دعى العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى
توحيد الطاقات لربح الرهان الأكبر الذي يطرحه القرن الحادي والعشرين، والمتمثل في
انبثاق قارة إفريقية تنعم بالوحدة والإستقرار والازدهار.
وقال في رسالة وجهها إلى الملتقى التاسع لمنتدى التنمية في إفريقيا، الذي انطلق يوم
اول امس الإثنين في مراكش «إن قارتنا التي تشهد تغيرا ملحوظا تحمل رسالة مفعمة بروح
الأمل والتجدد، إلى المجموعة الدولية. فبفضل توحيد طاقاتنا وحشد مواردنا، سنتمكن
جميعا من ربح الرهان الأكبر، الذي يطرحه القرن الحادي والعشرون، والمتمثل في انبثاق
قارة إفريقية تنعم بالوحدة والاستقرار والازدهار».
ويشارك في هذا المنتدى الذي تنظمه اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لإفريقيا حول
موضوع «طرق التمويل الجديدة من أجل التغيير»، الرئيس الإيفواري الحسن واتارا،
والرئيس السنغالي ماكي سال، ورئيس حكومة الرأس الأخضر خوسي ماريا بيريرا نيفيس،
و800 شخصية بارزة تنتمي إلى عوالم السياسة والاقتصاد والأعمال في القارة.
وقال الملك محمد السادس أنه، بالنظر لمؤهلات القارّة، «يتضح جليا اليوم، أكثر من أي
وقت مضى، أن إفريقيا هي اليوم أحوج إلى شراكات مثمرة لجميع الأطراف، أكثر من حاجتها
لدعم مشروط» وأن هذه الشراكات من شأنها أن تنهض بدور المحفز لحشد الموارد المالية
اللازمة، والدفع بالإندماج الاقتصادي الإقليمي إلى الأمام، والنهوض بالموقع، الذي
تحتله إفريقيا داخل النسق الدولي لخلق القيمة المضافة.
واكد ان «تعبئة المجموعة الدولية من أجل تحقيق المواكبة المالية للقارة الإفريقية،
ينبغي أن تأخذ، بنفس الاهتمام، أبعادا ومعايير أخرى، لها أهميتها كالحكامة الجيدة،
ومتانة المؤسسات، وتقوية القدرات المؤسساتية، والانسجام بين الجهات والأجيال،
وتأهيل العنصر البشري».
وذكّر العاهل المغربي بخطاب وجهه إلى الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي
أكد فيه أن قضية التنمية في إفريقيا تتعلق بما تم تكريسه من تبعية اقتصادية، ومن
ضعف الدعم ومصادر التمويل، وانعدام نموذج تنموي مستدام، ودعى المجتمع الدولي لبلورة
رؤية متجددة تجاه القارة الإفريقية، مغايرة عن كل الرؤى التقليدية.
وقال أن «دعوتنا للمجتمع الدولي لبلورة رؤية متجددة تجاه قارتنا، مغايرة عن كل
الرؤى التقليدية، لا يعادلها سوى التزامنا المتواصل كبلدان إفريقية لاعتماد وتفعيل
مقاربات تشاركية مبتكرة، وتطوير قنوات تعاون جنوب- جنوب غير مسبوقة، يطبعها
التضامن، وتعود بالنفع على كل الأطراف».
وشدد العاهل المغربي على أن بلاده «التي تضع في طليعة اهتمامها هذه الغاية السامية
باستمرار، لتدعو في إطار علاقاتها بالأشقاء الأفارقة، إلى اعتماد مقاربة شاملة
ومندمجة، من شأنها كذلك تعزيز السلم والاستقرار، وتشجيع التنمية البشرية المستدامة،
خدمة لكل أبناء القارة، نساء ورجالا. كما تدعو لاحترام سيادة الدول ووحدتها
الترابية، وصيانة هوية شعوبها، الثقافية والروحية».
واضاف أنه «بالاقتناع نفسه الراسخ، نعمل من أجل أن تضع إفريقيا ثقتها في إفريقيا،
ومن أجل أن تستثمر كل طاقاتها للاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة»، مؤكدا أن
القارة الإفريقية عازمة كل العزم، ومستعدة كل الاستعداد، لإطلاق دينامية جديدة من
أجل بروز «إفريقيا جديدة»، إفريقيا فخورة بهويتها ومواكبة لعصرها، إفريقيا متحررة
من القيود الإيديولوجية ومن مخلفات الماضي، إفريقيا جريئة وسباقة للمبادرة.
وقال الملك محمد السادس إن «هذه الإرادة تشكل في حد ذاتها دعوة للمجتمع الدولي، من
أجل بلورة مقاربة موضوعية لمعالجة إشكالية التنمية بإفريقيا، مؤكدا يقينه بأن تطابق
وجهات النظر بين البلدان الإفريقية، بشأن الشروط اللازم توفرها من أجل تحقيق
التنمية والإقلاع الاقتصادي، «لجدير بخلق تآزر قوي وتكامل غير مسبوق، علينا جميعا
تفعيلهما في اتجاه تحقيق كل طموحاتنا».
وأشار إلى أن «الوسائل والآليات التنفيذية التي علينا تطويرها، في المستقبل، بغض
النظر عن الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي تهم إفريقيا برمتها، لا بد لها أن
تستكشف، بنفس القدر من الاهتمام، البعد الجهوي للقارة» لأن من شأن هذا التوجه «أن
يتيح لنا الاستثمار في التجمعات الاقتصادية الجهوية، كفضاءات ذات تنافسية مستمرة»..
واعتبر أن ذلك سيمكن البلدان الإفريقية، بموازاة مع تعزيز التوجهات الاندماجية
الإقليمية، من التعبير عن خصوصياتها الإفريقية، ومن انبثاق فضاءات جغرافية-
اقتصادية، كفيلة بأن تضمن لها تموقعا أفضل وتنافسية أكبر داخل الاقتصاد العالمي،
مبرزا أن «المغرب حريص كل الحرص على إدراج علاقاته مع هذه التجمعات الاقتصادية، ضمن
توجه ذي نفع متبادل، أكثر توازنا وإنصافا لكافة الأطراف».
ويناقش المشاركون في الملتقى التاسع لمنتدى التنمية بإفريقيا قضايا تهم تعبئة
الموارد الوطنية، الرأسمال الخاص، الأشكال الجديدة للشراكة وتمويل التغيرات
المناخية، والتدفقات المالية الغير المشروعة.
وقال عبد الله حمدوك نائب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا
إن إفريقيا تفقد سنويا في مجال التدفقات المالية الغير المشروعة مبالغ فلكية وخطيرة
يمكن تقديرها في الحد الأدنى بحوالي 50 مليار دولار سنويا، في الوقت التي تصل
المساعدات التي يقدمها العالم لصالح القارة فقط نصف هذا المبلغ.
ونقلت صحيفة التجديد عن حمدوك أنه في حالة استطاعت إفريقيا مع شركائها أن تعالج هذه
المعضلة، فهذا سيوفر مبالغ ضخمة جدا يمكن أن يستفاد منها في تمويل التنمية، ذلك أنه
مثلا إفريقيا تحتاج إلى حوالي 30 مليار دولار لحل مشاكل الطاقة وحدها.
وأشار إلى أن القطاع المتأثر بهذه التدفقات هو القطاع المرتبط بالاستثمار في
الموارد الطبيعية من بترول ومعادن وغيرها، والتي تستفيد منها أكثر الشركات العابرة
للقارات وهي تستعمل أنظمة تمكنها من التهرب الضريبي ورفع سعر الواردات وخفض سعر
الصادرات.
وأكد حمدوك أن القارة تواجه تحديات أخرى منها على الخصوص وباء «إيبولا» الذي لا
يمكن حله إلا من خلال تكاثف الجهود بين الجميع، مؤكدا أن جميع الاجتماعات الأخيرة
أشادت وقدرت عاليا استمرار رحلات الطيران المغربي إلى المناطق الأكثر تضررا من هذا
الوباء.
وأوضح أن انعقاد الملتقى ولأول مرة خارج أديس أبابا مقر لجنة الأمم المتحدة
الاقتصادية لإفريقيا يعبر عن الدور الكبير الذي يلعبه المغرب في العلاقات
الإفريقية، حيث يجمع المؤتمر عددا من القيادات وصانعي القرار السياسي والاقتصادي في
القارة والأكاديميين المتميزين في مجال التنمية.
القدس العربي
Navigate through the articles | |
تجمع دول شرق أفريقيا يرسل عمال صحة لدول بغرب أفريقيا | الحوار مع وزير خارجية ليبيا |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|