هدأت حدة الأخبار والأحداث في صحف أمس
الثلاثاء 12 أغسطس/اب، لدرجة أنه رغم كثرتها فإنها لم تكن جاذبة للاهتمام باستثناء
تصاعد الشكوى من زيادة عدد مرات انقطاع التيار الكهربائي وساعات الانقطاع، لدرجة
بدأت تضايق الكثيرين لما تسببه من خسائر وتعطيل المصالح، وغموض تفسيرات الحكومة
للأزمة ما بين إصلاح محطات ونقص وقود وأعمال التخريب لأبراج الكهرباء، والتساؤل عن
عدم اتخاذ إجراءات أشد ردعا لوقف هذه الظاهرة، وحتى التهديدات التي تطلقها جماعة
الإخوان بقيامها بأعمال مهولة يوم الخميس غدا في الذكرى السنوية الأولى لفض اعتصامي
رابعة والنهضة، لم يهتم بها أحد، لأن الناس اعتادت على قلة أعداد من يشاركون كل يوم
جمعة في المظاهرات وانحصارهم في أماكن معينة، بينما قررت وزارة الداخلية تحديها لهم
بأن الرصاص الحي سيكون في انتظارهم إذا تعرضوا لأي منشآت. وأشارت الصحف إلى عودة
الرئيس من زيارته للسعودية وبدء زيارته لروسيا، وإلقاء القبض على مجموعة تنتمي
لحركة داعش كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية ضد العاملين في مشروع حفر القناة
الجديدة.
وقد أخبرني زميلنا الرسام الكبير في «الأسبوع» محمد الصباغ بأنه شاهد بعينيه أحد
المتطرفين وقد فتح رأسه وانتزع مخه وقدمه لداعش التي وضعت مكانه قنبلة.
ومما ذكرته الصحف ايضا، تمكن القوات المسلحة من قتل اثنين من الإرهابيين في شمال
سيناء. أما أكثر الموضوعات اجتذابا للاهتمام بالإضافة لانقطاع الكهرباء فهي
المرافعات التي قام بها وزير الداخلية الأسبق اللواء حبيب العادلي ومساعدوه أمام
محكمة الجنايات في قضية المتظاهرين أثناء ثورة يناير/كانون الثاني، وردود الأفعال
عليها وترافع الرئيس الأسبق حسني مبارك اليوم الأربعاء عن نفسه. واستمرار اتصالات
الأحزاب والشخصيات العامة لتكوين تحالفات تخوض بها انتخابات مجلس النواب القادمة،
واستمرار الهدنة الني نجحت مصر في إتمامها بين المنظمات الفلسطينية في غزة
وإسرائيل.
أما الخبر المهم الذي لم يلق اهتماما، فكان الزيارة التي قام بها وفد من الخارجية
المصرية برئاسة السفير محمد بدر الدين زايد مساعد الوزير لشؤون دول الجوار إلى
مدينة طبرق في ليبيا لتهنئة رئيس مجلس النواب الجديد عقيلة صالح وتأكيده أن كل ما
نشر عن تدخل عسكري مصري إشاعات لا أساس لها من الصحة.
والى بعض مما عدنا.
عبود الزمر: الإخوان حركة دعوية سلمية
ونبدأ تقريرنا اليوم بالمعارك التي امتدت إلى الكثير من الموضوعات والقضايا
المطروحة على الساحة، وبدأها في «المصريون» عبود الزمر عضو مجلس شورى الجماعة
الإسلامية بقوله:»انتقدت جماعة الإخوان المسلمين في مقالات عديدة بغية الإصلاح
وتطوير المسار، وربما كانت نصيحتي قد أزعجت الإخوان والحلفاء لكونهم لم يتعودوا ذلك
مني، ولكنها كانت نصيحة ضرورية لمراجعة النفس وتقويم الأداء والحفاظ على البقية
الباقية في هذا النزاع.. ولقد غضب مني من غضب وسخط علي من سخط ولكني لا أكسب رضى
الناس بسخط الله. ثم انني في الوقت ذاته لا أقبل لهم الظلم، فالإخوان يكفيهم أنهم
فقدوا السلطة وهو أمر عزيز على النفس، يعرفه كل من كان في الحكم ثم زال عنه، ولكنهم
لا يستحقون السجن لأنهم في الأصل حركة دعوية سلمية منذ زمن بعيد، ولم يعهد عليهم
اعتماد العنف في منهجهم. وهنا أقول بصراحة إن الإخوان لم تدافع عن مقراتها، بل صدرت
التعليمات لشباب الإخوان بالانسحاب وبقي آخرون للدفاع فتعرضوا للضرب والإصابات. لقد
تعودت في حياتي أن أصدع بما أراه حقا وصدقا غير هياب، متحملا التبعات ومحتسبا للأجر
عند الله وفي سبيل ذلك دافعت عن الإخوان في مقالي. وعلى الجانب الآخر هناك تعديات
تقع في الحراك السياسي في الشارع، فبعض المظاهرات تهتف وتحمل لافتات سب ولعن وقذف
بما لا يجوز شرعا، في حق أشخاص ومؤسسات، وهو ما ألفت النظر إليه لكون ذلك يعد رميا
بالباطل يعود على القائلين بالإثم. إن ما يشغلني الآن هو الخروج من المأزق الذي نحن
فيه وبرفع المظالم ورد الحقوق إلى أهلها ولم الشمل وتوحيد الكلمة، وهذا لا يمكن أن
يتم وسط أجواء صاخبة مملوءة بالدماء والدخان والكراهية والتحريض، وهو ما يجعلني في
غاية القلق على مستقبل الوطن.. فيارب سلم.. سلم .. والله المستعان».
هذا أبرز ما جاء في مقال عبود الزمر وقد أشرنا من قبل أكثر من مرة الى أن له عواطف
واضحة نحو ثورة 23 يوليو/تموز سنة 1952 ونحو الجيش وهي منعكسة بوضوح في ما كتبه،
وهو بذلك يتصادم مع الإخوان وكثيرين من داخل الجماعة الإسلامية. والموقف نفسه كان
لابن عمه وشقيق زوجته ورئيس حزب البناء والتنمية الهارب الآن في قطر طارق الزمر، بل
كان طارق يعلن ميله العلني للناصريين في عدة مناسبات، إلا أنه تغير فجأة أثناء
اعتصام رابعة، عندما تخلى عن الالتزام بمراجعات الجماعة الإسلامية، ثم أخيرا بدأ في
مهاجمة ثورة يوليو/تموز باستخدام عبارة الستين عاما الماضية.
الأنظمة العربية الحديثة
رضعت كراهية الإخوان من لبن أمهاتها
والجديد في عدد «المصريون» نفسه هو انقلاب الإخواني الدكتور هشام الحمامي على
جماعته عندما وجه إليها نقدا آخر ليكمل به نقد عبود قال:»لا يستطيع المرء أن يتجاهل
الربط التاريخي بين مسارعة روسيا لمساعدة الدولة العثمانية ضد محمد علي، ومسارعة
رابين وبيريز إلى إحضار مغاوير المنظمة من تونس إلى الضفة والقطاع، ومسارعة بعض
الأنظمة القديمة إلى طمس آثار الربيع العربي. حين بدأت الحالة الإسلامية تتكون في
الضفة والقطاع وكانت أوسلو 1994. نحن أمام حقيقة من حقائق التاريخ الحديث الكبرى،
إذ كان الغرب يدرك هذه الحقيقة وهو ابن شرعي لأحقاب طويلة من الصراع مع الإسلام وما
ينتجه على الأرض من حقائق. وقد رأينا صنيع حافظ الأسد في حماة 1981 الذي لم يختلف
عما فعله عبد الناصر والقذافي وصدام وبورقيبة وخالد نزار الجزائر، سأجد في نفسي
قدرا لا بأس به من الشجاعة حين أقول إن حماس أخطأت حين أعلنت في ديباجة تأسيسها
أنها تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، متناسية أن الأنظمة العربية الحديثة في كل
العصور رضعت كراهية الإخوان من لبن أمهاتها. ويكفي ناصر العروبة فخرا هذا الدور
التاريخي. كان يكفي الإعلان كونها حركة تحرر وطني تستلهم الإسلام بعمقه الحضاري.
وبالقدر نفسه يتحمل التيار الإسلامي العريض خطأ تقدمه المباشر والسريع إلى السلطة
والدولة ليحقق حلم التنمية، متناسيا أن أجهزة الدولة والسلطة عاشت خمسين عاما على
بديهية كراهية ومقت ورفض الإسلاميين، ولا أدري كيف تصوروا أو من هو اللئيم الذي
أغواهم بهذا التصور، ان هذه الكراهية ستختفي في التو والحال، كما لو كانت الدولة
العميقة الكاسرة لاخطبوط نقابة أو اتحاد طلبة كان يكفيهم في هذه المرحلة التاريخية،
وعلى درب التنمية الحقيقية والإحياء الحقيقي، الوصول إلى أمل الدولة المدنية ذات
الرئيس المدني المنتخب وبدونهم حتى لا يكونوا ذريعة للعصف بكل شيء ولتنجو بعدها كل
الآمال».
القانون أحيانا لا يسلط سيفه إلا على رقاب من لا يملكون
ومن القضايا التي تثير المعارك هذه الأيام تلك الخاصة برجال أعمال نظام مبارك
وظهورهم القوي والإفراج عنهم، وقد ابدى مستشار جريدة «الوطن» اليومية الخاصة أستاذ
الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور محمود خليل يوم الاثنين ملاحظة في غاية الأهمية
تمثلت في قوله:»أحمد عز أشهر رجال أعمال دولة مبارك تم الإفراج عنه من احد
المستشفيات الخاصة، وتشير بعض التقارير إلى أنه وجد في المستشفى منذ ثمانية أشهر
للعلاج من أمراض مختلفة بالقلب. أما مبارك نفسه فيقضي عقوبة السجن ثلاث سنوات
لإدانته بالاستيلاء على المال العام، في مستشفى المعادي العسكري بسبب ظروفه الصحية.
قد يقول قائل وما المانع في أن يقضي مريض مدة عقوبته داخل أحد المستشفيات، حتى لو
كان مستشفى خاصا ما دام يتحمل فاتورة المصروفات؟! هذا الأمر حق من حقوق الإنسان،
كما أن القانون يكفل له ذلك، وهو كلام في محله ولا شك، لكنني أتساءل هل يعامل
المساجين بالمثل؟ وهل يحظى السجناء بالقدر نفسه من الرعاية؟ وإلى أي حد يمكن
التوفيق بين هذا المستوى من معاملة المساجين والمعلومات الواردة في العديد من
التقارير الصادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان حول الأوضاع في السجون؟ وفي أي
إطار يمكن أن نفهم الأخبار التي تنشرها الصحف من حين إلى آخر حول وفاة محتجزين داخل
بعض أقسام الشرطة؟ قد يرد المدافعون قائلين من جديد إنه القانون، قد يكون لكنني أظن
أن المال هو كلمة السر، وأن القانون أحيانا لا يسلط سيفه إلا على رقاب من لا
يملكون.. السجناء الذين يعاملون هذه المعاملة هم رجال مال، فالذهب الذي يتلألأ في
أعين الأمراء له مفعول السحر وله قوته ونفوذه في حماية رجاله. دعك من رجال أعمال
دولة المخلوع، وتعال نتوقف أمام رجال أعمال دولة المعزول، حتى الآن لم يصدر أي حكم
ضد خيرت الشاطر، أما محمد بديع فقد صدر ضده حكمان بالإعدام، وهناك ثالث في الطريق
انتقل بعد ذلك إلى حسن مالك أكبر رجال أعمال الإخوان وأسألك أين هو؟ كأن عز المهندس
أحمد عز من عز المهندس الشاطر، ومالك المال هو أصل المصالح والمصالح في النهاية
تتصالح».
لماذا لا يكشف لصوص المال العام أرصدتهم؟
وانفتحت أبواب جهنم على رجال أعمال مبارك ففي «أخبار» اليوم نفسه شنت زميلتنا
الجميلة الناقدة عبلة الرويني – ناصرية – في عمودها اليومي ـ نهار ـ هجوما عنيفا
عليهم بقولها:»الحسم الذي تحدث به الرئيس عبد الفتاح السيسي في مطالبه رجال الأعمال
بالتبرعات «حتدفعوا يعني حتدفعوا» هو حق وواجب ودين، خاصة أن الكثيرين من رجال
الأعمال أسسوا ثرواتهم على حساب الشعب، كما أن كثيرا منهم يمارس ثراء استفزازيا
يتعالى على أوجاع بلاده. هذا الحسم الذي يفعله الرئيس من أجل صندوق «تحيا مصر»،
يحتاج مثيله وربما إلى أكبر منه لاستعادة الأموال المنهوبة. وفي أول اجتماع للرئيس
مع الحكومة أكد على أهمية تفعيل دور اللجنة القضائية لاسترداد الأموال المنهوبة،
لكن لا خطوات جدية حقيقية حتى الآن. لماذا لا يتم الضغط على مبارك وأبنائه وكل رموز
الفساد ولصوص المال العام في النظام السابق وإجبارهم على الكشف عن أرصدتهم وردها
إلى الخزينة المصرية؟».
اقتصاد خفي لا يفيد إلا قلة
وفي عدد «الأخبار» نفسه ساهم زميلنا الإخواني خفيف الظل ورئيس تحرير «أخبار اليوم»
السابق سليمان قناوي في الهجوم، مستخدما خفة ظله للقول:»تأليف الجيوب لا القلوب
ترسخ في بلدنا ليؤسس لفساد واقتصاد خفي لا يفيد إلا قلة تنخر كالسوس في عضد الدولة،
وفي الوقت الذي يستجدي أهل الحكم في مصر رجال الأعمال الذين أثروا من خير هذا البلد
ليتبرعوا بمئة مليار جنيه لصالح مشروعات التنمية، يقدر الخبير الاقتصادي عبد الخالق
فاروق حجم الأموال التي ضاعت على الدولة بسبب سوء تخصيص الأراضي خلال الفترة من
1994 حتى 2007 بأكثر من مئة وخمسين مليار جنيه، ذهبت كلها لتأليف جيوب السماسرة
ورجال الأعمال، الذين لا يزالون ملء السمع والبصر حتى اليوم، تم تقطيع أفخم أراضي
السواحل المصرية «الساحل الشمالي والبحر الأحمر» وتوزيعها بالكيلومترات المربعة
وبيعها بدولار واحد. كان يمكن أن يدخل مصر مئة مليار جنيه أخرى، فقد تم تقدير أصول
280 من شركات القطاع العام في التسعينات بمبلغ ثلاثمئة مليار جنيه بيع 194 شركة
منها بخمسين مليار جنيه، أي أن نصف شركات القطاع العام بيعت بأقل من نصف القيمة
المقدرة، وباقي القيمة ذهبت لتأليف جيوب الفاسدين والمرتشين في صورة عمولات. مئتان
وخمسون مليار جنيه كان يمكن أن تحصدها الدولة من بندين فقط، فما بالك إذا أضفنا ما
يمكن أن نحققه من بنود أخرى، كالتهرب الضريبي والجمركي وصفقات خصخصة البنوك، حاكموا
كل هؤلاء في الدنيا قبل حساب الآخرة، فتأليف الجيوب لن يفيد أحدا في القبر لأن
الكفن ملوش جيوب».
متهمون يتهكمون على النيابة!
وامتدت المعركة إلى محاكمات مبارك ورجاله واهتمام الإعلام الخاص بها، لدرجة أثارت
زميلنا وصديقنا في «المصري اليوم» محمد أمين وقوله يوم الاثنين أيضا:»عمرك شفت
متهمين يتهكمون على النيابة.. عمرك شفت صحافة تهتم بنشر مرافعة الدفاع وتهمل مرافعة
النيابة؟.. عارف معناه أيه؟ معناه أن الموازين انقلبت.. معناه أنك لا تعرف أي ضمير
يحرك هذه الصحافة ولا هذا الإعلام؟ على الأقل المهنية تقتضي التوازن، على الأقل ما
دمت خرقت كل القواعد أن تعدل في الطرح.. الكارثة تكشف عوار الإعلام وتجعلك مذهولا
أمام مقولة استقلال الصحافة.
أذهلني أن البرامج المسائية والاستوديوهات التحليلية استعدت لمرافعة دفاع المتهمين
في قضية القرن، بينما حين جاءت مرافعة النيابة لم تجد من يتعامل معها.. أصبحت
كالأيتام على موائد اللئام أي ضمير مهني هذا؟ أي استقلال هذا؟ المصالح هي التي تحكم
المسألة، كل قناة فضائية تتحرك تبعا لهوى أصحابها.. في الغالب تأتمر بأمر واحد
فقط.. من هنا لا تحدثني عن المجلس الوطني للإعلام.. لا تحدثني عن استقلال ولا
مهنة.. حدثني عن علاقات صاحب الصحيفة أو صاحب الفضائية.. حدثني عن علاقاته في
البيزنس.. حدثني عن انتماءاته السياسية.
تستطيع أن تكتشف هذا في محاكمة القرن، المحاكمة كشفت عارهم جميعا لا أدري كيف يسمح
باستغلال الفضائيات ساعات طويلة لتبرئة المتهمين بينما القضية منظورة؟ لا أدري كيف
لا تعتبر ذلك تدخلا وتأثيرا في سير العدالة، بينما يعامل أي رأي آخر على طريقة
مرافعة النيابة؟.. أي منطق وأي مهنة وأي تقاليد؟ وأي قانون تتحدث عنه في العقوبات
والإجراءات؟ هل كان الهدف تهديد الأقلام الحرة، عوضنا على الله».
مشكلات الداخل خطر يهدد استقرار مصر
وإلى بعض المعارك ومنها الانتقاد الذي وجهه زميلنا الكاتب الإسلامي الكبير فهمي
هويدي إلى كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الأخطار التي تحيط بمصر فقال يوم
الاثنين في مقاله اليومي في «الشروق»:»الكلام عن أن مصر في خطر مصطلح بات يتردد على
ألسنة كثير من المسؤولين، وقد أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه مع
الإعلاميين، وكل ما يقال عن مؤتمرات في الخارج ما هو إلا اختلاقات تم التهويل فيها
وسيناريوهات جرى اختراعها وتسويقها في وسائل الإعلام لسبب أو آخر. إذا كان هناك قلق
حقيقي أو حتى خطر يهدد الاستقرار بمصر في الأجل المنظور، فمصدره مشكلات الداخل
والسياسات المتبعة للتعامل معها. أتحدث تحديدا عن مشكلات الاستقطاب والإقصاء
والسياسات الأمنية والاعتقالات العشوائية التي طالت الآلاف، والمحاكمات غير العادلة
والسياسات الاقتصادية التي ضاعفت معاناة الفقراء والطبقة المتوسطة والقوانين
والإجراءات التي قيدت حرية التعبير وقمعت المتظاهرين السلميين.
إن حصوننا ليست مهددة من الخارج، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، والحديث عن
أخطار قادمة من تلك الوجهة هي إما استسلام للوهم أو استنفار أريد به صرف الأنظار عن
الأخطار الحقيقية أو التهديد الحقيقي لحصوننا، له مصدر أساسي واحد هو الداخل، وإذا
أردنا أن نتصدى له حقا فينبغي أن نتفرس في وجوهنا جيدا أمام مرآة الحقيقة وأن نتحرى
مواقع أقدامنا قبل أن نتلفت حولنا كي نتلمسه في الفضاء الخارجي».
السيسي يريد إعلاما يناصره ويردد ما يقول
وثاني انتقاد للرئيس وجهه زميلنا محمد الباز رئيس التحرير التنفيذي لجريدة
«البوابة» الأسبوعية المستقلة بقوله:»من حق عبد الفتاح السيسي أن تكون له رؤيته
الخاصة في حكم مصر، من حقه أن يطلب ما يشاء من مواطنيه حتى لو كان في بعض ما يطلبه
كثير من الإفراط في الرومانسية والتفاؤل، فهو يتحرك من أرضية أنه المختار، الذي طلب
منه المصريون أن يرشح نفسه ثم حملوه إلى الرئاسة حملا، وعليه فليس عليهم إلا أن
يسمعوا لما يقوله وينفذوا ما يطلبه منهم راضين مرضيين بذلك. لكن ليس معنى ذلك أن كل
ما يذهب إليه السيسي صواب، وليس كل ما يقوله هو الصحيح، لقد قال وهو يدشن مشروع
قناة السويس الجديدة، ان عبد الناصر كان محظوظا بإعلامه، هل أفصح الرئيس عما يريد؟
بالفعل حدث، هل يريد أن يكون الإعلام العامل الآن مناصرا له يردد ما يقوله يعكس
أفكاره وتوجهاته ومشروعاته، وهو ما قامت به الصحف القومية على الفور فعناوينه في
اليوم التالي لتدشين لمشروع القناة كان معبرا عما أراده الرئيس وهو أمر طبيعي».
فوز أردوغان ستكون له آثاره
على الخريطة السياسية العربية
على مدار الأسبوع الماضي كان الإعلام العربي ومواقع التواصل الاجتماعي في مختلف
العواصم العربية مشغولة إلى حد كبير بمتابعة انتخابات رئاسة الجمهورية في تركيا..
هذا ما كتب لنا عنه رئيس مجلس ادارة «المصريون» ورئيس تحريرها جمال سلطان يقول:»..
كان الانقسام في الموقف من أردوغان، فارس السباق الأول، قائما على أساس الفرز الذي
أحدثه الربيع العربي، فكل من كان على خصومة وعداء مع الربيع العربي، حكاما أو نخبا
فكرية وإعلامية أو حتى أحزابا وقوى سياسية فهؤلاء جميعا كانوا في المعسكر المعادي
لأردوغان، الذي يقود حملات التشويه ضده، ونشر الأمل بإسقاطه في الانتخابات، وإشاعة
الأخبار عن تراجع شعبيته، وعن الاحتجاجات الشعبية التركية ضده، والمعسكر الذي صنع
الربيع العربي وعاش آماله وحلم بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، كان مؤيدا
بكل قوة لأردوغان ومبشرا بانتصاره في الانتخابات، وكانت ليلة إعلان النتيجة أمس
أشبه بأجواء نهائي بطولة رياضية كبيرة، جماهير تخرج في كل مكان منتشية ومحتفلة
بالفوز، وأخرى منكسرة وتعيش حال الهزيمة والإحباط والانكسار. هذا الذي حدث يعني أن
نتائج انتخابات تركيا، والنتيجة التي حققها رجب طيب أردوغان ستكون لها آثارها
الأكيدة على الخريطة السياسية في المنطقة العربية، خاصة بعد أن حسم أردوغان موقفه
السياسي والإنساني تجاه الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية، على خلفية صراع ثورات
الربيع العربي مع الثورات المضادة، فقد أعلن أردوغان انحيازه الكامل لثورة الشعب
السوري، ودعم قواها بكل ما أتيح له، رغم الضغوط والالتزامات الدقيقة لبلاده كجزء من
حلف الأطلسي، وأصبحت اسطنبول عاصمة للثورة السورية وقواها السياسية المختلفة، أيضا
حسم أردوغان موقفه تجاه الأحداث في مصر وأبدى انحيازه للديمقراطية التي أتت بالرئيس
الأسبق محمد مرسي، ورفض بكل قوة الإطاحة به واعتبرها انقلابا عسكريا.. كما لم يخف
أردوغان استياءه الشديد من شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي وقد هاجمه بصفة مستمرة
في الإعلام التركي والعالمي بدون أي احتراز . نجاح أردوغان يعني أن خمس سنوات مقبلة
ستكون تركيا ظهرا وسندا قويا لقوى التحرر والديمقراطية في العالم العربي، يعني أن
الثورة السورية ستجد لها ظهرا قويا ودعما بلا حدود في معركتها من أجل إطاحة نظام
الطاغية بشار الأسد، ويعني انتصار أردوغان أن السنة في العراق سيجدون لهم ظهرا
وسندا في معركة التهميش التي تخوضها قوى التطرف الطائفي هناك مدعومة بالنفوذ
الإيراني والتواطؤ الأمريكي، كما أن قوى الاعتدال السني سيكون لها دعم أمام قوى
التطرف كداعش… فوز أردوغان يعني دعما سياسيا بالغ الأهمية للمقاومة الفلسطينية،
خاصة حركة حماس، ويعني أن تستعد إسرائيل لإزعاج سياسي ودولي مؤلم جدا لمدة خمس
سنوات مقبلة على الأقل، ويعني نشوة متجددة للمقاومة بأنها تملك سندا وظهرا قويا
للمرحلة المقبلة ، فوز أردوغان يعني أن قوى التغيير والإصلاح في المنطقة العربية
تملك الآن مشروعا حقيقيا متجسدا في دولة ديمقراطية ترفل في الحرية والتعددية وسيادة
القانون والحداثة في أجلى صورها متزاوجة مع الأصالة والالتزام الدين.. فوز أردوغان،
على الجانب الآخر، مثل صدمة كبيرة وخيبة أمل لكل قوى الثورة المضادة في المنطقة
العربية، وسوف يجعل الجميع مضطرين إلى إعادة حساباتهم للسنوات الخمس المقبلة على
الأقل، كذلك سيسبب هذا الفوز إرباكا لقوى التشدد الديني والتطرف التي تجتاح مناطق
من سوريا والعراق مؤخرا، والتي كانت تتمنى أن يفشل المشروع الديمقراطي، لكي تثبت
للتيار الإسلامي في كل مكان أن الديمقراطية مشروع فاشل وأنه لا بديل عن السلاح
والدم لفرض الخيار السياسي، نجاح أردوغان يحبط تلك الرؤى ويثبت أنها لا تتأسس على
حقيقة من الواقع، رغم الانتكاسات للمسار الديمقراطي في مناطق أخرى. لهذا كله، كانت
نتائج الانتخابات التركية مختلفة تماما عن نتائج أي انتخابات أخرى بالنسبة للعالم
العربي، حتى لو كانت الانتخابات الأمريكية ذاتها، ولهذا كله أيضا، كان فوز رجب طيب
أردوغان ليس كفوز أي زعيم سياسي آخر في العالم».
نساء غزة يعبدن معابر السماء
وعن حرب غزة ونسائها نقرأ للكاتبة صفاء البيلي في «المصريون» الاسبوعية وجهة نظرها
التي لخصتها في مشاهد مؤثرة قائلة:» نساء غزة يعبدن معابر السماء أمام السالكين..
يضربن أصدق الأمثلة في الصمود والوقوف بثبات ورجولة إلى جوار إخوانهم الرجال.. في
هذه المشاهد تعالوا نعايش الرجولة والفداء في جهاد المرأة الغزية سيدة نساء الأرض.
المشهد الأول: سيدة أربعينية تقف شامخة رغم ملامح الحزن والقهر والدهشة، التي
ارتسمت على وجهها.. في نهار رمضان داخل منزلها المتهدم وبقايا الطعام متناثرة هنا
وهناك.. فيما تقف منددة بما يفعله الكيان الصهيوني في قوة ألف رجل.. قالت المرأة
ضربنا صاروخ إف 16 فهدم البيت ثم لم يكتفوا فضربونا بمدافع الهاون.. ثم قالت وهي
تفتح ذراعيها بملء الفضاء: لن نتركها لهم.. لن نترك أرضنا وسنبني بيوتنا على
أنقاضهم إن شاء الله!.
المشهد الثاني: سيدة مسنة تجلس بجوار الأنقاض.. أطفال ورجال ونساء يلتفون حولها
والبكاء يقطع الصدور وأزيز الطائرات يكاد يغطي صوتها الضعيف.. حينما تتأمل تمتمات
شفاهها تكاد تسمع كلمتين فقط.. كلمتان أولاهما أداة نداء.. تكرر المرأة بطريقة
متسارعة وعيون باكية: «يا الله.. يا الله يا الله»! تتعجب وتقول لنفسك: أي إيمان
واستسلام لقدر الله هذا؟ المشهد الثالث: شابة ثلاثينية تقف خارج حجرة العمليات بأحد
مستشفيات القطاع واقفة لا تتكلم.. إنما تتساقط دموعها فقط.. اقترب منها أحد مراسلي
قناة الجزيرة ليسألها عن الحال: قالت إخوتي الرجال ماتوا، الأطفال ماتوا الشيوخ
ماتوا النساء متن.. وبيوت العائلة تهدمت، لم يبق إلا تلك الصغيرة ابنة أخي مصابة
إصابات خطيرة، كلما أفاقت تسأل عن أمها فأستحي أن أقول لها إنها لن تراها بعد
اليوم.. وتسألني عن أبيها فأستحي أن أقول لها إنه عالق بين مصر وغزة ولا يستطيع أن
يعود إلى غزة ليدفن عائلته.. ولما سألها المذيع ماذا تقولين للحكام العرب، قالت: لا
أريد منهم شيئًا.. أنا أريد من مقاومتنا أن تستمر، ونحن معها نناضل لآخر نفس.
المشهد الرابع: امرأة في منتصف العمر تجري هلعًا وأصوات القنابل تشيعها، والأطفال
والكبار والعجائز يجرون مبتعدين عن القصف.. راقبتها إحدى الكاميرات التي تنقل
الوقائع الدامية، وهي تلهث باكية قائلة وهي تشير للخلف: «ألحقوهم.. ألحقوهم.. اللى
ورا ماتوا كلهم.. كلهم.. ألحقوهم ألحقوهم..»، ثم تسمع أصوات الانفجارات فتشد ساقيها
وهي تمسح وجهها من الدموع والعرق!
المشهد الخامس: امرأة في أواخر العقد الخامس تبكي بلا دموع وهي تجلس في استسلام
قائلة: لن أطلب من أحد شيئًا، الحمد لله هدموا بيتنا، الحمد لله أولادي استشهدوا..
الحمد لله زوجي استشهد، الحمد لله كل شيء راح.. لكن مع ذلك أنا فدى بلدي فدى
فلسطين.. وفدى المقاومة..» والله لقد استحيت منها»!.
المشاهد النضالية التي تجلت عبر قرى غزة المقدسة ومدنها.. والله إنها لتخجل من
يسمون أنفسهم بالعرب.. ومهما أغلقت المعابر في وجهها أنا على يقين من أن معابر
السماء مفتوحة لهم على مصراعيها.. للدعاء أو الشهادة».
القدس العربي
Navigate through the articles | |
الرئيس التونسي يستقبل وفدا من حماس | هل تبرئ مبارك وتدين السيسي؟ |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|