حتّم عليّ المشهد الإعلامي حول قضاء
الدائرة الدستورية بعدم دستورية الفقرة (11) من المادة 30 من الإعلان الدستوري
للتعديل السابع في 11/3/2014، وكافة الآثار المترتبة عليه، الطعن رقم17/61 ق،
الصادر في 6/11/2014، المرفوع من: 1) عبد الرؤوف المناعي، بصفته عضو مجلس النواب.
2) خالد المشري، بصفته عضو المؤتمر الوطني... حتّم علي القول بما لا ينبغي السكوت
عنه، للحقيقة، وللتاريخ. (وهل أنا إلا من غزيّة،،، إن غوت غويت،،، وإن ترشد غزيّة
أرشد)، ومجمل القول:
* الحكم القضائي عنوان الحقيقة تطأطئ له الرؤوس، وقد تجرعها سقراط، وفي مجال النظام
متعدد السلطات، تشريعاً وقضاءً وتنفيذاً، لاتتجاوز كل سلطة حدودها.
حزنت للتظاهرة الراقصة، محامون ورعاع، لأتذكر المشهد أمام المحكمة العليا في أبريل
1954، إثر صدور الحكم رقم 1/1 ق، ببطلان الأمر الملكي الصادر في 19/1/1954، بحلّ
المجلس التشريعي لولاية طرابلس. إلا أن تلك التظاهرة لعمال شركة عبد الله عابد
السنوسي، هاتفين بسقوط العدالة، أي المحكمة.
كان ذاك الحكم برئاسة (علي علي منصور) الذي عاد 1969، ليترأسها مجدداً، ومن أحكامه
رقم 1/12 ق ليقول: إن الدستور لم يسقط، وإنما ألغي بالإعلان الدستوري الصادر في
11/12/1969. وكأني به يعني: أن انقلاب 1969 لا شرعية له إلا بالاستفتاء، للفارق بين
الانقلابات، وبين الثورات.
وفي كنه الموضوع، والقضاة بشر، يرى البعض، لو جاء الحكم خلاف ذلك، لعمّت المأساة
ولسالت الدماء، فهو أخف الضررين، و ألاحظ:
* اعترى الحكم، ما يجعله معدوماً لا أثر له، ولا تثريب على البرلمان في الاستمرار
كأنه لم يكن، وإلا اعتبر قد خان أمانته، وغدر بأمته. فلا اختصاص للقضاء بإحباط
التشريع، والمسألة المطروحة ليست قانوناً ولا قراراً، إنما تعديل دستوري لم يكن
الأول.
* وما لجنة فبراير إلا للاستعانة بالخبرة، واقتراحها تبناه، وأقرّه المؤتمر، بلا
معقّب عليه، فهو الهيأة التشريعية، والسلطة العليا، في آن واحد، وليس للقضاء
التعقيب ولا الرقابة إلا على الإصدارات المخالفة صراحة للإعلان الدستوري، دون تقوّل
أو افتئات.
أما كيفية التعديل، لا شأن للقضاء به، صادف أو خالف الإعلان، وقد تجسّد في المؤتمر
سلطة إدارية فوق التشريعية، ولا سبيل للقضاء إلا اعتبار هذا ناسخاً وذاك منسوخاً.
وما ذهبت إليه الدائرة الدستورية إن هو إلا تسلّط على السلطة التشريعية الممثلة في
المؤتمر الذي هو أعلى سلطة، أي تملك حل المحكمة، التي لا تملك حلّه، وحدودها،
مراقبة التشريعات المخالفة للإعلان الدستوري، الذي درج المؤتمر على تعديلاته
المتعاقبة، وعليه فتعديل الفقرة 11، مدار الطعن، هو نص دستور صرف، وليس قانوناً ولا
قراراً.
الاختصاص
إن تناول الدائرة للطعن، ما هو إلا اغتصاب لسلطة لم يعطها إياه الدستور، ولا طبيعة
عملها وفق قانونها، ولا ولاية لها، مخالفة للنظام العام، مما يجعل قضاءها والعدم
سواء، فالاختصاص للسلطة التشريعية، وإلا لجاز للمحكمة أن تلغي ما تراه من الإعلان
الدستوري نفسه، كالمادة رقم 30 بفقراتها المحيرة، كتلك التي تنص على هيأة الستين في
حين دستور 1951 يعتبر ساري المفعول، وبهذا يظل الإعلان على علاته إلى أن تتداركه
جهة الاختصاص، فلا سبيل للقضاء عليه، إلا ما استحدث من قضاء الامتناع، وأنقل عبارة
للقاضي اللورد توماس كوك، في قضية مشهورة : (إن تشريعات البرلمان تكون باطلة إذا
تعارضت مع قواعد الحق والعدل أو مسّت الحقوق الطبيعية للمواطنين الإنجليز). وأستدرك
استطراداً إن الطعن الدستوري على تلك الفقرة (هيأة الستين) تحت رقم 12/60 قضت
الدائرة بعدم اختصاصها، ولم أتمكن من الحصول على أسبابه، واعداً بنشر أوراق الدعوى،
كمساهمة تدعو كل من يودّ معرفة شيء ما، وبالذات تقييم الإعلان الدستوري، رأس
البلاء.
المصلحة
ردت المحكمة قائلة: (إن للمصلحة في الطعن الدستوري، مفهوماً خاصاً، فهي تتحقق في
جانب الطعن متى كان التشريع واجب التطبيق عليه، ولا تنتفي المصلحة في الطعن على أي
تشريع إلا إذا كان تطبيقه ينحصر على فئة لا ينتمي إليها الطاعن.)
* وغني عن البيان، إن المصلحة هي التي يقرها القانون، وهل هنا المصلحة العامة أم
الخاصة بالطاعنين؟ أم أنه لا مصلحة لأي كان، فأي مصلحة للنائب المنتخب، في نسف
إرادة الشعب؟ وبالذات ناخبيه، فقد خذلهم. وهو (الطاعن الأول) لم يكتسب صفة التمثيل
والإنابة لعدم أداء اليمين القانونية لكسب العضوية، فهو والحال تلك مجرد من الصفة.
والطاعن الثاني انتهى المؤتمر أجلاً، وما بقاؤه سوى سد الفراغ، بأحكام الوكالة،
وبمجرد إعلان نتيجة الانتخابات انتهت سلطته ليستلم خلفه، فلا عضوية للطاعن الثاني،
ومصلحته المحتملة في الترشيح من جديد، ولا أزيد، يبدو التضامن معاً متفق عليه، (فأي
تشريع واجب التطبيق عليهما)، ونحن أمام نص دستوري، وليس صدور تشريع، فتحميل الوقائع
ما لا تتحمل يجعل الحكم مجافياً للحقيقة مجانباً للواقع.
الصــــفة، وهي من النظام العام لصيقة بالمصلحة، التي حرص المشرع، إن في المرافعات
أو في قانون المحكمة العليا، على وجوب توافرها، فلا يكفي القول بأن الطاعن عن نفسه
وبصفته، عضو المؤتمر سابقاً، المنتهي حكماً بانتهاء أجله، فهل تظل الصفة لقباً كما
نقول، الحاج خالد عمار المشري، وكذلك نقول الحاج عبد الرؤوف المناعي، وهل أتى بما
يفيد اكتساب عضوية مجلس النواب؟
* لو أن حكماً من قاض لم يؤدِّ اليمين، تكون له حجية؟ أو أن طعناً من محامٍ لم
يؤدِّ اليمين يقبل؟... فهو جواز المرور والعقد إشهاداً على نفسه بالانتماء، وحمل
الأمانة، هو الشهادتان للإسلام، واختصاراً، لا ينتج اليمين الغموس مصلحةً، والمسألة
تبدو أخلاقية ذات هدف، ينقصه الشرف. (وإذا أصيب القوم في أخلاقهم،،، فأقم عليهم
مأتماً وعويلاً)
* وهذا التزيّد في المنطوق ملاحقة ما ترتب على العمل بالتعديل تطاولاً على أعمال
الدولة وتصرفات الحكومة، فضلاً عن إرادة الشعب، وتسفيه الديمقراطية التي على أساسها
تتم العلاقات مع العالم، والواقع والعرف حتى قيام الثورة أو الانقلاب، لا يلغي
القوانين والمواثيق والالتزامات المتبادلة، وحتى الاحتلال في حدود معينة، ومن هنا
يكون الحكم قد نأى عن العدالة بمعناها الواسع ليجعل من التطاول وبالاً حتى على
أطراف النزاع كخصومة لا حق لمفتعليها في إقامتها، يقره مبدأ سليم أو شرع حكيم، سوى
فرض أمد للمؤتمر وتشكيل حكومة الحاسي، بعد الثني، وهذا المؤتمر هو الذي عدّل الفقرة
11 المطعون في صحتها دستورياً خلافاً للحقيقة، فالتعديل في نطاق الصلاحية على ما
جرى من تعديلات، وليس لأحد الحق في القول بأن الحكم أعاد إلى المؤتمر الحياة،
خلافاً للدستور، ومتجاهلاً الحلول الشرعي للبرلمان، ولا أحد يزعم أن عبارة (ما ترتب
عليه) تعني مجلس النواب من قريب أو بعيد، وهو ما على المحكمة تبيانه من باب
التفسير.
الخلاصة: الحكم المعدوم لا ينتج أي أثر قانوني.
*كل الأحكام تقبل التماس إعادة النظر إلا العليا، خلاف ما جرى عليه العرف الإسلامي،
ولعمر بن الخطاب، مخالفة أجاب بشأنها (ذاك حكمنا بالأمس، وهذا حكمنا اليوم)، يعني
فضيلة الرجوع إلى الحق، وسبق القول بأن هذا الحكم –لوقوعه في مخالفات -تجعله
معدوماً لا حجية له.
* والقانون نفسه يجيز إقامة دعوى مبتدأة بطلب الحكم باعتباره معدوماً، في مواجهة أي
كان يحتج به، تنزيهاً للقضاء عن الاستبداد.
مبدأ المخاصمة م 720 مرافعات
تجري المخاصمة إذا شاب الدعوى غشٌ أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم، ولا يستثني
قضاة المحكمة العليا، وعلى إدارة القضايا مباشرة ذلك، بتفويض خاص من البرلمان.
الانفصام بين موقف الدفاع المتعارض
إدارة القضايا ق 87/71 تحيل الصحف وتتلقى المستندات، فهي تمثل الجهات الرسمية
دفاعاً وهجوماً، والطاعنان، الأول يختصم البرلمان وهو دعيّ، والثاني يختصم المؤتمر
الوطني، بعد زوال شخصيته القانونية، وهو كالتي نقضت غزلها، فاستهداف الفقرة 11
تنكراً لمن كان ضمن أعضاء المؤتمر، وهما مقطوعا الصلة، فهذا لم يلج البرلمان وذاك
انقطعت صلته بالمؤتمر لزواله حكماً وفعلاً.
* فكيف غفلت إدارة القضايا عن هذا؟ وهنا أقف لأقول: سألت ممثلة القضايا في الطعن
12/60 لتقول: الجهة الرسمية سلبية، ولأسجل في الرد أن المسائل الدستورية ينبغي
إسناد أو اعتماد الآراء من رئيس الإدارة، وهنا أستنتج أن الدعوى حجبت عن المختصمين،
وكيف يستقيم دفاع الإدارة مع التناقض، فالمؤتمر يراهن ويعوّل على النتيجة،والبرلمان
في غفلة، قصوراً أو تقصيراً، ولا أقول تواطؤاً.
جاء في قرار مجلس الوزراء رقم 68/2012 على مكاتب الشؤو ن القانونية متابعة القضايا
والتنسيق مع إدارة القضايا لإعداد الدفاع اللازم، فكيف تسمح المحكمة لهذا التناقض
مما يعد إخلالاً بحق الدفاع يجعل نتيجة حكمها مخالفاً للنظام العام، معدوماً في حد
ذاته، أليس هذا هو الغدر والتدليس والخداع؟
* والحكم يحمل في طياته عوامل الزيغ والانحراف عن الصواب إذ ناقش مسألة التصويت عن
التعديل، بحضور 186، أن ثلاثة أعضاء تأخروا عن افتتاح الجلسة، وهم مؤيدون وبهم
اكتمل النصاب وأقر التعديل، لكن المحكمة قالت: اللائحة تنص على حضور الافتتاح،
وبهذا استبعدت الثلاثة وأبطلت نتيجة التصويت، لتبني على اللائحة قضاءها الشبيه
بالسيارة المفخخة، مجنبة نفسها بهذه النتيجة سيارة مفخخة، وهي التي تسلط عليها
الإرهاب، فافتدت نفسها، وصبراً آل ياسر، والتعديل بشأن انتخاب كيفية رئيس الدولة،
ما ترك أمره لمجلس النواب.
* اختصاراً لهذا الاستعراض العاجل، فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً
كثيراً، مجرد زوبعة، فجذور البرلمان راسخة يغذيها الشعب الذي خدعه التسلّل المشبوه
إلى المؤتمر، وحين أسفرت نتيجة الانتخابات عن خيبة المتسللين أجمعوا أمرهم للكيد،
مقاطعة، وتضليلاً، افتعالاً للمكان، حسداً من عند أنفسهم، ظلماً وعدواناً،
* وعلى البرلمان أن يسير باطمئنان، فلا تهزه عبارة (ماترتب عليه من آثار)، لا
لاستحالة ذلك، ولا لأنها جاءت تزيداً على غرار إبطال القوانين والقرارات الإدارية،
وإنما هي ليست محل الطعن الذي هو في جزئية في صميم الدستور.
* وأكرر جازماً أن الهيأة بكاملها، محل إشفاق ولا ترمي من وراء ذلك إلى أبعد من
مجرد المنطوق بعدم الدستورية، إذ لا تسمح لنفسها بالعدول عن جادة الحق والصواب،
شرعة ومنهاجاً.
وأكتفي بالإشارة إلى واجبات أعضاء مجلس النواب بألا يلتفتوا إلى (***** *****)،
فالقافلة تسير، رغم الصعاب، وتباً لمن وراء الإرهاب.
ليبيا المستقبل
Navigate through the articles | |
تصاعد الصراع على النفط في ليبيا | لا وجود لـ «داعش» في سيناء |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|