المقالات و التقارير > يوم حزين لحرية الرأي… وللوطن

يوم حزين لحرية الرأي… وللوطن

يخطئ الذين يعتقدون أن حريات الرأي والتعبير والإعلام أمر يخص الصحافيين أو الإعلاميين أو الصحف أو القنوات الفضائية فقط، إذ أن الدفاع عن هذه الحريات يمثل دفاعا عن حرية كل مواطن وحقه في معرفة الحقيقة، وبالتالي دفاعا عن حرية الوطن نفسه.
وهكذا فإن الأحكام بالسجن المشدد الصادرة بحق صحافيي قناة الجزيرة في مصر، والتي تأتي في إطار إجراءات أوسع لقمع الرأي الآخر، لا يمثل مجرد انتكاسة حقوقية، بل انه يوم حزين لحرية الصحافة التي قدم المصريون تضحيات تاريخية كبيرة للفوز بها، والحفاظ عليها حتى تحت أحلك الظروف، ومن ثم فإنه يوم حزين للوطن باكمله.
بل ان منظمة العفو الدولية لم تبالغ عندما قالت في بيانها امس إن «الحكم كارثي بالنسبة لهؤلاء الرجال وأسرهم ويوم أسود لحرية الصحافة في مصر». أما بالنسبة لأوضاع حقوق الإنسان بشكل عام فاعتبرت المنظمة أن ما يحدث هو «قمع غير مسبوق».
وإذا كان ما حدث بالأمس كارثة لحرية الصحافة في مصر فهو بالضرورة كارثة لحريات الرأي والتعبير في العالم العربي كله، كما أثبتت الأحداث في الماضي.
ويستطيع المراقب أن يجد العديد من الأدلة على أن هذه الاحكام ليست «حادثة منفردة» بل جزء من حملة واسعة أدت إلى وقف برامج ومنع كتاب ومقالات، وحتى مسلسلات كما حدث أمس الأول مع مسلسل «أهل اسكندرية» بدعوى انه يوجه انتقادات للشرطة وممارساتها، رغم ان أحداثه تدور قبل الثورة في عهد حسني مبارك.
أما المفارقة فهي انه حتى في عهد مبارك نفسه كان النظام يسمح ببعض الاعمال الفنية التي تنتقد الشرطة والتعذيب.
ويمثل هذا اليوم الحزين تحديا تاريخيا لمنظمات المجتمع المدني بشكل خاص، وخاصة الذين طالما طمأنوا المصريين بأنهم لن يسمحوا بعودة الزمن إلى الوراء بخصوص حرية الرأي إذا تولى رئيس عسكري السلطة.
ويتعلق الأمر هنا بالمبدأ الذي ينبغي ان يسمو فوق أي إعتبارات سياسية أو شعبوية، العامة، اذ من الصعب على أي صحافي شريف مهما كان موقفه ان يقبل سجن زملاء له بسبب «اتهامات بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون لتعطيل أحكام العمل بالدستور والقانون، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، واستهداف المنشآت العامة، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر» كما ورد في قرار إحالة النيابة، بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها.
ومن المؤكد ان العديد من الحقوقيين والصحافيين المصريين سيقفون ضد هذه الأحكام، ليس فقط دفاعا عن المبدأ، ولكن دفاعا عن أنفسهم ايضا، إذ ان النظام الذي يسجن صحافيي الجزيرة اليوم، لن يتردد في سجنهم أنفسهم غدا.
وحتى إذا قبلنا جدلا ما يردده النظام عن «استقلال القضاء»، (بالرغم من ان القوانين المصرية ألغت عقوبة الحبس في قضايا النشر بعد نضال مهني طويل)، فان النظام الذي يفترض انه يستند إلى قاعدة شعبية، ينبغي ان يفي بوعوده الخاصة بالحفاظ على حرية الرأي. ويستطيع الرئيس عبد الفتاح السيسي ان يستخدم حقه الدستوري في إلغاء العقوبة بحق كافة الصحافيين، احتراما لما تعهد به شخصيا أمام المصريين بهذا الشأن.
بل ان المطلوب أكبر من هذا بكثير، خاصة مع التقارير الإخبارية وآخرها ما نشرته صحيفة «الغارديان» امس من تعرض اربعمئة معتقل للتعذيب في أحد السجون العسكرية، وهم يقعون رسميا تحت بند «المختفين» إذ ان أحدا لا يعلم عنهم شيئا.
إن هذه الممارسات والانتهاكات المفترضة التي لايمكن لا اخفاؤها ولا التغاضي عنها في عالم اليوم، تلحق اضرارا جسيمة بسمعة مصر والنظام الحاكم قد يصعب تداركها في المستقبل. وبالتالي لا خيار أمام العهد الجديد، إن كان يريد أن يتعلم دروس الماضي، إلا ان يتعامل بشفافية وعدالة مع كل هذه الملفات الخطيرة.
أما وضع الرؤوس في الرمال، فانه لايمكن إلا ان يزيد الاحتقان، وهو طريق وعر جربته مصر في الماضي، ومن المفترض ان نتائجه مازالت ماثلة أمام الأعين في المحاكم.
ومن ينظر للتاريخ يدرك أن كل نظام عمد إلى قمع حق المصريين في الكلام والكتابة والإبداع وحتى السخرية كان يكتب بيديه بداية النهاية، فهل من متعظ؟

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article “سيسي ميتر”.. آلية لتقييم أداء الرئيس أم استنساخ لفكر قديم؟ هل يفتح "السيسي" الباب لتسوية سياسية مع "الإخوان"؟ Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع