منذ أن عقد الرئيس المعزول محمد
مرسي مؤتمره الذي دعا فيه قادة التيار الإسلامي المصري باستاد القاهرة تحت عنوان
“لبيك يا سوريا”، وقرر قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وظل الوضع كما هو
عليه دون بحث فى الفترة التى جاء بها الرئيس المؤقت عدلي منصور، ثم الشهور التى مرت
من حكم الرئيس السيسي، وعلى الرغم من أن مصر بدأت فى تصحيح مسارها في رؤية الأحداث
فى سوريا، وتصريحات السيسي الأخيرة في حوار له مع وكالة الأنباء الكويتية تؤكد ذلك،
إلا أن العلاقات ما زالت لسبب مجهول مقطوعة ولا يتحدث أي دبلوماسي عن ضرورة
إعادتها، لا سيما وأن مصر وسوريا يواجهان نفس التحديات والأعداء الخارجيين،
فالاثنان تعاديهما تركيا وقطر وتيار الإسلام السياسي بشكل واضح.
“البديل” رصدت آراء بعض السياسيين المصريين والسوريين عن استمرار قطع العلاقات،
وطلبت منهم الإجابة عن سؤال: لماذا لا تعود العلاقات الدبلوماسية بين دمشق
والقاهرة؟
يقول سيف عبد اللاه أمين إعلام جبهة الشباب الناصري إن مسألة إعادة العلاقات
الدبلوماسية بين القاهرة ودمشق يجب أن يكون لها مقدمات، أبرزها أن تكون القضايا
التى تمس الأمن القومي لكل دولة مربوطة بالتأثير على المصالح الإقليمية للدول
العربية مجتمعة، كما أنه لإعادة العلاقات وتوطيدها بشكل كبير يجب على مصر مثلاً أن
تنهي أي علاقة تبعية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل جذري، كما يجب على حزب البعث
السوري أن يتفهم الأمور ويمر بمرحلة من إنكار الذات وتصحيح الأخطاء الماضية، فمثلاً
العرب الآن لا يملكون شخصاً ينكر ذاته مثل الرئيس شكري القويتلي الذي ترك منصبه فقط
للمصلحة العليا وتولى الرئيس عبد الناصري رئاسة الجمهورية العربية المتحدة.
وأضاف “عبد اللاه” أن المشروع الأمريكي للمنطقة هو مشروع تقسيم وتقطيع أوصال،
فمشروع أيزنهاور مثلاً ارتكز على 3 نقاط وهي: لفت أنظار العرب بعيداً عن إسرائيل،
خلق صراعات داخلية عربيًّا وبين كل دولة والأخرى، وربط الدول العربية بالكيان
الصهيوني في سلسلة واحدة لضمان حماية المصالح الأمريكية، مشيراً إلى أن اختلاف
الرؤى وإعلاء المصالح الشخصية والحزبية أعلى من التوحد، فمثلاً حزب البعث السوري
والعراقي كان لهما نفس الرؤى مع الاختلاف الكبير فى السياسيات والتطبيق، لذلك نقول
إنه عندما يستشعر الجميع الخطر الإقليمي والوجودى ويعلون من المصلحة العليا سوف
يكون هناك مواقف موحدة وتعاون وعلاقات دبلوماسية جيدة.
وأكد القيادي بجبهة الشباب الناصري أن هناك تأثيرات أخرى غير مباشرة على الموقف
المصري منها اتفاقية كامب ديفيد مثلاً، حيث إن وقوف الجيش المصري مع نظيره السوري
سوف يقوي الجانب السوري، وهو ما ستعتبره إسرائيل عملاً عدائيًّا، ولن توافق عليه
أمريكا، لافتاً إلى أن محمد مرسي والإخوان المسلمين اتخذوا خطوة قطع العلاقات مع
الشقيقة سوريا في مؤتمر الجهاد الذي أقامه فى الاستاد من منظور طائفي بحت وبأوامر
أمريكية لتمزيق أي علاقة بين مصر وسوريا، وذلك لصالح إسرائيل والمخطط الأمريكي ككل
الذي يستهدف عزل كل مجموعة على أساس طائفي، ثم إنشاء دول طائفية، فيكون هناك دولة
مسيحية، وأخرى سنية، وثالثة شيعية، ليصبح قيام إسرائيل كدولة يهودية أمرًا طبيعيًّا
ويقبله المنطق أمام المجتمع الدولي.
وأوضح أن “المشكلة التى تواجه النظام المصري الحالي فيما يخص سوريا هي عدم وجود
خريطة استراتيجية واضحة، لذلك فتحركاتها بالنسبة للقضايا الإقليمية مترددة وحذرة،
موضحاً أن مصر أيضاً تواجه موجات عدائية من تركيا بقيادة أردوغان وتدخلاً سافراً
منه فى الشأن الداخلي المصري، ومع ذلك ما زال الرد ضعيفاً حتى الآن، وقال “تركيا
منذ نشأتها وهي تعادي الدول العربية، وتصريحات أردوغان الأخيرة التى قال فيها من
يطالبوننا بعدم التدخل فى الشأن المصري لا يليق بهم أن يكونوا احفاداً للعثمانين،
وكأنه يريد أن يقول سنتدخل كما نريد، فتلك الدول هي ولايات تحت الحكم العثماني حتى
الآن”.
وقال سيد عبد الغني القيادي بالحزب العربي الديمقراطي الناصري إنه بعد 30 يونيو
وحركة التضامن العربي ضد المشروع الأمريكي فى المنطقة، وكلام الرئيس عبد الفتاح
السيسي الجيد عن أن مصر مع سوريا كدولة وحق الشعب فى اختيار مصيره والمحافظة على
الأراضي السورية ضد التقسيم، يجب أن تترجم كل هذه الأشياء على مستوى الخارجية
المصرية لقرار إعادة العلاقات بين البلدين، قائلاً “أرى أن هذا الوقت هو الوقت
المناسب لاتخاذ هذه الخطوة؛ لأن فكرة التحالف الدولي الذى تقوده أمريكا هناك شكوك
قوية في أنها تهدف لضرب سوريا، كما أن هناك تدريباً مكسفاً من الجانب الأمريكي لما
يسمى بالجيش الحر، وتصريحات لتشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكي عن ضرورة إزاحة الأسد،
لذلك يجب أن تكون الترجمة من الجانب المصري هي إعادة العلاقات، على أن يكون للشعب
السوري الحق الأصيل فى اختيار قيادته وسياساته بعيداً عن الإملاءات الأمريكية
الغربية”.
وأَضاف “عبد الغني” أن المعوقات التى تمنع مصر من اتخاذ هذه الخطوة هي التوازنات
الكثيرة المتشابكة وغير المفهومة فى المنطقة، حتى ما بين أبناء معسكر التضامن
العربي أنفسهم، كما أن مصر لا تريد أن تدخل فى مواجهات مباشرة الآن مع أي طرف،
مضيفاً “وعلى جانب آخر أرى أن الخارجية المصرية للأسف ما زالت ضعيفة، والدولة
المصرية العتيدة منذ القدم كفكرة تقاوم فكرة إنشاء دولة حديثة، والخارجية بالطبع
جزء من هذا الموروث”.
وأضاف أن “تأثير اتفاقية كامب ديفيد خلال الأربعين سنة الماضية أيضاً يلقي بظلاله
على الموقف المصري، وأثق أن رؤية السيسي واضحة ويعي الأخطار التى تحاصر المنطقة
جيداً، لكن هناك معوقات كبيرة له من الداخل والخارج، كما أن مصر فى هذه اللحظة تخوض
أكثر من معركة وأكثر من مواجهة على أكثر من محور، بينما المعارضة المصرية ككل
واليسار المصري، والقوى الوطنية ليست على مستوى الحدث بعد، بل هي أحد المعوقات
لتطور العملية السياسية المصرية، كما أن هناك قوى قديمة مناوئة لفكرة التغيير تقاوم
وتحاول سحب مصر إلى الخلف”.
ومن سوريا قال فراس صقر الناشط السياسي والإعلامي إن العلاقات السورية المصرية
تعتبر ومنذ الأزل نموذجًا للعلافات الدبلوماسية والأخوية التي تربط دولتين ذاتي ثقل
على الساحتين الإقليمية والدولية، والذي تجلى في عدة أمور لعل أبرزها خوضهما كافة
المعارك واهمها معركة تشرين – أكتوبر- وأيضا الوحدة السورية المصرية، ولا يخفى على
أحد التنسيق العسكري والأمني الدائم بين الدولتين، إضافة إلى لعلاقات الوطيدة التي
كانت تربط الحكومتين أبام حكم القائد حافظ الأسد، مشيراً إلى أن تلك العلاقات
أصابها بعض الخلل والتشوه بعد دخول بعض الدول العربية على الخط، ولا سيما السعودية،
حيث انعكس الخلاف السوري – السعودي – على أكثر من ملف، خاصة الملفين اللبناني
والعراقي على العلاقات السورية المصرية، إضافة إلى تغير نظام الحكم في مصر أيام حكم
مرسي الإخواني المعادي لسوريا ولشعبها والداعم للمشروع الإرهابي، لكن سقوط هذا
النظام وتعرض الدولتين لنفس الحملة الإرهابية الخطيرة والحرب التي يخوضها الجيشان
في تلك المنطقة أثبتت وحدة المسار والمصير ووحدة الهدف، إضافة إلى وضوح موقف
الأعداء المشتركين، وهي قطر وتركيا وإسرائيل، ومحاولة تلك الدول تدمير الجيش والبنى
التحتية في كل من مصر وسوريا.
وأضاف “صقر” أن هزيمة المشروع الصهيوني التركي القطري تتطلب التنسيق الدائم
والمستمر بين الجيشين العربيين السوري والمصري، إضافة إلى عودة التنسيق الأمني
والدبلوماسي، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد بيانات الاستنكار للعمليات
الإرهابية التي تستهدف كلتا الدولتين، ولعل استنكار حكومة مصر للعمل الإرهابي
الجبان الذي ضرب مدرسة عكرمة في حمص واستنكار الخارجية السورية للعمل الإرهابي الذي
استهدف سيناء أفضل نموذج لعمق الألم المشترك، ولا ننسى التصريحات الإيجابية الصادرة
عن حكومتي كلتا الدولتين تجاه الدولة الأخرى، إضافة إلى الزيارات التضامنية الكثيرة
لوفود شعبية وحزبية مصرية لسوريا والتي تعبر عن الوحدة الشعبية بين شعبي البلدين،
لكن عودة الدفء إلى تلك العلاقات لن يتحقق مباشرة إلا بعد هزيمة المشروع الإرهابي
الذي يستهدف المنطقة برمتها وتضاؤل أو تقلص الدور الخليجي، ولا سيما الدور السعودي
وانحساره تمامًا وخروج تركيا وقطر الخاسر الأكبر من المعركة، ولا ننسى أن حلفاء
سوريا الرئيسيين وهي روسيا وإيران والصين باتتت على تقارب أكثر مع حكومة السيسي،
الأمر الذي بدأت تنظر إليه أمريكا بعين الريبة والشك والتخوف.
البديل
Navigate through the articles | |
هل أصبحت مدينة درنة أول إمارة "داعشية" بليبيا؟ | المرشحون إلى الرئاسة التونسية |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|