ما تزال موريتانيا في
قائمة الدول التي ينتشر فيها زواج الأطفال، ويستند معظم الآباء في قرار تزويج
بناتهم إلى فتاوى دينية يصدرها بعض رجال الدين المتشددين، وهناك عوامل إضافية
مرتبطة بالحياة في المدينة تدعم الظاهرة.
رغم تكرار الحوادث المأساوية التي تحدث خلال تجربة الزواج المبكر لبعض الفتيات في
موريتانيا، فإن ذلك لم يكن سببا كافيا للتوقف عن ممارسة هذه العادة.
زينب منت أحمد سالم، مثلا 26 سنة، تعمل اليوم صحفية متدربة بإحدى الإذاعات الحرة
وتنشط في منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق المرأة، أرغمها والديها على
الزواج في عمر تسع سنوات من رجل في عمر والدها ثم طلقها بعد فترة وجيزة بعد أن
أنجبت بنتا .
طفولة تمارس الأمومة
و تعترف لـDW عربية بأن تلك التجربة المأساوية دفعتها إلى الانخراط في العمل
الإعلامي والحقوقي لإيصال صوت مئات الفتيات اللاتي يعشن نفس التجربة ولا يقدرن على
التعبير عن معاناتهن بسبب الخوف أو عدم إدراك ما يعشنه من ظلم اجتماعي وديني.
وتسترسل زينب “لم أكن قد وصلت مرحلة الإدراك الكامل عندما زوجني والدي في عمر تسع
سنوات كنت مجرد طفلة في قرية ريفية بولاية لبراكنة، لكنني أتذكر جيدا عمتي وهي
تحملني بالقوة إلى الخيمة التي كان علي أن اخضع فيها للاغتصاب على يد رجل يكبرني بـ
25 سنة وقد كانوا يرددون على مسامعي بأنه زوجي دون أن افهم معنى لتلك الكلمة، وفي
الصباح الباكر كانت عمتي تعيدني إلى خيمة والدي، وبعد فترة وجيزة اختفى ذلك الرجل
من ذاكرتي ولم أستفق بعدها إلا وأنا على محفة في مستوصف متواضع بمدينة (ألاك 250
كيلومتر شرق نواكشوط)، حيث أمضيت طيلة فترة الحمل والولادة والصورة الوحيدة التي لم
تفارقني هو مشهد البكاء المستمر لوالدتي خوفا علي من الموت”.
وتضيف قائلة “أنا أكبر ابنتي بتسع سنوات فقط ،وقد اختفى والدها لممارسة التجارة في
دولة آنغولا بعد أن طلقني بعد الزواج بشهر واحد فقط، والغريب في الأمر أنني لا
أحتفظ له في ذاكرتي بأي صورة على الإطلاق “.
زينب منت أحمد سالم تختم لـDWعربية بأن والديها ندموا كثيرا على تجربة زواجها التي
كانت أشبه بعملية البيع لرجل دفع لهم بعض الفلوس مقابل الاستمتاع بفتاة بعمر
الزهور، لكنها تتحدث بحسرة حول وسطها العائلي الذي ما زال يزوج الفتيات في نفس
العمر دون أدنى إحساس بالمسؤولية أو الندم.
وتختم قائلة:”أنا شخصيا أشعر بالغربة داخل وسطي العائلي لأنني أصر على منطق رفض
زواج الأطفال، بل إن الكثير من قريباتي ينظر إلي نظرة سخرية ودونية لأنني أعيش بدون
زوج وأنا في عمر 26 سنة”.
تجربة هذه الفتاة وما يترتب على مثلها من تفاقم المشاكل الاجتماعية الصحية
والاقتصادية دفع الحكومة الموريتانية إلى تنظيم حملة لمناهضة هذه الظاهرة تزامنا مع
انطلاق حملة الاتحاد الإفريقي لمحاربة زواج الأطفال على مدى سنتين انطلاقا من نهاية
تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم.
المدرسة بدل الزواج
وقد شرعت الحكومة الموريتانية في تشكيل لجنة من مختلف القطاعات بهدف تنظيم ورشات
تكوينية وأخرى للتوعية في مختلف الولايات لصالح رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني
والآباء لشرح المخاطر الصحية والتنموية المترتبة على تزويج الأطفال.
ويعلق عبد الله جاكيتي رئيس اللجنة متعددة القطاعات المكلفة بمتابعة حملة مناهضة
زواج الأطفال بالقول بأنه ” بدلا من تحميل الطفل مسؤولية إعالة أسرة، ينبغي أن
نرسله إلى المدرسة لصناعة شخص فاعل في التنمية”.
ولتفادي الكثير من التحفظات التي كثيرا ما تواجه هذا الموضوع يقول جاكيتي ” قررنا
اختيار شعار زواج الأطفال بدلا من كلمة الزواج المبكر لتفادي الدخول في التأويلات
التي كثيرا ما تحيط بكلمة الزواج المبكر، كي لا يستغلها البعض لتبرير تزويج الفتيات
في سن مبكرة، وقد نجحنا في احتواء تلك الاعتراضات”.
ويتحدث عبد الله جاكيتي لـDW عربية عن الانتشار الكبير لظاهرة زواج الأطفال في
موريتانيا خلال السنوات الأخيرة، مما جعل الحكومة تنخرط بقوة في مواجهته، حيث تشير
إحصائيات سنة 2011 إلى أن نسبة 37% من الفتيات تزوجن قبل بلوغهن 18 سنة وتم تزويج
25 % قبل بلوغهن عمر 15 سنة.
أما في الوسط الريفي فإن نسبة 17%من الفتيات تزوجن قبل سن 15 في حين وصلت نسبة
اللائي تزوجن قبل 18 سنة إلى 41 %.
لكن المنظمات الحقوقية تقدم صورة أكثر سوءا، حيث ترى الناشطة الحقوقية أمنة منت
المختار رئيسة رابطة النساء معيلات الأسر بأن النسبة الإجمالية لزواج القاصرات
تتجاوز 32% خلال أحدث الإحصائيات المتوفرة لدى منظمتها.
وتضيف لـDW عربية: “تفيد إحصائيات أجريناها بين سبتمبر 2013 إلى نوفمبر 2014 إلى
وجود 2140 حالة زواج قاصر في نواكشوط وحدها، وهو أمر مفهوم في ظل انتشار جريمة
الاغتصاب دون عقاب ونحن كثيرا ما نستقبل فتيات بعمر ست سنوات هربن من الزواج
القسري، وأحيانا نستقبل شكاوى من الأمهات أو الجيران من الجيران “.
لكنها تحمل القضاء مسؤولية انتشار مثل هذه الحالات بسبب تأويله دائما لحالة زواج
القاصر استنادا إلى الفقرة الأخيرة من المادة رقم 6 بمدونة الأحوال الشخصية والتي
تسمح بتزويج القاصر في حال عجز وليها عن إعالتها.
استمرار الجدل
العلاقة الجدلية بين القضاء والمنظمات الحقوقية في قضية تأويل بعض النصوص تنعكس
بدورها بشكل كبير على مواقف المواطنين الموريتانيين من زواج الأطفال، حيث يرى محمد
ولد بودادية، تاجر بأن تزويج القاصر بات مسألة يفرضها الانحلال الأخلاقي للمجتمع
وعدم اطمئنان الآباء على مستقبل بناتهم. وعلق بالقول”عندما تصل البنت إلى تسع سنوات
ينتاب الأب القلق على مستقبلها، فالمدرسة التي كانت معيارا لتعزيز الأخلاق لم تعد
كذلك، وفي الشارع تنتشر ثقافة التحرش وفي البيت يوجد التلفزيون والهاتف النقال
وإزاء كل هذا أفضل تزويج بنتي لأول طارق مهما كان عمرها”.
ويوافقه الرأي محمد عبد الوهاب (مدرس) حيث يقول”لا خوف من زواج البنت القاصر، فأنا
زوجتي قاصر برأي القانون لكننا نعيش بدون مشاكل، فالبنت عندما تصل لتسع سنوات تبدأ
في التعرف على الرجال وتكتسب ثقافة التعامل معهم”.
لكن الرفض المطلق جاء على لسان الكاتب سعيد حبيب الذي يقول:”نحن من ندفع بالبنت في
مرحلة مبكرة إلى الاحتكاك بالرجال بسبب الكبت ولهذا نقضي على جانب الطفولة داخلها،
والنتيجة هي كثرة انتشار حالات الطلاق و الانحراف”.
ويعلق الناجي عبد الله (مصور) قائلا:أنا شخصيا رفضت تزويج أخواتي لأنهن قاصرات رغم
ما سبب لي ذلك من مشاكل في القبيلة، وحاليا ارفض عرضا من العائلة بالزواج من قريبة
لي قاصر، العقلية مازالت منتشرة ولكن مقاومتها ليست صعبة.
القدس العربي
Navigate through the articles | |
هيكل يدعو السيسي لـ ثورة علي نظامه | شعار المرحلة «الانتحار هو الحل» |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|