المقالات و التقارير > تونس في عيون الاعلام

تونس في عيون الاعلام

يراها المحللون والاعلاميون النموذج الأفضل بين تجارب الربيع العربي اليوم، ويراهن الكثيرون على نجاح المسار الانتقالي الديمقراطي فيها بأخف الأضرار. تونس هذا البلد الصغير الذي حرك سكون الكثير من الشعوب العربية، ووجه أنظار العالم إليه يعيش اليوم أدق مراحله على الإطلاق قبيل الانتخابات. وهو ما يخلق جدلا واسعا بين مؤيدين ومعارضين.
ملف الانتخابات كان محور برنامج «حديث العواصم»، الذي يقدمه وائل التوكابري على قناة «فرانس 24»، في إطار حوار مباشر مع النائبة عن «حركة النهضة» سعاد عبد الرحيم، ورئيس حزب «المجد» عبد الوهاب الهاني ورئيس نقابة وحدات التدخل مهدي الشاوش.
البداية كانت بالتساؤل عن أسباب تغيب عدد كبير من أعضاء المجلس التأسيسي أثناء جلسات نقاش هذا القانون؟ وأسباب تـأخر الحسم في سنه؟ وقد اعتبرت ممثلة حزب حركة النهضة أن هناك تخوفا من تأثير هذا القانون على منظومة حقوق الإنسان في تونس. واعتبر عبد الوهاب الهاني أن هناك تعمدا لتأخير النظر في هذه المسألة حتى موعد الحملة الانتخابية حتى تستغله الأحزاب الحاكمة كمعطى في حملاتها الانتخابية.
مذكرا أن القانون بالإمكان صياغته في سطرين الأول يؤكد التعامل بقانون الإرهاب 2003 والثاني ينص على ضمان حقوق الإنسان في تونس. فيما اعتبر مهدي الشاوش أن الوضع الأمني الداخلي والإقليمي يحتم الإسراع بالعمل بهذا القانون دون المغالات من المخاوف التي ترميها بعض الأطراف السياسية.
والحقيقة أن السيدة الأولى تحدثت بلسان حزبها الذي يعتبر المسؤول عن موجة الإرهاب في تونس باعتباره الحزب الحاكم أثناء تدفق الأسلحة إلى تونس. وطبعا قانون الإرهاب سيقمع هؤلاء الذين يمثلون أحد أذرع هذا التيار الخفية، التي لم تعد تنطلي على المجتمع التونسي الذي خبرهم طيلة هذه السنوات.
ولهذا يبدو حديثهم عن تهديد حقوق الإنسان بمثابة الدعابة السخيفة لا سيما أمام تلاعب بعضهم بعديد القضايا التي تم توجيهها في إطار تصفية الحسابات، لعل أبرزها التي أقدم عليه وزير العدل السابق نور الدين البحيري وزوجته.
وللتوضيح فإن قانون الإرهاب اعتمده الرئيس المخلوع بن علي سنة 2003 كذريعة لاعتقال المعارضين السياسيين. وقد تمت محاكمة أكثر من ثلاثة آلاف شخص بموجب هذا القانون. وتعد إشكاليته الكبرى أنه يحتوي تعريفات فضفاضة لمفهوم الإرهاب التي بقيت في إطار تهديد الأمن العام للدولة.
والحقيقة أن هذا القانون كان بمثابة الكابوس بالنسبة للمعارضين السياسيين أيام بن علي، ولكن بالعودة إلى دستور ما بعد الثورة فإن هناك ضمانات قانونية واضحة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح بانتهاك قانون الإرهاب لحقوق الإنسان في تونس بعد اليوم.
من جهة أخرى فإن المجتمع المدني التونسي اليوم يقظ جدا على جميع المستويات، وأصبح له ثقله الكبير الذي لن يسمح بإعادة الممارسات السابقة التي تبعت هذا القانون أيام بن علي. زد على ذلك أنه قد تم تنقيحه بعد الثورة بإخراجه من دائرته الفضفاضة وتحديد تعريف واضح للإرهاب.
وأما بالنسبة لرئيس حزب المجد فإن هذا الشخص على صحة قوله وجدواه، إلا أن وجوده كضيف جاء مسقطا لأنه لا يمثل ثقلا سياسيا وقد كان الأجدر حضور طرف عن «نداء تونس» أو «الجبهة الشعبية» حتى يحتوي الحوار أكثر من وجهة نظر ولتوازي حجم الضيوف. كما أن اختيار رئيس نقابة وحدات التدخل لم يكن بالخيار الموفق، نظرا للخلاف القائم بين النقابات الأمنية ووزارة الداخلية والتهديدات المتتالية بحلها، والاتهامات المتتالية التي طالتها من طرف المؤسسة الأمنية عموما وبعض وسائل الإعلام.

غزة نصر عاطفي ليس إلا

وهناك حيث القضية التي لا تصدأ ولا تموت، حيث الجراح مخضبة بالدماء، حيث الموت والدمار تفصيل يكاد يكون يوميا. هناك في فلسطين التي قال عنها درويش إنها «أرض خلقت للسلام ولم تعرف يوما سلاما» تجتر تفاصيل يوميات الحرب، التي تأبى أن تنتهي. ولعل قطاع غزة يمثل نموذجا حيا وشاهدا على هذا النمط من الحياة، فبعد واحد وخمسين يوما من الحرب تم تدمير ربع القطاع، وتهجير نصف مليون فلسطيني بعد تدمير بيوتهم وقتل ما يعادل 12 طفلا و6 نساء يوميا طيلة هذه الفترة، هذا دون أن ننسى الشباب والشيوخ الذين ذهبوا في هذه الحرب.
ورغم هذا الكم الهائل من الخسائر تتعالى الأصوات وتهلل انتصرت غزة وخسرت اسرائيل. والحقيقة لست أدري ما هي مقاييس الانتصار؟ وهل فعلا انتصرت غزة؟ هذا السؤال كان محور برنامج «حوار الليلة» الذي يقدمه الإعلامي مهند الخطيب على قناة «سكاي نيوز» الذي فتح الحوار مع مستشار العلاقات الخارجية الفلسطيني والمحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان.
ومباشرة كان السؤال موجها للضيف الفلسطيني هل انتصرت غزة؟ وكانت الإجابة بأن النصر معنوي، بالنظر للفارق في العتاد الحربي بين الجانبين، ورضوخ الكيان الصهيوني لمقترح الهدنة بعيدة المدى. زد على ذلك تقارب مختلف مكونات الشعب الفلسطيني وتضامنه على المستوى الشعبي والسياسي على حد تعبيره.
والمتابع للأحداث يدرك فعلا أن لا مجال للمقارنة بين بعض الصواريخ التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية وعتاد رابع أكبر جيش بالعالم زائد الدعم الأمريكي. ولكن دعنا نكون واقعيين جدا ونحلل المسألة بناء على معطيات عملية ونقيم ما إذا انتصرت فعلا غزة. فالنصر يحدد بقدر المكاسب التي نجحت المقاومة الفلسطينية في تحقيقها. ونحن نعلم أن أهم وأبرز رهانات القطاع هي التوصل إلى رفع الحصار عنه وبناء ميناء ومطار، إلى جانب إطلاق سراح العديد من المعتقلين الفلسطينيين. وعمليا لم يتوصل الجانب الفلسطيني الى تحقيق أي من هذه المطالب، كما لم تتعهد إسرائيل بإعادة إعمار غزة بعد الدمار الكبير الذي لحقها في الحرب الأخيرة.
وهذا المشهد يجعلنا نقر أن لا داع لهذه المغالاة في الحديث عن النصر، وأن نتعود كعرب التعامل مع مصطلح النصر بناء على المكاسب وليس بناء على شعارات عاطفية صدئة ومتهرئة. ولنقر أن القطاع كان تحت وطأة حرب شرسة خلفت دمارا هائلا يستدعي التفكير مليا في آليات إعادة إعماره من جديد. والحال أن من يجاهر بهذا الرأي يعد في نظر الكثيرين من أعداء القضية والمقاومة معا.
من جهته تحدث الضيف الإسرائيلي عن نجاحه بتدمير الأنفاق كافة، والحال أن قناة «الميادين» رافقت بعض عناصر المقاومة الفلسطينية في جولة في الأنفاق بالقطاع في رسالة تؤكد بطلان هذه المعلومة. كما أقر صراحة بعدم فوز المقاومة ما دامت لم تنجح في فرض أي مطلب على إسرائيل، مقللا من شأن الصواريخ التي أطلقت من غزة.
والأكيد أن الجانب الإسرائيلي تعود المراوغة والإفلات من العقوبة وعدم الالتزام بأي قرار، ولكن من جديد أقول إن السبب في ذلك يعود إلى العقلية التي تتبنى الإنتصار العاطفي وتهلل له وتتغاضى عن المكاسب الحقيقية.

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article السلطات الكينية تدقق في دوافع ضخ أموال جديدة لمجالس المحافظات أولياء أمر صوماليون يتصدون للفكر المتطرف بتوعية أبنائهم Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع