هل نملك هدفا استراتيجيا نسعى إلى تحقيقه،
مجتمعًا ودولة، خلال السنوات أو العقود المقبلة؟ هل جلسنا إلى طاولة النقاش والحوار
بمختلف توجّهاتنا الفكرية ومواقفنا السياسية وآرائنا الفردية، وبدل أن نناقش مشكلة
الأشخاص ومصالح الزمر والمجموعات نُصرّ على البحث في موضوع صياغة هدف استراتيجي
جامع لبلادنا نتعاون جميعا على تحقيقه في ظرف زمن نُحدِّده سلفاً؟
لماذا لم نتمكن من فصل السياسة والبرامج عن الأشخاص، ومازلنا باستمرار نقوم بالبحث
عن كيفية حل المشكلات المرتبطة بالأشخاص قبل حل المشكلات المرتبطة بالأفكار؟
أظن أن مَكمن الداء هو في هذه المسألة بالذات: "عندما تغيب الفكرة يبرز الصنم"
(مالك بن نبي).. عندما لا يكون للفرد والمجتمع والدولة هدفٌ استراتيجيٌ يتحول كل
طرف إلى عبادة صنم بعينه: المال، السلطة، القوة، تلبية الرغبات المختلفة وأحيانا
إلى عبادة الأشخاص ذاتهم... وهي قمة الانحطاط في مجال السلوك السياسي والاجتماعي.
كل المسألة هي هذه: أن نُصحح منهجية التفكير التي نتعامل بها مع واقعنا، من الأسلوب
الخاطئ إلى الأسلوب الأصحّ... بدل أن نناقش مَن يحكمنا من الأشخاص ثم نسعى لمناقشة
سياساتهم، علينا أن نفكر في الهدف الاستراتيجي أولا ثم نبحث عن الشخص أو الأشخاص
الأكفإ والأقدر على تمكيننا من تحقيقه.
فلكل هدف استراتيجي نوعية من الأشخاص يصلحون لتنفيذه وليس العكس.
ـ آباؤنا عندما وضعوا لأنفسهم هدفا استراتيجيا متمثلا في تحرير الأرض، جندوا الأنسب
من الرجال والنساء، وابتكروا الإمكانات لتحقيق ذلك وحققوا الهدف.
ـ الآخرون بعدهم كان فشلهم أو نجاحهم، ليس بمقدار الإمكانات والوسائل التي سخّروها،
إنما بمقدار نوعية وجدوى الهدف الاستراتيجي الذي وضعوه (الاشتراكية، حياة أفضل،
التعددية السياسية... الخ).
ـ ومن خَلَفَهم إنما كان فشله أو نجاحه بالأساس ليس بما امتلك من وسائل وأموال إنما
بنوعية الهدف الاستراتيجي الذي حدده وحققه (السلم الاجتماعي، البينة التحتية...).
ـ أما عندما يغيب الهدفُ الاستراتيجي، فإن تلبية الحاجات الغريزية تتحول إلى غايات
فرعية، ويحولها الساسة غير الأكفاء إلى امتيازات يلهث الناس خلفها (المأكل والملبس
والمسكن...) وأحيانا إلى أوهام يبيعونها ويقبضون ثمنها مسبقا.. وذلك هو أكبر فشل...
ولذا قلنا اليوم إن أولويتنا ينبغي أن تعود إلى تحديد هدف استراتيجي نسعى إلى
تحقيقه، ثم البحث عن الأنسب من الرجال والنساء لتحقيقه، وابتكار الوسائل إن لم
توجد.
وليس لنا أفضل من إعادة بناء الإنسان الجزائري هدفًا استراتيجيا يصلح للسنوات
القادمة، به وحده نستطيع الانتصار على اليأس وإفشاء الأمل على كافة الجبهات...
الشروق
Navigate through the articles | |
ولايتان رئاسيتان فقط | استيراد "صنع في الجزائر" !! |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|