المقالات و التقارير > أموال قطرية وتحركات تركية لتحجيم دور مصر بإفريقيا

أموال قطرية وتحركات تركية لتحجيم دور مصر بإفريقيا

تمثل القارة الإفريقية بالنسبة للقاهرة أهمية استراتيجية كبيرة مبنية على عدة اعتبارات جغرافية ومصالح وروابط متشابكة، نهر النيل على رأسها، حيث يجمع عدة دول إفريقية في رابطة واحدة تعرف بـ”دول حوض النيل”، كما أن الحضارة والثقافة والتاريخ والجغرافيا جميعها قواسم مشتركة بين دول القارة السمراء التي تعتبر إحدي الساحات الأساسية للسياسة الخارجية المصرية، خاصة وأنها تُعد ثقل إقليمي لها في الماضي والحاضر والمستقبل.

نظرا لكونها قارة الثورات الطبيعية وأهم مصادر الطاقة في العالم قديما وحديثا، كانت القارة السمراء ولا تزال محل أطماع القوى الخارجية الاستعمارية التي تسعى جاهدة للسيطرة على مصادر القارة الإفريقية ومواردها، لكن التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط تكشف أن القوى الخارجية لا تستغل فقط المكاسب الاقتصادية العائدة من الاستثمار في القارة، بل تستغلّ أيضا خصوصيتها الجغرافية، وتعمل على الاستفادة منها في فرض نفوذها لتحقيق أهداف سياسية وتحجيم أدوار دول أخرى تنافسها في المنطقة.


تواصل تركيا مساعيها التي بدأت بوضوح خلال الفترة الأخيرة لتوسيع نفوذها في القارة الإفريقية، من أجل جني عدة مكاسب اقتصادية وتعزيز التبادل التجاري بين أنقرة والعديد من دول القارة السمراء، بالإضافة إلى كسب المزيد من الدعم السياسي من هذه الدول في المحافل والمؤسسات الدولية، أضف إلى هذا كله تحقيق بعض المصالح الجيوسياسية عبر هذا التواجد في القارة.

في بداية عام 2015، أعلنت الخارجية التركية عن جدول زيارات الرئيس “رجب أردوغان”، وقد شمل نحو 12 دولة إفريقية، وبالفعل تمت زيارة إثيوبيا يوم 22 يناير الماضي، تلتها زيارة للصومال، قبيل زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأثيوبيا لحضور القمة الأفريقية الثانية والثلاثين، فيما سعت قطر خلال الفترة الماضية أيضا إلى زيادة استثماراتها في القارة السمراء خاصة جنوب إفريقيا وإثيوبيا وكينيا والسودان وغينيا، وهو وما تجلى في مؤشرات التعاون الاقتصادي على الساحة السياسية، وباعتماد الاتحاد الأفريقي العام الماضي قطر كعضو مراقب يسمح لها بالمشاركة في كافة الأنشطة بالاتحاد.


يرى محللون في هذا الشأن أن سياسة الانفتاح على إفريقيا، التي تبنتها في السنوات الأخيرة، بعض الدول الإقليمية، وبالتحديد تركيا وقطر، لم تكن غاياتها الاستثمار فقط، بل محاصرة مصر اقتصاديًا وسياسيًا أيضًا، ووفق المراقبين فإن هذه الدول تعلم أهمية إفريقيا بالنسبة إلى مصر إستراتيجيًا كونها المورد المائي الوحيد للقاهرة.

مشاركة أنقرة والدوحة في اجتماع لجنة الاتصال الخاصة بليبيا على هامش القمة الإفريقية أوائل الشهر الجاري، ورفض مصر ودول أفريقية إقليمية أخرى لهذه المشاركة، كشفت معلومات كثيرة عن أن القارة أصحبت ساحة للصراع السياسي في الحاضر والمسقبل، بعد أن تمكنت كل من أنقرة والدوحة، من نسج شبكة واسعة من العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول كثيرة في القارة السمراء خلال الفترة الماضية.


ما يشير إلى ذلك، الشرارة التي اندلعت قبيل الاجتماع، حيث كشفت عن أدوار جديدة لتركيا وقطر في إفريقيا، ظاهرها تعزيز أواصر العلاقات، لكن في باطنها تحمل سلسلة من الدلالات التي تصبّ في استهداف مصر، ومحاولة تقليص آفاق التمدد المصري الإفريقي، الذي تراهن عليه القاهرة، لحماية نفسها من الأزمات المحيطة، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا بشكل عام ودول حوض النيل على وجه التحديد.

وفي هذا السياق، قال الدكتور أيمن شبانة، الخبير في الشئون الإفريقية إن القارة السمراء أضحت سوقا واسعة وواعدة أمام الصناعات التركية، لذلك سعت أنقرة منذ منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي إلى بناء جسر دولي للتجارة بينها وبين القارة الإفريقية، بهدف إيجاد منفذ جديد أمام المنتجات التركية، وأوضح شبانة أن هناك مصادر إثيوبية مختلفة، أشارت إلى وجود إغراءات كثيرة تقدمها قطر وتركيا بإقامة العديد من المشروعات من أجل استكمال إثيوبيا لبناء سد النهضة، وأن الدوحة تدعم أديس أبابا من خلال مشروع استثماري وزراعي ضخم تموله لزراعة مليون ومئتي ألف فدان في منطقة السد، ودفعت الجزء الأول من قيمة التعاقد الذي استفادت منه الحكومة الإثيوبية في بناء السد المزمع الانتهاء منه قبل نهاية 2017، والذي تحذّر دراسات متخصّصة من أنه سيشكل خطرا على أمن مصر المائي.


تطابقت تصريحات شبانه عن الاستثمارات التركية أيضًا في إثيوبيا مع ما نشرته صحيفة إثيوبيا هيرالد أن الرئيس التركي الذي زار اثيوبيا مؤخرًا، وقع اتفاقا مع رئيس الوزراء الاثيوبي هيلامريم ديسالجين، من أجل مشاركة المستثمرين الأتراك في مشروعات توليد الطاقة الكهربية في اثيوبيا.

تشير التحركات المصرية في الفترة الأخيرة بالقارة السمراء إلى الكثير من الدلائل التي تؤكد على سعي القاهرة إلى العودة لإفريقيا مجددًا، حيث تكثفت لقاءات الرئيس “السيسي” مع الرؤساء الأفارقة وتم تبادل الزيارات مع عدد من دول الجوار الأفارقة، ولكن يؤكد الخبراء أن هذا المسعى يحتاج إلى توسيع نفوذها أكثر في القارة الإفربقية بزيادة الانتشار والاستثمارات واللقاءات مع الزعماء الافارقة حتى تخلق حالة من التوازن والاستقرار في المنطقة، حفاظًا على أمن القاهرة القومي.

البديل


Navigate through the articles
Previous article هل تُعيد الوساطة الجزائرية الهدوء إلى مالي مفاوضات “جوبا” Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع