المقالات و التقارير > أسبوع حافل في تونس وبوادر أزمة قريبة

أسبوع حافل في تونس وبوادر أزمة قريبة

لم تخرج تونس بعد من هول صدمة الهجوم الإرهابي الذي أوقع 15 شهيدا في صفوف الجيش الوطني الأسبوع الفائت.. ورغم ذلك يقبل التونسيون على التسجيل استعدادا للاستحقاق الإنتخابي المقبل وفي أذهانهم مخاطر هذه العمليات الارهابية التي قضت المضاجع.
كما ألقى العدوان الصهيوني على غزة بظلاله على الخضراء وشغل إهتمام التونسيين . فقد سارعت الجمعيات والمنظمات الوطنية وكذا الأحزاب السياسية كعادتها إلى الخروج في مظاهرات دعما لأهالي غزة منددين بالإجرام الصهيوني. أما رسميا فقد قامت الحكومة بإرسال مساعدات للغزاويين ضمن قافلة عسكرية على متنها ثلاثة أطباء وتشمل هذه المساعدات إحدى عشر طنا من الأدوية والمواد الصيدلية وخمسة أطنان من المواد الغذائية.

تمديد تسجيل الناخبين

وتؤكد مصادر الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات أن وتيرة التسجيل تسارعت بعيد العملية الإرهابية الأخيرة في جبل الشعانبي ويعود سبب ذلك بحسب البعض، إلى إدراك التونسيين لأهمية المشاركة في رسم مستقبل بلادهم في هذه الفترة المصيرية. وفي هذا الإطار أتفقت الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار الوطني هذا الأسبوع على أهمية تمديد آجال التسجيل لضمان مشاركة أكبر عدد من الناخبين.
وتتسابق الأحزاب التونسية الى تحسيس المواطنين بأهمية ممارسة الحق الانتخابي من خلال ندوات وفعاليات ثقافية وفكرية، فقد قامت المكاتب الجهوية والمحلية لحركة نداء تونس على سبيل المثال، بحملات في المقاهي والفضاءات التجارية والشوارع لحث المواطنين على التسجيل للحصول على صفة الناخب. كما وقعت الأحزاب التونسية الأسبوع الماضي على ميثاق شرف من أجل انتخابات ديمقراطية ونزيهة هو حصيلة حوار وطني صعب أمتد لأشهر بين مختلف المكونات السياسية. ويشدد الميثاق على رفض كل أشكال العنف والعمل على إرساء علاقات سياسية سلمية خلال المسار الانتخابي لمواجهة الأحداث الخطرة المحدقة بالبلاد.

زيارة جمعة للجزائر

وتزامن الجدل الدائر حول ضرورة تمديد آجال تسجيل الناخبين، مع زيارة قصيرة ومفاجئة قام بها رئيس الحكومة المهدي جمعة الى الجزائر. زيارة أسالت الكثير من الحبر خاصة أنه لم يقع التحضير لها مسبقا. وقد تركزت محادثات جمعة ونظيره الجزائري عبد المالك سلال خلالها على الوضع الأمني في المنطقة، وكان القصد منها زيادة التنسيق العسكري بين الجانبين. يشار إلى أن الحدود بين البلدين شهدت عمليات تمشيط مشتركة شارك فيها قرابة 14.000 عسكري من الجهتين. ومن الواضح أن مسؤولي البلدين باتوا يدركون أن أمن هذا الطرف هو من أمن الطرف المقابل وأن الحرب على الإرهاب ستطول وتصعب مجابهتها بصورة منفردة. والمعلوم ان الجزائر شهدت سنوات عجاف مع هذه الجماعات واقتحمت هذه الحرب بصورة مبكرة ما أكسب قواتها المسلحة خبرة يفتقدها الجانب التونسي حديث العهد بهذه الآفة.
وأعتبر بعض المحللين هذه الزيارة هي جزء من حزمة من الإجراءات أتخذتها الحكومة التونسية لمكافحة الجماعات المتشددة. ومن بين الإجراءات الأخرى التي شرعت الحكومة في تطبيقها، غلق بعض المساجد والروضات القرآنية وتجميد عمل الجمعيات ذات التمويل المشبوه، وأيضا ملاحقة المشتبه بتورطهم في الارهاب. وفي هذا الصدد صرح المستشار الإعلامي لدى رئـــاســة الحكومة مفدي المسدي لـ«الـــقدس العربي» أن الحكومة اعتقلت حـــوالي 80 مشـــتبها بتورطهم في الإرهاب.
ولم يمر قرار غلق المساجد دون أن يثير جدلا واسعا لدى الطبقة السياسية بين مؤيد ومعارض. اذ أعتبره البعض استهدافا للحريات، في حين رأى آخرون أنه حل ناجع لتجفيف منابع الإرهاب، خاصة أن هناك حوالي 40 مسجدا خارج سيطرة الدولة وباتت مقصدا للمتشددين أصحاب الخطابات المعادية للنظام ولمؤسسات الدولة.
ويتزامن هذا الجدل المتعلق بالإرهاب مع الذكرى الأولى لاستشهاد محمد البراهمي الأمين العام لحركة الشعب بالرصاص أمام منزله قبل عام، ما تسبب يومها في إحتجاجات شعبية طالبت حكومة الترويكا التي يقودها علي العريض بالإستقالة، وطالب البعض يومها حتى بحل المجلس الوطني التأسيسي.

قانون المالية

ويبقى قانون المالية التكميلي المثير للجدل أهم ما يؤرق مضاجع التونسيين، حيث بمقتضى هذا القانون تم فرض إتاوات إضافية ستثقل كاهل المواطن بالدرجة الأولى. فغير المقيمين من التونسيين سيضطرون لدفع مبلغ في شكل طابع جبائي إذا رغبوا في مغادرة التراب التونسي شأنهم شأن المقيمين. كما أن العرب والأجانب تم استهدافهم بهذا القانون الذي فرض عليهم رسوما ضريبية تدفع لخزينة الدولة، وهو ما دفع ببعض الجزائريين إلى الإحتجاج على هذه الإجراءات لدى مصالح بلادهم المختصة، فهم إلى جانب الليبيين أكثر من يزور تونس ويقيم بها بحكم القرب الجغرافي والعلاقات الاقتصادية والإجتماعية الوطيدة بينهم وبين التونسيين.
كما سيتم بمقتضى هذا القانون اقتطاع أيام عمل للأجراء والموظفين في وقت ينتفع فيه رئيس البلاد براتبه كاملا شأنه شأن الوزراء وكبار مسؤولي الدولة والنواب الذين يطالبون بمنحة عن نهاية عملهم في المجلس الوطني التأسيسي. كما سيتم رفع الضريبة المقررة على الإتصالات وسيطال الأمر المتقاضين أمام المحاكم التونسية الذين سيدفعون مبالغ إضافية لخزينة الدولة. وإذا أضفنا إلى هذا كله الزيادات المنتظرة في سعر البنزين ورفع الدعم عن بعض المواد الغذائية الأساسية فإن أزمة إجتماعية قد تشهدها تونس خلال الأيام أو الأشهر المقبلة وتؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
فالتاريخ يثبت أن ثورات تونس عبر تاريخها كانت إجتماعية بالأساس على غرار ثورة 1864 التي قامت بها قبائل الجهات الداخلية على ملك البلاد محمد الصادق باي بفعل التضييق عليها بالضرائب والإتاوات بعد أن عجز عن إيجاد الحلول لأزمته التي تسببت فيها سياسة الإستدانة من الخارج ونهب الحاشية، وأدت هذه الثورة إلى تعليق العمل بدستور 1861 ثاني دساتير تونس بعد دستور قرطاج. فما أشبه الأمس باليوم.

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article قصة السيسي وإغلاق رفح كيري يعود للقاهرة اثر زيارته تل ابيب، ماذا يريد؟ Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع