المقالات و التقارير > إلى أين سيتجه طموح الليبيين؟

إلى أين سيتجه طموح الليبيين؟

أممت الدولة التجارة الخاصة في ليبيا بداية عقد الثمانينيات وأعيدت في آواخره، وسرعان ما ظهرت"الأسواق الممتازة Super Markets ". لكن اللافت والغريب أن عددا من هذه الأسواق"الممتازة" يتسمى بأسماء مدن وإمارات ودول خليجية، وقلما تجد أسماء مدن وبلدات ليبية!

أخبرني أستاذ جامعي عراقي كان يُدرِّس في ليبيا أن عديدا من العراقيين الذين اشتغلوا فترة في ليبيا ثم عادوا إلى العراق مدخرين مبالغ مالية معقولة، مكنتهم من إقامة مشاريع خاصة وفتح محلات تجارية، أطلقوا على محلاتهم ومقار مشاريعهم أسماء المدن الليبية التي اشتغلوا بها وتحصلوا فيها على ما ادخروه، عرفانا بفضل ليبيا عليهم.

فما هو دافع أصحاب الأسواق الممتازة الليبية في تسمية أسواقهم بأسماء مناطق خليجية؟

استقلت ليبيا سنة 1952، في حين استقلت الكويت سنة 1961واستقلت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر سنة 1971، وأخذ النفط يشكل مصدرا فعالا في الدخل الوطني في ليبيا منذ بداية الستينيات. أي أنه ثمة مسافة زمنية تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة تسبق بها ليبيا دول الخليج المذكورة على طريق النمو(أيا كان موقفنا من طبيعة هذا النمو). إلا أن انقلاب سنة 1969 وما أسفر عنه من نظام شمولي فاشي، لعب بمصير البلاد وعمل على تأخيرها بدلا من العمل على تقدمها.

إن أزمة ما سُمِّيَ بالأنظمة الوطنية المعادية للاستعمار أنها لم تحقق إنجازا يذكر على طريق التحرر والتنمية المستقلة، كما أنها لم تترك لشعوبها الفرصة في تحقيق قدر معقول من الاستقرار الاقتصادي والمعاش اليومي في ظل التبعية! الأمر الذي جعل هذه الشعوب تتعلق، بوعي أو بدون وعي، بـ"منجزات" التبعية.

ففي الوقت الذي كان فيه إعلام النظام يشن حملة فجة شعواء على الإمبريالية وزعيمتها الولايات المتحدة الأمريكية جعلت ممارساته الاقتصادية الرعناء الليبيين يتعلقون بالدولار، رمز أمريكا، بسبب الرفع المتعمد من قبل النظام نفسه لقيمة الدولار الأمريكي والحط المبرمج من قيمة الدينار الليبي.

الأمر الذي أشاع حالة من التلهف بين الليبيين للحصول على إيفاد للعمل في الخارج باعتباره فرصة تحقق، من خلال تبديل مدخراتهم من رواتبهم الدولارية في السوق الليبي، مكاسب مادية تنقل وضع المتحصل عليها إلى مستوى حياتي أرفع بكثير مما هو عليه. وفي نفس الوقت الذي كان فيه نفس الإعلام يشن حملة تشهير وتشنيع بدول الخليج كانت ممارساته الفعلية التي يُضيِّق بها سبل الحياة على المواطن الليبي تجعل الليبيين يرون في دول الخليج، حيث الأبراج الشاهقة والفنادق العالية والنشاط الكومبرادوري الهش، مثالا أعلى للتنمية، حتى أنه"يؤثر" عن الزادمة، الشخصية الأمنية الليبية المرعبة، أنه كان يقول حين تولى مسؤولية مدينة طرابلس فترة:"أنى طرابلس نخليها كى ادْبي" أي أنني سأجعل طرابلس مثل دبي. دبي التي"اصطنعت" تمشيا مع مخطط أمريكي يستهدف تحويل وجهة قدر كبير من الاستثمارات التي كانت تذهب إلى هونغ كونغ بعد تسليم الأخيرة من قبل بريطانيا إلى الصين، والتي"تتسلل" عبرها السلع الإسرائلية إلى الأسواق العربية، تصبح مثالا يحتذى!

ممارسات نظام القذافي التدميرية المبرمجة جعلت الليبيين لم يعودوا يطمحون إلى أن يكونوا، على الأقل، مثل اليونان أو البرتغال أو فنلندا أو آيرلندا باعتبارها بلدانا تنتمي إلى العالم الصناعي وإن بتواضع، وإنما إلى دول الخليج ذات الاقتصاد الكومبرادوري القِشَري.

وبعد ما يجري الآن على الأرض الليبية من خراب ومآسٍ وضعت البلاد على حافة الإفلاس في الثروة المادية والبشرية، إلى أين سيتجه طموح الليبيين؟!

بوابة الوسط


Navigate through the articles
Previous article حظر التجوال في شمال سيناء الارهاب في ليبيا Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع