المقالات و التقارير > نحن لسنا الجيش الليبي

نحن لسنا الجيش الليبي

 كنت قد أعددت مقالاً أتساءل عن ماهية هؤلاء النفر القابعون خلف حفتر ما إذا كانوا فعلاً هم الجيش الذي يطالب الجميع ببنائه، أم أن الأمر غير ذلك. ولكن خروج هذا العسكري المتقاعد في لقائه الصحفي يوم أمس الأول (الأحد) نسف ما كنت كتبته. كيف لا وقد قال بملء فيه: (نحن لسنا الجيش الليبي). وقال أيضاً: (نحن لا نتلقّى دعماً من الدولة ، فالدولة تدعم الجيش الليبي، ونحن لسنا الجيش الليبي الذي يتبع الدولة، إنما مجموعة من العسكريين جمّعنا أنفسنا وأنشأنا ما أسميناه الجيش الوطني). وهنا بات واضحاً تلاعب هذا الرجل بالمصطلحات عندما ينصب فارقاً بين الجيش الليبي والجيش الوطني. فهو يعتبر أن الجيش الليبي هو الجيش الرسمي للدولة التابع لرئاسة أركانها. بينما هو وجماعته عبارة عن مجموعة لا تتبع لأحد ولا تعترف بأحد ومع هذا بسميها بالجيش الوطني، فهلا عرف لنا حضرته تعريف كلمة (الجيش) لنعرف مدى تطابقها مع هذا التشكيل الذي يتزعمه. طبعاً هو يفعل هذا تلبيساً للمواطن الذي ما أن يسمع هذه التسمية حتى يقفز فرحاً أن ثمة جيشاً قد ظهر، وواقع الحال هي مليشيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

سيصر هذا الحفتر على اللعب بكل القواعد بغية تفويت لعبته القذرة على هذا الشعب الراغب في قيام مشروع الدولة، المتطلع للأمن، المنتفض ضد الظلم. ومن دلالات هذا اختياره لهذا المسمى إمعاناً في التضليل، وربما رغبة منه أيضاً في تجسيد ذلك الحلم المهترئ الذي راوده منذ أن نفض القذافي يديه منه ليجد نفسه محشوراً في زاوية لم يخترها بإرادته. والدليل على هذا لا يزال هذا العجوز يهب مدافعاً إذا ما ذكر أمامه انقلاب سبتمبر مصراً على أنها كانت ثورة شعب. ثم يأتي هذا الخرف ليعلمنا كيف نتفاعل مع ضيم كان هو أحد أركانه ليأخذ الآن دور المنقذ فيه. فكيف يمكننا أن نهضم هذا؟. هذا الرجل أحاط بنفسه بمجموعة رأت أنه يخدم ما تنشد إليه، واقتحم بهم مقار الدولة في الرجمة منتصف ابريل الماضي، ثم خرج بعدها بشهر معلناً عن عملية يحمي بها ما ساهم هو في انهياره.. ثم يريد منا تصديقاً لما يتفوه به.. فكيف يستقيم هذا؟. والآن، هو بنفسه يقول أنه ومن معه لا يتبعون الدولة ولا يتلقون منها دعماً، ثم يتوقع منا لما يقول إذعاناً.. فكيف يكون هذا؟. هذا العسكري المتقاعد يقول أنه لا يعترف لا بمؤتمر ولا بحكومة، ثم فجأة يثني على قضاء هذه الدولة التي لا يعترف بها (وكلنا نعرف سبب هذا). إذاً فالأمر هو ليس كما يقول، لأن القضاء لم يعينه الشعب الليبي الذي لا يعترف إلا به (كما يقول)، بل هو تلاقي الأهواء وتمازج الأمزجة. ثم أليس هو ذات القضاء الذي أصدر أمراً باعتقاله ورد عليه أنه لا يستطيع أحد أن يعتقله، فهلا فسر لنا بكم من المكاييل يكيل؟.

في مثل هذه الظروف، لن نجد قناة إعلامية واحدة يقوم بتغطية خاصة لتلقي الضوء عن دلالات كلمة حفتر هذه لندرك الفارق بينهم وبين أي مليشيا موجودة على أرض الوطن. لن نجد قناة واحدة تحاول أن ترسم هذا الخط الفاصل بين هؤلاء وبين آخرون يوصفون بالمليشيا رغم أن تحركاتهم مسجلة وموثقة بمراسلات بينهم وبين رئاسة الأركان. إن الاقتراب من هكذا خطوط لا شك أنه يعني نهاية متناولها سياسياً وإعلاميا وربما حياتياً أيضا، لأنها مناطق يراد لها أن تكون مشوشة أمام المواطن حتى يسهل السطو عليه فكرياً. إن البعض ممن وصف نفسه بأحد وزراء الثورة، لن يتمكن من الاقتراب من مثل هذه الدوائر إلا بقدر ما يسمح له. أمثال هؤلاء مختصون فقط بوضع أشرطة سوداء على شاشاتهم عندما يغتال رجال كبوزيد أو المسماري. فاستثمار اغتيال رجال بحجم هؤلاء سيمكن بعض المتنفعين من لبس ثوب الوطنية باقتدار في ظل هذه الفوضى الإعلامية. ولكن عندما تطال يد الغدر شخوص أخر كالشيخ محمد عاشور (الذي قتل في بيته)، أو الشيخ محمد القداري، فإن سماع ولو كلمة نعي بحقهم، سيكون ضرباً من الخيال، وكأنهم ليسوا ليبيون. فالنكهة الإعلامية ليست في نقل خبر الوفاة بحد ذاته، بقدر ما تكون في خلق دوائر شبهة حول فاعل مفترض يطلبه الشارع ويتفق مع خط سير القناة. ففى الحالتين الأوليين، من السهل صب جام الغضب على عناصر إرهابية ظلامية لا تريد للدولة استقراراً في ظل محاربتها للأصوات الصادحة بالقول الفصل. وبالتالي لا يعدو الأمر كونه استغلالاً للحدث لزيادة رصيد القناة. بيد أن هذا الأمر لا ينطبق على الحالتين الأخريين وبالتالي ضياع الرونق الإعلامي، لأن المتهم المفترض يتعارض مع الرؤية التي تروج لها القناة. إذا فالموضوع لن يتعدى كونه خبراً في سطر إن وجد الوقت لذكره، وأي تغطية ستكون مجرد مضيعة للوقت، أما هذه الروح الآدمية التي زهقت، فخسارتها عند أهلها فقط.

وبالعودة لأصل الموضوع، فكل الدلائل على أرض الواقع تشير أن حفتر لا يملك السيطرة حتى على أتباعه. فكثير منهم يتحركون خارج التعليمات الصادرة لهم دون حسيب أو رقيب. فما يحدث في بعض نقاط التفتيش أمور لا يرضى بها شرع ولا فرع، وهو القادم لمحاربة الإرهاب كما يزعم. اتهامات على الهوية، وإهانات بالجملة فقط لأنك صاحب لحية وبغض النظر عن السن. ولا أريد الخوض في المزيد، فلولا الخوف على حياة هؤلاء لذكرنا أسماءهم وحوادثهم مؤرخة، ولذا فما نقوله إن هكذا تصرفات لا تخرج إلا من مليشيا أو عصابة لا تحترف سوى الفوضى والفساد. والله المستعان

ليبيا المستقبل


Navigate through the articles
Previous article الغاء وزارة الاعلام في مصر: «سيرك الفضائيات» الى متى؟ كتاب يكشف تفاصيل خاصة حول العملية الفرنسية بمالي Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع