوز نفوذها السودان ليمتد إلى ما جاوره من أقطار.
محمد علي باشا
ومن أقدم الهجرات العربية للسودان هي هجرة قبيلة بلي اليمنية القحطانية
والتي جاءت إلى السودان قبل ألفي عام واستوطنت في شرق السودان واندمجت فيما بعد في
مجتمع قبائل البجا عن طريق المصاهرة حتى أصبحت جزء من مملكة الحدارب (الحضارمة)التي
قضي عليها الفونج قبل أربعمائة عام بعد أن استطاعت الدفاع عن سواحل البحر الأحمر ضد
غارات الأساطيل الأوروبية لفترات طويلة وهجرة قبيلة كنانة المضرية العدنانية قبل
700 عام واستوطنت في جنوب شرق السودان وأخر الهجرات هي هجرة قبيلة الرشايدة قبل 500
عام.
الممالك الإسلامية
بعد إضمحلال الممالك المسيحية وتراجع نفوذها السياسي أمام الهجرات العربية
والمدّ الإسلامي قامت ممالك وسلطنات إسلامية العقيدة عربية الثقافة مثل السلطنة
الزرقاء أو مملكة الفونج (1505-1820)م، في الشرق الجنوبي والوسط وعاصمتها سنار، ومن
أشهر ملوكها عبد الله جَمّاع وبادي أبو شلوخ، وسلطنة الفور في الغرب
الأقصى(1637-1875) م، واستقر حكمها في الفاشر، ومن سلاطينها المشهورين السلطان
تيراب والسلطان علي دينار، ومملكة تقلي في جبال النوبة (حوالي 1570-إلى أواخر القرن
التاسع عشر) م تقريباً، إضافة إلى ممالك أخرى مثل مملكة المسبعات في الغرب الأوسط
ومن أعيانها المقدوم مسلم، ومملكة الداجو ومقر حكمها كلوا في الغرب الأقصى ومملكة
البجا وعاصمتها هجر في الشرق.
التاريخ الحديث
الغزو التركي
بعد أن حكم محمد علي باشا مصر أراد أن يكون له جيشاً قويا بسبب الأطماع الأوروبية
الهادفة إلى الاستيلاء على بلاده، وخاصة بعد الحملة الفرنسية على مصر بقيادة
نابليون بونابرت الذي استمر من 1798 ولم ينتهِ إلا بالصلح الذي عقده الفرنسيون مع
الإنجليز سنة 1802 ثم حاولت إنجلترا غزو مصر في 1807 فيما عرف بحملة فريزر لكن
المقاومة الشعبية في رشيد صدت غزوهم. فعمل الباشا جاهداً على أن يوسع رقعة حكمه
شرقاً إلى الحجاز، غرباً إلى ليبيا وجنوباً إلى السودان ليضم هذه البلدان تحت
إمبراطوريته حتى انه شمل في تهديده الإمبراطورية العثمانية شمالاً. بدأ بأراضي
الحجاز فهاجمها في السنوات ما بين 1811 - 1818م وانتصر على السعوديين وبعدها اتجه
غربا فأمّنَ حدوده الغربية حتى واحة سيوة سنة 1820.
لم يبق له سوى تأمين الحدود الجنوبية، إن حملاته ضد شغلته عن ذلك سابقاً حتى أرسل
وفداً يحمل في ظاهره الصداقة والمودة إلى سلطان الفونج في 1813 وكانت مهمة الوفد
استقصاء الحقائق حول الوضع السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي والحربي. وقد حمل الوفد
هدايا إلى السلطان تقدر قيمتها بـ 4 ألف ريال (كانت العملة السائدة في السودان في
ذلك الوقت الريال النمساوي أو الإسباني أو المكسيكي) فرد السلطان الهدية بما يتناسب
ورغبات الباشا ولكن أهم ما حمله الوفد في طريق عودته كانت التقارير التي تفيد ضعف
السلطنة خاصة والسودانيين عامة بالإضافة إلى خلو السودان من الأسلحة النارية. رغم
ذلك تأخر الغزو بعد ذلك عدة سنوات لأن الوهابيين لم تنكسر شوكتهم بعد. أراد محمد
علي أن يكون جيشه حديثاً ومجهزاً بأحدث الأسلحة وبنظام وتدريب حديثين، لكنه علم أن
جنوده لن يقبلوا هذا النظام بسبب عدم اهتمامهم وبسبب عدم رغبتهم في إطاعة الأوامر.
فقرر أن يستجلب الجنود من السودان وكان هذا من الأسباب التي دفعته إلى الاستيلاء
على السودان. كان السوداني بقامته العسكرية وشجاعته المعهودة من احسن الجنود. اشتهر
السودان منذ القدم بأن أراضيه غنية ب الذهب وكان محمد علي في حاجة إليه لانفاقه على
بلاده عسكرياً وصناعياً وحتى زراعياً.
خلال القرن الثامن عشر كانت الحبشة تشكل تهديداً للمصريين والسودانيين بتحويلها
لمجرى النيل وخاصة بعد الأنباء التي أشاعت أن الإنجليز وأوروبا عامة مساندة لفكرة
التحويل. أراد محمد علي أن يأمن هذا الأمر أيضاً باستيلائه على السودان، بالإضافة
إلى ما في ذلك من زيادة للرقعة الزراعية لأراضيه. أراد محمد علي من السودانيين أن
يكونوا على مودة مع الوالي لكن الأمر لم يكن كذلك إذ أن المماليك الذين هربوا من
مكائده اتخذوا من شمال السودان موطناً لهم بالقرب من مملكة الشايقية، حيث أنشؤوا
مملكة لهم كانت بمثابة طعنة في ظهر محمد علي، لذلك قرر أن يقضي عليهم خوفاً من أن
تزيد سلطتهم ويسيطروا على السودان فيشكلوا خطراً على حكمه. كان محمد علي يرمي إلى
استغلال تجارة السودان واحتكار حاصلاتها وتسويقها في السوق العالمية عن طريق مصر.
من أهم صادرات السودان آن ذاك : العاج، الأبنوس، ريش النعام والجلود هذا بالإضافة
للذهب الذي طالما اعتقد المصريون وجوده في السودان بكميات مهولة، كما أن السودان
كان سوقاً جيداً للصادرات المصرية. وإذا حصرنا هذه الأسباب نجدها:
1- تأمين البلاد ضد الغزو الأوروبي باستجلاب الجنود من السودان. وبزيادة رقعة وعدد
سكان بلاده.
2- الحصول على التمويل لدعم القطاعات المختلفة في مصر باستغلال الذهب والتجارة
والحاصلات السودانية.
3- تامين مجرى النيل المصدر الوحيد لري الأراضي المصرية وزيادة المساحة الزراعية.
4- وجود المماليك في السودان.
بعد عودة الوفد المصري التركي الذي أرسله محمد علي باشا ما لبث أن قدم إلى مصر
الشيخ بشير ود عقيد من قرية أم الطيور قرب عطبرة في 1816 وطلب من محمد علي أن يعينه
على خصمه ملك الجعليين الذي أقصاه من مشيخته، اعتقد الشيخ أن الباشا سيساعده فأبقاه
الباشا واكرم وفادته حتى أعد العدة لفتح السودان وأرسله مع الجيش سنة 1820، ثم عينه
شيخاً على شندي في آخر الأمر بعد نزوح المك نمر إلى الحبشة. وأرسل أيضاً جيشاً آخر
إلى سلطنة الفور ليستولي على كردفان ودارفور.
(الحملة الأولى) الزحف إلى سنار يوليو 1820
تولى قيادة الجيش الأول إسماعيل بن محمد علي باشا وضم الجيش 4500 من الجنود
فيهم الأتراك والأرناؤوط والمغاربة (لوحظ عدم وجود أي مصري بين الجنود، إذ كان
الجيش من المرتزقة الذين تعود الأتراك أن يجندوهم) وتسلحوا بالبنادق و24 مدفعاً.
كان الباشا يعلم أن السودانيين يجلون علماء الدهذه الحملة وعلى سبيل المثال عدد
الجنود لا يتناسب مع عدد المراكب والجمال، لكننا نسرد الأرقام تماماً كما وردت في
المرجع). وجد حكام شمال السودان أنفسهم ضعافاً أمام الحملة نظراً لتفرقهم إلى ممالك
صغيرة، فسلموا الأمر إلى إسماعيل باشا. أما المماليك فهرب جزء منهم إلى الجعليين
وسلم البعض الآخر نفسه إلى إسماعيل.
معركة كورتي نوفمبر 1821
لم يقابل جيش إسماعيل أية عقبة حتى وصل الديار الشايقية الذين اعتزوا
بسطوتهم على جيرانهم وثورتهم على الفونج. آثر الشوايقة الخضوع للحكم على أن لا
يتدخل الباشا في شؤونهم لكن إسماعيل وضع شروطا كان أهمها هو تسليمهم الخيل والسلاح
(الأبيض) وأن يفلحوا الأرض فلم يقبلوا بذلك وعزموا على القتال. بدأ النصر يلوح
للشوايقة حتى انهم قطعوا أذاني عدوهم بقيادة الملك صبير حاكم غرب الشايقية
اجتياح سـنــار
سار الجيش متجها نحو سنار عاصمة مملكة الفونج فأرسل إسماعيل إلى الوزير محمد
ود عدلان الذين كان ممسكاً بزمام الحكم بدلاً من السلطان بادي السادس. وطلب إسماعيل
باشا الولاء للخليفة العثماني فكتب له ود عدلان رسالته المشهورة: لا يغرنك انتصارك
على الجعليين والشايقية، فنحن هنا الملوك وهم الرعية. أما علمت بأن سنار محروسة
محمية، بصوارم قواطع هندية، وجياد جرد أدهمية، ورجال صابرين على القتال بكرة وعشية.
كان ظاهراً أن ود عدلان لم يكن يعيش واقع عصره إذ أن جواسيسه أخبروه أن الجيش قوامه
186 ألف محارب (نلاحظ أن الجيش المتحرك من مصر كان 4500 جندي) حتى انه أخذ يطلب
العون من الأولياء والصالحين بدلاً من تجنيد الجند من القبائل ومحالفة القبائل
الأخرى ليستعد لمقابلة الجيش. تم اغتيال ود عدلان بسبب مشاكله مع أبناء عمومته قبل
أن يصل إلى اتفاق مع الفور بشأن توحيد الكلمة لمحاربة الغازي. بدأ الأرباب دفع الله
الوزير الجديد للسلطنة بالمفاوضات في ود مدني مع إسماعيل ونقل إليه رغبة السلطنة في
الخضوع بعد أن أدرك أنه لا فائدة ترجى من المقاومة. لما اقترب إسماعيل من سنار خرج
إليه بادي السادس (الذي كان شاباً في الخامسة والعشرين) مبايعاً وتنازل عن سلطانه
لخليفة المسلمين في 13 يونيو 1821. هكذا انتهت سلطنة الفونج التي عاشت في ربوع
السودان من عام 1504 – 1821م، بدخول الجيش في اليوم التالي دخول الغزاة المنتصرين
وهم يقصفون البر ومن خلفهم سار السلطان السابق بعد أن عينه إسماعيل شيخاً على سنار
ليجمع الضرائب ويسلمها للإدارة التركية المصرية.
الحملة الثانية - حملة كردفان ودارفور
أرسل محمد علي جيشاً آخر بقيادة صهره محمد بك الدفتردار لضم غرب السودان إلى
أملاك مصر. ولقد أمد الكبابيش وهي القبيلة التي تقطن بين مصر والمناطق الغربية
للسودان والتي كانت تحمل البضائع من وإلى مصر من تلك المناطق أمدت جيش الدفتردار
بما احتاج إليه من جمال لنقل العتاد إلى غرب السودان وكانوا خير دليل لتحديد أماكن
الآبار ومناطق المعسكرات. سار جيش الدفتردار عقب انطلاق الجيش الأول وقبل أن يصل
إلى الأبيّض عاصمة الفور أرسل إلى سلطانها محمد الفضل ينصحه بالتسليم فرد ود الفضل:
أما علمت أن عندنا العباد والزهاد، والأقطاب والأولياء الصالحين من ظهرت لهم
الكرامات في وقتنا هذا وهم بيننا يدفعون شر ناركم، فتصير رماداً، ويرجع إلى أهله
والله يكفي شر الظالمين. لكن الدفتردار تقدم إلى كردفان دون أن يعترضه أي معترض
فلما علم الوالي خرج بعسكره متجهاً شمالاً إلى بارا ليواجه الجيش الغازي.
واقعة بار 16 أبريل 1821م
التقى الغزاة مع جيش المقدوم مسلم والي كردفان الذي عينه السلطان محمد الفضل
وهوسلطان دارفور الذي ضم كردفان إلى مملكته وعين محمد الفضل حاكما على كردفان تحت
سلطانه وعقبهم في كردفان يسمون بالمسبعات، فاندفع جيش الأخير لا يظن سوى النصر (كما
فعل الشايقية من قبل) لكنهم تفاجئوا بسقوط الجنود بالرصاص فعلموا أنه لا قبل لهم
بعدوهم وهم يحملون السيوف والرماح. وهكذا انتهت واقعة بارا بانهزام الوطنيين
وانتصار الغزاة فسقطت كردفان في يد الدفتردار قبل سقوط سنار في يد إسماعيل. لم
يحاول السلطان المقاومة بل نزح إلى الفاشر ينتظر تطورات الموقف. لم يسر الدفتردار
أبعد من الأبيّض لندرة المياه في تلك المناطق فأعلن محمد علي باشا عدم رغبته في فتح
دارفور بل فكر في إخلاء كردفان والتنازل لأحد الملوك ليدفع الجزية إلا أن الدفتردار
أقنعه بالعدول فعدل عن ذلك في 1822م.وبذلك سقطت كرفان من سلطنة الفور.التي كانت تحت
امرة ملوك دارفور منذ عهد السلطان تيراب الذي كان عاصمته شوبا احدى ضواحى مدينة
كبكابيه الآن وبه اثار مسجده العتيق شاهدا للتاريخ.
مقـتل إسماعيل بن محمد علي باشا 1822
بدأت الثورات تظهر في مختلف المناطق بسبب الازدياد المتواصل في الضرائب التي
فرضها الأتراك على السودانيين إذ أن الضرائب السنوية للممتلكات كانت تقدر بنصف
الثمن. فلما هدأت تلك الثورات بعد أن زاد الولاة في قسوتهم وزادوا في ضرائب الجهات
الثائرة إذ أن الجزيرة زيدت ضرائبها من 35،000 ريال إلى 50،000 ريال وكذلك أراضي
الجعليين.
وصل إسماعيل باشا إلى شندي في ديسمبر 1822 وأمر المك نمر والمك مساعد بالمثول أمامه
وعند حضورهما بدأ الباشا بتأنيب المك نمر واتهامه بإثارة القلاقل ومن ثم عاقبه بأن
أمره أن يدفع غرامة فادحة، فدرها (1000 أوقية ذهب، ألفي عبد ذكر، 4 آلاف من النساء
والأطفال، ألف جمل ومثلها من البقر والضأن) واختلفت المصادر في الأعداد لكن اتفقت
في استحالة الطلب ثم راى زوجة المك نمر (سعيدة) فاعجب بجمالها فطلبها هي أيضا. رد
المك باستحالة الطلب فأهانه الباشا وضربه بغليونه التركي بإساءة بالغة أمام
الحاضرين. حتى أن المك رفع سيفه فأوقفه المك مساعد وتحدث إليه ب اللغة الهدندوية (التي
عرفوها عن طريق التجارة مع سكان البحر الأحمر) فأبدى المك رضوخه وأظهر خضوعه بأن
دعا الباشا إلى العشاء وذبح له الضأن وهيأ له الحرس وأمعن في خدمته وأخبره أن
الغرامة ستدفع في صباح اليوم التالي، أثناء ذلك كان الجعليون يطوقون الحفل بالقش من
كل مكان مخبرين رجال الباشا أنها للماشية التي ستحضر وقبيل انفضاض الحفل أطلق
الجعليون النار في القش فمات إسماعيل ورجاله خنقاً وحرقاً. نتيجة لذلك ساءت معاملة
المغتصبين أشد الإساءة حتى أنهم قتلوا في إحدى المرات 30،000 من الجعليين العزل،
استمر المك نمر في إغارته على الدفتردرا حتى بلغت خسائر رجاله عدداً عظيما بفضل
السلاح الناري فهاجر المك ومعه عددا لن يستهان به من الفبيلة إلى حدود الحبشة حيث
خطط مدينة أسماها المتمة أسوة بعاصمة الجعليين في الشمال ومكث هناك عدة سنين حتى
مات.
استمر الحكم الدفتردار العسكري للسودان واستمرت المجازر البربرية كما أن الجنود
الذين لم يتسلموا مرتباتهم لمدة ثمانية أشهر بدءوا بالبطش والنهب ليجدوا متطلبات
حياتهم، إلى أن ثار الرأي العام الأوروبي، فأمر محمد علي، الدفتردار بالعودة سنة
1824 محاولة منه إنهاء الحكم العسكري وإرساء نظام إداري أكثر إنسانية.
عند الدخول التركي عينت سنار عاصمة للسودان إلا أن أمطارها الخريفية وكثرت الأمراض
فيها اضطرتهم إلى تغييرها إلى ود مدني إلى أن أتى عثمان باشا الذي خلف الدفتردار
عقب عودته إلى مصر وأعجب بالمنطقة التي يقترن فيها النيل الأبيض بالأزرق فبنى قلعة
ووضع فيها الجند سنة 1824 واتخذها عاصمة له. تلك كانت بداية مدينة الخرطوم التي
ازدهرت وسكنها 60 ألف نصفهم من المصريين واليونان واللبنانيين والسوريين وأعداد من
الأوروبيين. اهتم خورشيد باشا أيام حكمه 26-1838 بتحسين الخرطوم وإنشاء المنشآت كما
شهدت الخرطوم في عهده نوعا جديدا من الحكم إذ امتاز بإشراك السودانيين في الحكم كما
عين الشيخ عبد القادر ود الزين مستشاراً له، الذي ساعده بدوره في حل الكثير من
مشكلات السودان وأهمها هجرة السودانيين إلى المناطق المتاخمة للحبشة والبحر الأحمر
هرباً من البطش والضرائب، فأعفى المتأخرات وأعفى الفقهاء ورجال الدين ورؤوس القبائل
من الضرائب فبدأت الوفود بالعودة.
التقسيم الإداري في عهد محمد علي
بعد استقرار الأحوال قليلا في السودان قسم محمد علي البلاد على النظام
الإداري التركي إلى 6 مديريات: دنقلا، بربر، الخرطوم، سنار، كردفان وفازوغلي (كما
وردت في المرجع). ثم ضمت مديرية التاكا في الشرق فأصبحت السابعة. سنة 1834 أطلق
محمد علي اسم الحكمدار لحاكم السودان وأعطيت له السلطات العليا الإدارية، التشريعية،
التنفيذية والعسكرية. لكنه غير النظام سنة 1843 لتخوفه من الحكمدار أحمد باشا شركس
(أبو ودان) الذي كان طموحا وأراد أن يستقل بالسودان عن طريق فرمان من الباب العالي
التركي. واستبدل الحكمدار بالمنظم بعد وفاة أحمد باشا أبو ودان المثيرة للجدل. إلى
أن أعاد الحكمدارية للسودان بسبب ضعف المنظم الذي عينه.
الخديوي عباس (48-1854)
اهتم عباس الذي خلف محمد علي باشا، اهتم بالنواحي الإدارية كثيراً وحاول
معالجة الرشاوى وأعاد تقسيم المديريات وأدخل الطب الغربي إلى السودان لمعالجة
الجنود والموظفين المصريين والأتراك، كما فتحت أول مدرسة لأبناء الموظفين في
الخرطوم سنة 1853 على يد رفاعة بك الطهطاوي. وفد نشطت التجارة الأوروبية في السودان
في عهده وساعد هو في ذلك بتخفيف القيود المفروضة وكان الكثير منهم يتاجر في الرقيق
كما أن القناصل كانوا يتاجرون في العاج فكانوا يبيعون العمال مع العاج فور وصولهم
للجهة المستوردة. أيضاً بدأت الحملات التبشيرية ل المسيحية في عهده سنة 1848 كما
أرسل الكثير من الموظفين والمحاسبين الأقباط (كما فعل محمد علي باشا من قبل)...
الخديوي سعيد (54-1863)
اهتم سعيد برفاهية وترقية الشعب السوداني كما حارب تجارة الرقيق وحاول تحسين
النظام الإداري في السودان كما عمد إلى إشراك السودانيين في الحكم وأنشأ الحكومات
المحلية وجعل الإدارة غير مركزية لتيسير عمل المديريات وسرعة تنفيذ مشاريعها، فألغى
الحكمدارية مرة أخرى (مع الفرق الشاسع في السبب).. كما عزز مكانة مشايخ القبائل
وجعلهم ينوبون عن المديرين في جمع الضرائب التي خففها عنهم بعد زيارته للسودان
ومقابلته للمواطنين الذين شكوا له ثقل الضرائب على عواتقهم، فتقابل جشع
المديرين(الذين اعتبروا السودان منفى لجمع الثروة) مع وطنية المشايخ مما أدى إلى
إخفاق النظام اللامركزي الديموقراطي الذي أعطى السودانيين بعض الحق في إدارة وطنهم،
فشاهد سعيد هذا الفشل الذي حاق بنظامه الإنساني الديموقراطي قبل وفاته فأعاد
الحكمدارية للسودان. وفي سنة 1857 عُين أراكيل بك مديراًً للخرطوم فثار السودانيون
على تعيين مدير مسيحي عليهم وطالبوا باستبداله إلى أن أرسل المدير عدد منهم لسجنهم
في مصر إلا أنهم أعيدوا إلى بلدانهم.
إسماعيل باشا الثاني (1863 - 1879)
عمد إسماعيل إلى تغيير النظام الإداري كلياً نظراً لكثرة الأخطاء والمساوئ،
واهتم بإدخال التعليم فأنشأ العديد من المدارس الابتدائية في المدن الكبرى كالخرطوم
ودنقلا ،الأبيّض، بربر وكسلا وكانت مفتوحة للسودانيين الراغبين في ذلك بالإضافة
لأبناء الموظفين المصريين (هذا إلى جانب الخلاوي التي انتشرت في مختلف بقاع السودان
والتي تتفاوت في أهميتها حسب شهرة المشايخ والفقهاء وكان إسماعيل باشا يساعد هذه
الكتاتيب بدفع مرتبات شهرية للشيوخ)، اهتم الباشا إسماعيل أيضاً بقطاعي الزراعة
والمواصلات (من سكك حديدية، مواصلات نهرية، تلغرافات). كما أراد التوسع جنوبا وغرباً
وشرقاً فاتفق مع الرحالة الإنجليزي صمويل بيكر على أن يخضع له حوض ومنابع النيل
مقابل مرتب سنوي كبير، وكانت تلك بداية دخول الإنجليز إلى السودان الذين كثر عددهم
كمسؤولين وموظفين. نجح صمويل في إخضاع مساحة شاسعة من الجنوب تحت حكم الخديوي بعد
معارك ضارية مع القبائل في تلك المناطق. إلى أن ترك صمويل البلاد مخلفاً حقد
المواطنين بسبب وحشية تعامله، فخلفه الضابط الإنجليزي تشارلز جورج غردون، نجح غردون
في مهمته أكثر مما فعل صمويل بيكر لأنه كسب ود العديد من القبائل وحارب تجار الرقيق،
إلى أن قام رجل مغامر من أبناء الجيلي وهي منطقة تابعة لنفوذ الجعليين في ذلك الوقت،
وهو الزبير باشا رحمه برحلة إلى الغرب، فاختلط مع التجار ودخل معهم واستطاع أن يجمع
ثروة بسبب ذكاءه وكون جيشه الخاص إلا أن استولى على منطقة بحر الغزال وكوّن أول
ولاية إسلامية هناك وأسقط سلطنة الفور 1874 التي استمر حكمها ما يقارب ثلاثة قرون،
أسقطها بمساعدة الحكومة المصرية التي تولت فيما بعد حكم هذه المناطق. تخلى غردون عن
منصبه كحاكم على مديرية الاستوائية وعاد إلى بلده فاتصل به الخديوي مرة أخرى واقترح
عليه أن يكون حكمدار السودان مضافة إليه الأراضي الجديدة بعد التوسع في الحكم فوافق
على ذلك في 1877. عمل غردون على إيجاد طريقة فعالة لمحاربة الفساد في الحكومة
ومحاربة تجارة الرقيق، إلا أنه واجه العديد من الثورات منها تلك التي أقامها الزبير
باشا لأنه فتح المنطقة الغربية من ماله الخاص ولم تعوضه الحكومة المصرية عن ذلك،
بدأ بتأليب الفور عليهم ليحاولوا إعادة سلطنتهم فخرج السلطان هارون بجيش في أوائل
1879 من جبل مرة فتواجهوا مع قوات لحكومة وقُتل السلطان وهزم جيشه وبذلك أخمدت تلك
الثورة. اضطربت أفكار غردون بعد أن أصبح حكمدار السودان وكانت تجارة الرقيق
ومحاربتها هي شغله الشاغل فأراد أن يقضي عليها في أقصر وقت ممكن لكن الرقيق في
البيوت السودانية لم يرغبوا في ترك أسيادهم فاتفق غردون مع الملاك على أن يسمح لهم
بتملكهم مدة 12 سنة وأن يكون للحكومة الحق في التدخل في شؤونهم إن دعت الحاجة وأعطى
كل منهم مستندات تفيد ذلك وسجل أسماء وأوصاف الرقيق لضمان عدم التلاعب في القرار.
اضطربت بقية الأحوال في عهده وارتفعت الضرائب وساءت الإدارة.
الثورة المهدية وحروب الاستقلال
ولد السيد محمد احمد بن عبد الله المهدى في لبب إحدى الجزر المجاورة لدنقلا
في 1844، كان شغوفاً بالعلم الشرعي منذ صغره، رغم أن والده وإخوانه اشتغلوا ببناء
المراكب، فالتحق بعدة خلاوي بدأها بكرري ثم الخرطوم ومن ثم عاد إلى الشمالية، وضع
محمد أحمد رغم حداثت سنه أسسا للحياة وكان يحاسب نفسه في كل صغيرة وكبير فنشأ هكذا
حتى إذا ما بلغ شبابه تاقت نفسه إلى التصوف، فالتحق بأحد شيوخ الطريقة السمانية (محمد
شريف نور الدائم) في 1861، وعمل على الالتزام بنهج المصطفى في كل صغيرة وكبير فكان
يحمل الحطب لأصحابه كما عاونهم في حمل اللبنات عند البناء وكان كثير التهجد والبكاء
حتى عجب منه شيخه وزملائه، وامتلأ قلبه إيماناً وورعا ونسكاً فرضي عنه شيخه فمنحه
الأستاذية بعد 7 أعوام من الدراسة، بعد ذلك انتقل محمد أحمد إلى الجزيرة أبا فوجد
فيها غاراً فالتجأ إليه وأخذ يتعبد الله في هذا الغار وبعد أن أخذ نصيبه من الخلوة
والخلود لذكر الله جعل وقته للتعليم فاشتهرت مدرسة ذلك الشاب الورع وحمل الناس إليه
الهدايا لينفقها على تلامذته وتبركوا بزيارته وسكنت نفوسهم برؤيته لصلاحه وتقواه.
لم تنقطع صلات محمد أحمد بشيخه محمد شريف فكان يزوره كلما سنحت الفرصة وفي إحدى
زياراته رآه يسمح للنساء بتقبيل يده فهاله الأمر وأفصح عما في ضميره طالبا منه
الاعتراض على تلك العادة، ثم ما لبث أن رأى أستاذه يسمح بالطبل والغناء في احتفال
لختان أنجاله، فاعترض عليه فتسبب في حرج لأستاذه فاستشاط الشيخ غضباً على تلميذه،
ولم تفلح محاولات محمد أحمد في الاعتذار وطلب العفو.
علم محمد أحمد أن طريقه إلى إعادة الإسلام إلى سيرته الأولى يتطلب منه أن يحتل
مركزاً دينياً مرموقاً فذهب للشيخ القرشي خليفة الطريقة السمانية في ذلك الوقت وجدد
البيعة ومن ثم اتجه إلى الغرب يزور رجال الدين هناك وكان الناس يلقونه بالحفاوة فقد
عرفوا فيه التقوى والورع. ما لبث الشيخ القرشي قليلا حتى مات فاشترك تلاميذه في
دفنه وأقاموا عليه قبة كما جرت العادة في البلاد عندما يموت مشايخ الصوفية، وهناك
أثناء الدفن التقى برجل يدعى عبد الله التعايشي، كان عبد الله مأخوذا بشخصية محمد
أحمد وعلمه وكان هو الآخر مأخوذا بذكاء عبد الله رغم قلة علمه، أصبح الاثنان صديقان
وأخذه محمد أحمد معه إلى جزيرة أبا وهناك أسر الشيخ إلى تلميذه وصديقه أنه أصبح يرى
الرسول وهو يقظان وأنه أخبره أنه المهدي المنتظر كان ذلك في مارس 1881 ما يوافق
ربيع الثاني 1298 هـ وكانت نهاية القرن 13 الهجري، كما فعل النبي أخبر المهدي
أصحابه وخاصته وأهل بيته وأسر أيضاً إلى خاصة تلاميذه وبايعه تلاميذه على نصرة
المهدية ومنذ ذلك الوقت سمي كل من ناصره بالأنصار كما سمى النبي أهل يثرب عندما
بايعوه.
رأى المهدي (جرت العادة أن يسمى محمد أحمد بالمهدي بغض النظر عن الإيمان بكونه
المهدي المنتظر أم لا) أن يجدد زيارته لكردفان وكان يرى فيها خير مكان لنشاط ثورته
وهناك أسر لرجال الدين بأمره بدأ المهدي بالجهر لدعوته بعد عدة أشهر وكان يأمر
بالجهاد واتباع سنة المصطفى r فكتب إلى كل الفقهاء وزعماء القبائل كما كتب للحكمدار
في الخرطوم ونصحه أن يبايع، أرسل الحكمدار أحد معاونيه للمهدي ليتبين الأمر لكن
جهوده لم تفلح في أن يوقف الرجل عما بدأه، فهدده بقوة الحكومة لكنه لم يرضخ.
الواقعة الأولى – أبا 1881
جهز الحكمدار جنوده لقتال المهدي تحت إشراف أبو السعود الذي أرسله من قبل
إلى المهدي نزل الجنود إلى جزيرة أبا واعتقدوا أن مجرد ظهورهم سيرد المهدي عن أمره
لكن المهدي باغتهم بالهجوم مع رجاله بأسلحتهم البسيطة، فقتل معظم الجنود وفر البقية
عائدين إلى الخرطوم حاملين معهم نبأ أول هزيمة للحكومة منذ الاحتلال المصري التركي،
وكانت الواقعة في 17 رمضان وهو التاريخ الذي يوافق غزوة بدر التي كانت أول انتصار
للمسلمين في عهد النبي .
واقعة راشد ديسمبر 1881
راشد بك أيمن كان مديراً على فشودة وكانت جبال النوبة التي لجأ إليها المهدي
بعد المعركة الأولى جزءاً من مديريته، أراد راشد أن يفاجئ المهدي بهجوم سريع لكن
أثناء تحركه مع جنوده الـ 420 رأتهم سيدة تدعى رابحة الكنانية وكانت من مريدي
المهدي فأسرعت إليه تواصل الليل بالنهار حتى أبلغته، فباغت المهدي راشد ورجاله قبل
أن يصلوا إليه ولم يصبح الصبح حتى صار راشد بك جثة هامدة ومن حوله جثث جنوده إلا من
فر منهم ليبلغ الخرطوم بالمجزرة.عزز هذا النصر اعتقاد الناس بالمهدي إذ اعتبروا ما
حدث معجزة، هذا بالإضافة إلى أن مدير كردفان حاول الهجوم أيضاً لكن صوت الطلقات
التي كان يطلقها رجال المهدي ليلا أرهبه فهرب بجنده فاعتبر الناس هذه من الكرامات
أيضاً. أرسل الحكمدار إلى مصر لطلب المدد لكن مصر أيامها كانت مشغولة ب الثورة
العرابية ولم يستطع أحمد عرابي إرسال أية إمدادات إلى السودان لتخوفه من هجوم
الإنجليز في أي وقت، هكذا حصل المهدي على مزيد من الوقت لمضاعفة قوته وزيادة أتباعه.
واقعة الشلالي مايو 1882
أرسل الحكمدار 6100 جندي بقيادة يوسف باشا الشلالي وانضمت إليه كتائب من
الأبيّض، أرسل المهدي إليهم 2 من أتباعه إلا أن الشلالي أمر بتقطيعهم حتى الموت،
وعندما وصل الشلالي إلى قدير المنطقة التي يقيم فيها المهدي بدأت المعركة في الصبح
الباكر والتحم الجيشان ولم تنتهي المعركة إلا بانتهاء جيش الحكومة، وكان هذا هو
النصر الثالث للمهدي وحصل في هذه المعركة على الكثير من العتاد والأسلحة النارية
بسبب كثرة الجيش. زاد عدد الثوار على الحكومة بسبب البطش والضرائب فانضموا بدورهم
لحركة المهدي وبدءوا يتذكرون ما فعل الدفتردار.
المجزرة الإنكليزية المصرية في السودان سنة ١٨٩٨ بدأ البريطانيون بالتعاون مع
الجنود المصرييين قصف أم درمان يوم ٢ سبتمبر ١٨٩٨، واستهدفوا قبر المهدي، مستخدمين
الزوارق الحربية والمدافع رشاشة وكان ذلك مجزرة ذهب ضحيتها ١١٬٠٠٠ قتلوا وأصيب
١٦٬٠٠٠ من السودانين في ست ساعات من الاعتداء البريطاني.
في سنة 1821 أرسل محمد علي باشا خديوي مصر العثماني حملة عسكرية لاحتلال السودان
بهدف لتوسيع رقعة ملكه في الشرق الأوسط وأفريقيا والقضاء على جيوب مقاومة المماليك
الخارجين على حكمه والذين هرب بعضهم إلى السودان. نجحت الحملة في ضم مناطق
الاستوائية جنوباً وكردفان غرباً حتى تخوم دارفور وسواحل البحر الاحمر وإريتريا
شرقاُ. وكان لمحمد علي وخلفائه دور فاعل في تشكيل السودان ككيان سياسي على حدود
مقاربة لحدوده الحالية، غير ان النظام الذي اعتمده محمد علي (وخلفاؤه) للسودان لم
يؤسس قاعدة اجتماعية يمكن أن تبنى عليها الوحدة الوطنية بينما تسبب سوء الإدارة
والفساد والتعسف في جباية الضرائب إلى تعريض حكمهم في السودان لمقاومة وطنية أبرزها
الثورة المهدية التي حررت السودان وأقامت دولة المهدية الإسلامية بزعامة محمد أحمد
المهدي التي سرعان ما إنهارت في عام 1898 م، على يد القوات البريطانية المصرية في
معركة كرري (أم درمان) ومقتل الخليفة عبد الله التعايشي في واقعة أم دبيكرات
بكردفان لتنتهي بذلك مرحلة الحكم الوطني وتبدأ مرحلة الاستعمار.
الحكم الثنائي الإنجليزي المصري
في مارس / آذار 1896 م، زحفت الجيوش المصرية إلى السودان تحت قيادة القائد
البريطاني لورد هربرت كتشنر لإعادة استعماره تحت التاجين المصري والبريطاني. وسقطت
أم درمان عاصمة الدولة المهدية في سنة 1898 م، وتم وضع السودان تحت إدارة حكم ثنائي
بموجب اتفاقية عام 1899 م ،بين إنجلترا ومصر التي نصت على أن يكون على رأس الإدارة
العسكرية والمدنية في السودان حاكما عاما انجليزياً ترشحه حكومة إنجلترا ويعينه
خديوي مصر. ويتمتع الحاكم العام بسلطات مطلقة في تنظيم الإدارة في السودان وغيرها
من الأعمال التي يراها ضرورية لحكمه. ومع بداية الحكم الثنائي بدأت مرحلة جديدة في
إدارة السودان تميزت بمركزية السلطة في بداية الأمر، ثم تدرجت إلى أسلوب الحكم غير
المباشر (الحكم عن طريق الإدارة الأهلية) وعزز هذه الفكرة ما ساد الإدارة
الاستعمارية من اعتقاد ارتكز علي ان الحكم البيروقراطي المركزي غير مناسب لحكم
السودان. وصدر في عام 1951 م، قانون الحكم المحلي، الذي كان ايذاناً بتطبيق نظام
للحكم المحلي.
بداية مشكلة جنوب السودان
تعاملت حكومة الاحتلال مع الجنوب بشكل منفصل عن الشمال، وذلك تمهيداً لتنفيذ
واحد من ثلاثة خيارات بحثتها السلطات الإنجليزية:
1- فصل الجنوب عن الشمال وضمه ليوغندا.
2- إنشاء إدارة فيدرالية للجنوب وضمه للشمال.
3- ضم الجنوب للشمال كإقليم عادي كغيره من أجزاء الشمال الأخرى.
تمهيداً لهذه الخيارات ولإبقاء الباب مفتوحا لخيار فصل الجنوب تبنت الحكومة
الاستعمارية الممارسات الآتية:
1- استثناء الجنوب من المجلس التشريعي(البرلمان) ومنعه من مناقشة أي أمر متعلق
الجنوب
2- استعمال اللغة الإنجليزية واللغات المحلية في التعليم دوناً عن العربية
3- ابتعاث الطلاب الجنوبيين ليوغندا بدلا من كلية غردون
4- تغييب الدعوة الإسلامية مع تشجيع التبشير المسيحي
5- قانون المناطق المقفولة
قانون المناطق المقفولة
عمدت إدارة الحكم الثنائي إلى إصدار ما عرف بقانون المناطق المقفولة والذي
حددت بمقتضاه مناطق في السودان يحرم على الأجانب والسودانيين دخولها أو الإقامة
فيها دون تصريح رسمي. وشمل القانون 7 مناطق متفرقة من السودان : دارفور وبحر الغزال
ومنقلا والسوباط ومركز بيبور ـ وهي مناطق تقع في جنوب السودان بالإضافة إلى مناطق
في كردفان وجبال النوبة وشمال السودان ومن مظاهر ذلك القانون حرمان السوداني
الشمالي من إنشاء المدارس في الجنوب إذا سمح له بالإقامة فيها. وإذا تزوج بامرأة
جنوبية فلا يستطيع أخذ اطفاله عند عودته إلى شمال السودان.
وفي عام 1922 م، انحصر قانون المناطق المقفولة على جنوب السودان. وصدرت في عام 1930
م، توجيهات وأحكام هدفها منع التجار الشماليين من الاستيطان في الجنوب ووقف المد
الثقافي العربي والدين الإسلامي من الانتشار في جنوب السودان، بل أن ارتداء الأزياء
العربية التقليدية كالجلباب والعمامة كان محظورا على الجنوبيين. هذه السياسة التي
وصفها أنتوني سيلفستر بالأبارتهيد Apartheid الجنوبي تم التخلي عنها فجأة بعد الحرب
العالمية الثانية أي بنهاية عام 1946م.
موقف التنمية في الجنوب
نظراً لقلة الإيرادات في الجنوب فقد عجزت الحكومة الاستعمارية عن إحداث تنمية
ملموسة في الجنوب، فقد أوكلت مهام الصحة والتعليم إلى الإرساليات التبشيرية دون دعم
من الحكومة حتى العشرينات حين بدأت الحكومة في دعم الإرساليات وإنشاء خدماتها
الموازية. وقد إعترف السير جيمس روبرتسون آخر السكرتيرين الإداريين في السودان بأن
تلك الجهود المبذولة ما كان لها أن تعطي أي أثر ملموس في الإقليم الشاسع في وقت كان
يتطور فيه الشمال بوتيرة متسارعة جداً. وقد أسهم قانون المناطق المقفولة في عزل أي
تأثير إيجابي من الشمال.
في الأربعينات اعتمدت السلطات الاستعمارية خطة لتعمير الجنوب باستخدام جزء من منحة
بريطانية قدمت للسودان. وقد تضمنت الخطة إنشاء مشاريع مثل مشروع الزاندي مصحوبة بعض
الصناعات البسيطة كالسكر والصابون. وقد توقفت هذه الجهود باندلاع الحرب الأهلية
التي مرت حتى القائم من هذه المشاريع.
مؤتمر جوبا1947
دعى السكرتير الإداري جيمس روبرتسون إلى عقد مؤتمر في جوبا بهدف بحث تمثيل
الجنوب في المجلس التشريعي أو إنشاء مجلس تشريعي منفصل للجنوب. دعي للمؤتمر رؤساء
القبائل الجنوبية والموظفين الجنوبيين المتعلمين، وعقد المؤتمر في جوبا في يونيو
1947. أوصى المؤتمر بتمثيل الجنوب في المجلس التشريعي ممهدا لوحدة السودان فيما بعد.
بحلول عام 1950م، سمح للأداريين الشماليين ولأول مرة بدخول الجنوب وتم ادخال تعليم
اللغة العربية في مدارس الجنوب ورفع الحظر عن الدعوة الإسلامية .
الحرب الأهلية الأولى في جنوب السودان
في عام 1955 م، ظهرت بدايات الحرب الأهلية الأولى في السودان بعصيان كتيبة جنوبية
تابعة لقوة دفاع السودان في توريت في جنوب السودان لأوامر قادتها بالانتقال إلى
شمال السودان، فسادت الفوضى في الجنوب وانفلت الأمن وتعرض كثير من الشماليين
بالجنوب للقتل والأذى على أسس عرقية. واستمر الصراع لتسعة عشر عاماً ليعيق تطور
السودان عموماً والجنوب خصوصاً حيث توقفت مشاريع التنمية المحدوة القائمة أصلاً.
الإستقلال
شكلت من مجموعة السودانيين في عام 1938 م، مؤتمر الخريجين الذي نادى بتصفية
الاستعمار في السودان ومنح السودانيين حق تقرير مصيرهم. وفي عام 1955 م، بدأت
المفاوضات بين حكومتي الحكم الثنائي إنجلترا ومصر بشأن تشكيل لجنة دولية تشرف على
تقرير المصير في السودان. وضمت كل من باكستان والسويد والهند وتشكوسلوفاكيا (جمهورية
التشيك وسلوفاكيا حالياً) وسويسرا والنرويج ويوغسلافيا السابقة. واجتمع البرلمان
السوداني في عام 1955 م، وأجاز 4 مقترحات حددت مطالب البلاد وهي:
1- الاستجابة لمطالب الجنوبيين بالفيدرالية،
2- اعلان الاستقلال،
3- تشكيل لجنة السيادة،
4- وتكوين جمعية تأسيسية.
تم تأجيل مطالب الجنوبيين على أنه سيتم وضع الاعتبار لحكومة فيدرالية للمديريات
الجنوبية الثلاث (بحر الغزال وأعالي النيل والاستوائية) بواسطة الجمعية التأسيسية.
واجمع البرلمان على الاستقلال وعلى أن يصبح السودان دولة مستقلة ذات سيادة. وترتب
على الرغبة في الحصول على اعترافات سريعة بالاستقلال اختيار لجنة من خمسة نواب
أحدهم جنوبي بواسطة البرلمان لتمارس سلطات رأس الدولة بموجب احكام دستور مؤقت يقره
البرلمان حتى يتم انتخاب رئيس للدولة بمقتضى احكام دستور دائم. وفي الساعة الحادية
عشر صباحاً من يوم الأحد أول يناير / كانون الثاني 1956 م، تم إنزال علمي الحكم
الثنائي البريطاني والمصري من سارية سراي الحاكم العام (القصر الجمهوري، لاحقاً)
ليرتفع في اللحظة نفسها علم جمهورية السودان ويشهد بميلاد دولة جديدة، أمام حشد
كبير من السودانيين.
إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد محجوب يرفعان علم الإستقلال في يناير 1956
وإنضم السودان إلى جامعة الدول العربية في 19 يناير/ كانون الثاني 1956 م، وإلى
هيئة الأمم المتحدة في 12 نوفمبر / تشرين الثاني 1956 م، وهو من الدول المؤسسة
لمنظمة الوحدة الأفريقية في 25 مايو/ أيار 1963 م، وفي الإتحاد الأفريقي الذي خلفها
في يوليو / تموز 1999 م.
الحكم المدني الأول
لم يتم الاتفاق في الفترة التي سبقت الاستقلال وما بعدها على نمط معين من
الحكم وكانت الساحة السياسية تسودها عدة تيارات حزبية إبان الاستقلال:
1- التيار السياسي القائم على الطائفية وكان يمثله حزبان هما حزب الأمة برعاية
السيد عبد الرحمن المهدي الذي شهد عدة انقسامات لاحقاً وحزب الأشقاء الذي أصبح فيما
بعد الحزب الوطني الاتحادي برعاية السيد علي الميرغني قبل أن ينشق عنه حزب الشعب
الديمقراطي.
2- التيار السياسي الإسلامي غير الطائفي المستند على الصفوة الإسلامية الاتجاه،
ويمثله حزب جبهة الميثاق الإسلامية الذي استبدل اسمه لاحقاً إلى الجبهة الإسلامية
القومية ثم حزب المؤتمر الوطني فحزب المؤتمر الشعبي وتتمثل زعامته الروحية في شخص
الدكتور حسن الترابي،
3- التيار اليساري المتمثل في الحزب الشيوعي السوداني.
ووجدت إلى جانب هذه التيارات الرئيسية تيارات أخرى كالليبراليين والمستقلين
والإخوان الجمهوريين (الحركة التي أسسها محمود محمد طه) والقوى السياسية الإقليمية
المختلفة وعلى رأسها القوى السياسية الجنوبية. .
الأزمة الدستورية
بعد انتهاء الفترة الانتقالية حدث فراغ دستوري لأن الاستقلال ألغي دستور
الحكم الذاتي المعمول به آنئذ. كما أن منصب رئيس البلاد الذي شغله الحاكم العام
البريطاني أصبح شاغرا بعد الغائه مع الغاء اتفاقية الحكم الثنائي، ولذلك تم تعديل
دستور الفترة الانتقالية ليوائم فترة ما بعد الاستقلال على أن يعمل به بشكل مؤقت
لحين إقرار دستور جديد دائم. وكانت الحجة الرئيسية للتعجيل في ملء ذلك الفراغ هي
الإسراع في الحصول على اعتراف الدول الأخرى باستقلال السودان وأن أقصر الطرق لذلك
هي تعديل قانون الحكم الذاتي، أهم ما نص عليه الدستور المؤقت هو تكوين مجلس سيادة (مجلس
رئاسي عالي) ليكون السلطة الدستورية العليا وتؤول إليه قيادة الجيش.
فشلت الأحزاب السودانية بتياراتها المختلفة في الاتفاق على أية صيغة توفيقية بينها
حول نظام الحكم والدستور واستمر الخلاف لعدة سنوات بعد الاستقلال واخفقت في حل
مشكلة جنوب السودان، أدى إلى تدخل الجيش لإقصائها من الحكم، مستغلاً السخط
الجماهيري المتزايد بتأزم الأوضاع في البلاد.
الحكم العسكري الأول
الفريق إبراهيم عبود
كان استيلاءالجيش بقيادة الفريق إبراهيم عبود على السلطة في 17 نوفمبر/ تشرين
الثاني 1959 م، أول ضربة لنظام التعددية الحزبية في السودان. وبغض النظر عن كيفية
مجيء الجيش، وفيما إذا كان ذلك بدعوة من أحد الأحزاب أو بمباركة منها أو بتأييدها
له وابداء استعدادها للتعاون معه، فإن عملية حل الأحزاب في حد ذاتها والإعلان عن
مجلس عسكري لحكم السودان يدل على مدى عمق أزمة الحكم في السودان منذ البداية، فضلا
عن أن خطوة الفريق عبود تلك، ولدت إحساساً لدى الرأي العام السوداني وهو أنه كلما
تأزم الوضع في البلاد تتجه الأنظار نحو الجيش طلباً للخلاص من الأزمة. وهذا الإحساس
هو الذي بنى عليه الحكم العسكري التالي المدعوم بحكومة مدنية تكنوقراطية، شرعية
الاستيلاء على السلطة، خاصة لاسيما وأنه وجد تأييدا من قطاعات واسعة من الشعب فور
وصوله إلى الحكم.
حكومة عبود
وبموجب الأمر الدستوري الخامس ضمّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة
الفريق إبراهيم عبود تسعة أعضاء هم:
1- اللواءأحمد عبد الوهاب (تم إعفاءه لاحقاً)
2- اللواء محمد طلعت فريد
3- الأميرلاي أحمد رضا فريد
4- الأميرلاي حسن بشير نصر
5- الأميرلاي أحمد مجذوب البخاري
6- الأميرلاي محي الدين أحمد عبد الله
7- الأميرلاي محمد أحمد عروه
8- الأميرلاي عبد الرحيم محمد خير شنان
9- الأميرلاي المقبول الأمين الحاج
كما ضمت حكومة عبود إلى جانب العسكريين عدداً من الوزراء المدنيين منهم أحمد خير
وزيراً للخارجية وعبد الماجد أحمد وزيراً للمالية إضافة إلى جنوبي واحد هو سانتينو
دينق الذي أوكلت إليه حقيبة الثروة الحيوانية.
سياسات حكومة عبود
ووجهت الحكومة الانقلابية بالمشكلة الدستورية ومشكلة الجنوب، وتأخر التنمية
الاقتصادية في كافة مناطق السودان.
المشكلة الدستورية
كانت البلاد عند الانقلاب تُحكم بدستور مؤقت، هو صورة معدلة لقانون الحكم الذاتي
الذي وضعته الإدارة الاستعمارية ورأت الحكومة بأن مشكلة الدستور يمكن حلها
بالاهتمام أولاً بالحكم المحلي. أي البدء بإرساء قواعد الديمقراطية على المستوى
المحلي ونشرها بين الناس. فتم في أغسطس / آب 1959 م، تشكيل لجنة وزارية لدراسة نظام
للحكم المحلي كخطوة أولى نحو صياغة نظام دستوري مناسب للسودان، وبناء على توصيتها
صدرت ثلاث قوانين للحكم المحلي. وتم تأجيل صياغة دستور دائم للبلاد لتجنب نقل
السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يترأسه الفريق عبود إلى برلمان منتخب.
مشكلة الجنوب
وفيما يتعلق بمشكلة الجنوب فقد اعتمدت حكومة عبود الحل العسكري على نفس نهج
الحكومة التي سبقتها،، وعينت بعض السياسيين الجنوبيين في مناصب قيادية كتعيين
سانتينو دينق وزيراً للثروة الحيوانية - الذي حافظ على منصبه في كافة الحكومات
المتعاقبة في تلك الفترة لمدة عشر سنوات وذلك بسبب الخط المتشدد الذي كان يتخذه ضد
الحركات الانفصالية في الجنوب. ويرى البعض أن مشكلة الجنوب لم تكن ضمن أولويات
حكومة عبود. ولهذا فأنه لم يتقدم بأي طرح لحلها، ويستدلون على ذلك بأن الفريق
إبراهيم عبود لم يشر أبداً إلى المشكلة في بيانه الأول يوم الاستيلاء على السلطة.
إلا أن حكومة ثورة 17 نوفمبر (كما كان يطلق عليها آنذاك)، تبنت سياسة قطع الدعم
الأجنبي الذي كان يتلقاه المتمردين من خلال شن حملة منظمة لوقف أنشطة الإرساليات
التبشيرية المسيحية التي تم أتهامها بتأجيج النزاع وتوسيع هوة الخلاف وتغذية
الاختلافات من خلال عمليات التبشير والتنصير في الجنوب.
التنمية
تبنت الحكومة خططاً تنموية شملت البنيات الأساسية مثل مد خطوط السكك
الحديدية، والتوسع في قطاع الزراعة من خلال إقامة مشاريع تنموية صغيرة في الأقاليم
لتنمية الأرياف والمناطق النائية. وتم إبرام اتفاقية جديدة مع مصر لتقاسم مياه
النيل أدت إلى رفع حصة السودان إلى 11 مليار متر مكعب من المياه وذلك في إطار صفقة
شملت بناء السد العالي في مصر والسماح بتدفق مياه بحيرة السد إلى داخل حدود السودان
وإغراق حلفا القديمة.
نتائج السياسات وسقوط النظام
ورغم هذه الإنجازات الاقتصادية واجهت حكومة عبود أزمة سياسية عميقة لم
تمهلها طويلاً للبقاء في الحكم. ففي عام 1963م، شهد جنوب السودان نشاطاً سياسياً
مكثفاً من قبل المعارضة الجنوبية في المنفى ضد حكومة عبود. وبرز حزب سانو SANU (الإتحاد
السوداني الإفريقي الوطني)، بزعامة جوزيف أدوهو كداعية إلى استقلال الجنوب، كآخر
خيار في حالة رفض الشمال الإتحاد الفيدرالي كحل للمشكلة. لم تتم الاستجابة لمبادرة
أدوهو، واستمر التصعيد من الجانبين مما أدى إلى اشعال نار الحرب الأهلية في الجنوب.
ظهرت في سبتمبر / ايلول 1963 م، حركة الأنيانيا Anyanya (والكلمة تعني الأفعى
السوداء السامة بلغة قبيلة المادي التي ينتمي إليها زعيم ومؤسس الحركة جوزيف لاقو)
لتشن حرب عصابات في المديريات الجنوبية الثلاث (أعالي النيل، وبحر الغزال،
والاستوائية) مما أدى إلى تدهور في الوضع الأمني فيها.
استغلت الأحزاب السياسية الوضع وجاهرت بمعارضتها لسياسات حكومة عبود من خلال
تصريحات زعمائها وندوات كوادرها خاصة في الجامعات والمعاهد العليا. وانطلق الحراك
الذي أجبر الفريق عبود على التنازل عن الحكم، من جامعة الخرطوم في الربع الأخير من
شهر أكتوبر / تشرين الأول على إثر تعرض الشرطة لتجمهر طلابي محظور بإطلاق النار
عليه فأردت أحد المشاركين فيه قتيلاً ـ وهو الطالب أحمد القرشي طه، وتحول موكب
تشييع جثمان القرشي إلى مظاهرة حاشدة حضرها عدد يقدّر بحوالي 30 الف شخص، تبعتها
مظاهرات مماثلة في مدن أخرى كبيرة بالبلاد. وأصبح القرشي فيما بعد رمزاً وطنياً.
عمت البلاد الفوضى والانفلات الأمني.
وتحت هذه الضغوط اعلن الفريق إبراهيم عبود عن استقالة حكومته وحل المجلس العسكري،
ودخل في مفاوضات مع زعماء النقابات العمالية والمهنية وممثلي احزاب المعارضة
والأكاديميين أفضت إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة سر الختم الخليفة، إلى جانب
بقاء الفريق عبود كرئيس للدولة والذي سرعان ما تخلي عن الحكم وحل محله مجلس رئاسي
يتكون من خمسة اعضاء، تماما كما كان الحال قبل مجيئه إلى السلطة. وهكذا بدأت فترة
الديمقراطية الثانية.
الحكم المدني الثاني
إنتهى الحكم العسكري في أكتوبر/ تشرين الأول 1964 م، وعادت الحياة الحزبية
للمرة الثانية إلى السودان. وكان أهم هدف المرحلة هو إعادة البلاد إلى الحكم المدني
وحل المشاكل التي تسببت في عدم الاستقرار. رفضت الأحزاب التطرق إلى مسألة الدستور
في المرحلة الانتقالية قبل أجراء الانتخابات العامة.
الحالة السياسية العامة
دخلت البرلمان في هذه الفترة حركات أقليمية أخرى إلى جانب الحركات الجنوبية
تمثل القوى الإقليمية خارج المركز أبرزها مؤتمر البجا في شرق السودان الذي حاز على
عشرة مقاعد وإتحاد جبال النوبة في جنوب كردفان في حين انقسم حزب الأمة إلى جناحين:
جناح الصادق المهدي وجناح الإمام الهادي المهدي (عم الصادق)، وأتحد حزبا الطائفة
الختمية تحت اسم الأتحاد الديمقراطي، ودخل حزب سانو الجنوبي المعارض البرلمان بخمسة
عشر مقعد وجبهة الجنوب بعشرة مقاعد، فيما غاب اليساريون الشيوعيون عن البرلمان.
قمة اللاءات الثلاث
إسماعيل الأزهري، مع عبدالناصر وعارف والأتاسي وبو مدين أثناء القمة العربية
الرابعة في الخرطوم
وعلى صعيد السياسة الخارجية نشطت حكومة محمد احمد محجوب عربياً، فإستضافت القمة
العربية الرابعة في 29 اغسطس / آب 1967 م، عقب النكسة والتي عرفت بقمة اللاءات
الثلاث.
رئاسة الصادق المهدي للوزراء
انتخب الصادق المهدي رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م، واختلف مع عمه
الإمام الهادي المهدي مما أدى للانشقاق المذكور في حزب الأمة، ضغط الصادق على رئيس
الوزراء محمد أحمد محجوب للإستقالة حالما بلغ الصادق العمر القانوني المطلوب لرئاسة
الوزراء، ثم تولى رئاسة الوزراء عن حزب الأمة في حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني
الاتحادي في 25 يوليو 1966م- خلفا للسيد محمد أحمد محجوب الذي قاد جزءا من عضوية
حزب الأمة بالبرلمان للمعارضة.
حل الحزب الشيوعي
أتهم الأخوان المسلمون عام 1965م أحد أعضاء الحزب الشيوعي السوداني بالإساءة
إلى الإسلام في اجتماع عام. وقامت مظاهرات دعت إلى حل الحزب الشيوعي السوداني
وإنتهت بقيام الحكومة بطرح الموضوع في البرلمان الذي أجاز بأغلبية مشروع قرار يدعو
إلى حلّ الحزب الشيوعي وحظر نشاطه وطرد نوابه من البرلمان بسبب ما ابداه الحزب من
الحاد، وتعديل الدستور المؤقت على نحو يتيح تنفيذ القرار الذي لم يكن ممكنا في ظل
الدستور المؤقت.
لجأ الحزب الشيوعي إلى المحكمة العليا وأثار دعوى قضائية ضد شرعية قرار الحكومة
التي حكمت لصالحه يؤكد عدم دستورية قرار الحكومة وبطلانه، لكن حكومة الصادق المهدي
تجاهلت حكم المحكمة العليا ومضت في تنفيذ قرارها. وفي يناير / كانون الثاني 1967 م،
شارك الحزب الشيوعي في الانتخابات العامة تحت اسم الحزب الاشتراكي التفافاً على
قرار الحظر.
مشكلة الجنوب
أبدت حكومة سر الختم الخليفة الانتقالية تسامحا في التعامل مع المعارضين
الجنوبيين وضمت في عضويتها اثنين من أبناء الجنوب وأعلنت العفو العام عن المتمردين
ودعت إلى مؤتمر حول المشكلة عرف بمؤتمر المائدة المستديرة الذي إنعقد في مارس/آذار
1965 م، بمدينة جوبا بجنوب السودان بهدف ايجاد حل لمشكلة الجنوب. وكان موقف
الجنوبيين من القضية أثناء المؤتمر تتنازعه رؤيتان: الإتحاد federation والانفصال
separation.
كانت الرؤية الإتحادية تقوم على فكرة قيام دولتين: دولة شمالية وأخرى جنوبية. لكل
منهما برلمانهاوسلطتها التنفيذية، إلى جانب كفالة حريتها في معالجة الأمور
الاقتصادية والزراعية ومسائل التعليم والأمن، وأن يكون للجنوب جيش تحت قيادة موحدة
للدولتين، وبذلك يصبح ما تدعو إليه هذه الرؤية أقرب إلى الكونفيدرالية، منه إلى
الفيدرالية.
أما الجنوبيون الأكثر راديكالية في المؤتمر فقد كانوا يحبذون الحصول على حق تقرير
المصير كتمهيد للاستقلال التام. وقاد هذا الاتجاه الزعيم الجنوبي أقري جادين رئيس
حزب سانو في المنفى. أما الاتجاه الفيدرالي فكان بقيادة وليام دينق. لم يكن هناك أي
حزب شمالي مستعد لمناقشة هذه الأفكار ولذلك لم تتخذ أية محاولات جادة في المؤتمر
للتعامل معها بأي شكل كان. وكل ما كانت الأحزاب الشمالية تريد التفاوض حوله في ذلك
الوقت هو الأعتراف بحق الجنوب في تشكيل إدارة إقليمية في إطار السودان الموحد.
وهكذا وصل المؤتمر إلى طريق مسدود زاد من عدم الثقة بين الجنوب والشمال.
استعرت الحرب الأهلية في الجنوب، وبدأ الجنوبيون المعارضون للحكومة في تنظيم انفسهم
واستدرار تعاطف المجتمع الدولي واستنفارالرأي العام في الجنوب. وتم تأسيس حكومة
السودان الجنوبية المؤقتة في المنفى كجناح مدني لحركة الأنيانيا. ثم أعلن المتمردون
عن تأسيس "جمهورية النيل"، فحكومة "جمهورية انييدي" في المنفى.
نظام مايو: حكومة نميري
في صبيحة يوم 25 مايو / أيار 1969 م بثت إذاعة أم درمان بياناُ للعقيد أركان
حرب جعفر محمد نميري معلناً استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة مجدداً،
وتم تكوين مجلسين هما:
مجلس قيادة الثورة برئاسة العقيد جعفر نميري الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء
(ثم لاحقا إلى رتبة مشير)
مجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في
عام 1964 م، احتجاجاً على قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني. ومثل المجلسان سوياُ
السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. شمل مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط كلهم تقريباً
من رتبة رائد وضمت الحكومة الجديدة (21) وزيراً برئاسة جعفر نميري رئيس مجلس قيادة
الثورة ووزير الدفاع. وكانت حكومة تكنوقراط فعلية يحمل أعضائها درجات علمية كبيرة
ومؤهلات عليا من بينهم:
1- الدكتور موريس سدرةأخصائي الطب الباطني الذي أوكلت إليه وزارة الصحة
2- الدكتور محمد عبد الله نور (عميد كلية الزراعة بجامعة الخرطوم آنذاك)،الذي أصبح
وزيراً للزراعة والغابات
3- الأستاذ محجوب عثمان (نائب رئيس تحرير جريدة الأيام حينذاك) وزيراً للإرشاد
القومي،
4- المحامي أمين الطاهر الشبلي وزيراً للعدل
5- المحامي فاروق أبو عيسى (نقيب اتحاد المحامين العرب السابق) وزيراً لشئون
الرئاسة
وضمت فيما بعد الدكتور منصور خالد،المفكر السياسي والأستاذ بجامعة كلورادو، وزيراً
للشباب.
كما ضمت الحكومة اثنين من المثقفين الجنوبيين هما الدكتور جوزيف قرنق، برلماني ورجل
قانون، وعيّن وزيراً للتموين، والقاضي أبيل الير وأصبح وزيراً للإسكان.
نميري واليساريين
وضحت منذ البداية توجهات الحكومة الجديدة اليسارية حين ضمت في تشكيلتها عددا
كبيرا من الشيوعيين واليساريبن البارزين والقوميين العرب. شكل أنصار الحزب الشيوعي
قاعدة شعبية لها، فيما تولت المنظمات التابعة له دعم النظام الجديد-الذي عرف لاحقاً
بنظام مايو- وحشد التأييد الشعبي له.
ركزت البيانات الأولى للحكام الجدد على فشل التجربة الديمقراطية ذات الأحزاب
المتعددة في السودان في حل مشكلات السودان الثلاثة: التنمية والجنوب والدستور الذي
شله الصراع الحاد بين دعاة العلمانية والدولة الدينية. وأعلنت حكومة نميرى الحرب
على الأحزاب التقليدية وفي مقدمتها حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي ووصفتها
بالإقطاع. ونال حزب الأمة خاصة، جناح الأمام الهادي المهدي العقاب الأكبر، حيث تمت
مصادرة أمواله وإتهام قادته بالتأمر على الدولة، وقتل زعيمه الهادي المهدي أثناء
محاولة الفرار إلى إثيوبيا بعد تمرد مسلح بالجزيرة أبا.
بدأت الخلافات تطفو على السطح داخل المعسكر اليساري، خاصة بين الشيوعيين والقوميين
العرب والناصريين حول الرؤى والتصورات التي يجب أن يأخذ بها النظام في تعاطيه مع
مشاكل السودان. ورفع القوميون العرب شعار الدين في وجه الشيوعية مطالبين
بالاشتراكية العربية المرتكزة على الإسلام في مواجهة الاشتراكية العلمية
انقلاب الشيوعيين
دبّ الانقسام بين الشيوعيين الراديكاليين واليساريين الوسط داخل الحكومة.
وفي محاولة لحسم هذا الخلاف لصالحهم، حاول الشيوعيون الانقلاب على النميري. ولم
يستمر انقلابهم الذي قاده الرائد هاشم العطا (العضو السابق في مجلس قيادة الثورة)
في 19 يوليو / تموز 1970 م، أكثر من ثلاثة أيام عاد بعدها جعفر نميري مجدداً إلى
السلطة محمولاً على أكتاف مناصريه، وقام بتشكيل محاكم عرفية أصدرت أحكاما بالإعدام
على قادة الحزب الشيوعي السوداني ومن بينهم عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب
وجوزيف قرنق ،عضو الحزب والوزير الجنوبي بالحكومة.
التنمية
في المجال الأقتصادي تبنت حكومة نميري سياسة تأميم البنوك والشركات التجارية
الكبيرة في البلاد وتحويلها إلى القطاع العام. كما قامت لاحقاً بتشييد شبكة من
الطرق بين المدن وتعاقدت مع شركة شيفرون الأمريكية للتنقيب عن النفط في كردفان
وجنوب السودان وهو مشروع لم يكتمل آنذاك لدواعي، أمنية تماماً كمشروع حفر قناة في
ولاية جونقلي لتحويل مسار بحر الجبل وتفادي منطقة السدود بغية زيادة مياه نهر النيل.
كما أحدثت تغييرات شملت قطاعات أخرى كالتعليم والخدمة المدنية وغيرها.
الدستور
وفي سعيه لحل مشكلة نظام الحكم قام جعفر نميري بحل مجلس قيادة الثورة وأجري
استفتاء عام على رئاسة الجمهورية ليصبح النميري أول من حاز على لقب رئيس الجمهورية
في السودان. وتم تشكيل لجنة حكومية لدراسة الهيكل الدستوري وكلف الدكتور جعفر محمد
علي بخيت بوضع المسودة ،على أن يساعده كل من منصور خالد وبدر الدين سليمان (وكان
الثلاثة من وزراء حكومة جعفر نميري ومنظريها في تلك الفترة). بينما حل الإتحاد
الاشتراكي السوداني محل الأحزاب إلى جانب المنظمات والإتحادات الجماهيرية التابعة
له، في إطار ما عرف آنذاك بفلسفة تحالف قوى الشعب العاملة(المقتبسة من نظام الرئيس
جمال عبدالناصر في مصر).
أجريت أول انتخابات لبرلمان اطلق عليه اسم مجلس الشعب، فاز فيها كثير من اعضاء
البرلمانات السابقة. وكان من الطبيعي أن تصطدم وجهة نظر واضعي مسودة الدستور بأعضاء
المجلس، خاصة فيما يتعلق بعلمانية النظام أو إسلاميته لأن مسألة شكل النظام
الجمهوري قد تم حسمها بتنصيب جعفر نميري رئيساً للجمهورية. واحتدم الجدل من جديد
بين الفريقين العلماني والديني وكانت أول نقطة اثارها هذا الأخير هو خلو مسودة جعفر
محمد بخيت من النص على دين الدولة الرسمي. وقال أحد النواب " إن الدستور قد نص على
اللغة والعلم والأوسمة، فكيف يعقل أن يهمل الدين". أما الفريق العلماني وعلى رأسه
جعفر محمد بخيت ،"صاحب المسودة"، وصف مسألة النص على الدين بأنها " مسألة مظهرية
وليست جوهرية ولا دلالة علمية لها، لأن الدولة كائن معنوي لا دين لها، وهي لا تمارس
العبادة التي يمارسها الفرد والدولة هي اساس المواطنة لا الدين". وذهب الجنوبيون
هذا المذهب ذاته عندما أكدوا على أن السودان دولة علمانية وليست دينية.
نميري والإسلاميين
حسن عبد الله الترابي
أكسبت المشاكل السياسية التي حلت بحكومة جعفر نميري والمحاولات الانقلابية
المتعددة النميري خبرة ومراسا في كيفية التعايش والتعامل مع المشاكل السياسة التي
واجهت حكومته. فأتقن تكتيك ضرب الحركات والأحزاب السياسية ببعضها وتغيير تحالفاته.
فصديق اليوم يصبح عدو الغد، وعدو الغد يمسي صديقا بعد غد. فبعد أن كان النظام يعتبر
في بداياته صنيعة لليسار، نكص على عاقبيه وتحرر من قبضة اليساريين ليضم إلى معسكره
قيادات حزبية بارزة، ثم اتجه نحو الإسلاميين الذين منحهم السانحة لتصفية حساباتهم
مع اليسار. وفي غضون ذلك ازدهرت الحركة الفكرية الإسلامية في السودان واكتظت الساحة
السياسية بالأفكار والأنشطة والجماعات الإسلامية، كل يبشر بأفكاره بدءا بالأخوان
المسلمين وجماعة انصار السنة مرورا بالطرق الصوفية المختلفة وانتهاءا بالأحزاب التي
دخلت الحلبة عن طريق طوائفها الدينية كالختمية والأنصار. وكانت هذه القوى كلها تدعو
إلى تطبيق مبادئ إسلامية عامة.
قابل ذلك من الناحية الاقتصادية تدهور خطير في الإنتاج الزراعي والصناعي وتدني فظيع
في عائدات الصادرات وعجز كبير في ميزان المدفوعات جعل البلاد تعيش في حالة أزمة
اقتصادية حقيقية أدت إلى موجة من الأضرابات العامة هددت بانهيار حكومة نميري.
وفي فبراير / شباط 1980 م، استقال عدد من القضاة احتجاجاً على تدخل الحكومة في شئون
القضاء. وفي يونيو /حزيران 1983م، هاجم نميري القضاة ووصفهم "بالتسيب" و"انعدام
الأخلاق" وقام بطرد عدد منهم من الخدمة وجاء رد القضاة بتوقف جماعي عن العمل. وباءت
محاولات الحكومة لسد الفراغ وملء الوظائف التي أُخليت بالفشل، بما في ذلك محاولة
الاستعاضة عنهم بقضاة متقاعدين أو قضاة يتم استجلابهم من الخارج (مصر)، فأعلن نميري
ما أسماه "بالثورة القضائية" و"العدالة الناجزة" وتمثل ذلك في اصدار عدد من
القوانين الجديدة تم نشر نصوصها للعامة بالصحف المحلية ووصل عددها إلى 13 قانون
أبرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية، وهكذا ولدت التشريعات
الإسلامية التي عرفت بقوانين الشريعة الإسلامية عند مؤيديها، أو بقوانين سبتمبر /
أيلول عند معارضيها.
مشكلة الجنوب
تمثلت أولى خطوات حكومة النميري لتسوية مشكلة جنوب السودان في إعلان التاسع
من يونيو / حزيران 1969 م، الذي انطلق من الأعتراف بالتباين والفوارق بين شمال
السودان وجنوبه، وحق الجنوبيين في أن يطوروا ثقافتهم وتقاليدهم في نطاق سودان "اشتراكي"
موحد مما يشكل نقطة تحول كبرى في سياسات الشمال تجاه جنوب السودان حيث أن ذلك يعني
التخلي عن أهم توجه الأحزاب الشمالية في تسوية إشكالية الجنوب عن طريق نشر الثقافة
العربية والدين الإسلامي في الأقاليم الجنوبية، لكن ذلك لم يشفع للنظام انتمائه
الواضح لليسار في نظر المتمردين الجنوبيين الذين استغلوا هذا التوجه السياسي الجديد
للشمال، فأعلنوا انهم يحاربون الشيوعية والتدخل السوفيتي في الجنوب. بدأت حكومة
نميري أولا بالاهتمام بالمسيحية، وجعلت العطلة الإسبوعية في الجنوب يوم الأحد بدلاً
عن يوم الجمعة، وسعت إلى تحسين علاقتها مع الكنيسة وبالتالي تحسين علاقات السودان
بالغرب ومع البلدان الأفريقية وفي مقدمتها إثيوبيا التي كانت تحتضن قادة التمرد
الجنوبيين.
إتفاقية أديس أبابا
وفي ظل هذه التحولات السياسية تم التوقيع على إتفاقية أديس أبابا في 3 مارس
1972 م، بين حكومة السودان والمتمردين الجنوبيين تحت وساطة اثيوبية ومجلس الكنائس
العالمي ومجلس عموم أفريقيا الكنسي، وتمخضت الاتفاقية عن وقف لأطلاق النار واقرار
لحكم ذاتي إقليمي تضمن إنشاء جمعية تشريعية ومجلس تنفيذي عال، ومؤسسات حكم إقليمي
في جنوب السودان واستيعاب ستة آلاف فرد من قوات حركة الأنيانيا في القوات المسلحة
السودانية. كمااعترفت الاتفاقية باللغة العربية كلغة رسمية للبلاد واللغة
الإنجليزية كلغة عمل رئيسية في جنوب السودان وكفلت حرية العقيدة وحرية إقامة
المؤسسات الدينية في حدود المصلحة المشتركة وفي إطار القوانين المحلية. وجدت
الاتفاقية معارضة من قبل بعض القوى السياسية أبرزها الإتحاد العام لجبال النوبة
الذي وصفها وعلى لسان زعيمه الأب فيليب عباس غبوش بأنها تمثل خيانة لقضية
السودانيين الأفارقة. كما انتقدها دعاة الانفصال من الجنوبيين لأنها لا تلبي
مطامحهم وانتقدها أيضا القوميون العرب من السودانيين. وأشار نقادها إلى وجود ثغرات
بها مثل حق الفيتو الذي يتمتع به رئيس الجمهورية ضد أي مشروع قرار صادر عن حكومة
جنوب السودان يرى بأنه يتعارض مع نصوص الدستور الوطني. وواقع الحال أن الغرض من وضع
هذا النص هو لكي يكون صمام أمان لوحدة البلاد. ما أن تم وضع الاتفاقية موضع التنفيذ
حتى دب الخلاف والصراع في جنوب السودان وأخذت الجمعية التشريعية الإقليمية صورة
البرلمان الوطني نفسها من مشاهد لمنافسات حادة ذات ابعاد شخصية وخلافات عميقة ذات
نعرة قبلية إلى جانب العجز في الكوادر الإدارية والنقص في الموارد البشرية والمادية
وسوء الإدارة وانعدام الرقابة مما أدى إلى فشل كافة المشاريع التنموية في جنوب
السودان وبحلول السبعينيات في القرن الماضي ساءت العلاقة بين أبيل الير رئيس المجلس
التنفيذي الذي عينه الرئيس نميري دون توصية من المجلس التشريعي الإقليمي وزعيم
المتمردين السابق جوزيف لاقو. أدت اتفاقية أديس أبابا إلى فتح الباب على مصراعيه
أمام البعثات التبشيرية المسيحية الغربية ومنظمات الدعوة الإسلامية من الدول
العربية والإسلامية في تنافس حاد إلى جانب تفشي الانقسامات القبلية بين السياسيين
الجنوبيين وباعلان تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية ازداد التذمر وسط الجنوبيين بما
في ذلك الكنيسة التي جاهرت بمعارضتها، ولم تفلح محاولات الحكومة لتهدئتهم من خلال
تنظيم جولات للحوار معهم سعياً إلى إقناعهم بأن الشريعة الإسلامية لا تمس حقوقهم.
جون قرنق دي مابيور.
الحرب الأهلية الثانية
وبحلول عام 1983 م، بلغ الاحتقان ذروته وتفجر الوضع في الجنوب عندما رفضت
فرقة عسكرية في مدينة واو عاصمة إقليم بحر الغزال بالجنوب الأوامر الصادرة إليها
بالانتقال إلى الشمال واغتالت الضباط الشماليين وفرت بعتادها إلى الغابة مطلقة على
نفسها اسم حركة "انيانيا ـ 2 "، وهكذا بدأ التمرد الثاني. وأرسلت الحكومة ضابطاُ
جنوبياً برتية عقيد هو جون قرنق دي مابيور لتثنية الفرقة المتمردة عن تمردها وحثّها
على إلقاء السلاح، إلا أن العقيد جون قرنق إنضم الي المتمردين في الغابة بدلاً عن
تهدئتهم واقناعهم بالعدول عن التمرد، منشئاً الجيش الشعبي لتحرير السودان وجناحها
المدني الحركة الشعبية لتحرير السودان. وبدأ العد التنازلي لحكم جعفر نميري،
والسودان بدون دستور دائم أو نظام للحكم متفق عليه مع حرب مستعرة في جنوبه وحالة من
الأرتباك السياسي والضبابية لم يعهدها من قبل.
حكومة سوار الذهب العسكرية المدنية الانتقالية
إذا كان استيلاء الجيش على الحكم بقيادة العقيد جعفر محمد نميري قد جاء
مفاجئا، على الأقل للبعض، فإن مجيء الفريق عبد الرحمن سوار الذهب إلى سدة الحكم في
6 ابريل / نيسان 1985 م، لم يكن مفاجئاُ بل كان الحدث الذي توقعه كثيرون على الاقل
منذ فترة قبل وقوعه. وتماما كما بدأت احتجاجات أكتوبر / تشرين الأول 1964 م، عفوية
بسيطة سرعان ما تطورت إلى عصيان مدني شامل أجبر العسكر على التنازل عن السلطة، بدأت
احتجاجات ابريل/ نيسان 1986 م، بمظاهرات بسيطة عفوية ضد التسعيرة الجديدة المرتفعة
التي وضعتها الحكومة لبعض السلع ومن ضمنها السكر، إلا أن مظاهرات "السكر المر" كما
أطلق عليها سرعان ما تطورت إلى إضرابات واحتجاجات متواصلة رغم تراجع الحكومة عن
التسعيرة الجديدة، حتى اضطرت القيادة العامة للجيش التدخل لتفادي تردي الأوضاع
الأمنية وتفشى الفوضى أمام عجز الحكومة التي كان يرأسها نائب الرئيس عمر محمد الطيب
ـ كان الرئيس نميري خارج البلاد في زيارة للولايات المتحدة ـ في احتواء الأزمة.
في صباح يوم السبت 6 أبريل / نيسان 1985 م، أذاع الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب
وزير الدفاع والقائد العام لقوات الشعب المسلحة بياناً أعلن فيه الاستيلاء على
السلطة وإنهاء حكم الرئيس نميري.
وجاء في تبرير تلك الخطوة بأن« "قوات الشعب المسلحة وبعد أن ظلت تراقب الموقف
الأمني المتردي، في أنحاءالوطن وما وصل إليه من أزمة سياسية بالغة التعقيد، قررت
بالإجماع أن تقف إلى جانب الشعب واختياره، وأن تستجيب إلى رغبته بالاستيلاء على
السلطة ونقلها إليه عبر فترة انتقالية محددة"»
حسبما جاء في بيان الفريق عبد الرحمن سوار الذهب.
وصدرت بعد ذلك عدة قرارات نصت على تعطيل العمل بالدستور وإعلان حالة الطوارئ في
البلاد، وإعفاء رئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه ومستشاريه ووزرائه وحل الاتحاد
الاشتراكي، إلا أن أهم ما جاء في تلك القرارات والأوامر هي أهداف مرحلة التغيير
التي وصفت بأنها "مرحلة انتقالية، لا تهدف إلى استبدال نظام عسكري بآخر"، بل أنها
جاءت من أجل احتواء كل الآثار المترتبة في فترة الحكم الماضي في شتى المجالات
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى إعداد ميثاق عمل سياسي وطني يقوم
على مرتكزات أساسية (الاستقلال التام، الحفاظ على الوحدة الوطنية) أي باختصار
التمهيد لحكومة تعمل على حلّ مشاكل السودان السياسية وفي مقدمتها مشكلة الحكم
والحرب في الجنوب. وفي 9 أبريل / نيسان 1985 م، أعلن عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي
لممارسة أعمال السلطتين السلطة التشريعية والتنفيذية برئاسة الفريق أول عبد الرحمن
سوار الذهب والفريق أول تاج الدين عبد الله فضل نائباً له، وعضوية 13 من كبار ضباط
الجيش من بينهم اثنان من أبناء جنوب السودان. كما تم تشكيل حكومة مدنية برئاسة
الدكتور الجزولي دفع الله.
الحكم المدني الثالث
أنجز الفريق عبد الرحمن سوار الذهب وعده بعد انقضاء مهلة العام في سابقة
فريدة من نوعها في أفريقيا والعالم العربي. ولأول مرة يتخلي قائد انقلاب عسكري عن
السلطة طواعية وبعد وعد قطعه على مواطنيه دون أن أي مقابل سياسي أو مادي خاص. وجرت
الانتخابات في موعدها وفاز فيها حزب الأمة الجديد بزعامة الصادق المهدي، متقدماً
على غيره من الأحزاب وتولى رئاسة مجلس الوزراء، بينما جاء الحزب الإتحادي
الديمقراطي في المرتبة الثانية الذي كان يتزعمه أحمد الميرغني وتولى رئاسة مجلس رأس
الدولة، فيما خرج منها حزب الجبهة الإسلامية القومية وزعيمه حسن الترابي ليتصدر
صفوف المعارضة في البرلمان. وسلم سوار الذهب السلطة إلى الحكومة المدنية الجديدة.
اتسمت فترة الديمقراطية الثالثة بعدم الاستقرار، إذ تم تشكيل خمس حكومات ائتلافية
في ظرف أربع سنوات. قام الحزب الإتحادي الديمقراطي الذي خرج من الحكومة الائتلافية
بتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي حققت انتصارات عسكرية
نتيجة للمساعدات العسكرية والدعم السياسي الذي تلقته من اثيوبيا وبعض الدول
الأفريقية المجاورة للسودان، والمنظمات الكنسية. ونصّ الأتفاق على وقف لإطلاق النار
إلى جانب رفع حالة الطواريء بغية تمهيد الطريق أمام مؤتمر دستوري عام، على أن يسبقه
تجميد العمل بالعقوبات الحدية (الشريعة الإسلامية أو قوانين سبتمبر كما كان يطلق
عليها) أواستبدالها بقوانين جديدة مماثلة.
كانت الهزائم المتلاحقة التي منيت بها القوات الحكومية في جنوب السودان سبباً في
تذمر القيادة العامة للجيش التي عقدت اجتماعاُ وتقديمها مذكرة لرئيس الحكومة الصادق
المهدي، مطالبة أياه بالعمل على تزويد الجيش بالعتاد العسكري الضروري، أو وضع حد
للحرب الدائرة في الجنوب. وأحدثت المذكرة بلبلة سياسية في البلاد لأنها تتضمن
تهديداً مبطناً للحكومة أو على الأقل توبيخاً رسمياً لتقصيرها في إحدى مهامها
الأساسية وهي الدفاع عن البلاد، بإهمالها التزاماتها تجاه الجيش. كما كانت تلك
المذكرة مؤشراً خطيراً لتدخل الجيش في السياسة بشكل مباشر؛ بل كان من الغريب أن
يقحم جيش - في نظام ديمقراطي- نفسه في السياسة مبتعدا عن المهنية، ويخطر رئيس
الحكومة علناً وبشكل مباشر، وليس عن طريق وزير الدفاع، بما يجب أن يعمله لحل
المشاكل الوطنية. تدهورت العلاقة بين الجيش وحكومة الصادق المهدي بعد توجيه الفريق
فتحي أحمد علي القائد العام إنذاراً إلى الحكومة وطالبها بالاعتدال في مواقفها
السياسية ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين. رفض الصادق المهدي هذا التهديد واصدر
حزب الأمة بيانا إدان فيه مسلك القائد العام وتدخل الجيش في السياسة. لكن نتيجة تلك
المذكرة كانت رضوخ حكومة المهدي في نهاية المطاف للضغوط وأعلانها قبول اتفاقية
السلام التي أبرمها الحزب الإتحادي الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان،
وبطبيعة الحال كانت تلك الخطوة بداية النهاية لحكومة الصادق المهدي الديمقراطية.
انقلاب الحركة الاسلامية
في العام 1989 قامت الجبهة الإسلامية بانقلاب عسكري تحت اسم ثورة الإنقاذ
الوطني، في بداية الانقلاب لم يكن معروفاً توجه الانقلابين السياسي ثم ظهرت الجبهة
الإسلامية بزعامة حسن عبد الله الترابي من وراءه، وكنتيجة لسياسات الحكومة
السودانية الجديدة فقد تردت علاقاتها الخارجية وتمت مقاطعة السودان وإيقاف المعونات
من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتم إدراجه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
نجحت حكومة المؤتمر الوطني (كما عرفت لاحقا) باستخراجها وتصديرها للنفط الذي وفر
دخلا كبيرا ومنتظما للحكومة حتى انفصال الجنوب.
في العام 1999 حيث قامت الحكومة بتجريد حسن عبد الله الترابي من جميع صلاحياته
كرئيس للمجلس الوطني واتهمته بمحاولة نزعه من السلطة وتم اعتقاله، وهكذا نشأ
المؤتمر الشعبي وانقسم الحزب لفريقين، اندلعت في العام 2003م أزمة دارفور حيث
اُتهمت الحكومة السودانية بتسليح قبائل من أهل دارفور (الجنجويد) لاستخدامهم في قمع
التمرد مما أدى لتأسيس العديد من حركات التمرد منها حركة العدل والمسااواة التي
يتزعمها خليل إبراهيم الذي اغتيل في العام 2011 وحركة تحرير السودان وحركات أخرى.
على خلفية الأزمة المشتعلة في دارفور أصدر مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في
لاهاي لويس مورينيو أوكامبو مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير (والتي تعتبر سابقة)
متهماً إياه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنساتية.
مشكلة الجنوب
أعلنت حكومة الإنقاذ الوطني تفعيل قانون الدفاع الشعبي الذي صدر عام 1984
ولم يتم تفعيله، وأنشأت قوات الدفاع الشعبي وقوامها من المتطوعين الذين استجابوا
لإعلان الحكومة الجهاد ضد الحركات المتمردة وا فتتحت معسكرات التدريب التي تزايدت
حتى غطت معظم أرجاء السودان وشارك مجندو الدفاع الشعبي في العمليات الحربية مع
القوات المسلحة في عمليات حملت اسم "صيف العبور".
وفي أغسطس 1991 وبعد سقوط نظام منغستو في إثيوبيا وانشقاق الحركة الشعبية، حاولت
الحكومة الاستفادة من هذا الانشقاق فأجرت الاتصال منفردة مع لام أكول بوثيقة عرفت
باسم "وثيقة فرانكفورت" والتي وقعت في يناير من عام 1992، إلا أن الحكومة السودانية
أنكرتها بعد ذلك. وفي مايو 1992 وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أجريت
الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا، ثم الجولة الثانية في مايو من عام 1993، ولكن لم
تسفر هذه المفاوضات عن شيء. وتضاعفت الجهود الدولية من خلال "منظمة الإيغاد" إلى أن
تم توقيع اتفاق اطاري يسمي "بروتوكول ماشاكوس" وذلك في يوليو من عام 2005 والذي
أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، وحق تقرير المصير وفرصة
للجنوبيين لتفكير في الانفصال، كذلك أعطى الفرصة في بناء مؤسسات الحكم الانتقالية
كنوع من الضمانات.
اتفاقية نيفاشا
تم التوقيع على إتفاقية السلام الشامل في نيفاشا بين حكومة السودان ممثلة
بنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان
الدكتورجون قرنق دي مبيور، والتي وضعت حداً للحرب الأهلية الثانية في جنوب السودان
ومنحت إقليم جنوب السودان حكماً ذاتياً ومشاركة في الحكم المركزي ونصت على تنظيم
استفتاء حول الوحدة أو الاستقلال في العام 2011. كما تم التوقيع على الدستور
الانتقالي الجديد في عام 2005.
انفصال الجنوب
اجري استفتاء عام بتاريخ َ9 يناير / كانون الثاني 2011 أدلى فيها سكان جنوب
السودان بأصواتهم، واقترعوا بنسبة كبيرة لصالح الانفصال.
وفي الساعة الثامنة والخمسة واربعون دقيقة من صباح يوم السبت التاسع من شهر يوليو /
تموز عام 2011 أنزل علم جمهورية السودان من مدينة جوبا، عاصمة الجنوب ورفع علم
الحركة الشعبية لتحرير السودان - الذي اختير ليكون علم الدولة الجديدة- إيذاناً
بمولد دولة جنوب السودان، وبذلك يكون قد تم انجاز آخر خطوة من خطوات تنفيذ بنود
اتفاقية السلام الشامل المبرمة بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان.
وكان السودان أول من أعترف بالدولة الجديدة.
الانتخابات السودانية العامة (2010)
آخر انتخابات تمت بموجب اتفاقية نيفاشا شارك فيها مليون ناخب و14 الف مرشح
واتسمت بالتعقيد والتركيب. كانت مركبة لأنه تم انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء المجلس
التشريعي المركزي والمجالس الإقليمية والولاة في وقت واحد. وكانت معقدة حيث تم
العمل بنظام الأغلبية البسيطة (حددت بنسبة 60%) إذا كان المرشح برلمانياً والأغلبية
المطلقة إذا كان ينافس في منصب رئيس الجمهورية(أي أكثر من نصف الأصوات) وإلا يتم
تنظيم جولة ثانية من التصويت. كما تم العمل بنظام التمثيل النسبي في البرلمان بحيث
تفوز الاحزاب بعدد من المقاعد يتناسب وعدد الاصوات التي حصلت عليها.
اّثار السودان
السودان من أقدم البلاد التي سكنها البشر بحسب الحفريات التي وجدت في بعض
أجزائه مؤخرا.. وبالرغم من أنه بلد قديم أيضا في اكتشاف الكتابة –فقد كتب
بالهيروغليفية المصرية في أزمان سحيقة بل هنالك رأي يقول أن الهيروغليفية نفسها
بدأت فيه ثم اتجهت شمالا- كما كانت اللغة المروية أول لغة صوتية في إفريقيا (ذلك أن
الهيروغليفية لغة معنى بترميز المعاني لا أصوات الكلمات كما هي اللغات الأبجدية
المختلفة) إلا أن السودان أصابه انقطاع حضاري فيما يتعلق بالتدوين جعل الكتابات عن
تاريخه في الغالب مأخوذة عن المؤرخين الإغريق من جهة والعرب المسلمين من جهة أخرى..
تلك الكتابات لا تغطي كافة حلقات السودان التاريخية، ولا تشمل كافة بقاع السودان
الحالية.. وللوصول لخارطة تاريخية متصلة ومكتملة للأراضي السودانية لا محيص من عمل
خطة بحثية ورصدية وتحليلية شاملة تستند على الآتي:
1- مسوحات شاملة للآثار في كافة بقاع السودان.
2- مسح للتاريخ الشفاهي لكافة قبائل السودان وجماعاته. وللأدب الشفاهي والمرويات
والقصص عموما.
3- رصد كافة الكتابات حول السودان في المصادر الإغريقية القديمة والعربية
والإسلامية. علاوة على كافة كتابات الرحالة الأجانب في العهود الحديثة.
4- رصد كافة التقارير والبحوث التي صاحبت حملة إنقاذ آثار النوبة الأولى إبان تعلية
خزان أسوان.
5- الحصول على تقارير مفصلة للمسوحات التي صاحبت حملة إنقاذ آثار النوبة الثانية
التي صاحبت قيام السد العالي والتي لم يفرج عنها بعد.
6- الاستعداد لمسح آثاري ضخم لإنقاذ الآثار التي ستغرق جراء خزان الحمداب (مروي).
7- العمل على ترجمة كافة تلك الكتابات للعربية (أو للعربية) وإتاحتها للباحثين
السودانيين.
8- رصد كافة كتابات السودانيين حول تاريخ السودان أو جزء منه.
9- الاتفاق على منهج يوفق بين حقائق الوثائق، والآثار، والشفاهيات بشكل يجعل عملية
إعادة بناء خارطة تاريخ السودان ممكنة.
البحث الآثاري في السودان
البدايات: المرحلة الأولى
إن البحث الآثاري في السودان كان في مرحلته الأولى مربوطا بحركة الرحالة
الأجانب للسودان بدءا بنهاية القرن السابع عشر. ولكن الرحالة الأوائل لم يهتموا
كثيرا بالآثار السودانية القديمة، ولعل أول الرحالة الذين اهتموا بوصف آثار النوبة
في السودان كان بوركهاردت ووادنجتون وهانبري في أوائل القرن التاسع عشر. ولكن أهم
الأعمال التنقيبية والتوثيقية للآثار في النوبة كانت في وصف الرحالتين الفرنسيين
فريدريك كايو ولينان دي بلفوند الذين اخترقا البلاد جنوبا إلى أبعد ما وصل إليه
سابقيهما. كان كايو الأول من بين الرحالة الأوربيين الذي زار أطلال مروي (البجراوية)
والنقعة والمصورات الصفراء ووصفها، وحدد مواقع العديد من المعابد وتوصل من خلال
دراسة النقوش إلى أن كوش حكمت فيها ملكات، وهو ما لم يكن عادة متبعة في مصر. (كاتسلنسون:
ص 3) وقد نشر كايو 4 مجلدات تحوي لوحات عن آثار النوبة المختلفة (الأول صدر عام 23،
وفي الفترة 1826-1827 أصدر المجلدات الثلاثة الأخرى وهي تحوي كمية هائلة من لوحات
الآثار). أما لينان دي بلفوند (زار السودان في الفترة 1821- 1822) فللأسف إن
الملاحظات التي وضعها في شكل دفتر يوميات والرسومات الرائعة ظلت على مدى قرن بأكمله
صعبة المنال حتى تم نشرها مؤخرا.. وقد كان نسخه لنقوش المعابد في المصورات الصفراء
والنقعة جيدا. في تلك الفترة ارتبط التوثيق للآثار والبحث عنها بالرحالة الرسامين.
ففي عام 1833 زار المنطقة د. هوسكنس وكتب كتابا ثبت فيه العديد من الخرائط
والرسومات لجزيرة مروي وأرقو وتمبس وصلب وسمنة وكرمة، وكان كتابه يحوي معلومات في
مجال الإثنوغرافيا أكثر منه في مجال الآثار والتاريخ (كاتسلنسون ص 4). ختام المرحلة
الأولى من الاستكشاف الآثاري للسودان توجهت عبر بعثة لبسيوس الشهيرة المكونة من عدد
من العلماء والفنانون لرسم الآثار وتوثيق النقوشات عليها(1842- 1845م)، وخرجت بأطلس
مؤلف من 12 مجلدا نفذت بدقة. حيث سار طريق البعثة عبر كورسكو إلى مروي، ثم عملوا في
النقعة والمصورات الصفراء، وزاروا سوبا وسنار وفي طريق العودة جبل البركل وأرقو
وتمبس وسيسبي وصلب وصادنقا وجزيرة صاي وسمنة ومعابد النوبة السفلى، وقد حمل لبسيوس
النصوص التي جمعها والرسوم والنقوش إلى ألمانياشكلت تلك الأعمال الريادة في استكشاف
الآثار السودانية.
المرحلة الثانية: إنقاذ الآثار من تعلية خزان أسوان
فقط عندما اتخذ القرار بتعلية خزان أسوان إلى سبعة أمتار أخرى، وهو ما كان
يعنى إغراق وادي النيل حتى كورسكو، بدأت مصلحة الآثار المصرية، التي كان يترأسها
حينها ج.ماسبيرو، في إجراء المسح المنتظم للنوبة الشمالية. بدأت أعمال التشييد في
عام.1907 في عامي 1904-1905 أجرى ماسبيرو رحلتين تخصصيتين للتعرف على الآثار في
المنطقة المهددة بالغرق.في الرحلة الأولى وصل حتى أبو سمبل، وفي الثانية حتى
المحرقة.رافقه أ.فايجل الذي عُين مفتشاً أولاً لمصلحة الآثار المصرية. وفي عام 1906
كلف فايجل بعمل مسح شامل للمنطقة المهددة وقدم تقريرا، وفي السنوات اللاحقة واصل د.
ريزنر عمله ثم مساعده فيرث. حيث تم الكشف عن الكثير من الآثار في المنطقة المهددة
بالغرق. وفي حين كان ريزنر وفيرث يقومان بحفر ودراسة المواقع الأثرية، عملت مجموعة
من العلماء برئاسة ج. ماسبيرو في دراسة وترميم ووصف معابد النوبة الشمالية العديدة
الواقعة بين أسوان وأبى سمبل. نتيجة هذا الجهد المشترك على مدى ثلاثين عاماً
(1909-1938) ظهرت سلسلة من خمسة عشر مجلداً"معابد النوبة الغارقة "والتي تحوى مادة
هائلة ذات طبيعة متنوعة لا زالت لم تستخدم كلياً حتى اليوم. تحتوى النقوش والرسوم
التي غطت جدران النخس والصالات والمقابس على معلومات تاريخية لا حصر لها. إنه بفضل
النقوش في معبد دكة نعرف أن أركامانى كان معاصراً لبطليموس الرابع، لا بطليموس
الثاني، كما ساد الاعتقاد في السابق على أساس كلمات ديودور. تلك العمليات جرت في
النوبة الشمالية عمليات نشطة مسابقة لارتفاع المياه وإغراقها للأرض. ولكن ظل الوضع
إلى الجنوب من الجندل الثاني كما هو عليه تقريبا.
بعثة جامعة هارفارد- بوسطن 1905بقيادة د.جورج رايزنر. بدأ تنفيذ هذا العمل تحت
رعاية بعثة هارفارد-بوسطن, في عام 1905 واستمر حتى وفاة رايزنر في عام 1942. ونشرت
نتائج التنقيبات عن طريق متحف بوسطن للفنون الجميلة بإشراف دوز دنهام Dows Dunham
في الفترة بين 1950 و1982.
بعثة جامعة أوكسفورد: (1910-1913م): برئاسة جريفث- في منطقة فرس وعاصمة كوش القديمة
"نبتة". أعطت أعمال الحفر في فرس، إلى جانب آثار العصر المسيحي مدافن خاصة
بالمجموعة الثالثة، وتحصينات يرجع تاريخها للمملكة الوسطى بالإضافة إلى سلسلة من
آثار المملكة الحديثة، التي تميز مرحلة السيادة المصرية على كوش.
العلماء الألمان في النوبة الشمالية: (1910- 1912م) أكاديمية العلوم النمساوية التي
ترأسها ج. يونكر. في السنة نفسها التي أنهى فيها يونكر أبحاثه في النوبة الشمالية
بدأ العلماء الألمان بقيادة ج. شتايندورف عملهم في عنيبة (ميام في المصرية القديمة)
إلى الجنوب من توشكه. انقطعت أعمال هذه البعثة نتيجة اندلاع الحرب العالمية الأولى،
لتباشر عملها مجدداً فقط في موسم 1930/1931 تم نشر التقرير التفصيلي في الأعوام
1935- 1937.
البحث الآثارى إلى الجنوب من الشلال الثالث
في الأعوام 1911- 1914 أجرت البعثة الممولة من قبل السير ولكام حفرياتها في
الجزء الجنوبي من الجزيرة، في جبل مويَّة (بين النيلين الأزرق والأبيض على بعد
ثلاثين كيلومتر إلى الغرب من سنار القديمة). وبنهاية عمل هذه البعثة جرت دراسة موقع
إقامة آخر في أبى قيلى والجبانة التابعة له والذي يرجع تاريخه للعصر المروى المتأخر.
ويقع الموقع في الضفة الشرقية للنيل على مبعدة 4-3 كيلومتر إلى الجنوب من سنار. عند
بدء أعمال التشييد مجدداً في خزان سنار في عام 1921 التي كانت قد انقطعت نتيجة
اندلاع الحرب العالمية الأولى، تم الكشف في الضفة الشرقية للنيل الأزرق عن جبانة من
العصر المروى. للأسف فإن مصلحة الآثار السودانية لم تعلم بذلك إلا بعد انقضاء عامين
أو ثلاثة, عندما بدأت بعض المواد من المقابر المنبوشة في الظهور في متحف الخرطوم.
بعض المكتشفات تفرقت في الأيدي، وبعضها فقد في سفينة غارقة في الطريق إلى إنجلترا.
يقع الموقع على مبعدة من قرية الني. عندما زاره أديسون كانت أغلبية المقابر قد نبشت،
ولم يتم النجاح لا في تحديد مركب المقابر ولا الأحجام الفعلية لحفرة الدفن والتي
غالباً ما كانت بيضاوية واستخدمت لدفن أكثر من جثمان. من بين المواد التي وصلت إلى
متحف الخرطوم كانت هناك أواني من البرونز تظهر مؤثرات إغريقية، وفخار ومصنوعات من
المرمر وأدوات للزينة. الكثير منها يظهر تماثلاً مع مواد تمَّ العثور عليها في
النوبة الشمالية. العديد من الأوانى تتماثل مع أواني ترجع إلى جبل مويَّة. تلت ذلك
أعمال استكشافية في كرمة، البركل، الكرو، نوري، سمنة، اورونارتي، الكوة وفي وسط
السودان في الخرطوم حيث كشف عن أعمال مروية وربما نبتية، والشهيناب، والتقاوي،
والجريف، وفي القطينة.. أعمال أظهرت آثارا متفرقة تعود لعهود تاريخية مختلفة لا
زالت تنتظر المزيد من إلقاء الضوء عليها. حملة إنقاذ آثار النوبة الشمالية: 1955-
استباقا لمشروع (السد العالي) بدأت مرحلة جديدة للبحث الآثاري في النوبة الشمالية
والذي سيؤدي إلى اغلااق منطقة تمتد 500 كيلومتر من الشلال الأول حتى كوش مما تطلب
أعمال إنقاذ هائلة للآثار ودراستها. فعملت ولأكثر من عشر سنوات العديد من البعثات
من أقطار مختلفة تحت إشراف منظمة اليونسكو في المنطقة المهددة بالغرق، ونتائج
الحفريات لا زالت تنشر في تقارير موجزة.. وبالتالي فإن البينات المتحصل عليها
والمواد غير متوفرة فعليا للاستخدام العلمي حتى الآن. فقد عملت في السودان أعمال
تنقيبية من حدود البلاد مع مصر في فرس حتى كوشا لحوالي مئتي كيلومتر وقدر أن فيها
حوالي 75 موقعا اثريا ستغرق في بحيرة ناصر. بينما قدر فيرتكويه مدير مصلحة الآثار
السودانية آنذاك الذي قدر تلك المواقع ب300 موقعا محتاج للدراسة والإنقاذ. كشفت
البعثة البولندية العاملة في فرس والمنطقة المجاورة عن آثار العصر المسيحي الشهيرة
(الكنائس- اللوحات الجدارية- مدافن الأساقفة..الخ) كما عثر على آثار نبتية ومروية
في ذات المنطقة. وفي عكشة عملت بعثة مشتركة من العلماء الفرنسيين والأرجنتينيين في
موسم 61/1962م. ووجدت آثار في سرة القريبة من عكشة، وفي أرقين جنوبا. وفي موسم
الحفريات لاتالي نقبت البعثة الإسبانية بشكل أشمل في أرقين، وفي دبروسا، وجزيرة
ميلي، وجزيرة ماتوكا، وبوهين،، وسمنة، وصاي تم كشف العديد من المنازل والمعابد
والقلاع والجبانات. وفي موسم 63/1964 كشفت البعثة الإيطالية عن جبانة مروية ضخمة،
كما نقبت في معبد امنحت بالثالث وعثرت على مخربشات مروية.
معهد الدراسات المصرية- جامعة همبولدت- ألمانيا الشرقية (سابقا): قامت بعثة ذلك
المعهد بقيادة هنتزا بأعمال تنقيب لا زالت مستمرة حيث قامت البعثة باستكشافات ناجحة
كما قاموا بالترميم الكامل لمعبد الأسد الذي يناه الملك أركماني في المصورات
الصفراء. كما كشفوا عن الكثير من النقوش والمخربشات عن أعمال نحت وآثار معمارية.
بعثة جامعة غانا: 1965م
حفريات هامة من حيث نتائجها في جزيرة مروى أجريت في 1958-1960 في ودبانقا من
قبل مصلحة الآثار السودانية برئاسة فيركوتيه. في عام 1957 تم العثور على بعد 10
كيلومترات شمال شرق الخرطوم على ابى هول يحمل اسم أسبالتا. أشارت الحفريات التي
أجريت في العام التالي إلى أن المبنى الضخم الذي شيد في العصر المسيحي، ولم يبق منه
ش التي أجريت خلال هذه السنوات. حينها فقط يسلط الضوء على ما خفي عنا من تاريخ
السودان.
الآثار في جنوب السودان
المعرفة الاثارية في السودان غير متساوية البتة وبعض المناطق غير مكتشفة
بصورة شاملة. في جنوب السودان وجدت بداية متواضعة للتنقيب الاثاري في أعمال المعهد
البرطاني لشرق أفريقيا في سبعينيات القرن العشرين. حيث بدأت مشروعا بحثيا في منطقة
بحر الغزال والاستوائية. وتوجد في المنطقة فرصة مناسبة للبحوث المتداخلة خاصة بين
الآثار والإثنوغرافيا، بعد الفراغ من مهمة تعزيز السلام.
مشروع النيل الأزرق: السودان وإثيوبيا
عملت في هذا المشروع البعثة الإسبانية وقد مولتها عدة جهات: مؤسسة في الفترة
1989- 2001م (Duran-Vall Llosera (1989), the Universidad Complutense (1990,
2001), the DGICYT of the Ministry of Education and Culture (Project PS89-084,
1991-1993, Project PS95-142, 1997-2000), and the Dirección General de Bellas
Artes of the Ministry of Education and Culture (Instituto del Patrimonio
Histórico Español, 1994-2001).) وقامت بعمليات استكشفاية آثارية في السودان (منطقة
النيل الأزرق) في الفترة ما بين 1989 وحتى 2000م، بينما بدأت العمل في إثيوبيا منذ
العام 2000م وحتى الآن. فقامت بالكشف في السودان عن كشف 48 موقعا أثريا جديدا، كما
تمت إعادة بحث 5 مواقع اكتشفت في الخمسينيات للقرن العشرين. عبر المادة المودعة
عنها في التحف القومي. ولعل أهم فتح للدراسات الاثارية السودانية هو أن ينشأ كرسي
السودانويات Sudanology في الجامعات العالمية، بعد أن كانت تبحث في الماضي من خلال
المصريات.
المؤسسات الحكومية البحثية والتعليمية الخاصة بالآثار في
السودان
1- الهيئة القومية للآثار والمتاحف تأسست عام 1902م، تتبع لها المتاحف
التالية:
2- متحف السودان القومي.
3- متحف بيت الخليفة.
4- متحف شيكان- الأبيض.
5- متحف علي دينار- الفاشر.
6- معهد حضارة السودان تأسس عام 1999م تابع لرئاسة الجمهورية مديره د. جعفر ميرغني،
وقد أقيم في نفس موقع متحف الإثنوغرافيا، وصار المتحف جزءا من المعهد.
المؤسسات التعليمية
1- قسم الآثار –كلية الآداب جامعة الخرطوم
2- قسم الآثار – الآداب جامعة دنقلا
3- قسم الآثار- كلية الآداب جامعة جوبا.
4- معهد أبحاث الآثار جامعة وادي النيل
5- قسم الآثار- جامعة شندي
الجهات المهتمة بالآثار السودانية في العالم
البعثات التنقيبية العاملة:
1- الوحدة الفرنسية- مقرها الهيئة القومية للآثار والمتاحف- تابعة للهيئة **
القومية للآثار والمتاحف.
2- البعثة الفرنسية.
3- البعثة الألمانية "تعمل في النقعة والجيلي".
4- البعثة الإيطالية.
5- البعثة الكندية.
6- البعثة البولندية.
7- البعثة الإنجليزية.
8- البعثة الإسبانية: تعمل في النيل الأزرق، انتهت من العمل في الجزء السوداني وهي
الآن تعمل في الجزء الأثيوبي.
الآثار السودانية المنهوبة والمقتسمة
لقد تم نهب الآثار في بلدان عالم الجنوب في فترة الاستعمار من قبل بعثات
رسمية أرسلتها الدول أو المتاحف في الدول الأوربية التي كانت تسعى لامتلاك ذاكرة
الدنيا، كما تم ذلك بأيدي أفراد جشعين للكسب المادي حيث يقومون ببيع تلك التحف
للمتاحف العالمية وللأفراد المهتمين بجمع التحف في العالم. من قراصنة الآثار
السودانية المشهورين الطبيب العامل في الإدارة الإيطالية د. فرليني الذي وصل
للإهرامات الملكية في مروي متعاملا مع الآثار كلص. "واحد من الأهرام والذي كان
الفضل من حيث محافظته على شكله تعرض بمعنى الكلمة للهدم من قبل فرليني الذي توجت
أعماله التدميرية بالكشف عن الكثير من التحف الفنية الذهبية والفضية والمعادن
الأخرى، جزء منها وصل لاحقا إلى ميونيخ وآخر إلى برلين".. وقد قام بنهب المدفن
الوحيد الباقي حتى تلك الفترة لملكة مروية، وكان قد قام قبل ذلك هو ورفيقه ستيفاني
بتدمير أربعة أهرامات أخرى. يقول كاتسنلسون "ولحسن حظ البحث العلمي لم يحاول أحد
بعدهما "التنقيب الاثاري"في السودان حتى نهاية القرن التاسع عشر". (ص5). وقد ذكرنا
من قبل خبر الجبانة المنهوبة في النيل الأزرق والتي غرق جزء كبير من منهوباتها في
سفينة متجهة لإنجلترا.. وكثير من تلك المنهوبات وجدت طريقها إلى أوروبا وأمريكا وهي
الآن في متاحف عالم الشمال.. كذلك، كان التنقيب في بدايته، كما هو الحال اليوم،
يقسم المواد المكتشفة في السودان بين المؤسسة المنقبة ومصلحة الآثار السودانية،
ولذلك توجد العديد من الآثار السودانية في كافة بقاع لدنيا إذا لاحظنا تعدد البعثات
المنقبة في السودان وجنسياتها.
كثير من الأواني والزينة والمنقوشات الأثرية السودانية موجودة الآن في متاحف عالمية
مثلا:
1- متحف بوسطن. كانت هنالك بعثة تنقيب من جامعة هارفارد اقتسمت مكتشفاتها مناصفة مع
مصلحة الآثار السودانية، وهي الآن بمتحف بوسطن حيث توجد العديد من المصنوعات التي
يرجع تاريخها للعصر المروى من المصادر في إطار الإمبراطورية الرومانية موجودة حالياً
في مخزن متحف بوسطن للفنون الجميلة أو في صالة العرض والتي يمكن مقارنتها مع المواد
التي تجرى دراستها كجزء من مشروع المصنوعات الرومانية في متحف السودان القومي.
2- متحف وارسو والذي يحتوي على العديد من لوحات كنيسة فرس.
3- المتحف الآثاري البولندي: ويحوي مجموعات آثارية سودانية راجعة لأعمال بعثات
تنقيبية بولندية تابعة لكل من: الكدرو (أدوات زينة وأواني)- النقعة (تماثيل ورسومات).
مشاكل العمل الاثاري في السودان
مناطق مهملة: إن الجنوب الكوشي، بما في ذلك "جزيرة مروى "يكاد يكون غير
مدروس من الناحية الآثارية، وأجريت الدراسات المنتظمة فقط في بعض الأماكن المتفرقة،
من بينها العاصمة. من هنا أهمية الأعمال التي أجريت في جبل مويَّة، وهو الأبعد من
بين المواقع فيما يبدو إلى الجنوب. إلا أن ما تم إخضاعه للحفر لا يتعدى 20 % من
مساحة الموقع. الإقامة هنا تم تأسيسها في حوالي القرن العاشر ق.م. وامتدت إلى
ستمائة عام تقريباً. يرجع تاريخ ازدهاره إلى القرن السابع ق.م.، وبداية انهياره إلى
منتصف القرن السادس ق.م. وكلما اتجهنا جنوبا وغربا قلت الأعمال الاستكشافية
الآثار السودانية المنهوبة أو المقتسمة في العالم وقد تمت الإشارة لها أعلاه.
المادة الاثارية الموجودة بلغات أجنبية غير متاحة للباحث السوداني العادي: مثلا
باللغة الفرنسية أو الألمانية. وهذه ضخمة جدا خاصة إذا لاحظنا حجم العمل الآثاري
بتلك اللغات.
المادة الآثارية المجموعة في حملة الإنقاذ للسد العالي والتي لم تنشر بعد
عدم الاهتمام الكافي على مستوى الدولة- الإعلام أو المواطن العادي بأهمية الآثار.
غالب العمل الاثاري يقوم بجهود يدفعها التمويل والبحث الخارجي.
التمويل.. ويمكن حله عبر المنظمات العالمية المهتمة.
Other articles in this category |
---|
السودان في لمحة واحدة |
الجغرافيا |
التاريخ |
الثقافة |
الاقتصاد |
السياسة |
العسكري |
العلاقات الخارجية |