المقالات و التقارير > قصة السيسي وإغلاق رفح

قصة السيسي وإغلاق رفح

الإشكال واضح في معادلة الحكم المصري الجديد وكشف عنه بسرعة العدوان الإسرائيلي الغاشم بعدما أظهر مسار الأحداث أن الزعيم الجنرال عبد الفتاح السيسي ورغم الدعم «الخليجي» الكبير له يواجه مشكلتين أساسيتين.
الأولى إسمها «الإعلام الموروث» من عهد «الفلول» والثانية عدم وجود «فريق إستشاري» لديه يساعد في مغادرته للذهنية العسكرية لصالح الرئاسية والمدنية مما يكبل مجددا دوائر القرار المصري في عقدة تراثية تطلبت الكثير في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
خطاب السيسي الأخير الذي تحدث فيه عن»إقتتال» بين إسرائيل وحركة حماس أظهر لمراقبين كثر أن المشاهد المؤلمة التي ظهرت في بعض الفضائيات المصرية وهي تمتدح العدوان وتهاجم الشعب الفلسطيني خلافا للتاريخ المصري برمته تتغذى على فلسفة إدارة في الحلقات الضيقة.
في إطار السيكولوجيا الدبلوماسية حاول مسؤول بارز في الخارجية الأردنية في إحدى الجلسات والمناقشات تفسير أسباب وأسرار «الموقف» المصري الرسمي من الحرب ضد غزة على أساس صعوبة «تجاوز» الحاجز النفسي المتشكل في مؤسسة مصر العسكرية بسبب العلاقة القديمة بين حركة حماس والرئيس السجين محمد مرسي.
هذا الحاجز يقف فيما يبدو وراء»الكتلة المبهمة» والمخالفة لكل تقاليد الخطاب القومي وحتى الوطني المصري في عبارات ومفردات السيسي كما يقف وراء الحجة الأساسية التي يستعملها الجيش الثاني في مصر وهو يصر على إبقاء معبر رفح مغلقا رغم كل شيء وهي «العمق الأمني الإستراتيجي وإحتمالات الإنفلات في سيناء التي بالكاد تمت السيطرة عليها مؤخرا».
الذريعة المشار إليها قيلت وتقال لكل من يسأل القاهرة عن خلفيات العناد العجيب في مسألة معبر رفح على أساس أن مصر وفي هذه الحالة ليست تلك التي نعرفها كما يلاحظ عضو البرلمان الأردني محمد حجوج أحد المؤيدين العلنيين في عمان لمشروع السيسي والذي يقف كغيره من محبي مصر السيسي في الأردن حائرين أمام التعنت المصري في مسألة «رفح».
نظرية المؤسسة الأمنية والعسكرية المصرية بخصوص إقفال معبر رفح بكل الأحوال وإحتمال كلفة «السمعة السيئة» الناتجة عن ذلك تتغذى وتصمد في الواقع على قرار حلفاء السيسي العرب بعدم الضغط عند هذا المفصل على أساس وقوع النظام الرسمي العربي عمليا بين مطرقتين.
المطرقة الأولى وفقا للباحث الإستراتيجي وليد أسعد تتمثل في سعي دول مثل السعودية والإمارات وبدرجة أخف الأردن لعدم ترك فرصة من أي نوع لتوظيف و»تكييش» ما يحصل في غزة لصالح حركة الإخوان المسلمين وإنتعاشاتهم المحتملة خصوصا في الشارع العربي وبعد «النجاحات التي تحققها ميدانيا المقاومة وتخطف الأبصار».
المطرقة الثانية تقلق العواصم العربية نفسها ومعها القاهرة لكن خلف ستارة من الضغط الإحتقاني الشديد الذي تسببه مسارات الأحداث لدى الجماهير العربية خصوصا وأن وسائط التواصل الإجتماعي في الخريطة العربية تعكس مزاجا حادا جدا وفي بعض الأحيان»شتاما» ضد الزعماء العرب بعد تقاعسهم في التحرك ضد»العدوان».
في قياسات سياسي وبرلماني أردني مخضرم من وزن رئيس مجلس النواب المهندس عاطف طراونة لا مبرر إطلاقا لأن يعلق الموقف الرسمي العربي في زاوية المخاوف من التيارات الإسلامية، فهذه التيارات موجودة وستبقى كذلك ولا يمكن إستئصالها ولابد من التحاور معها والعدوان بشع وإجرامي وهمجي وينبغي أن «لا يؤجل ردود الفعل» برسم المصالح والإتجاهات السياسية.
مضمون هذا الكلام يسلط الضوء على ما هو جوهري في تفسير مسوغات «ضعف» الموقف الرسمي العربي والمصري تحديدا على أساس إعتبارات تقلق مرة من «عودة الإخوان المسلمين» لقلب الشارع بسبب أداء حركة حماس القتالي والنضالي وطبيعة ووحشية العدوان نفسه وتثير القلق مرة أخرى من السيناريوهات التي تثير الإنزعاج من إحتمالات تفكيك الحصار «الخليجي» الثلاثي على دولة قطر عبر عودتها لطاولة الفعل.
الزعيم السياسي لحماس خالد مشعل ألقى إشارة كبيرة على هذه الحساسيات عندما أبلغ الجميع بان جون كيري هو الذي طلب من قطر وتركيا التدخل لدى الحركة والإستماع لشروطها وحسم «نزاهة « التدخل التركي- القطري عمليا عندما قال علنا أن الحركة مستعدة للتعامل مع أي طرف يستطيع إحترام «شروط المقاومة».
مشعل الذي زار الكويت قبل وقوف الأمير تميم على محطة السعودية للتشاور وإظهار «حسن النوايا « والتنسيق من أجل مساعدة قطاع غزة يعمل حاليا بالتنسيق مع حركة الجهاد الإسلامي على قطف «ثمرة دبلوماسية» جديدة تتمثل في أن تجلس حماس على الطاولة وتستمع لها السلطات المصرية.
مبكرا وعلى مستوى المكتب السياسي لحماس تقرر تنفيذ سلسلة من المبادرات الإيجابية الخلاقة ترتقي إلى مستوى أداء الكتائب المسلحة في الميدان ضد إسرائيل.
من هنا حصريا وافقت حماس على أن يمثلها في الإتصالات مع المخابرات المصرية الدكتور رمضان شلح وتمسكت بـ»المصالحة» ومنحت الرئيس محمود عباس سلما حتى «ينزل عن الشجرة» عبر إمتداحه وإعلان مشعل الإستعداد للعمل معه وتركت الدكتور موسى أبو مرزوق «يتحسس» كل المواقع المحتملة ويستقبل ويوصل الرسائل في القاهرة قبل ان يتدخل سامي أبو زهري ليحسم بإسم المقاومة الجدل حول قصة «وفد الصليب الأحمر الإماراتي» فينفي كل ما تردد ويمتدح بصورة مفصلة ومكررة دور الإمارات في مساعدة أهالي القطاع.
فلسطينيا عادت للأضواء منظمة التحرير الفلسطينية وبرز أن مركزية حركة فتح تقادمت وتباطأت وتأجل المؤتمر الحركي السابع لفتح وظهرت لأول مرة منذ سنوات طويلة «رايات حركة حماس» في ميدان التظاهر وشكلت «شبيبة» فتح لجان تنسيق مع شخصيات حمساوية في الضفة الغربية واعلنت كتائب الأقصى في غزة انها «أسقطت غصن الزيتون « وعادت للبندقية.
مؤشرات «المرونة القطرية» ساعدت في إظهار حسن نوايا الدوحة ورغبتها في عدم «إختطاف المايكروفون» عند التعاطي مع العدوان وتركه ولو قليلا للشقيق السعودي الصامت ودليل نجاحات الدبلوماسية القطرية التي إخترقت في السعودية وتواصلت عن بعد مع إيران والكويت وحتى الإمارات أبرزته الحملة الشرسة ضد قطر والجزيرة من أفيغدور ليبرمان ولاحقا شيمون بيريس وكل تفاصيل المؤسسة الإسرائيلية التي «ناكفتها» بقوة الماكينة القطرية.
في المحصلة كل هذه المناورات والمناولات والمبادرات الدبلوماسية والإختراقات هنا وهناك أنتجها دم الأطفال والنساء والضحايا في القطاع المحاصر …بمعنى أو آخر ومن باب التحليل السياسي يمكن القول بأن «إيقاعات غزة» قد تعيد إنتاج بعض الأوراق والوقائع وقد تخلط أخرى.

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article إخلاء جماعي للبعثات الدبلوماسية والأجانب من ليبيا أسبوع حافل في تونس وبوادر أزمة قريبة Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع