يُعد إعلان الولايات المتحدة
الأمريكية الأسبوع الماضي عن شطب جنوب السودان من منطقة التجارة الحرة غير مفاجئ أو
صادم، فمنذ عدة أشهر صرحت الخارجية الأمريكية بأن “جنوب السودان الذي بنيناه نكاد
نفقده”، لم يكن هذا مجرد تصريح عابر، ولكن اعتراف صريح بأن الولايات المتحدة هي
التي خططت لهذا، وفي النصف الثاني من التصريح تُعلن تخليها عن جنوب السودان، بعد أن
عمه الدمار والفوضى.
تطورت علاقة أمريكا بالسودان من العداء في أعقاب ثورة الإنقاذ عام 1989 خشية
تأثيرها علي المصالح الغربية بالقارة الإفريقية، وما تبع هذا من دعم عسكري خفي
للحركة الشعبية في الجنوب، وصولا إلى محاولة تطويع الخرطوم واستبدال سياسية التفتيت
العلنية المسلحة بسياسة “شد الأطراف” الدبلوماسية الناعمة بغرض فصل أجزاء من
السودان على رأسها الجنوب.
ساهم في تحقيق الهدف الأمريكي، العلاقة التي كانت بين واشنطن وحركات التمرد في
السودان، حيث بدأت تنشط منذ ثمانينيات القرن الماضي عبر توفير الأسلحة والعتاد،
بجانب الدعم الإقليمي من أصدقاء واشنطن للحركة الشعبية، خاصة وأن أمريكا لم تستطع
إخفاء أهدافها حتي في ظل وجود اتفاقية سلام مع الجنوب، وإنما حولت دعمها العسكري
والمادي للانفصاليين بالجنوب إلى دعم علني عبر خطط لتدريب الجيش الشعبي الجنوبي
(قوات التمرد السابقة) وتوفير العتاد العسكري سواء عبر شركات المرتزقة الأمريكية أو
عبر الحكومة مباشرة.
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية سلاح الدعم للجنوب في الحرب والسلام، فترة
الحرب كانت عبر الدعم المالي والعسكري سرا عن طريق مصادر متنوعة بما فيها بعض
منظمات الاغاثة التي تعمل في البلاد، أبرزها جمعية البارونة البريطانية الشهيرة
(جمعية التضامن المسيحي) التي دعمت حربا دينية قادتها الحركة الشعبية ضد الشمال
بدعوى أن حكومة الخرطوم دينية متطرفة.
كشف هذا الدعم الأمريكي العلني بعد توقيع اتفاق السلام أهداف واشنطن المتطلعة
لانفصال الجنوب، فوفقا لصحيفة “واشنطن تايمز” تقدم أمريكا دعما ماليا سنويا يُقدر
بمليار دولار للجنوب السوداني، تصرف في تدريب رجال الأمن وتعزيز القدرات العسكرية
للجيش الشعبي لتحرير السودان بغية إضعاف موقف الخرطوم، وبذلك كان تقارب واشنطن مع
حكومة الجنوب تقارب مصالح متبادلة وسعيا لتحقيق أهداف أمريكية في المنطقة، لهذا
فإنه من الطبيعي أن تسحب واشنطن دعمها لجنوب السودان بعد تحقيق أهدافها بتفتيت
السودان.
إعلان البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن شطب جنوب السودان من قائمة البلدان الإفريقية
الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بعد أن كانت تتمتع بوضع خاص تجارياً مع واشنطن، حيث
وفقا للقرار الذي وقعه الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” فإنه تقرر وضع جنوب السودان
جنبا إلى جنب مع غامبيا، لأنها لا تحرز تقدماً مستمرا في تلبية متطلبات قانون النمو
والفرص بإفريقيا (أغوا).
منح القانون الأمريكي الجديد رئيس الولايات المتحدة القدرة على تحديد البلدان
الإفريقية التي تنضم إلى البرنامج بعد إجراء عملية تقييم سنوية، وتم تعيين جنوب
السودان كـ”دولة قانون أغوا” الذي تأسس عام 2000 بهدف تزويد البلدان الواقعة جنوب
الصحراء الكبرى الإفريقية المؤهلة لتصدير مجموعة واسعة من المنتجات إلى أسواق
الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية بما في ذلك الملابس، والأحذية، وبعض
المنتجات الزراعية والأغذية المصنعة.
تفاقمت العلاقات بين أمريكا وجنوب السودان بشكل كبير منذ الاستقلال عام 2011، حيث
قالت بعض التقارير الإعلامية إن زعيم جنوب السودان “سلفا كير” ضلل خلال واحدة من
زياراته الرسمية إلى واشنطن بعد الاستقلال “أوباما” حول دعم جوبا المزعوم للمتمردين
السودانيين في القتال الذي اندلع بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لتغرق البلاد
في بحور الحرب الأهلية.
وجهت واشنطن ضربة قاسمة لجنوب السودان عبر قرار تم طرحه في مجلس الأمن الدولي، يجيز
فرض عقوبات ضد الأفراد الذين يهددون السلام والأمن بجنوب السودان، وبذلك جمدت
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أصول بعض المسؤولين، وتم فرض حظر على سفر
المسؤولين واعتبار الحكومة والمتمردين أفراداً يعرقلون جهود السلام في البلاد.
التوجه الأمريكي الجديد، يصب اهتمامه على الإضرار المباشر بنمو القطاع الخاص في
جنوب السودان، وهكذا تكون اكتملت الخطة الامريكية في البداية تمزيق السودان وفصل
الجنوب ثم دعم التمرد وضرب أوصاله من الداخل بعد الانفصال ثم التخلي عنه تماماً
لإضعافه ودعم انفصال آخر لتفتيته تماماً.
البديل
Navigate through the articles | |
ليبيا انهارت بالفعل.. ولا حل إلا بإيقاف تسليح الطرفين | “السبسي” رئيسا لتونس.. التحديات والمخاطر |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|