المقالات و التقارير > صياغة جديدة للعلاقات العربية – الأفريقية

صياغة جديدة للعلاقات العربية – الأفريقية

الغالبية العظمى من المراقبين للشأن العربي – الافريقي على دراية بان العلاقة بين كلا الطرفين لا تجتاز الان أفضل مراحلها، بل انها في منعطف انحداري حاد، فبعد سمة صلابة الماضي، تظللها حاليا ضبابية وغموض الحاضر. من السهل معرفة الاسباب التى أدت بهذه العلاقة نحو هذا المنعطف. فنظرة للمسار التاريخي توحي بان التغيير من اتجاه لآخر له صلة مباشرة بالتحولات الداخلية لدى كل منهما. هذه التغيرات اضحت جلية في حال الدول التي تحتل المساحة الجغرافية الموجودة خلف الخط المستقيم الذي يبدأ باريتريا وينتهي بالسنغال، ويضم اثيوبيا، اوغندا، رواندا، كينيا، افريقيا الوسطى، نيجيريا، الكونغو، الكاميرون، انغولا، ليبيريا، تنزانيا، موزمبيق، زمبابوي، ناميبيا وجنوب افريقيا التي تحتل فيها موقع الصدارة.
قبل حدوث الانعطاف، كانت العلاقة العربية – الافريقية تمتاز بدرجة عالية من الترابط البعيد عن التجاذب والتنازع، المبني اصلا على التكاتف والتقارب الجغرافي، السياسي، الثقافي، الاجتماعي والديني، وكذلك على كون كلاهما عانى بشدة من مرارة الاستعمار. هذا الترابط وما رافقه من خصوصية دفع العرب الى الوقوف دائما بجانب مطالب الافارقة بالاستقلال ومناهضة التمييز. وكرد فعل على ذلك، ساندت الدول الافريقية كافة القضايا العربية، بدءا من القضية الفلسطينية. وقد برز هذا الموقف حازما من خلال قطع كثير من الدول الافريقية علاقاتها باسرائيل ابان حرب 1973. تضامنا مع العرب عامة وتقديرا لموقف مصر خاصة، التي لعبت دورا محوريا في الدفاع عن حقوق الشعوب الافريقية وفي تطوير بنيتها الوطنية.
ان الفترة الممتدة ما بين 1950- 1980 تعتبر من افضل المراحل في العلاقات العربية ـ الافريقية، خلالها دعم كل طرف الطرف الآخر بشكل ثنائي، جماعي وضمن اطار المؤسسات الدولية. هذا الدعم كان ومازال وسيبقى في غاية الضرورة والاهمية، وقد جسد بقوة من خلال تأسيس منظمات مشتركة، مثل منظمة الوحدة الافريقية، التي تتعاون من خلالها كل الاطراف، دفاعا عن المصالح العامة.
وبهدف المصلحة العامة شكل العرب والافارقة كتلة صلبة ضمن منظمة دول عدم الانحياز وهيئة الامم المتحدة، ما ادى الى منع الدول الكبرى من فرض نظرتها الاحادية على المجتمع الدولي، اضافة الى تشكيل مؤسسات حوار وتعاون مثل مؤتمرات القمة العربية الافريقية، اللجنة الدائمة للتعاون العربي الافريقي، المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا، الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الافريقية…
وقد تبلور التعاون العربي – الافريقي عمليا في تبادل الزيارات وتدفق الشباب الافارقة على عواصم مثل الخرطوم، القاهرة، بغداد، دمشق، الرباط، والجزائر، بهدف الاستفادة من اساليب ادارة الدولة والالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا. ما ادى بدوره الى تشييد جسر متين وثابت بين الجانبين. جسر تخطى قسوة الصحارى وسار بالتوازي مع تدفق مياه نهر النيل من قلب القارة وصولا للعمق العربي الممثل بالسودان ومصر. من خلال هذا الجسر تنقلت كذلك الافكار وامتزج بشكل متزايد اللون الابيض باللون الاسود. هذا الحدث ليس غريبا اذا وضع بالاعتبار ان الجنس الافريقي هو الاقرب للعربي، وان نسبة عالية من شعوب كلا الطرفين تنتمي لنفس القارة. مثل هذا الواقع يدحض كل ما اذيع ظلما وبهتانا عن استعباد العرب للافارقة. وان كان قد وقع يوما ما مثل هذا السلوك، المرفوض حتما وعموما، فهو لا يمثل شيئا مقارنة بالحرص العربي التام على حماية شعوب وخيرات افريقية من النوايا الاستعمارية. الانحدار الحقيقي في العلاقات العربية الافريقية حدث نتيجة التغييرات التي اجتاحت هذه الدول، بالنسبة للعرب التغيير كان ناتجا عن تفاقم المشاكل الداخلية، التي انستهم القارة الافريقية. اما الافارقة، فالتغيير كان مرتبطا باهتمام هؤلاء في تجاوز الفقر والتأخر الذي كان يعم البلاد. وامام الازمات المتوالية لم يكن عند العرب الوقت والقدرة الكافية لتقديم كافة انواع العون لجيرانهم الافارقة للخروج من الوضع المزري، من جانب اخر، لم يكن الافارقة قادرين على المساهمة فعليا في حل المشاكل العربية التي تزداد يوما بعد آخر. في الواقع، حل المشاكل لدى الجانبين لم يكن ممكنا الا من خلال التوجه اجباريا الى الدول التي تتمتع بالاستقرار وبالقدرات السياسية، العسكرية والاقتصادية الهائلة. ودول مثل الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، الهند، البرازيل، بلجيكا واسرائيل، كانت تنتظر الفرصة التي تسنح لهم باستغلال اكثر للوضع المتأزم وملء الفراغ الناتج عن عدم مقدرة العرب والافارقة على تلبية احتياجاتهما المتبادلة.
وفيما يتعلق بسلوك اسرائيل في افريقية تحديدا، فهذا لا يمكن ان يفهم خارج نطاق النزاع القائم مع العرب. بمعنى ان كافة المساعدات الاسرائيلية المقدمة لدولها لم ولن تكون يوما مجانية، بل ان الغرض منها سياسي – اقتصادي. وتهدف، في احد ابعادها، الى الحد من الدعم الافريقي للعرب وتطويق حركة وعمل هؤلاء قدر الامكان. مثل ذلك يفرض على الجميع، عربا وافارقة، العمل بحزم لحماية المصالح الخاصة والمشتركة. الكل يعلم بان من يحاول حاليا اختراق القارة السوداء، ذات الثروات الهائلة والشعوب الجائعة، يفعل ذلك احتكارا وجشعا، وبالنسبة للجانب العربي، دخول اسرائيل بالتحديد على الخط الافريقي يفرض، فقط لوحده وفي حد ذاته، تنشيط مجمل جوانب العلاقات العربية – الافريقية أكان ذلك بشكل ثنائي او جماعي او ضمن اطر المنظمات البينية. ولمواجهة الحجم الهائل من التحديات، يفترض وجود استراتيجية عربية متكاملة قائمة اساسا على تقديم القروض الميسرة والاستثمارات الهادفة لتطوير المجتمعات الافريقية الاكثر احتياجا، خاصة تلك التي ترتبط بعلاقات مميزة مع العرب. بمعنى ان تكون هذه الاستثمارات موجهة نحو اعادة تقوية اواصر التواصل الثقافي والاجتماعي والديني، الذي بعض روافده مازالت قائمة. كذلك المساهمة والعمل، ضمن اطار هذه الاستراتيجية، على توضيح اسباب وكيفية مكافحة الصراعات والعنف الديني الذي يجتاح دولا مثل الصومال، نيجيريا، مالي، النيجر وافريقيا الوسطى. والتأكيد دائما على ان ضحايا ذلك هم الافارقة والعرب معا. وابراز امكانية ان يكون المحرك لهذا العنف طرفا ثالثا لا يريد التعايش السلمي بين مختلف المكونات الافريقية، خاصة الاسلامية – المسيحية، كما لم يرد يوما لهم التحرر والمساواة. تشجيع الصراعات والعنف يفرض حتما التدخل المباشر لهذا او ذاك الطرف، ما يعـــني منع اي تقارب عربي – افريقي مماثل للذي نسج سابقا، وكان محوره الرئيسي حماية المصالح المتبادلة.
دول مثل مصر، السودان، الجزائر، المغرب، ليبيا، اليمن وعُمان يجب ان تشكل نواة اي استراتيجية عربية هادفة لحماية المصالح القومية بالقارة الافريقية. وعلى دول الخليج ان تكون الممول الرئيسي لمثل هذه الاستراتيجية، مثلما فعلت المانيا في دول اوروبا الشرقية، حماية للمجال الحيوي الوطني اولا والغربي ثانيا. المعروف حاليا ان الاستثمارات العربية في افريقية مازالت شحيحة، لذلك ليس لها تأثير على مسار العلاقات القائمة. مثل ذلك يدفع الآخرين، بما في ذلك اسرائيل، الى التحرك من اجل استغلال الوضع القائم وجني اكبر نصيب من الفوائد السياسية – الاقتصادية. الكثير مما تفعله الدول الراغبة في تبوء موضع قدم في افريقية، التي بعضها ساند نظام التفرقة العنصرية، ومنها اسرائيل، يتم على حساب مصالح كل الدول العربية وليس على حساب بعض منها كما يُعتقد. ونقصد هنا بالتحديد السودان ومصر، لذلك يجب ان تكون ردة الفعل شمولية ودائمة.
هنالك مجالات مهمة يجب ان تتوجه نحوها القروض والاستثمارات العربية. مجالات مثل التعليم، البنية التحتية، خدمات الصرف الصحي، الخدمات الطبية، الاعلام والزراعة في حاجة للاموال الخارجية، وهي مجالات ستعود بفوائد على العرب والافارقة تفوق بكثير من تلك التي تجنى من الاستثمارات في اوروبا. الجميع على دراية بان المقدرات العربية ضعيفة جدا في المجالات المذكورة، بحكم عدم تطويرهم للصناعة المحلية، لكن في هذه الحالة بالتحديد، بامكان وفرة المال والخبراء ملء الفراغ والمساهمة في ايصال ما ينقص افريقية من احتياجات.
القارة الافريقية كانت وستبقى الامتداد الجغرافي الطبيعي والحيوي للعالم العربي، خاصة ان خيراتها من الماء والاراضي الخصبة مكملة للخيرات العربية من الطاقة والمال، لذلك وبحكم الضرورة، فالعرب قبل الافارقة في حاجة ماسة الى تقوية ما هو قائم وصياغة أطر جديدة من التعاون المتكامل والقائم على حماية المصالح والخيرات المشتركة. وعلى العرب بالتحديد اخذ زمام المبادرة في كل ما يتعلق بذلك، ان لم يفعلوا شيئا في هذا المضمار فسيأتي من يقوم بذلك بدلا عنهم وبدلا منهم. احيانا ان تصل متأخرا افضل من ان لا تصل بتاتا.

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article الاتحاد الدولي للصحافيين يدين اضطهاد الحكومة المغربية للصحافيات حزب «النور» يهاجم العلمانيين وينفي إتهاماتهم له بخداع الشعب Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع