المقالات و التقارير > تونس.. والأزمة الليبية

تونس.. والأزمة الليبية

يتواصل الإقتتال ضاريا في ليبيا، ويتواصل تدهور الأوضاع الأمنية، وتتواصل موجة فرار الليبيين والأجانب المقيمين في ليبيا إلى تونس. وتتضارب الأنباء بشأن أعداد النازحين، ولم تصدر بعد أرقام رسمية بهذا الشأن، فبعض التقارير تتحدث عن وصول ما يفوق على 20 الف ليبي، عبر منفذ رأس جدير يضافون الى أكثر من مليوني ليبي موجودين حاليا في تونس.
وكانت السلطات التونسية قد أعربت عن تخوفها من عدم قدرة تونس على تحمل أعداد إضافية من اللاجئين، وقد صرح وزير الخارجية التونسي المنجي الحامدي بان الوضع الاقتصادي غير مناسب لإستقبال المزيد من الفارين من المواجهات المسلحة في ليبيا.

بنية تحتية

لقد ورثت تونس من «حقبة الإستبداد» كما يسميها ثوار اليوم، تسعة مطارات دولية مدنية خمسة منها أنجزت زمن حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، (وهي مطارات تونس – قرطاج والحبيب بورقيبة – المنستير وصفاقس – طينة وتوزر – نفطة وجربة – جرجيس) وأربعة في عهد الرئيس المطاح به زين العابدين بن علي (وهي مطارات النفيضة – الحمامات وطبرقة بالشمال الغربي وقفصة بالجنوب الغربي وقابس بالجنوب الشرقي) . وقد سمح توفر هذه البنية التحتية بسرعة إجلاء الوافدين من غير الليبيين إلى بلدانهم وعدم الإضطرار إلى نقلهم مسافات طويلة.
فخلال موجة النزوح السابقة الناتجة عن معارك القذافي وثواره تم إجلاء النازحين الذين أمكن الإتفاق مع بلدانهم لاستقبالهم وتجنيبهم الإقامة في المخيمات، من مطار جزيرة جربة، وبما ان هذا المطار يشهد اليوم حركة سياحية باعتبارنا في ذروة الموسم السياحي، فقد تم اللجوء إلى مطار قابس في الجنوب الشرقي غير بعيد عن معبر رأس الجدير الحدودي لتخفيف العبء عن مطار جربة، وهو ما جنب البلاد الفوضى وجعل المواطنين في شمال البلاد ووسطها وفي جنوبها الغربي يواصلون حياتهم بصورة طبيعية ولا يشعرون بتاتا بحصول هذا الأمر الطارئ.

اندماج

وكان يقيم في تونس قبل اندلاع هذه الأحداث قرابة مليوني ليبي أي نحو قرابة ثلث سكان ليبيا، أغلبهم ممن ارتبطوا بطريقة ما بنظام القذافي، كما أن من بينهم من يرغب في الراحة بعيدا عن الإضطرابات التي تشهدها بلاده فجلب ما يملك وجاء للإسثمار والإقامة في «الخضراء». واعتاد التونسيون على تواجد الليبيين على أرضهم وهناك شعور عام بأن الليبي في تونس هو في أرضه وبين أهله، وقد غذت هذا الشعور علاقات القرابة والمصاهرة التي تجمع بين الشعبين، فالبَلَدان، كما الجزائر والمغرب وحتى مصر هما امتداد لبعضها البعض والقبائل التي تتشكل منها هذه الشعوب تنحدر من ذات الجذور.
وبالتالي لا يمكن الحديث عن مشكلة اندماج بالنسبة لليبيين الوافدين على تونس سواء خلال «ثورة 17 فبراير» أو خلال موجة النزوح الأخيرة، خاصة وأنهم اعتادوا على التداوي في مستشفيات تونس ومصحاتها، كما اعتادت العائلات الليبية على قضاء العطل في المناطق السياحية التونسية. كما أن التجارة البينية جد متطورة بين البلدين سواء تلك التي تتم بطريقة مشروعة أو من خلال نشاط التهريب المخالف للقانون.

مشكلة التموين

ويخشى البعض، مع توافد أعداد جديدة من الليبيين على تونس، من إرتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب زيادة الطلب مقارنة بالعرض، كما يخشون من ارتفاع إيجارات البيوت والشقق السكنية التي يقبل عليها الوافدون الجدد. فقد حدث خلال موجة النزوح السابقة أن ارتفعت أسعار كثير من المواد الإستهلاكية بصورة كبيرة وغاب بعضها عن الأسواق التونسية بعد أن تم تخزينه خصيصا لليبيين لبيعه لهم بأسعار تفوق تلك التي تباع بها عادة للتونسيين.
وتستغل مافيات الإحتكار والمضاربون ضعف الدولة التونسية بعد الثورة للتحكم في أسعار السوق لرفعها متى شاؤوا مستغلين ارتفاع الطلب من حين لآخر وندرة بعض المواد الإستهلاكية في غير مواسم حصادها. لذلك فهناك من يرى أن الحل يكمن في تكثيف الإنتاج لتلبية حاجيات السوق للوافدين الجدد خاصة وأن ارتفاع الطلب هو أحد عوامل التنمية الإقتصادية وليس العكس، إذ يحث ارتفاع الطلب على تكثيف الإنتاج ويضاعف من الأرباح.

الهاجس الأمني

ولعل ما يؤرق مضاجع التونسيين هو الخشية من تسلل متطرفين تكفيريين إلى بلادهم من ليبيا مع موجة النزوح. ففي بلد عمر المختار تونسيون في حالة فرار من العدالة خصوصا من المنتمين إلى تنظيم «أنصار الشريعة» المتورط في العمليات التي تستهدف الجيش التونسي، ومقاتلين سابقين في سوريا ومالي والعراق، ويخشى من أن يستغل هؤلاء حالة الفوضى على المعابر الحدودية للمرور إلى تونس دون أن تطالهم يد العدالة ويصبحون مصدر تهديد للأمن الداخلي الذي يعاني من هشاشة.
وفي ليبيا مقاتلون ليبيون وأجانب لا يعترفون بحدود وهم على ارتباط بمتطرفين تونسيين بإمكانهم أن يعبروا أيضا باتجاه الأراضي التونسية، كما بإمكانهم تهريب السلاح والعتاد لـ»نظرائهم» في تونس الذين يستهدفون قوى الأمن والجيش ويعتبرونهم «جند الطاغوت». فجبهة الشعانبي على الحدود الجزائرية مازالت مفتوحة ولا يبدو أن الجيش التونسي مستعد لفتح جبهة جديدة مع الإرهاب على الحدود الليبية، لذلك فالمخاطر الأمنية على تونس، والناتجة عما يحصل في ليبيا كبيرة وهو ما جعل أطرافا سياسية تونسية تصر على عدم بقاء الدولة التونسية بمنآى عما يحصل وراء الحدود الشرقية، وتدعو إلى التدخل بالحسنى بين الفرقاء لحقن الدماء لأن في الأمر مصلحة مشتركة للبلدين.

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article هل تبرئ مبارك وتدين السيسي؟ الأزمة الليبية تنعش تجارة العملة والبنزين المهرب على الحدود التونسية Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع